مدير ألبان الجزيرة التعاونية ونائب مدير مصلحة الإنتاج الحيواني سابقاً المقطع الاول هذه الحكاية جّدها جّد وهزلها جّد ، كالعشق والحنين ، اردنا بها التخفيف على أعضاء اللجنة وهم يؤدون مهاماً جساماً تقع في دائرة العطار الذي يريد أن يصلح ما افسده الدهر . الاخ رئيس الجمهورية ونائبه – مثلنا تماما ومثل كل إنسان يحنان الي الماضي والايام الخوالي من الطفولة والشباب ، كما أنهما مغرمان " بالسيرة" والتي تعني بأختصار معاودة السير في الطريق للوصول الي الماضي والي هذا الحنين ايضا. يقول شاعر كوكب الشرق أم كلثوم " عايزنا نرجع زي زمان ؟ قل للزمان ارجع يا زمان ! سيرة الماضي ضرورية الي الحد الذي نأخذ به الدروس المستفادة العبر والصبر لتجاوزها الي المستقبل . إن كانت هذه العودة لمجرد تكرار الماضي تصبح بكاء على الأطلال لا نفع يرجي منه . المقطع الثاني لم يكن ماضي هذا المشروع ناصعاً بلا عيوب بكل الأحجام ، الخفيفة والثقيلة والمتوسطة والمشروع مثله الإنسان تماما يولد ويحبو ويمشي ويشب ثم تصيبه أمراض الكهولة والشيخوخة ويموت بصنع الانسان لكنه يختلف من الانسان أنه لا يدفن ولاينسى بعوادي الزمن وليست له قيامة . الانسان إذا رغب وجدّ وحسنت نواياه وأعماله يستطيع إعادة الحياة الي المشروع وليداً جديداً يتبع بطبيعة الحياة ، مراحل الحبو والمشي ويصبح شاباً . تجاوز هذه الخطوات جرياً بعد ميلاد سيؤدي الي وفاته وهو طفل وسنعيد الفشل المعروف سابقاً . المقطع الثالث ليس لدّي رغبة في سرد تاريخ المشروع ، ولا أدعي علما أكثر من أعضاء اللجنة وأهل مشورتها المتوقعين. لكني أوكد أن فيروس المرض بدأ مع بداية التسعينات وتحديداً مع أرهاصات التحرير الاقتصادي أو إحداث التغيير بجراحة القلب المفتوح ونزع الأعضاء لأسباب سياسية وربما اجتماعية واسباب لا تزال في علم الغيب وكانت الجراحة اكبر بكثير من مؤهلات الجراحين (المتسرعين) فمات المشروع بعد سنين من العلاج التخديري والناقص حيناً والخطأ المقصود احياناً اكثر . آخر ألاخطاء محاولة الانفاذ (!) للمشروع إذا كان حزمة طويلة ومحزنة من القرارات العشوائية والاستفزازية كذلك والتي أدت الي تفكيك سكك حديد المشروع والمحالج وقنوات الري وأبواب التحكم وتوزيع مكاتب وسرابات العاملين الي من لا نعرف ، عطاء من لا يملك لمن لا يستحق . هذا الانهيار العظيم حطم المعنويات قبل أن يحطم المنشأت وأباد كل أمل للأجيال القادمة . المقطع الرابع جرى عرف سلاطين السودان على قضاء حوائجهم بالكتمان وأن يصح ذلك على مستوى الفرد فانه لا يصح أبداً على مستوي الجماعة وهذا يقودنا إلي إنعدام الشفافية والمشورة فيما جرى للمشروع ولغيره . لقد أنشئت مئات الكباري التي لا تمر فوق الانهار والاودية لكنها تمر فوق رؤوس مواطنينا جميعاً . قرارات مسبقة ، مطبوخة في مطابخ الاخوان الرفاق ، تحشد لها الحشود ويكتبها علماء السلطان طوعاً وكرهاً ثم يتم التوقيع عليها وتدشينها كمخرج من مخرجات أهل الدراية والقراية . قديماً قالوا أنه ليس من المهم أن تفهم ولكن المهم أن تحس وتتبع ذلك - إن البليد من تبلد إحساسه وليس فهمه وأن الشهيد (المشروع) هو من كان موته اقسى على أعدائه من حياته ! وعدم الحس كان اول اسباب السقوط . المقطع الخامس ادرك شهرزاد الصباح ونامت ونام سلطانها ، في غفوة الضحي ، ثم اخرج السلطان بعد يقظة النائم فرمانه بتكوين لجنة من كبار العلماء الاجلاء من الاساتذة والاصدقاء والذين لا يصح أن نشك في مقدرتهم وخبراتهم الزراعية والمائية والادارية – علهم يصممون كبري من اكبر الكباري في افريقيا والشرق الاوسط تحت مظلة جديدة اسمها إعادة المشروع لسيرته الاولى . كما ذكرنا سابقاً فأن ما بني على باطل فهو باطل ونعلم علم اليقين ونحس أحساس مزارعينا أن الخطأ الاستراتيجي مثل الزجاج الرهيف إن حاولت اصلاحه كسرته . من هو الحكيم الكبير في هذه الامة الذي افترض أن إنهيار مشروع الجزيرة كان من نقص في العلم والخبرة او فشلاً في الادارة أو سؤا في التربة وقنوات الري او نتيجة لتغير المناخ حتى يكون لجنة من متخصصين زراعيين عزيزيين علينا لما قدموا ويقدمون خدمة للقطاع الزراعي ولإنتاج الحلول الفاضلة (مثل المدينة الفاضلة) ام أن الكباري تحتم ذلك . المقطع السادس والاخير بين الهزل والجد وبين الحكم والحكمة تكمن مشكلة مشروع الجزيرة الذي عاش عملاقاً لخدمة المستعمر الاجنبي والمحلي تم مات شهيداً في معركة غير متكافئة إنهزم فيها الحاكم والمحكوم وما بينهما من الخضرة والجمال واشباع البطون والجيوب معاً ونتجاوز الهزل قليلاً ونذهب في إختصار مخل للسيرة الثانية التي تنظر الي المستقبل . قضية المشروع موتاً وحياة هي قضية اجتماعية معيشية في المقام الاول وصاحبها الحقيقي هو المزارع واصدقاء المزارع من الانسان والحيوان والنبات ومما لا تعلمون . خمسة ملايين من اهلنا يجنون ثمار المشروع بشكل مباشر وغير مباشر إعادة إحياء المشروع تكمن في الصبر على المكاره والتروي وبناء الخطوة تلو الخطوة في تنظيمات مزارعين قاعدية حقيقية وليس في اتحادات اكلت وشربت من عرق مزارعيها الفقراء وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون . إعادة النشاط والبناء التعاوني الخدمي المسؤول والمنضبط والمُراقب فلا مخرج من التعاون ولا نريد أن نعيد التعاونيات الزراعية الي سيرتها الاولي بل ننقلها الي سيرتها الثانية نحو المستقبل إبعاد القرار السياسي المترفع على شعبه والخافض لرؤوس العلماء مثل قانون المشروع والقطن المحور اخلاقياً (اقصد وراثياً) من دائرة الحلول . المزارع ليس غبياً تابعاً لأحد من السياسيين أو الخبراء وعلى الناس إشراكه في كل شئ تحت الشمس وليس على اوراق المؤتمرات والقرارات السياسية . الامل يحدو كل سوداني – وربما غير السوداني – أن تكتمل صورة مشروع الجزيرة في سيرته الثانية والخوف يملأ الجوانب من أن تكون هذه المبادرة الرئاسية عودة الي مثلث حمدي السيئ السمعة والصيت والذي نسي فيما نسي حساب المثلثات وعظمته الفلسفية والعلمية والعملية (الاضلاع الثلاثة) ضلع السلطان وضلع العلم وينسى حمدي الضلع الثالث ، ضلع المزارع وأهل الحس قبل السياسة والعلم وهو الضلع الذي يمثل قاعدة المثلث . لم تحدثنا الهندسة عن مثلث بضلعين . قال البروفسير عبدالله احمد عبد الله في الشهور الاولي من القرن الاول بعد العشرين أن هذا القرن هو قرن الاذكياء فقط خذوا الحكمة من افواه الرباطاب – والذكاء عنده وعندنا – كما نحس- هو السيرة الثانية لمشروع الجزيرة وهو الطريق الوحيد للسيادة الغذائية الزراعية التي ستحكم انسان المستقبل وليس انسان الماضي وسيرته الاولي – مشروع الجزيرة .. سادتي هو الذي اطعمنا من جوع وآمننا من خوف وسيفعل إن شاء الله رغم عوادي الزمن وقهر السلاطين . Marghani Ibnoaf [[email protected]]