[email protected] أحسب أن دعوة الرئيس السوداني عمر البشيرإلى القوى السياسية السودانية كافة، حكومة ومعارضة، حتى المجموعات التي تحمل السلاح، والتي حرص على تأكيد جديتها بالإعلان عن إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وبالفعل خرج عدد منهم طليقاً من محبسه في ذات الليلة. وقد جاءت هذه الدعوة الرئاسية للحوار الوطني تتويجاً للقاءات سياسية بين قيادات القوى السياسية، حكومة ومعارضة، داخل السودان وخارجه. ومما لا ريب فيه أن هذا الحراك الوطني السياسي الذي تشهده البلاد هذه الأيام، متزامناً مع الضائقة التي استحكمت حلقاتها، دفعت الرئيس البشير إلى التفكير الجاد في الإفادة من المستجدات السياسية التي أحدثتها تلكم اللقاءات السياسية، والعمل على تأكيد ضرورة انتظام الجميع في حوار وطني لا يستثني أحداً ولا يقصي فصيلاً ولا يعزل فريقاً، بل من الضروري أن يكون هذا الحوار الوطني مدخلاً مهماً من مداخل معالجة الوضع الراهن المأزوم الذي استحكمت حلقاته الساسية والاقتصادية والاجتماعية، والبحث بجدية وصدق عن أسباب الفرج القريب الذي من أُولى أولوياته الحفاظ على وحدة أراضي السودان، ومن ثم إزالة مهددات كيان الدولة وبنيانها. ولكن في الحقيقة، أن الاستجابة إلى دعوة الرئيس البشير المتعلقة بالحوار الوطني لكافة القوى الوطنية السباسية، بما فيها الحركات المسلحة، تتطلب في البدء إلى إدراك حقيقة مهمة وهي أن الثقة بين النظام والمعارضة مفقودة، لذلك نحن في حاجة إلى بذل المزيد من الجهد، خاصة من قبل المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) من أجل بناء الثقة وتأكيد المصداقية. وأن يشمل إعلان الرئيس البشير الخاص بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين الذي أعلنه في خطابه لدى افتتاحه لأعمال الدورة الجديدة للهيئة التشريعية القومية يوم الاثنين الماضي، إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، بما فيهم المحكوم عليهم أو الذين نفدت محكوميتهم، ولكنهم ما زالوا رهن الاعتقال. ومن المهم أن تكون هناك ثمة إجراءات ووقائع مشهودة في ما يتعلق ببسط الحريات، بحيث تنداح هذه الحريات بحقٍ وحقيقةٍ في شتى المجالات تنظمها الاُطر القانونية والدستورية، وتضبطها المسؤولية الوطنية. ومن الضروري أيضاً أن تعمل الأجهزة المعنية في كفالة مناخ حقيقي للحرية، وبسطها للجميع، والعمل الجاد على ضمان حرية التعبير للأفراد والجماعات والتأكيد على أهمية حرية التعبير وحرية الصحافة والإعلام، لا سيما وأن الصحافة والإعلام منوط بهما تنوير الرأي العام وإحداث الوعي العام حول قضايا الوطن الكبرى، وتشكيل أُطر الرأي العام وهياكله حول قضايا الحوار الوطني. ونجدد مناشدتنا للرئيس البشير أن يُصدر عفواً رئاسياً في حق الكتاب والصحافيين الممنوعين من الكتابة في الصحف بالعودة إلى مزاولة الكتابة، والإسهام في الحراك الوطني الذي تشهده حالياً البلاد. وأحسب أن الرئيس البشير في ذلكم الخطاب حرص على تأكيد التزام الدولة بتهيئة المناخ لإجراء حوار وطني حقيقي بين القوى السياسية السودانية كافة، حيث قال: “نجدد التزامنا بتهيئة المناخ لكافة القوى السياسية التي أدعوها إلى إعلان استعدادها للحوار الجاد والتفاهم حول الآليات التي تنظم ذلك الحوار". فمن هنا ينبغي أن يتوافق الجميع على أجندات وطنية لتفعيل آليات الحوار الوطني المنشود لمعالجة قضايا الوطن كافة، وأن تكون مُخرجات هذا الحوار الوطني معالجة توافقية لمشاكل السودان السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أخلص إلى أن دعوة الرئيس البشير إلى الحوار الوطني بين القوى السياسية الوطنية كافة، حكومة ومعارضة، في حاجة إلى إرساء دعائم مهمة يقوم عليها هذا الحوار الوطني. وأحسب أنه غير المعقول أن يكون البعض أسرى لمرارات الماضي، لا بجدون فكاكاً منه، فنحن لا نقول إن عليهم نسيان أو تناسي تلكم المرارات، بل نريدهم أن يتجاوزوها ويتساموا عنها، ويلتمسوا في ذلك فقه العفو والصفح، مصداقاً لقول الله تعالى: "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.َلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيل". كما على المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) أن يقدر أكثر من غيره أسرى مرارات الماضي، ويعمل جاهداً معهم في رفق ولين، على مساعدتهم في تجاوز مرارات الماضي والتسامي عنها، كما أ نه على هؤلاء ضرورة تجاوز هذه المرارات، لاستشراف آفاق الحاضر والمستقبل من أجل مصلحة السودان. وفي رأيي الخاص، من الضروري البدء الآن في البحث الجاد عن آليات وأجندات هذا الحوار الوطني، والعمل على تفادي هيمنة طرف من الأطراف المشاركة في هذا الحوار الوطني والانفراد بوضع أجنداته دون توافق وطني، مما يعني فشله الأكيد، وتكون هذه الدعوة مثل غيرها من الدعوات التي لم يحالفها التوفيق. وأحسب أن الجميع يحرصون هذه المرة على أن يحالف دعوة الرئيس البشير إلى حوار وطني التوفيق والنجاح، لأن الوطن ينادي الجميع لتداركه من المخاطر المحدقة به! ومن الضروري أيضاً البحث عن كيفية إغراء حاملي السلاح للإنخراط في هذا الحوار الوطني. فليس من المتوقع أن يلقي حاملو السلاح أسلحتهم ويأتون زُمراً وفرادى إلى الحوار الوطني ما لم تكن هناك ضمانات كافية وجهود مخلصة لمعالجة قضاياهم وقضايا الوطن، بعيداً عن إغراءات المال والمناصب. وليتوافق الجميع على مصالحة وطنية أو توافق وطني، يُعيد بناء اللحمة الوطنية، ويحافظ على وحدة أراضي السودان، ويحقق الخير للعباد والبلاد، وما ذلك ببعيد على الله، إذا اعتصم السودانيون بحبله المتين، وأخلصوا النيات وعقدوا العزم من أجل وطنهم السودان. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: "يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ. وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ". وقول الشاعر أبي الطيب أحمد بن الحسين المتنبيء: على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم ص الرأي/ الأهرام اليوم/ يوم الخميس 4/4/2013