مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    ماذا بعد انتخاب رئيس تشاد؟    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان ومونديال التنمية البشرية .. بقلم: الصادق الحاج عبدالله
نشر في سودانيل يوم 23 - 04 - 2013

انتظم برنامج الأمم المتحدة الانمائي منذ العام 1990في اعداد ونشر تقرير التنمية البشرية في العالم، الذي تظهر فيه نتائج أداء الدول نحو تنمية مواطنيها وخصائصهم. فكرة التقرير من ابتداع العالم الباكستاني محبوب الحق وشاركه في تطوير الفكرة زميله أمارتيا صن، صاحب كتاب التنمية حرية الذي ترجمته ونشرته سلسلة عالم المعرفة. اهتممت من قبل عقد من الزمان بالتقرير. زاد اهتمامي منذ ثلاثة أعوام فأصبحت أنتج مقالاً وأنشره. وكان مبعث الاهتمام الاخير أن أداء السودان في التقرير أصبح ملفتاً للانتباه، بتراجع السودان من مستوى دول التنمية البشرية المتوسطة إلى دول التنمية البشرية المنخفضة. وأهدف من مقالي عن التنمية البشرية أن اثير الانتباه لهذه الظاهرة. وفي العام 2011 كتبت بعد أربعين يوماً من ظهور التقرير في سماء الانترنت، وقد بحثت لكي أعثر على تعليق صادر من جهات سودانية ولم أجد من ذلك شيء. وكنت قد تمنيت أن تجد كل التقارير التي تصدر عن المنظمات والهيئات العالمية قراءة وتشريحاً وتقويماً لحال السودان بأيادٍ وعقولٍ سودانية لكي ينصلح الحال. فنتائج التقارير إما أن تكون خاطئة لتعالج، وإما أن تكون صحيحة فتعمد الجهات المعنية لمعالجة أوجه الخلل واصلاح الحال.
لكن لفت نظري مؤخراً خبر ورد في نشرة العاشرة لتلفزيون السودان، هذا في الفاتح من ابريل الجاري، ذلك أن الأمانة العامة لمجلس الورزاء في أحد اجتماعات اللجان الفنية ناقشت أمر السودان في تقارير المنظمات العالمية. واقرب تقريرين، في تقدير الكاتب، يمكن أن يكونا وراء إثارة اهتمام الأمانة العامة لمجلس الوزراء هما تقرير تصنيف الفريق القومي الذي جاء في الموقع 133 بعد أن كان متقدماً. أو تقرير التنمية البشرية الذي صدر في منتصف مارس، على غير العادة وكانت نتيجته ليست لافتة للانتباهة فحسب ، لكن يمكن أن يصاب السوداني قارئ التقرير بنوبة من العطاس الحاد. وأقرب الاحتمالات أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء أهمها هذا التقرير على غير العادة، فاستعرضت الأمر في اجتماع وكلاء الوزارات.
لقد كنتُ هناك في قاعة الشارقة، بجامعة الخرطوم، عندما أجرت وزارة التخطيط الاجتماعي (وقتها) بروفة لانتاج تقرير السودان الأول للتنمية البشرية للعام 1998(الصورة). ولكن مع مناقشة المسودة اعترضت المنصة بحجة أن المعايير وعلى رأسها معيار تعريف الفقر غير متفق عليه، فتوقف التقرير هنالك. لكن ظلت معلومات عن السودان حاضرة في تقارير التنمية البشرية مثل أي قطر آخر. وقد شحذني ذلك الموقف للمتابعة والتعرف على مفاهيم الرفاه الاجتماعي واساليب قياس الرفاه الاجتماعي حتى اقف على المعانى التي اتفق عليها العالم ولم نتفق معه فيها، كما بدا لي في قاعة الشارقة. ولم أجد مفاهيماً صدرت من عندنا لقياس التنمية والسعادة لدينا غير المفاهيم التي يتعامل معها العالم عبر منظمته الدولية. بل إن محبوب الحق نفسه كانت ذاته المسلمة هي التي دعته لابتكار تلك المعايير. فجمعت تلك المفاهيم والبيانات والتجارب في كتاب اسميته مقدمة في التنمية البشرية وأهداف الالفية. ولم اقف عند ذلك فقد استطعت بحول الله أن أوزرع المفاهيم التي وردت في الكتاب وفي تقارير التنمية البشرية على أكثر من ألفين من النساء والرجال والولدان، الذين لا يستطيعون حيلة ولا يجدون سبيلاً للتدريب و التبصير بمعايير الحياة.
ولقد تابعتُ في الشبكة الدولية للمعلومات خبراً قبل ثلاث أعوام أن وفد السودان استعرض تقرير التنمية البشرية السوداني للعام 2010 بنيويورك والذي انجز بكفاءات سودانية خالصة. ونشر الخبر في موقع وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي ولم ينشر التقرير. لا بد أن محتويات التقرير وجدت طريقها لتقرير التنمية البشرية العالمي الذي يصدر من نيويورك. واخشى أن يكون ذلك التقرير هو الذي نقل السودان إلى درجة التنمية المنخفضة. لكن قبل ذلك وبعد ذلك ، لا شك أن هناك دراسات ومسوحات وتقارير استراتيجية صدرت عن السودان وجدت محتوياتها الطريق إلى تقرير التنمية البشرية العالمي. وتصدر تقارير صندوق النقد الدولي عن السودان بواسطة فرق عمل من بينهم دهاقنة الخبراء السودانيين في الاقتصاد والاجتماع، وتمثل تلك الدراسات مرجعية البيانات الصادرة عن السودان (راجع تقرير البنك الدولي عن السودان، الصادر في يونيو 2003 والذي غطى فترة الاستراتيجية العشرية كاملة والتقارير اللاحقة في موقع تلك المؤسسة المالية، والتي تطلب بواسطة وزارة المالية والبنك المركزي،. وتحوي تلك التقارير كل شاردة من احصاءات السودان واردة في التقرير. كذلك راجع لائحة الخبراء الذين يشاركون في تلك التقارير. وحتى وقت قريب كان يصدر تقرير السودان الاستراتيجي عن مركز الدراسات الاستراتيجية. بالطبع اختفى منذ عهود تقرير السودان الزراعي السنوي، ولم يك شيئاً مذكوراً. أيضاً بيانات الجهاز المركزي للإحصاء منشورة في شبكة المعلومات الدولية وأهمها نتائج التعداد السكاني. ومثل صورة المدرسة السودانية والتي نشرت في الصحف المحلية ومواقع الانترنت.
مسار تقرير التنمية البشرية:
كانت التنمية تقاس قبل محبوب الحق بالمؤشرات الاقتصادية التي تشمل معدل نمو الاقتصاد ومعدل دخل الفرد والناتج القومي الإجمالي وما يلي ذلك من مؤشرات. وبناءاً على ذلك يتم تصنيف دول العالم إلى دول الدخل العالي (العالم الأول)، دول الدخل المتوسط (دول العالم الثاني أو الدول النامية) ودول الدخل المنخفض (العالم الثالث أو دول الدخل المنخفض).
وقد رأى محبوب الحق أن مؤشرات الاقتصاد لا تعكس حال الناس ومستوى معيشتهم. لذلك لا بد أن تقاس التنمية البشرية بمؤشرات أخرى غير مؤشرات المال والاقتصاد. فأقام محبوب فكرة تقرير التنمية البشرية التي تقيس النمو عبر عدد السكان ومؤشرات الولادات وحالة الصحة والمرض والموت وحالة التعليم والقدرة على القراءة والكتابة ومعدلات فرص العمل الكريم والعيش الكريم ومعدل العمر عند الموت، وحالة حقوق الإنسان وحالة مشاركته في القرارات التي تؤثر على حياته ، إلى غير ذلك. ومن هناك طوّر خبراء المنظمة طرائق انتاج تقرير التنمية البشرية بشكل راتب منذ العام 1990. ليبلغ عدد التقارير المنتجة واحد وعشرين تقريراً. ويبنى تقرير التنمية البشرية العالمي على نتائج تقارير الدراسات والمسوحات والأوراق العلمية التي تقدمها مؤسسات وعلماء البحوث والإحصاء و ورش العمل. يسر الحاسوب المهمة ليخرج النتائج من بين مصفوفات ومتناثرات نتائج واضحة للعيان. يبقى دور العلماء استنساخ النتائج والتفاكر حولها واستصدار التقارير. وقد اعتاد كل تقرير أن يغطي قضية انسانية بصورة اساسية، وفي ذلك لا ينسى ايراد البيانات كاملة بكل المؤشرات (راجع نسخة تقرير 2013).
تقرير التنمية البشرية امتحان مفتوح لكل النجباء:
أصبح تقرير التنمية البشرية منذ صدوره في العام 1990، الأداة الأولى في العالم التي ترصد تقدم البشرية عبر الخصائص الانسانية من صحة وتعليم ورفاهية وتصدر ترتيب الدول حسب حالة حياة البشر فيها. بذلك يمثل التقرير المرآة والمنظار الذي ينظر فيها لحال الناس. وعبر أعداد التقرير المتسلسلة تجد أي دولة موقعها إن كان ذلك صعوداً أو هبوطاً أو مراوحة في نطاق معين.
وعلي نتائج هذا التقرير ينقسم العالم إلى أربعة اقسام شهيرة، هي العالم الأول (دول التنمية البشرية المتقدمة )، العالم الثاني (دول التنمية البشرية العالية)، دول العالم الثالث (دول التنمية البشرية المتوسطة) ودول التنمية البشرية المنخفضة، ولا يقال دول العالم الرابع (تأدباً). وبصدور التقرير تجد كل دولة مكانها بين الدول، فدول لها الصدر من العالمين، ودول اخرى لها من العالمين دون ذلك ا!!.
وتقرير التنمية البشرية امتحان وبحث علمي تفاعلي مفتوح، يشرح فيه خبراء المنظمة كيف ترصد الدرجات، وتستجيب لاي دولة تطلب منها المساعدة في اعداد التقرير. ولا ترفض أن تستخدم الدولة خبراءها الوطنيين بانتاج معلوماتهم ومن ثم انتاج تقريرهم باستخدام المعايير المذكورة. وتستخدم البيانات الصادرة من الاجهزة الحكومية من المدارس والمستشفيات ومعسكرات النازحين وهيئات الماء والكهرباء والبنوك المركزية ومخزون الطعام وحالة اصحاح البيئة ومياه الشرب النقية. ثم بعد صدور التقرير تستعد المنظمة للاستجابة لأي دولة تطلب مراجعة النتيجة إذا شكت فيها. وتعلن للملأ أن نصوص تقارير التنمية البشرية تتوفر على موقع المنظمة العالمية على الرابط .http://hdr.undp.org في أكثر من عشرين لغة، كما تتوفر أوراق البحث حول التنمية البشرية، والوثائق الساندة وقواعد بيانات مؤشرات التنمية البشرية في البلدان، وتتوفر شروح حول المصادر والمنهجيات المعتمدة في حساب أدلة التنمية البشرية، والملامح القطرية، وغيرها من المواد المرجعية التي يبني عليها التقرير والمنهجيات المعتمدة في حساب أدلة التنمية البشرية. كما تعلن المنظمة الدولية أن خبراءها على استعداد أن يحضروا بأنفسهم أو أن يدعوا خبراء القطر الذي يرغب في ذلك لزمان ومكان سوى. وقد حدث أن دولة (افريقية) واحدة على الأقل اعترضت على نتيجة التقرير واتفق معها بعد المراجعة بتعديل بعض محتويات التقرير، فكسبت بعض الدرجات التي كسبت بها موقع مختلف. بل وقد نالت دول اشادات وشهادات تقديرية في انجاز محاور تنموية بصور استثنائية، مثل سريلانكا في تقليل وفيات الامهات، واثيوبيا في رفع معدلات ادراج التلاميذ في المدارس. وربما نالت كوستاريكا شهادة في تسريح جيشها بكامله.
-2-
السودان ومونديال التنمية البشرية.
تقرير التنمية البشرية للعام 2013
صدر تقرير العام 2013 على غير العادة مبكراً في منتصف مارس الماضي، ذلك لعودة التقرير لميقاته القديم بعد ادماج معلومات تقرير 2012، ذلك للتحسب لقمة التنمية البشرية في يونيو 2015 والتي ستقام بعد خمس عشرة سنة من قمة الالفية في العام 2000 التي اعتمدت أهداف التنمية البشرية الثمانية الشهيرة. حيث كان التقرير يصدر في نوفمبر من كل عام. لكن بهذا الترتيب ستصدر المنظمة تقريرين قبل القمة بدلاً من تقرير واحد. وستصدر قمة 2015 استراتيجية جديدة للتنمية، بدأت تصاغ على قدر في أهداف التنمية المستدامة.
حمل تقرير التنمية البشرية للعام 2013 عنوان نهضة الجنوب (جنوب الكرة الأرضية طبعاً)، تقدم بشري متنوع. ليعلن للناس أن دول الجنوب قادت تيار التنمية البشرية بشكل غير مسبوق، خلال ربع القرن الأخير. الآن تقدمت دول الجنوب في تيار التنمية البشرية وعلى راسها الصين والهند والبرازيل وكوريا وتونس وبنغلاديش، ايران، وغانا لتحقق استراتيجية خفض الفقر بمعدل 50% قبل عام 2015. فقد أصبحت بلدان الجنوب تنتج نصف انتاج العالم بعد أن كانت تنتج الثلث في بداية الاستراتيجية. وأن تلك الدول استخدمت محركات ثلاث للدفع تجاه أهداف التنمية البشرية الاول قيادة الدولة الانمائية والثاني اختراق الاسواق والثالث صياغة سياسات اجتماعية ضمنت المشاركة والمساءلة ومزيد من المساواة.
تقدمت دول في التنمية البشرية و تأخرت أخرى:
في مسار التنمية البشرية وتحدياتها خلال العشرين عاماً الماضية أحرزت دولًٌ عديدة رغم تواضع دخلها مكاسب كبيرة في الصحة والتعليم. بالمقابل أخفقت دول أخرى في تحسين ظروف مواطنيها رغم صلابة الأداء الاقتصادي لديها على مدى عقود. وقد وضح أن التحسن يتحقق بالإرادة السياسية الثابتة والقيادة الشجاعة والالتزام بقضايا التنمية الاساسية. وقد تبين أن كثيرا من الدول الأشد فقراً أحرزت مكاسب كبيرة في سبيل التنمية البشرية. بلدان حققت معجزات في التنمية البشرية ، مثل اندونيسيا، كوريا (الجنوبية) والصين تونس وعمان ونيبال. حيث كان التقدم ملحوظاً في التنمية البشرية غير المرتبطة بالدخل. ومن الدول الإفريقية إثيوبيا (نالت جائزة التقدم في التعليم)، بتسوانا بنين وبوركينافاسو كانت ضمن البلدان التي أحرزت تقدماً واضحاً. كانت الصحة والتعليم هما المحرك الرئيس في عملية التقدم. كما إنه من المؤسف أن بلداناً أخرى تراجع ترتيبها حسب دليل التنمية البشرية عما كانت عليه في تقرير 1990. في معظم الحالات كان وراء عملية التراجع حالات النزاع التي تسود المجتمع، وانتشار الأمراض الخطرة، خاصة الإيدز وسوء الإدارة الاقتصادية. فالبلدان المتقهقرة تعاني عاملا ً أو أكثر من العوامل المذكورة. وأن دولاً مثل كوستاريكا وكوبا تمكنت من تحقيق تنمية فاقت دولاً أخرى تماثلها في مستوى الدخل. كما أن منظمات المجتمع المدني ساهمت في بعض التجارب في كبح جماح السوق والدولة معاً. وأن نحو مائة واربعين بلدأ تنتج تقريرها بنفسها بمساعدة المنظمة الدولية، و ترى نفسها بنفسها في مرآتها.
ومن النتائج أن النمو الاقتصادي وحده لا يحقق التنمية البشرية، فلا بد من سياسات مناصرة للفقراء . وأن تقشف الدولة أحياناً ينزل ثقله على الفقراء وليس على مظان الصرف الباذخ في الدولة. كما أنه من النتائج أن الإزدهار هو وقت التقشف وليس التقشف وقت الركود. كما أن التقشف في مصروفات التعليم يؤدى لركود التنمية البشرية على المدى الطويل.
نتائج أداء السودان في مونديال التنمية البشرية:
المتابع لأداء السودان في سلسلة تقرير التنمية البشرية ، المراجع للمواقع الالكترونية لن يجد تعليقات من جهات سودانية (وأعني الجهات المختصة على المستويات الوزارية والبرلمانية والهيئات المركزية، بل ومواقع وقنوات الاعلام السوداني الاكثر توزيعاً وانتشاراً). ماذا يفعل البرلمان بشقيه؟ من يا ترى منهم من لاحظ أداء السودان حتى في تقرير الفيفا؟ و يبدو أنه لا أحد يعلم أن تقريراً للتنمية البشرية يصدر، وأن السودان يحتل فيه موقعاً تماماً مثل النرويج وكندا وموريشس وغيرها.
الآن صدر تقرير التنمية البشرية للعام 13 وقد مضى عليه شهر. وجدت تعليقات عربية من تونس وليبيا والبحرين وقطر ولبنان وقد كتبوا عن أداء مجموعة الدول العربية. لكنّي لم أجد تعليقاً من السودان، وأرجو أن يخطئني أحد ويرد عليّ زعمي هذا. سأعلن أسفي لذلك، سأقول إن أردتُ إلا الاصلاح ما استطعت. اورد أحد المواقع اللبنانية، فيما أورد من تعليق على التقرير : تضمّ المنطقة العربية(19دولة) دولتين في مجموعة التنمية البشرية المرتفعة جداً هما قطر والإمارات العربية المتحدة، وثمان دول في مجموعة التنمية البشرية المرتفعة هي: البحرين، والكويت، والمملكة العربية السعودية، وليبيا، ولبنان، وعُمان، والجزائر، وتونس؛ وست دول في مجموعة التنمية البشرية المتوسطة هي: الأردن، وفلسطين، ومصر، والجمهورية العربية السورية، والمغرب، والعراق؛ وثلاث دول في مجموعة التنمية البشرية المنخفضة هي: اليمن، وجيبوتي، والسودان. وتفاصيل ذلك كالآتي:
تصدرت قطر القائمة واحتلت المرتبة ال36 عالميا، “كحالة غير مسبوقة في التقدم البشري من حيث سرعتها واتساع نطاقها". تلتها الإمارات في المرتبة ال41، ثم البحرين التي جاءت في المرتبة ال48، في حين تذيل الترتيبَ عربيًا السودان (171) فجيبوتي (164) ثم اليمن (160).وأشار التقرير إلى أن المنطقة العربية تضم دولتين في مجموعة التنمية البشرية المرتفعة جداً هما قطر والإمارات، وثماني دول في مجموعة التنمية البشرية المرتفعة هي البحرين (48) والكويت (54) والسعودية (57) وليبيا (64) ولبنان (72) وعُمان (84) والجزائر (93) وتونس (94).وجاءت ست دول في مجموعة التنمية البشرية المتوسطة هي الأردن (100) وفلسطين (110) ومصر (112) وسوريا (116) والمغرب (130) والعراق (131). كما جاءت خمس دول في مجموعة التنمية البشرية المنخفضة هي اليمن وجيبوتي والسودان وموريتانيا وجزر القمر، وبقي الصومال خارج التصنيف.
الذي يراجع تقارير التنمية البشرية العالمية سيجد أن أفضل ترتيب أحرزه السودان كان في الأعوام 2001 و2003 حيث أحرز الموقع 138. كان حينذاك يحرز السودان تقدماً في معدلات التنمية البشرية باستمرار، لمدة ستة سنوات متتالية، ليحتل مكانه بين دول التنمية البشرية المتوسطة حيث أحرز في تقرير العام 2009 معدل ال(0.531). لكن عاد ترمومتر معامل التنمية البشرية السوداني وانخفض في تقرير 2010 إلى إلى اقل من (0.4). لينخفض إلى دول التنمية البشرية المنخفضة في تقرير عام 2010، أي في دول المجموعة الرابعة (يستطيع الرياضيون تصور هبوط فريق ما من درجة لأخرى أكثر من غيرهم). رغم ذلك فقد تحسن الأداء قليلاً (كما يقول الرياضيون بالنقاط) خلال تقريري 2011 و2013 إلا أن التقدم المحرز لم يكن كافياً لإعادة السودان إلى مجموعة التنمية البشرية المتوسطة. ولقد احتل السودان مواقغ مختلفة خلال العقد الاخير كما في الجدول .
ما الذي يجعل السودان يفقد مواقعه في تقارير التنمية البشرية هكذا تباعاً؟. لا بد أن هناك من البيانات والاسباب ما يجعل موقع السودان يتقهقر. هذا رغم صدور تقرير السودان وبأيدي سودانية (هذه هي الصفة الوحيدة التي سيجدها الباحث في الشبكة العنكبوتية عن تقرير التنمية البشرية في السودان وهذا لعمري حالة من الشفافية (أوالعتامة) التي هي ايضاً من معايير التنمية البشرية. ولا شك أن بيانات من شاكلة أن نحو أربعة مليون من السودانيين نازحين (معايير متدنية في الصحة والتعليم والأمن البشري) تجعل السودان يفقد مواقعه بصورة دراماتيكية. ومن التقارير السودانية الداخلية، التي تلفت النظر تقرير مسح الاسرة للعام 2006، الذي رصد تفاقم حالة وفيات الأمهات. وما أورده مدير الجهاز المركزي للإحصاء عن حالة الفقر في السودان. تقارير أخرى أشارت إلى أنه بحساب الموارد الاقتصادية يكون السودان ضمن أغنى سبعين دولة في العالم.
تابعتُ تقارير التنمية البشرية منذ أول تقرير مكتمل في الشبكة العنكبوتية بصيغة البي دي إف، منذ العام 1999، ثم بدأت أكتب وأنشر بدءاً من العام 2010، و2011، نشرت لي جريدة الاحداث تلك الملخصات والتعليقات. واخذت منها مواقع المعلومات وعلقتها على شبكة العنكبوت. وقد قلتُ أن كل الدنيا تكتب وتعلق على هذا التقرير الخطير، إلا السودان، لا بواكي له. ويشهد المتابع أن قنواتنا امتلأت تعليقاً ونحيباً على خروج فريقي القمة وعن نتائج تصنيف الفريق القومي السوداني بين الفرق الافريقية ليحتل الموقع 133 بين دول العالم في كرة القدم (هل يا ترى هناك أثر لحالة التنمية البشرية المنخفضة في نتائج الكرة؟). لا شك أن هناك الكثير الذي يمكن تحليله من نتائج السودان في تقارير التنمية البشرية. وأن هناك جهد قبلي وجهد بعدي يمكن أن يبذل للتحقق والتأكد من النتيجة بشكل قاطع. فإن كان هناك انتباه لما نكتبه فهناك ما سنضيفه، وإن لم يكن انتباه فتكفي هذه الإشارة.
[email protected]
20 ابريل 2013


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.