في يوم 5 يناير 2011م كتبتُ مقالاً في هذه المساحة، حول تعقيدات ما يسمى بعقد عمل حر في الخليج، لجهة المتاعب التي تحدث للوافد الجديد الى عالم الاغتراب تحت هذا المسمى «الخادع».. واليوم أعيد نشر هذا المقال مرة ثانية مدفوعاً بأوضاع السودانيين الذين وصلوا الى الخليج بلا عقودات عمل حقيقية. كثيراً ما أسمع ترديد عبارة «عقد عمل حر»، بل طُلب مني في مرات عديدة أن اجتهد في الحصول على «عقد عمل حر» لصديق أو قريب يسعى للاغتراب في منطقة الخليج ، وعندما أقول لمحدثي لا يوجد ما يسمى «عقد عمل حر»، يصفني بأنني قليل الدراية بعالم العقود الحرة، للحد الذي حملني على طرح السؤال على أصحاب الدراية في المملكة العربية السعودية عن حقيقة مثل هذه العقود، فتبين أن الأمر يختلف عن مزاعم «جماعتنا» الذين يعتقدون أن الحصول على هذا العقد يُمكن صاحبه من العمل في المجال الذي يختاره بمزاجه دون كبير عناء، وعبر ذلك يستطيع أن يحقق أحلامه وأحلام الذين دفعوا به الى عوالم الاغتراب، غير ان الواقع يقول بحسب أصحاب الدراية إن الامر لا يعدو كونه تجارة «سرية» يطلق عليها في السعودية «تجارة التأشيرات» يقوم بها عدد من الشركات والمؤسسات «الصغيرة» أو «الوهمية»، نظير مبالغ تتراوح بين «9 الى 12 ألف ريال» وهو فعل لا تقوم به أبداً الشركات والمؤسسات الكبيرة، وهذه تقدم عقوداً حقيقية «إن إرادت». وتبذل السلطات حالياً جهوداً كبيرة لمحاصرة تجار التأشيرات المسماة «عقود عمل» وما هي إلا حبر على ورق.. فالقادم عبر هذه التأشيرات لن يحظى بوظيفة كما هو مدون في عقد العمل الذي يبدو في ظاهره انه مستوف لاشتراطات العمل، غير ان الأمر في نهايته لا يعدو كونه تجارة ضحاياها دائماً هم الذين يبحثون على فرص عمل كيفما اتفق، فعندما يصل القادم الى العمل الى مقر «كفيله» المفترض، سرعان ما يساومه على دفع مبلغ يحدده الطرف الأول نظير إطلاق سراح طالب العمل، الذي عليه ان يبدأ رحلة جديدة في البحث عن عمل قد لا يتوفر أحياناً، وحتى لو توفر العمل يكون الطرف الثاني أمام مطبات عصية أبرزهاتغيير المهنة، فالقادم عبر تأشيرة «تربية مواشي» وهو اسم «الدلال» «لرعاية الإبل في الجبال»! وحاملها قد يكون من أصحاب المؤهلات العلمية، يجد صعوبة بالغة في الحصول على عمل، وإن وجده يتوجب عليه أولاً أن يغير المهنة، وهذه رحلة أخرى من المعاناة، حيث يصعب تغيير مهنة «تربية المواشي». أما القادم وهو يحمل مهنة «عامل» أو «نجار» أو «حداد» أو «طباخ» أو «كهربائي».. الخ، وهي المهن المتاحة لسوق العمل السوداني»، فسيواجه بمشكلات مختلفة، فإن حصل على وظيفة إن كانت في تخصصه أو مهنته أو دون ذلك، سيكون امام عقبة اخرى إن هو أقدم على خطوة استقدام «أسرته» او زوجته، حيث تمنع الأنظمة الاستقدام لمثل هذه المهن، وحينها لا تجدي محاولات تغيير المهنة التي حتى لو تحققت يكون الشخص أمام حقيقة ما يعرف باسم «مهنة المنشأ» وهو التي دخل بها الى الدولة المضيفة. آمل ألا يتعجل القادم الى العمل في الخليج الخطى، وعليه بمزيد من التأني والصبر، وعدم القبول بأية مهنة والسلام . " الصحافة" .