بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: «هَذَا بَلاغٌ لِلْنَّاس وَلِيُنْذَرُوْا بِه وَلِيَعْلَمُوَا أَنَّمَا هُو إِلَهٌ وَاحِد وَلِيَذَّكَّر أُوْلُو الألْبَابْ» ..الآية هذا بلاغ للناس توطئة: * بعيداً عن المزايدات والمكايدات الحزبية الضيقة ، ومن أجل الوطن والمواطن علينا أن نطرح هذا السؤال وهو الأهم، وللإجابة عليه لا بد من أن نستصحب معنا ما كتبه الدكتور قطبي المهدي من مقالات أو ما أطلقه من تصريحات إضافة لما كتبه الأستاذ/ مكي المغربي بالأمس تحت عنوان " رابحون وخاسرون من كمبالا ونقاط أخرى،" ، إذ تعرض لموضوع ترشح الرئيس لدورة قادمة ، وأحسب أن الأستاذ مكي كتب بدافع من إحساس الصحفي المراقب والمحلل للمشهد وقد أصاب في تحليله الذي أيضاً أشعر فيه بقلقه على مصير ومستقبل الوطن، فلا مندوحة من أن أستطرد بطرح هذا السؤال علني ألقي بعض الضوء على عوامل متراكمة أو مستجدة تساعد في إيجاد الإجابة. المتن: * عندما أبدى الأخ الرئيس عدم رغبته في الترشح لم يربط الأمر بعدد الفترات التي يسمح له الدستور بالترشح فيها ولكن الرئيس في حديثه للراية كان واضحاً في زهده فلم يربط الرجل عدم رغبته في الترشح بالمسألة الدستورية إن سمح بذلك، فالدساتير عقود يمكن تعديلها وقد حدث هذا في كل زمان ومكان، ولكنه حديثه كان عن طول مجمل لفترة التي قضاها في الحكم منذ قيام الانقاذ وقال أنها كافية ويجب أن يفسح المجال لدماء جديدة. * برأيي كانت ستكون كافية وأكثر لو كان السودان يعيش في ظروف سياسية داخلية إقليمية ودولية طبيعية، وبرغم أن هناك من الزعامات الحزبية التي تريد أن تحمل الانقاذ مسئولية كل الأحداث والتطورات السياسية التي أدت إلى انفصال الجنوب ولكنها برأيي لا تعدو إلا أن تكون مزايدات ومكايدات حزبية ضيقة ، تحاول كثير من الأحزاب أن تعلق فيها فشلها على مشجب الانقاذ علماً بأن هذه الأحزاب أحزاباً تاريخية تأسست قبل الاستقلال وقد خاضت جميعها انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة وبعضها فاز وحكم ولكنها في نهاية الأمر فشلت فشلاً ذريعاً في إدارة شئون البلاد. * وأيضاً كانت ستكون كافية لو أن الانقاذ والمؤتمر الوطني لم يمارسا ذات الممارسة التي مارستها كل الأحزاب التاريخية والتي لم تفسح المجال لتهيئ صف ثاني وثالث ورابع من قادة المستقبل لتحمل الراية من بعد القادة التاريخيين الذين اتصفوا بالنرجسية و"الكنكشة" في كراسي الحكم ، فها نحن نرى أن المؤتمر الوطني يقوم بذات اللعبة، فذات الوجوه ظلّت باقية على المسرح رغم تغير الأدوار ،حتى أنه كلما أُعلن عن تغيير أو تعديل وزاري ندعو الله أن تختفي بعد أن تُجرى تغييرات شاملة كاملة وجذرية ولكن حالما نصاب بالإحباط لأن التغيرات تأتي بتغيير المواقع فقط وكأنهم قطط بسبعة أرواح ، وربما أن ولاة الأمر في بلادنا يؤمنون إيماناً قاطعاً وراسخاً بأن السودان بلد " قارة " ويجب أن تحكمه حكومة ضخمة ومترهلة تليق وحجمه ومساحته وتسمح بالتوزير للمحافظة على توازنات وترضيات لا تجلب للحكومة وجع الرأس، فنحن النظام الوحيد الذي شرعن التفاوض مع كل متمرد يحمل السلاح وتوزير من هو ليس بأهلٍ للوزارة ولا يحمل من مؤهلاتها غير بندقيته ، على كل حال أخاف أن يأتي علينا يوم يصبح عدد الوزراء أكبر من عامة الشعب وعندها سنواجه مأزق حقيقي إذ أن نصف الشعب سيدفع ضرائب لتأمين مرتبات نصفه الآخر من الوزراء ، لذا تفتق العقل الجهنمي باستنباط " الجبايات"!! الحاشية: * أتمنى أن لا يصر الرئيس البشير على موقفه من عدم الترشح، ولتكن الدورة القادمة هي آخر دورة ، أولاً لأنه وقلة قليلة جداً من بعض رموز الانقاذ سواء مدنيون أو عسكريون يجدون القبول من مختلف شرائح هذا الشعب، شرط أن يذهب فور فوزه بكل الوجوه التي ملها الشعب ، خاصة وأن بعضها تدور حوله شبهات فساد وتربح ولا يجدون قبولاً من الجاهل والمتعلم من شرائح الشارع السوداني، ربما أن هناك بعض الوجوه التي أصبحت تستغل وفاء الرئيس لأصدقائه ورفاقه ولكنها أصبحت تمثل عبئاً عليه فيتحمل وزر أفعالها. * أتمنى على الرئيس أن يعيد للحركة الاسلامية لحمتها ونقائها وطهرها، بعد أن أصبح بعض رموزها الذين أغراهم السلطان وملك عليهم أفئدتهم وعقولهم حتى تناسوا ونسوا القيم الرسالية التي تربوا عليها في دوحة الحركة الاسلامية ومسئولياتهم في تربية أجيال وقادة يحملون الراية جيلاً بعد جيل ، فرأوا أن بقائهم يكمن في استئصال الرحم الولود، هذه الفئة هي التي تحاول الامساك بتلابيب السلطان حتى ولو اتخذوا هذا القرآن مهجورا!! * وبالتالي تصبح مسئولية الرئيس في المرحلة القادمة تطهير الحزب من مدمني السلطان ومن تدور حولهم شبهات كانوا أحد أهم الأسباب في وصم الحركة الاسلامية ورمزها من قبل الأحزاب المنافسة المعارضة سواء كانت تلك التهم صحيحة أم مكايدة أو من باب تصفية الحسابات بأنه لم يمر السودان بهذا الحجم من الفساد إلا عندما حكم الاسلاميون ، فبدلاً من أن تكون الحكم الاسلامي تجربة رائدة أصبحت توصم بالفساد المُصلّح الغاطس أهله حتى الأكتاف في وحله!! الهامش: * مهمة الرئيس مهمة عسيرة وإن توافرت الارادة فلن تكون مستحيلة، فالبلد تمور بالجهويات والقبليات والإثنيات بالرغم من أن الوحد توحد عقدياً ولغوياً بعد انفصال الجنوب ، وبمنتهى الأمانة فالإنقاذ ساهمت بشكل فاعل في إيقاد جذوتها ، فأصبحت بعد القبائل تستأثر بالفرص الوظيفية بل وفي الترقي مما جعل البعض يشعر بالضيم والتهميش!! * مهمة الرئيس ليست سهلة إذ لا بد من مراجعات دقيقة لخطط التنمية التي تستأثر بها ولايات دون غيرها ويجب أن نكون صرحاء وواضحون وأن لا ندفن رؤوسنا تحت الرمال وندافع عن الباطل ، بل أن خير وسبيل للمعالجات الراشدة هي تشخيص العلل ومواجهة الحقائق حتى ولو كانت مرة. إن بعض الولاة يمارسون القبلية والجهوية حتى داخل ولاياتهم، والدليل لماذا الهجرة من الريف إلى حواضر الولايات والعاصمة القومية، فهل جاءت الانقاذ لنعمل على تفريغ الريف من أهله الذين يمتهنون الزراعة ثم نأتي ونتحدث عن النهضة الزراعية ، أليس من الأولى والأجدى أن نعمل على توطين الزراعة في أماكنها؟! * ليبس صعباً أن تشيع العدالة الاجتماعية إذا ما ضرب الرئيس في فترة رئاسته القادمة رؤوس الفساد حتى يعم الأمن الاجتماعي ويبدأ بترشيد الحكم الولائي حيث أصبحت للمحليات جيوش من الجباة " يشلحون الفقراء" فيزدادون فقراً ، بينما الفسدة من " الماموث" والأناكوندا" والكومودو" يزدادون شحماً ولحماً وتخمة حتى أصبح نسبة الفقراء بين الشعب السوداني 96% أصبحوا تحت خط الفقر، وأن الثروة تجمعت في يد كثير من المفسدين أو المتربحين أو مستغلي النفوذ. إن المزاوجة بين أهل السلطة وأهل المال تولد من رحمهما فئة فاسدة من "نوع ثالث" يصعب توصيفه وهؤلاء لا رحمة ولا هوادة ولا قيم ولا أخلاقيات تحكم أدائهم!! قصاصة: * لقد أصبح البشير شخصية مقبولة رغم المآخذ التي شابت الكثيرين من أركان حكومته ومع ذلك فإن معظم الشعب السوداني بدأ يحس بقيمة " الأمن" الذي يعيشه حينما رأى من حوله الفوضى الخلاقة التي ضربت كثير من الدول التي أطلق عبيها "دول ثورات الربيع العربي"، وحقيقة الأمر حتى اللحظة لم نر زهرة واحدة تفتحت في بستان هذا الربيع!!، فالمواطن في تلك البلدان ناهيك عن الغلاء الطاحن أصبح يفتقد نعمة الأمن!! * السودان يمور بحركات جهوية مسلحة شعرت بأن الأرض ضاقت عليها بما رحبت لأن القادة الأفارقة بدأ وعيهم السياسي يزداد بعد أن أدركوا مخاطر وخطورة هذه الحركات المتمردة المسلحة على أمن ورخاء شعوبهم ، لأنهم تعلموا من المشاهد الكارثية التي تدور في دولٍ حولهم، وهذا ما أشار إليه الأستاذ مكي المغربي. * نعم نحن في أمس الحوجة لأن يترشح البشير لدورة ثالثة، ولكن شريطة أن يذهب بالوجوه المشبوهة والتي " كنكشت " في كراسي الوزارة عقوداً يتنقلون من وزارة إلى الأخرى عند كل تعديل أو من موقع تنفيذي إلى آخر دستوري أو تشريعي ويرمي بالفاسدة والمتربحون منهم في مزبلة التاريخ ويكرم من أعطى وأنجز ويقول له كفاك وشكر الله سعيك لقد أعطيت ووفيت وآن لك أن تترجل ويأتي شباب أطهار أنقياء لتولوا زمام الأمور ويعيدوا للمحرومين الابتسامة، لقد آن لك أخي الرئيس لتسدي للسودان آخر جميل عندها سيذكرك الشعب السوداني والتاريخ بألف خير!! * تعاقب على حكم الشعب السوداني ثلاث عهود لحكومات حزبية أتت عبر صناديق الاقتراع، وقد كانت دائماً أعمارها قصيرة نسبة لممارساتها التي هوت بالوطن وإنسانه إلى حضيض الحضيض، وحتى باغ بها الأمر إهمال وتوفير الأمن للمواطن في عهودها، وخلت عهودها أيضاً من أي تنمية أو إنجاز يذكر يمكن أن يعود للشعب بالفائدة، ومرّ الشعب السوداني أيضاً بثلاث حقب عسكرية شمولية لم يعترض عليها الشعب حينما ألقت بالحكومات الديمقراطية في مزبلة التاريخ ورغم ما يشوب هذه الشموليات من تقصير ظل الحريات وتزكم رائحة الفساد والتربح واستغلال النفوذ ولكن مع كل ذلك كل هذه السلبيات هناك انجازات لا ينكرها إلا جاحد سواء في حقبة عبود أو النميري أو البشير لأن العسكر يملكون الارادة السياسية ولأنهم يوفرون الأمن لشعوبهم ، فما أحوجنا اليوم إلى البشير حيث تمور الساحة بحركات أشبه من الشيفونية منها إلى المتمردة ويمكن أن نتوقع منها أي تصرف همجي فهي لا تتورع من أن تتبع شرعة الغاب للتنفيس عن أحقادها!! عوافي...