* إلى وقت قريب كان من النادر أن ارى جدي أو جدتي ومن يماثلهم في السن يترددون على المستشفيات بحثاً عن الشفاء والدواء، كانت الصحة عال العال رغم صعوبة الحياة وشظف العيش في ذلك الزمان. أمراض ذلك الجيل كانت قليلة وإن وجدت يتم معالجتها بأدوية تقليدية دون الذهاب إلى المستشفى أو التردد على الطبيب، كان ذلك في أرياف السودان وبشكل خاص في ولاية الجزيرة. لكن الصورة تغيرت اليوم رأساً على عقب، إذ أصبحت ولاية الجزيرة تشكل أعلى الولايات على مستوى السودان من حيث الاصابة بأمراض السرطان وفقاً لإحصائيات المعهد القومي لبحوث السرطان. ووزير الصحة بولاية الخرطوم يؤكد أن عدد الحالات التي ترد لمركز السرطان بودمدني تبلغ 9 آلاف حالة سنوياً... ما هي أسباب الزيادة الفلكية في حالات مرض السرطان بولاية الجزيرة. هنالك قرى بالجزيرة يفوق عدد مرضاها المعدل الطبيعي مقارنة بعدد سكانها. إحدى القرى بلغ حالات السرطان فيها أكثر من مائة وخمسين حالة رغم أن إجمالي سكانها لا يتجاوزون خمسة آلاف نسمة. لا أعرف السبب طبعاً، ولكني افترض أن هناك من يعرف من أهل العلم والاختصاص. إلا أن ما استرعى انتباهي هو دراسة علمية حديثة تؤكد أن 60% من الأمراض لها علاقة بصحة البيئة. تقول تلك الدراسة التي أوردتها صحيفة آخر لحظة أن (60% من المترددين علي العيادات الخارجية والمؤسسات العلاجية يحملون أمراضاً لها علاقة بصحة البيئة) وحذرت الدراسة من تلوث مياه الشرب واختلاطها بمياه الصرف الصحي وخطورة التلوث على صحة الإنسان، مطالبة بمنع التصديق لآبار "السايفون" لخطورتها علي البيئة والمياه الجوفية. وحددت الدراسة أكثر الأمراض التي تنتج عن تلوث مياه الشرب مثل الكبد الوبائي والتايفويد والإسهالات والملاريا والدسنتاريا. * من المفارقات أن آبار “السايفون" لم تعد قاصرة على المدن وحدها، بل وصلت إلى القرى والأرياف. ذهبت ذات مرة لزيارة أحد الأقارب في منزله فوجدت عدداً من العمال يحفرون بئراً داخل منزله، وعندما سألته قال إنه يقوم بحفر "سايفون". بدأ الأمر غريباً لأننا لم نعتاد أن نرى "السايفون" في أريافنا وبوادينا، فما يزال استخدام الصرف التقليدي هو السائد. وعندما رأى دهشتي واستغرابي أكد لي أن آبار "السايفون" أصبحت شيئاً عادياً في قرى الجزيرة، ولم يعد الأمر مثاراً للدهشة والاستغراب. * لكم أن تتخيلوا قرية صغيرة لا يزيد عدد سكانها عن 5 ألف نسمة وبها أكثر من 7 آبار "سايفون" حفرت في تربة طينية تتصدع منازلها خلال فصل الأمطار بفعل تشققات الأرض. والأهم من هذا وذاك حياة الناس والآثار السلبية الكبيرة التي تتسبب فيها هذه الآبار على صحتهم، فهي تحفر بطرق بدائية، مما ينتج اختلاط مياه الصرف مع المياه الجوفية التي يشربها الناس ويستخدمونها لأغراضهم المختلفة. * السؤال الذي يفرض نفسه: هل حفر آبار "السايفون" في مثل هذه المناطق يتطلب الحصول على تصاديق من المحليات، أم أن الأمر يتم خبط عشواء؟ إذ أن جل مشكلات اختلاط المياه الصالحة للشرب مع المياه السطحية التي تستخدم للتصريف تحدث بسبب عمليات الحفر العشوائي غير المدروس. Ayman Abo El Hassen [[email protected]]