ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن بادية الكبابيش ابن سرحتها يكتب 1 من 2 .. بقلم: محمد الطيب حنفى
نشر في سودانيل يوم 28 - 03 - 2013

أخترتُ هذا العنوان لأن من سبقني للكتابة عنها الأستاذ حسن نجيله والدكتور عبد الله على إبراهيم وبعدهم جاء مايكل
أشَر و كلهم قامات سامقة لا أدعى مجاراتهم لكنى اكتب مستفيداً من ميزتي النسبية بلغة الاقتصاديين لكوني من عاش بها من المهد وحتى إشعارٍ آخر أى كإبن سرحتها كما يقول التيجاني يوسف بشير( فأنا إبن سرحته الذى غنّا به ).
وأبدأ من حيث إنتهى مايكل اشر ذلك الإنجليزي الذى شرب كجانتنا * بمعناها الحقيقى وليس المجازى والكجانة هى المريسة فقد شاهدته مرةً ( واقف شْوشَلّى) إثر تناوله كميه معتبره من خمرتنا المحلية المسماة ( أم بِِلْبِِلْ) ويرد بعفوية على من سأله عن حال شريكه فى البُرمة كامل الثمالة ذاك فيقول :
إنه ( واقف طينى) بكسره كبًاشية محبّبه لكلمة طينة أى فاقد للوعي من شدة السُكر .
ولو فعلها هذا المايكل بدارفور القريبة منا لتبدّل السؤال فقد روى أن صاحبة حانَه شعبية ( أندايه ) جاءها خوّاجة وعبَّ منها المريسة عباً وهى تنظر مشدوهة وبعد أن إرتوى سألته :
أ تشرب المريسه يا خوّاجه ؟
- نعم
- طيب بعد دا ما تَسْلِِمْ .أى إعتنق الإسلام.
يا لها من بساطه وسماحة تبيع ما حرّمه الإسلام وتدعو إليه فى آن .
كان يمكن توَجيه الدعوه ذاتها لخواجتنا من قِبلنا لكنه حين جاءنا قال أنه مسلم وإسمه عمر الرشيد ولم نعلم انه نصرانياً يُدعى مايكل آشََرْ الا حين غادرنا الى بريطانيا وكتب كتابه الشهير( The desert dies) معلناَ موت صحراءنا ومن هنا أبدا .
فكيف ماتت البادية أحبّتى ؟؟؟؟؟
وعينا بالحياة فى اللحظة الغسقية لعصر البداوه ، لم نكن ندرى حينها أن صحراءنا وشبهها وسافانانا الفقيره هذه كانت غنّيةً فى عهد آباءنا وربما أغنى من غنية فى عهد آباءهم والفتره ليست طويله فهى حسب مصادرى السماعية من 1916 وحتى 1984 (70 سبعون عاماً أو أقل ) متوسط عمر بدوى تقريباً فالبدو معمرون مقارنة بسكان الحضر وهذه الفترة موضوع بحث مهم أتركه للباحثين فى تراث هذه المنطقة ليدرسوا كيف نشأت ومتى أصبحت تسمى ببادية الكبابيش .
حين أعود إلى ذكريات طفولتى أشعر بحزن كبير ، يحزننى حقاً إختفاء تلك العوالم الجميله الأشجار والنباتات والطيور والحيوانات التى ألفناها وأخرى حدثنا آباءنا عنها كالريل والتيتل والزراف وبقر الوحش( المها) وغيرها الكثير .
لا أعرف من قتل دنياكم يا محمد عبد الحليم أنت وابن خالك المحجوب لكنى اعرف من قتل دنيّاي فعلى مدى سبعين عاماَ كنا نقتل بيئة كانت كريمة معنا لأبعد الحدود.
أخذنا منها كل شيئ ولم نعطعها شيئاً .
إنها شَراكة الجهل والقُسوه حين يجتمعان .
فماذا فعلنا بها ؟
بإختصارأصبح بامكانك ان ترى من الجهة الشرقية لوادى ( أبو بَسْمَه ) ما يجرى بالجهة الغربية منه هذه الغابة وتُسمّى ( كوع ناس قريش ) والكوع هو منحنى الوادى فبالأمس القريب تستطيع المراهنة علي إستحالة اختراقها بطلق نارى .
عن مشاركتي في هذه الجريمة قبل عام أخذتُ حمولة لوري ( KY ) من أشجارها اليابسه لاستعمالها وقوداً لطهي طعام المدعوين لزواج أحد أقاربى .
نحن من ساعد جيوش اللعوت والعشر والسيال الغازية لإعلان دولة الصحراء فى أرضنا .
وماذا صنعنا منها ؟
كل شئ منها بيوتنا غذاءنا أسلحتنا وزينتنا وكل شئ لم نشتر أو نستورد شيئاً من خارجها كل ما نحتاج من عقال البعير و زِرِّه حتى سرير النوم وحمّلناها ما لا تحتمل ، قطعنا الأشجار الخضراء لصُنع الزرائب حرقنا اليابسة لصنع الغذاء وطرد البعوض ، كنا نقطع غصناً أخضراَ مورقاً ومثمراً نحّوله من مكانه ونضعة على رأس الشجره طمعاً فى المزيد من ظلِّها ، صرنا حالياً نضع بطّانيه أو مشمّع لنستظل لأن أشجارنا لم تعد بها أغصان لماذا لم نفعل هذا من قبل ؟
لأسباب تافهة جداً نبيد الأشجار فلدبغ جلد غزال أو شاة كنا نحرق شجرةً كاملةً لنحصل على رماد لايتعدى عبوة سطلٍِ متوسط الحجم وهذا دليلى على ذلك .
شاعرنا النور ود حمد الدويحى يغنى حين آنس نارًا شبَّت بليلْ على سناف قفٍ بعيدْ ، و ظناً منه أن من أشعلتها معشوقته ذات الخصر النحيل( مو مبوبر) لتحصل على رمادها ( هبودها) لدباغة جلدها ٍ قال مخاطباً جمله :
الناس فى الدامْره وإنتَ مشوقِرْ
رعيتَ عَضاوَةْ القَشْ الصعيدْ ناسْ أوقِرْ
ديك البُهْرَه فى القَفْ السِنافُو متوقِرْ
هبودْ جِلْدْ أبو نُصاَ رقيقْ مو مبوبِر
الله منهم ومن شاعريتهم المستشفون الجمال من كل شىء كما قال ادريس جمًاع .
أبدنا المَعَرابْ السَعاتْ والكِتر والهشاب والسَرح وغيرها ويالها من أشجار سأعود لاحقاً لخصائصها أزهارها وثمارها ورائحتها وظلالها وإستخداماتها وماذا صنعنا منها.
كان ابن عمى عبد الباقي المقدم كغيره من البدو أول ما يقوم به بعد تجهيز زرائب العجول في الخريف إختيار شجرة سامقة ليست بذات أشواك وغالباً ما تكون مَعَرابة ليبنى له عشاً كبيرأ كما الصقور .
هذا العُش يسمّى ( العِلِّيّه ) وهى قد تتسع لأكثر من شخص وقد ينام عليها الرجل وزوجته الغرض منها تصعيب مهمة البعوض نعم تُقطع الأغصان الدنيا ليبنى بها سريرا بأعلى الشجره خوفاً من البعوض أرأيتم كيف تفتقت عبقرية الإستنزاف لدينا ؟
لماذا نشترى النواميس والطبيعة تعطى بلا مقابِل ؟
وسط هذه المأساة أضحك حين أذكر وقوع إبن عمى هذا من أعلى الشجره لأكثر من مره فدوماَ كان ينسى أنه ينام بفروع القمرى فيصحو بباقى نَعاسه ويمشى فيقع من شر أعماله وليس فيها . ( يستأهل )
هذا قليل مما فعلناه بالأشجار ، فماذا فعلنا بالحيوان و الحياة البريّه كما يسمونها ؟
آه لو زرتنا يا ( بريجيت ) إبنة (باردو) يا أيتها الممثلة الفرنسية الجميلة و يا من أسستِ منظمةً لحقوق الحيوان كنت حينها أعددتِ قائمةً ب( 51) ألف متهماً بجريمة الإبادة الجماعية لقبائل الزراف والنعام والريل والمها والغزلان والطيور. بإختصار سّيدتى كنت طلبتِ كل رجال باديتنا الي لاهاى .
أو تعرقين من هو المطلوب الأول فى هذه الجريمة ؟
إنه أخانا (على ابراهيم على التوم) ذلك الذى يُضرَب به المثل فى دِقَه التصويب بالبندقية أنه (وليم تل ) خاصتنا و الذى شبهه صديقنا الفاتح عبدالعزبز( وزير الزراعة بولاية شمال دارفور حالياً) بإمرؤ القيس .
كان علىٌّ هذا حفيد زعيم الكبابيش السير على التوم وقد توفَر له كل ما توفر للملك الضلِّيل إلا الشعر والذى عوًضة بصحبة الشعراء البادية وظرفاءوها يسرحون ويمرحون فى رحلات صيدهم الشهيره .
بالمناسبة والد هذا الفاتح عمنا عبدالعزبز عبد النبى ضمن لسته سرية من المطلوب القبض عليهم بتهمة إبادة الغزلان هو ورفيقه (رجل الشرطه ) المعروف (خميس قنْبِر ) ولاتطنّنْ إننى أسامحك يا صديقى(أبا الحسن يا ابن الشريف على مولاى )فالتاريخ لا يرحم سأبلِّغ عنك بنفسى متى وصلتنا هذه الفرنسية الجميله النبيله فما فعلته بالغزلان مرصود .
روى لي (وليم تيلنا ) ذات مره واقعة أستشهد بها هنا لأعلنه المطلوب الأول في قضية إبادة النعام ويبدو أن ما دعاه لرواية تلك القصة تطاول أحد رفاقه فى تلك الرحله فى زمن تغيرت فيه كل الموازين وأصبح إمرؤ القيس بلا جواد وسيف تماما كما تنبأ الشاعر ابراهيم ود خليفة فى معلقته الرائعه ( الدنيا ومسائلها ) .
قال علّى : انه جمع غفراءه وشعراءه وأصدقاءه على ظهر سيارته الرينجر ميمماً نجم الجدى والسيارة تنهب الأرض صوب الصحراء بأقصى الشمال كان مرافقيه يصرخون كلما رأوا رَوَيْنَة غزلان والروينه هى قطيع الغزلان ، الصيد .. الصيد ... الصيد يا على
فيقول : لاحاجة لنا اليوم بغزال .
قال : اصطدت لهم واحده ً فقط ليفطروا بها يومها كنت أبحث عن النعام يارفيق .
كانت قصته ممتعه أصغيت لها بإستمتاع لكننى الآن برومانسية الشعراء وصحوة ضمير حين أذكر نهاية القصة أرى صحراءنا ملطخةً بالدماء كما قال حسين خوجلي ذات ديمقراطية سمحاء تعليقاً على ( أن نقتل أصبح أسهل من إلقاء تحية) .
والسيارة تنهب الأرض ذات الكثبان الرملية والرواية مازالت له جفلت من تحتها كتيبة النعام المذعوره .
كان عددها ستةَ عشرْ طيراً من فرخ ٍ لربداءَ وإضليمْ .
قال : حين قفزت من العربة ببندقيتى و بدأت التصوبب عليها كانت تحاول تجاوز الكثيب الذى أمامها لتحتمى بالمنحدر ثم توقف فجأة لبسألنى : أتدرى كم عدد الواصلين الى منحدر التل ؟
قلت : لا
قال طير واحد فقط تحدّر الكثيب .
أففففففففففففف لماذا كل هذه القسوه ياعلى؟
طير واحد مكّنه ساتر التل من النجاه ؟
الشيى المدهش فى قصته هذه أنه جاء طمعاً فى الدهن و الريش فقط أما اللحم فكان ينادى على الأعراب من حوله ليطعمهم لحم طيرٍ مما يشتهون و ختم هذه القصة بسؤال مر ومتهكم .
- هل تعرف ماذا كانت مهمة فلان هذا ؟ ويقصد من أصبح أحد وجهاء المنطقة الجدد.
- وكانت إجابتى بلا أيضاً .
قال : كان هو من عيّنته مسئولاً عن جمع الدهن والريش ( أبو الإفتراء ذاته ).
من هذا الريش أصدقائى نصنع فرشاَ ومخدات لنسائنا ونهُش الذباب من وجوه أطفالنا لتغنِّى نساءنا :
ريش النِعامْ جابوْ
هبّابه لى البابو
والبابو تعنى الطفل فى مهده هل يمكننا التوقف عن الصيد بعد هذا الغناء ؟
أما دهن النعام الذى لايمسكه إلا جلده كما يقول مثلنا (دهن النعام بمسكو جلده) فيستخدم لعلاج الكثير من الأمراض خاصة أمراض الجهاز الهضمي وأذكر أن أول من شرح لى هذا المثل بدوى ساخر قال فى شرحة أنك أذا لم تملأ معدتك جيدا من اللحم خاصة لحم النعام فلا تقرب دهنه .
قلت لماذا
- لأنه (بِخَفْسَكْ) يعنى يخترق
- قلت كيف لم أفهم
- يعنى (بِنَقَّطْ )
وحبن فهمت المعنى إنفجرت ضاحكاً ماقاله بلغة العصرهو : أن دهن النعام أن شربته على الجوع لايتوقف عند الإشارات الحمراء للمعده والإمعاءان الدقيقة والغليظة فمن الفم الى الملابس الداخلية والبدولايلبسونها (نظام أم فكّو وكدا ) .
هذه بعض أسماء الاسلحة التى صنعناها من الأشجار ( سفروك ، قرجة ، قنفوده ، دلدمايه ، ركّابه ، عُكّاز مطيرق وعود الفاس المحفار وغيرها الكثير ) وأدوات أخرى كالسروج ،الحوايا ، الشبكة ،المُخْباط ، الكبروس الكرب والعمود وحمار الوقاء وشعبة الرى والوكّاى وكل أنواع الحبال ، حتى ملاعقنا كانت من أوراق بعض الأشجار نسميها العَلَوْبْ وغيرها الكثير من الأدوات وكلٌ بدليله وشعره وأمثاله فقد قال عبدالسيد يرحمه الله :
ليالى القِرّه والنقّاطْ
يا العياله بطلتينا بى المُجواط
إنقيبك لفُح كُبروسو والمُخباط
نهُر زامولو فى القوز الملان خرًاط .
الزامول الإبل والخراط نبات.
وهذا ما صنعناه من جلد الحيوان ( السقا القربه السعن الدلو الرشاء القرفه الجراب المخلايه والضبية والرسن والدلى الهِدَبْ الشلايل المفارِع التركيبة الرقبية وغيرها الكثير سأشرح لاحقاً معانبها وإستعمالاتها .
سأحكى قليلاً عن غنى هذه البادية السابق وفقرها الحالى ففي آخر إجازة لي كنت برفقة احد الأصدقاء نبحث عن إبلهم ( كنا على ظهر تويوتا وليس بعير ) وكلما توقفنا بمراح إبل لنسألهم وجدناهم من عرب البنى جرّار , أهلي الذين غادرونا وأرتحلو جنوباُ منذ عشرون عاماً حين إستشعروا غزو الصحراء لاحظت أنهم مازالو على بداوتهم لم يتغيّروا كثيرا وأعرفهم جميعاَ فقد قضيت طفولتى مع الغالبية منهم نسرح ونصطاد الأرانب والطيور نهاراً ونلعب الشليل والحّرينا جرى واللكّة وشد وألعاب كثيرة ليلاً كنا أصدقاء طفولة وتحضرني هذه اللحظة كلمةٌ كنا نتنادى بها ليلاَ لنلعب كان أول الواصلين لساحة اللعب يصيح بأعلى صوته :( باعو باعو) لا أعرف معنى لهذه الكلمه لكننى أذكر الرد البذيء يأتية من كل بيت رجلٍ إمرأة , فتاة كانت أو صبى .
البدو أحبتي بذيئون جداً لمن لايعرفهم وصدق الطيب صالح حين قال إنها اللغة و لم يأت بشئ من عنده فبنات وأبناء مجذوب عندنا كُثُر).
كنا نقول حين يحضر أحدنا قبل الآخرين لمكان اللعب : (جدعنا بنبر .... يجرى ويتطمبر دخل بيت أمو الخ تلك البذاءات ) لماذا البنبر وما معنى يتطنبر؟ والأطرف حين يبدأ تقسيم الفرق المتبارية ويذهب أثنان بعيداً ويختار كل منهم إسم حركى ويعودان يخاطبا رئيسا الفريقين بعبارة الروس الروس
فيرد الرؤساء : مرحب التيوس .
فلا زعل فى اللعب ولا عداوه ودوماً ما يختار التيسان صفتين بذيئتين أيضاً أن ذكرت أمثلة منها فعلى أمثال محسن خالد السرية السلام .
يالها من أيام من أين لنا كل تلك البذاءات ونحن اطفال لم نتجاوز السادسه بعد ؟
نعم كانوا بذيئون نوعاً ما وحتى النساء منهم ولكنهم عفيفين حد النقاء فلم أسمع طيلة تلك الأيام عن جريمة أخلاقية مطلقاً وتستطيع أى بدوية أن تقول :( أوَ تزنى الحرّه ؟) فلا (دودحية) فى مضاربنا والدودحية هى رمز العار عند القبائل اليمنيه كأول فتاة تحمل سفاحاً كما أشار البرُدّونى في ديوانه الطريق الى الأيام الخضر.
حين أذكر الفتاة البدوية التى تأتى لمورد المياه كاسيةً نهداًً وكاشفةَ نهدا على مرأىً من إخوتها ووالدها وأبناء عمومتها وكذلك الغريب تتملكني الدهشة .
وحين عرفت المقصود لاحقاً أُلقمتُ حجراً وأُصبتُ بهاء سكتْ الدكتور بشرى الفاضل فسكتُ .
هى لم تتركه تبرجاً وسفوراً لكنها تركته حراً طليقاً تعبيرا عن شرفها المصون ليعلن أنه ( حصانٌ من أكُف اللامسينا ) أرايتم كبف هى الطرق المختصرة للدليل القاطع والبيان بالعمل ؟
ياما تحت السواهى دواهى فى عصرنا هذا أقصد حمالات الصدور حمّالات الأوجه هذه.
سأعود الى رحلتى مع صديقىَّ النميرى دياب و التوم على سالم ( أبوجيبين)
هبّاره رايك شين
جنّحتى بى أب جيبين
الأخير أصبح كاتباً بدونكى أم سنطه بعد أن فقد ناقته الهبّاره هل تعرف ماذا يعنى كاتب دونكى فى ذلك الزمان؟
كان يعنى الشخص الثالث بعد شيخ الطريق وشيخ الفريق مباشرة فى الأهمية والنفوذ .
يومها كانت المقولة المتداوله : ( أمس رفعنى الكاتب والليله رفعنى الزيّاتْ وبُكره فيها يرفعنى الغفير فيها ما يرفعنى ) ورفعنى تعنى منع بهائمى من الشرب وأجّله ليوم غدٍ أى والله عبارة تسمعها من كل بدوى ينتظر دوره فى إيراد إبله بمحطة مياه أم سنطة فى زمن قريب .
ثلاثة أيام وإبله فى انتظار الشرب ، كانت ثروه مهوله تلك التى يجمعها الصيف فى الدَمَرْ ويفرقها الخريف فى الصعيد والشتاء فى الجِزو.
سأحكى قليلاً عن الجغرافيا فمن سلسلة جبال الحتّان ( الكَرَبه) وحتى تخوم منطقة ام قوزين يتدلى وادى حَمّوره أو وادى أم سنطه الذي لا يخلو كيلو متر واحد فيه من بئر سطحية وكلها لا تكفي ثروتنا فمن ليس له بئر عليه أن تنتظر دوره بمحطة المياه ة ويقبَل بالرفع .
ولمحطات المياه أو الدوانكى هذه قصة سمعتها من بعض الثقاة قيل أن الزعيم الأزهرى حين زاره لأول مرة وفد الكبابيش بزعامة الشيخ محمد على التوم ( المُر) وكانوا من أنصار الحزب الإتحادى سلّمَ الأزهري على أحد المرافقين للمر على أنه شيخ محمد مما تسبب فى حرج كبير للأزهرى حين نُبه لذلك وقد أولَم الزعيم الأزهرى للشيخ المٌر فى بيته مع وفده (لا أذكر أنها دعوه إفطار أم غداءْ ) دعا لها رئيس الوزراء يومها كل أركان حكومته كنوع من الإعتذار .
قال فى نهايتها للمر : هذه حكومتي وهؤلاء الوزراء كلهم تحت أمرك أطلب ما تريد.
فماذا طلب الزعيم ؟
طلب عدد (10 ) محطة مياه يختار هو مكان حفرها وقد أستجيب له وتحركت الحفّارة برفقته .
قد يقول قائل لماذا دوانكي فقط ؟ وهذا سوْال يحتاج لشرح طويل وأطول منه حديث السياسة وكل بوقته طالما أن إبن سرحتها يكتب.
كل هذه المحطات والآبار لا تكفى فما الحل إذن ؟
الإجابة تجدونها فى رباعية جمعة ود جوده متوجهاً بالسؤال لأصحاب الإبل :
عطشتوها رايكُن كيف ؟
قطّاعة السقارير فى ليالى الصيْفْ
مى الصهريج قليل مابِسقى أم الديف
بلا النَعْ البِخِلًى الفُوده سلَّتْ سيف
السقارير هى الاراضى الممحله ومى تعنى ماء وام الديف هى الناقه والنَعْ هو المطر والفوده هى الأرض الطينية التى تتحتفظ بمياه الأمطار ولاتتشربها كالرملية وتكوِّن ما يُعرَف بالأضَاه حتى لو كانت فرشاحه *(هذه لك يا صديق الشيخ) هل تذكرهذه الكلمة ؟
*هذه المفرده يستعملها المذكور أعلاه حبن يريد وصف شخص بالضحاله :
( دى زول فرشاحه ساكت) أبلغ وصف نجرناه سوياً . (حقوق النجر محفوظة)
قلت لرفيقىَّ بالتايوتا مستغرباً حين لم نعثر على إبل النميرى ولا أىٍّ من سكان أم سنطه:
أين ذهبت ثروة هذه المنطقة ؟
و كأنى لدغتُ أبوجيبين بالسؤال ليقول :
عندى لك الخبر اليقين (فقد جئتنى فى قبولى وقابلتنى فى سبعه من الأتوه بلغة أهل الوست.
ياعزيزى بصفتى كاتب الدونكى حالياً فإن ما يرِد لدّى بعد تقسم ال(11) ضِما الصيفبه على أصحاب الإبل (4) مراح فقط نصيب سكان المنطقة البقية كلها آتيه من الصعيد يا للهول .
الضما بكسر الضاد تعنى عدد الأيام التى تقضيها البهائم بلا ماء ويقصدون به الظمأ فالإبل ظمأها فى الصيف 9 - 11 أيام والضان 5 أيام والبقر يومان .
سمعت قريباً أن التوم أبو جيبين دخل في حرب أسعار مع أصحاب الآبار السطحية الذين أدخلوا نظام الطلمبات وأصبحوا يسحبون المياه منها والزبائن منه فالمنافسة أصبحت على ال4 مراح المتبقية ويا للمأساة فالبادية قد شبعت موتاً إذن .
شاهدت أبناءها يجنّدون مقابل250 جنيها شهرياً لضباطهم وحمكداراتهم منها حقٌ معلوم ليحاربوا بالوكالة عن القوات المسلحة والقابعون بمكاتبهم بالخرطوم تحت مسمى حرس الحدود ( ألف سين ) .
ويحاربون من ؟ جيرانهم بإقليم أصبح مثل مشروب البايسون تماماً ( كله حركات) . أبو التشبيه ذاتو .
لم تعد هناك جدوى للرعي فى بلد ماتت أشجاره وأطياره وإنعدم أمنه و هذه الحركات الدارفورية قضت على المتبقى من غزلان إستجارت منا بالصحراء لتجد نيران أكثف ومطارد أسرع يدعى التايوتا ( الغزال لاتتعدى سرعتها ال90 كلم/ساعة والتايوتا تصل أكثر من 130كلم على الطرق غير الممهده .
وليت الحركات توقفت عند هذا فقد قضت حتى على ثقافتنا وأمثالنا فقد كان لنا مثل يقول : ( دع أحَبَ أولادك إلى قلبك ينام بأقصى الشمال) لماذا ؟ لأن الشمال دوماُ أكثر أمناً من الجنوب والآن أصبح الشمال هو الأكثر خطراً.
أحدثكم عن ماذا ؟ المواضيع تفرّخ أخرى والحديث ذو شجون وآلام فإن نقلت ما وصل إليه الناس من فقر سأبكى (العرائس والشيوخ وذلك الغيم الذى يمشى جوار الله حتى لا يطيق الإكتناز بماءه فيسيل )كما قال مريد البرغوثى فى رنّة الإبرة .
أأحدثكم عن ذاك البدوي الذي جذع حين فقد جمله الوحيد الذى يتعيش به جذعاً جعل الناس يأتونه مواسين يقولون إن الله قادر على عيشك بدون هذا الجمل ليرد بكل بساطه : (عيشته لى بجملي أعرفها وبدون جملي أعرفها ) يقصد أن الله سيذله بلا جمل .
ببساطه البدو لا يعرفون غير هكذا أعمال فقد سأل العم عبد الرحمن خليفة هذا الرجل موضوع بحث كامل ذكرياته قد تفوق ذكريات حسن نجيله روعة إن حكاها وقد حكى لى الكثير، وللاسف انه إختار ليبيا وطنا بديلاً منذ عقد من الزمان .
سأل العم عبدالرحمن شاباً بدوياً :
من أين أتيت؟
- من أم درمان
- و ماذا كنت تفعل هناك ؟
- كنت سارح لى فى مطعم .
كله عند العرب سروح وليس صابون فبحكم أميتهم لا بديل للرعى الا الرعى.
محمد الطيب حنفى 2/6/2010م
[email protected]
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.