في قصة "أجمل رجل غريق في العالم" ألبس (ماركيز) الواقعية السحرية أبهى حللها، ليعبر عن قيمة الإنسان .. ف (استبان) الغريق المجهول الذي استقبلته القرية "استقبال الأبطال" .. وكللته بالورود والرياحين قبل أن ترده إلى البحر رداً جميلاً .. ما هو إلا رمز لقيمة الإنسان المنسية .. تلك القيمة/القضية التي تتجاوز عزلة عوالم (ماركيز) اللاتينية إلى محيط كل قارئ ! .. (ليبيا) تشبه هذه الأيام قرية (ماركيز) .. ورجلها الغريق الجميل بحسبها هو (عبد الباسط المقراحي) المدان بالتورط في تفجير طائرة ال بان .إم الأمريكية في سماء (لوكربي) .. الرجل الليبي الغريق يحتضر بسبب السرطان .. عاد إلى بلده بخطوات الميت .. فاستقبلته البلد "استقبال الأبطال" : بالأعلام والورود والنشيد الوطني ! .. تماماً كما استقبلت (أوروبا) الممرضات البلغاريات العائدات من (ليبيا) والمدانات ب "حقن الأطفال الليبيين عمداً بفيروس نقص المناعة المكتسبة" ! .. ذات المجتمع الأوروبي الذي يشجب اليوم استقبال (المقراحي)، وقف وقتها مع (بلغاريا) عندما أصدرت سلطاتها عفواً شكلانياً عن الممرضات وزميلهن الطبيب الفلسطيني الذي منحته الجنسية البلغارية .. صدر العفو قبل أن تطأ أقدامهم الأراضي البلغارية ! .. لم يبد القضاء البلغاري أي بادرة تحرك أو استعداد للنظر في القضية، بحسب الاتفاق، تجاهل تحري العدل في قضية لا يمكن الجزم بعدم احتمال صحة التهم المنسوبة فيها قبل إعادة المحاكمة ! .. دعك من الخلفيات السياسية المعلومة وراء التصعيد الليبي للقضية .. ودعك من التشكيك الأوروبي في نزاهة القضاء الليبي .. ودعك من إمكانية تلفيق السلطات الليبية للقضية .. ماذا عن الأبعاد الإنسانية للقضية .. ماذا عن موت ( 56طفلاً، وإصابة 439طفلاً وأماً مرضعة) ؟! .. بالنسبة لأوروبا التي تحتج اليوم على (كيفية) استقبال (المقراحي) المدان بالقتل، لم يكن المهم يومها هل ارتكبت مواطناتهم تلك الجريمة أم لا .. ولم يكن المهم هو حق الأطفال الضحايا وأمهاتهم .. بل كانت القضية : توجيه اتهام إلى "إنسان غربي" في بلد غير غربي .. وعليه فالجهود يجب أن تتوحد لإخراجه وإعادته سالماً .. (بس) ! .. لاحظ أن (المقراحي) الذي يقف اليوم على شفا قبره، قد تم الإفراج عنه مقابل أن يقوم بسحب طلب استئناف قضيته .. وتم أطلاق سراحه لا ليعيش بل ليموت .. بينما أفرج وقتها عن الممرضات البلغاريات، على وعد بإعادة المحاكمة، تبخر قبل أن تطأ أقدامهن أرض بلادهن ! .. حكاية (الخيار والفقوس) لا تشمل المتهمين والمدانين فقط .. بل تمتد إلى ما يعرف ب (أسر الضحايا) .. أمريكا وأوروبا تتحدث اليوم عن مراعاة مشاعر أسر الضحايا عند استقبال القاتل المحتضر .. بينما وقفت تهلل لاستقبال الأبطال الذي حظيت به الممرضات البلغاريات، ولم يفكر أحد بمشاعر أسر الضحايا في (ليبيا) وقتها .. ضحايا الفقوس ! .. وغداً قد نسمع عن إطلاق سراح مختطفي أطفال (دارفور) الفرنسيين .. والسبب أي عذر فطير .. مثلاً .. أن القضاء الفرنسي لا يطبق عقوبة الأشغال الشاقة التي حكم بها القضاء التشادي ! .. وإذا ما احتج قائل بأن (تشاد) قد اشترطت ألا يتم تخفيف الحكم عن المدانين إلا بموافقتها .. قد يعاجله ثوب العفو الرئاسي المعلق على مشجب الدلال الفرنسي .. إنها قيمة الإنسان المنسية ! .. يحدث هذا لأن المجتمعات لا تستوعب (قيمة الإنسان) فجأة .. أبداً .. قيمة الإنسان هي شجرة وعي، والديموقراطية أهم عناصر تمثيلها الضوئي ! منى أبو زيد