هنالك قلق كبير من أزمة الثقة بين الإخوان المسلمين ودول الخليج العربي، ويتعاظم هذا القلق كلما تطابقت الرؤى والخطوات السياسية بين الإخوان في الخليج مع أشقائهم في الفكر والمنهاج في دول الربيع العربي، مما يشي بأن للإخوان إنتماءاً خارج أوطانهم لأنظمةٍ أخرى، وهذا ما ينفيه إخوان الخليج بشدة، كما ينفيه الوافدون المقيمون في الخليج من إخوان الربيع العربي أو غيرها من الدول التي اقترب فيها الإخوان لمعادلة الحكم. هذا التطابق المذكور كان في الماضي يحتمل التفسير: أنه من قبيل التعاطف مع دعاة إسلاميين قَدَّر الله لهم أن يكونوا من ضحايا الأنظمة، وهذا عطف وإشفاق مشروع كانت تبذله دول الخليج ذاتها، ولكن هذه المرة صارت للإخوان دول وجيوش وأنظمة استخبارية ومشروع أممي يتضمن تفكيك الدول الوطنية الأخرى وضمها داخله. أزمة الإخوان المسلمين في الخليج لا تقتصر على نزعتهم لإجهاض (الدولة الوطنية) لصالح المشروع الأممي الكبير. ولو أمعنا النظر في هذه النقطة لقلنا دون تردد أن الإخوان يتلبسهم فيها خطأ كبير وعظيم؛ إذ يشهد الواقع والمعطيات الإقتصادية والأمنية والسكانية أن تعزيز الدولة الوطنية في الخليج (فرض عين) على كل مواطني تلك الدول، ولا بد من تنحية الهواجس والوساوس حول التناقض بين الدولة الوطنية والإنتماء للأمة الإسلامية والوطن العربي، لأن هذا الإنتماء الكبير عبارة عن مجموع إرادات وطنية مستقلة ولكنها متضامنة ومنتمية. وجوب حماية الهوية الوطنية في الخليج يتعداها ليشمل الجميع، بما في ذلك إخوان الربيع العربي، وذلك لأن الاستقرار والإزدهار الخليجي مصدر قوة للأمة الإسلامية والوطن العربي، ومن المعلوم أن الإخوان ذاتهم استفادوا من هذا الاستقرار عندما ضَيَّقت عليهم حكوماتهم الأنفاس؛ فوجدوا في الخليج متنفساً وسعة في الكسب والعمل الإسلامي، وصدّروا كثيراً من الخيرات لأوطانهم ولمشاريع إقتصادية ودعوية وخيرية تأسست لتقوية نفوذهم السياسي والإقتصادي. في هذه السلسة من المقالات سأناقش مفهوم الدول الوطنية، ولكنني أريد أولاً التنبيه على نقطة هامة للغاية لم ينتبه لها كثير من الناس، وربما تكون هي الاختلاف الأساسي بين جماعة الإخوان المسلمين والتربة السياسية والاجتماعية لدول الخليج العربي. لا بدَّ، أولاً، من الإقرار بأن لكل بلاد خصوصيتها و(عجينها السياسي) الذي تتفاوت مقاديره وتختلف وصفته. فما يصلح في مصر قد لا يصلح في السعودية، وما ينفع في تونس قد يضر في الكويت وهكذا. كما يجب أن نقر أيضاً بأن الإخوان المسلمين تأثروا بالأنظمة التي ناهضوها، لأنهم مهما نابذوها فقد نشئوا سوياً من تربة وطنية واحدة. ويضاف إلى هذا أنهم كانوا، على مدى نصف قرن من الزمان، الطرف الأضعف في المعادلة السياسية، ولذلك شملتهم قاعدة ابن خلدون في اقتداء المغلوب بالغالب، ويمكننا أن نقول باختصار أن (الأخلاق السياسية) للإخوان المسلمين تُماثل أخلاق الأنظمة التي عاشوا فيها، ولذلك سيظلون (عجيناً مختلفاً) وجسماً غريباً على الخليج العربي وبعض الدول. بإمكاننا تنقيح وإعادة إنتاج قاعدة ابن خلدون؛ فالمغلوب يمكن الاستعاضة عنه بالضعيف أو المستضعف، أما الغالب فيمكن الاستعاضة عنه بالقوي والمهيمن على مسرح الأحداث. أما الاقتداء فيمكن أن نستعيض عنه بظاهرة استنساخ النظم والبنى الهيكلية، وبذلك يمكننا القول بأن الإخوان يعيدون إنتاج الأنظمة الشمولية السابقة بإضفاء صفة إسلامية عليها، مع رغبةٍ تَوَسعيّة تتجاوز الأطر القُطرية. وهنا يتطلب الأمر تمايزاً سريعاً بين المنتمين لفكر الإخوان في الخليج وبين هذا الإنقلاب الكبير. في تقديري أن التحدي الأكبر لا يقع على عاتق إخوان الربيع العربي، لأنهم مشغولون بمشاكل كثيرة، ولكن التحدي، ومطلب الاجتهاد والتجديد، يقع على عاتق المنتمين للإخوان في الخليج. عليهم أن ينتبهوا أن هنالك مرحلة وانتهت، ويجب عليهم الدخول في مرحلة جديدة.