جأر السودانيون بالشكوى من غياب الرقابة الرسمية على انتاج المواد الغذائية من لحوم وخُضر وفواكه، وعلى سلع ومنتجات أخرى مثل المحاليل الوريدية والمبيدات والبذور وغيرها، ورجّح البعض أن انتشار السرطان في السودان مردّه إما ما تحتويه هذه المواد الغذائية المنتجة محلياً، (والمستوردة من بلاد أخري لا تخاف الله، بواسطة "رجال ونساء أعمال" لا يخافون الله)، من كيماويات ومواد عضوية وغير عضوية، لتسريع النمو أو تكبير الأحجام، أو لإضافة اللون، أو للحفظ وإطالة عمر المُنتَج، بينما أكد البعض الآخر أن انتشار السرطانات ناتج عن نفايات ذرية والكترونية دُفنت بليل في نواح مختلفة من السودان. وقد احتدم الجدل مؤخرا في صفحات الصحف، وشاشات الفضائيات ومحطات الإذاعة، حول ما أشيع من أن أصحاب مزارع الدواجن يًضيفون لأعلافها الهرمونات المُسرّعة للنمو مثل ما يقعل الرياضيون لبناء أجسادهم، وهددت شريحة السودانيين من آكلي اللحوم، وهم قلّة، بمقاطعة شراء لحوم الدواجن، بينما لم تعبأ بالأمر الغالبية العُظمى من الشعب السوداني الذى أضحى نباتياً حتف أنفه ، يعيش على الفول والخُضر وخشاش الأرض، حينما يتيسر ذلك. وحين كثر اللغط، وانكرت غرفة صناعة الدواجن باتحاد اصحاب العمل استخدام أعضائها للهرمونات المُسرطِنة، وخرج علينا من الشُرطة من يقول أن هذه المصانع والمزارع "محميّة من فوق" ولا يستطيعون تفتيشها لمعرفة صحة هذه المخالفات الجسيمة، حدث هرج ومرج، ونكص ضابط الشُرطة على عقبيه وأوضح أنه لم يقصد أن المصانع محميّة من نافذين في السُلطة، بل من أصحابها الذين يضعون على مداخلها خزنة شداداً غلاظاً لا يسمحون للشرطة بالدخول، وأنها فوق ذلك محميّة من ربّ العالمين الذي يجعل من أمامهم سدا ومن خلفهم سدا، تدخّل "مجلس تعظيم مصلحة النظام" لحسم الجدل. كلّف المجلس لجنته العلمية بتقصي الأمر، فعكفت اللجنة العلمية على مهمتها بإجراء التحاليل الدقيقة على منتجات اللحوم، واجراء التجارب المعملية على الفئران والأطفال المشردين والغارمين القابعين في السجون لحين السداد، وجيش من المتطوعين الذين لم يُصدقوا توفر لحم الدجاج المجاني، مُسرطنا أو غير مُسرطن، في هذا الزمان الأعجف ذي المسغبة. وفي ضوء التحاليل الدقيقة والتجارب المعملية، اصدرت اللجنة العلمية تقريرها العلمي الرصين المُحايد الذي أفتي بتبرئة ساحة أصحاب مصانع اللحوم ومزارع الدواجن من استخدام الهرمونات في تغذية حيواناتهم، وبخلوّ هذه اللحوم من اي مواد ضارة بصحة الإنسان. وقد قوبلت هذه البراءة بذبح الذبائح، وتوزيع الحلوى والمشروبات، واستقدام المُدّاح والمغنيين الشعبيين الذين كرروا انشادهم للسلام الوطني الشعبي "دخلوها وصقيرا حام". غير أن اللجنة لاحظت أمرا عجبا في بعض التجارب المحدودة التي أجريت على عينة من المسؤولين الكبار. اتضح أن اللحوم التي جري فحصها معمليا، وأطعمت لبعض المسؤولين تحتوي على طفيليات مجهرية من نوع الشستومايسوما (المُذنّبات المُلتحية) تتسرب عبر جدار الإمعاء الدقيقة إلى مجرى الدم، وتتابعه حتى الدماغ لتُهاجم مراكز المخ المعنية بالحِكمة وفصل الخطاب، وتكاد تقضي عليها قضاءا مُبرما، مما يجعل المسؤول يفقد السيطرة على ما يخرج من فيه من أحاديث وتصريحات، فينطق عن الهوى ويُلقي بالحديث على عواهنه (وعواهننا كذلك). دُهشت اللجنة من هذا الكشف، وحسبت أن في الأمر خطأ ما، فقررت إجراء مسح شامل لما صدر من المسؤولين في العقدين الأخيرين من تصريحات لمعرفة ما إذا كانت نتائج المسح تؤكد ما كشفته التجارب المعملية. وسرعان ما اكتشفت اللجنة في دراستها لأرشيف الصحف وتسجيلات الإذاعة والتلفزيون أن التصريحات الغرائبية اكثر من أن تُحصى، فاكتفت بما صدر أخيرا من تصريحات كبرهان على صحة نتائج التجارب. ومن ذلك ما صدر عن الإدارة العامة لوقاية النباتات بوزارة الزراعة عن أن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أرسلت في وقت سابق إلى السودان جهازا للتجسس على أساس أنه جهاز لمكافحة الجراد (ولم تقل لنا الإدارة العامة أين وُضع هذا الجهاز العجيب)؛ ومنها إعلان الناطق الرسمي للمؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) عن تجميد قيامه بمهمته لحين تسلمه كتابة تكليفا رسميا من رئيس القطاع السياسي بالحزب بذلك وذلك لكثرة المتحدثين باسم الحزب (ولم يقل لنا من عيّنه اساسا ناطقا رسميا)؛ وتصريح نائب رئيس القضاء أن الوجود الجنوبي بالسودان عقب اتفاقية نيفاشا كان له الأثر في ازدياد معدلات الجريمة خاصة جرائم الزنا والخمر والموبقات؛ وتصريح مساعد رئيس الجمهورية أن "مصير الساعين لخلافة حكم الإنقاذ مثل مصير الطواغيت حسني مبارك ومعمر القذافي وبن علي.. منوها إلى أن مشروعهم لا يقتصر على السودان فحسب، وإنما مشروعهم مشروع العودة لرب العالمين في كل أنحاء الدنيا"؛ وتصريح الناطق الرسمي باسم القوات المُسلحة أن الجيش أخلى بلدة (مفو) في النيل الأزرق لهجوم مرتزقة بيض يرتدون سترات واقية من الرصاص ويقودون الدبابات بعد أن صرح قبل ذلك بيومين أن القوات المسلحة حررت منطقة (مفو) وطردت فلول المتمردين؛ وتصريح وزير السدود والكهرباء قبل حين أن انشاء سد مروي صاحبته بعض الأخطاء نتاج العجلة والحماس، وان التقديرات المالية للمشروع لم تكن صحيحة (ولم يذكر لنا ما هي هذه الأخطاء، وكم الفرق بين التقديرات والتكلفة النهائية، ناهيك عن كيف يتم انشاء (سد القرن) أو أي سد آخر في عجلة وحماس)؛ ثم تصريح وزير الملية بتأكيد سهولة المعيشة في السودان بعد أن "بشّرنا" قبل حين قريب، هو وغيره من كبار المسؤولين، بالتجلد والصبر خلال السنوات العِجاف المُقبلات! هذا وتُفكر اللجنة العلمية لمجلس تعظيم مصلحة النظام في اصدار توصية بكتابة تحذير على عبوات اللحم (مثل التحذير المكتوب على صناديق السجائر): " أكل اللحم يُسبّب سرطان السُلطة!" )إيلاف والراية القطري 13 مارس 2013)