استئناف المفاوضات بين الحكومة وقطاع الشمال أمر غير مستبعد الحدوث، لكن استمرارها ونجاحها لا أحد يستطيع الجزم به ، اذ ان الاحداث الحالية المتمثلة فى استمرار القتال بين الطرفين في ظل اجواء الحوار الذي توقف قبل ايام، تكاد تكون نسخة مكررة لاحداث وقعت في وقت مضي مع ذات الحكومة لكن مع اختلاف الطرف الآخر. انفضت الجولة الاولي للحوار بين طرفا التفاوض "الحكومة وقطاع الشمال" توفقا يوم الجمعة الماضية بعد ان وصلا لطريق مسدود، وما هي الا ساعات على فشلها حتى وقع الاعتداء على مدينة ام روابة شمال كرفان، في محاولة من التمرد للفت الانظار بعد اظهار قوته العسكرية املاً في ان يكون موقفه التفاوضي اقوي خلال الجولة المقبلة حسبما اعتبرته الحكومة، خاصة اذا تعنتت الحكومة ورفضت عودة التفاوض بسبب هذا الهجوم. بيد أن الحكومة رجحت الاستمرار في التزامها بمواصلة التفاوض مع قطاع الشمال بمعزل عن تلك الأحداث، فالوفد الحكومي المفاوض قطع قيام المباحثات مع قطاع الشمال في موعدها، ونفي صدور قرار بتأجيلها اوتعليقها، واكد المفاوضيين عودتهم للتفاوض متي ما حددت الوساطة موعداً للجولة المقبلة، واعتبر رئيس وفد الحكومة المفاوض ابراهيم غندور ان إعتداء الجبهة الثورية على عدد من المناطق في شمال كردفان مجرد محاولة لفرض أمر واقع يعتقدون خطأ بأنه سيغير الأمور في المفاوضات، واعتبر الاعتداء على المواطنين جريمة ضد الإنسانية وضد فكرة الدفاع عن المهمشين واعتبره أشبه بعمل قطاع الطرق، خاصة وان المفاوضيين يدعون بانهم يعملون من اجل المواطن حسب قولهم . لكن هنالك اصوات برزت داخل اروقة الحكومة وبدت غير مرتاحة لقرار عودة وفد الحكومة لطاولة المفاوضات الا بعد الثأر من المعتدين على شمال كردفان باعتبار ان العودة ستجعل وفد الحكومة منكسرا امام وفد قطاع الشمال، المنادون بذلك يعتقدون ان عدم الثأر تنازل عن القيم والمبادى. حتي ان البعض فسر تصريحات النائب الأول للرئيس علي عثمان محمد طه بإن المرحلة الحالية للحسم والقضاء على التمرد والخارجين عن القانون واستعادة الأمن كاملاً، وان ماحدث بمدينة أم روابة وبعض مناطق شمال كردفان لن يتكرر مرة أخرى، بانه يتعارض مع استئناف المفاوضات، ولكن لكل اتجاه حسب كان جرى بين الحكومة والحركة الشعبية ابان مفاوضات "نيفاشا" حيث كانت تتصاعد اصوات البندقية عند بداية كل جولة . المفاوضات التي جرت بين الحكومة وقطاع الشمال مؤخرا بالعاصمة الاثوبية اديس ابابا انتهت دون توافق بين الاطراف ويتوقع تحديد الجولة المقبلة الاسبوع المقبل، وحاول الوسيط الافريقي بقيادة ثامبو امبيكي تقريب وجهات النظر بين الاطراف المتفاوضة من خلال الاجتماعات المثكفة مع كل طرف على حدا ثم الجمع بينهم، فطرح امبيكي على الاطراف مسودة للتفاوض تتعلق بالترتيبات الامنية رفضها طرف الحكومة برئاسة البروفسير ابراهيم غندور، وتحفظ عليها قطاع الشمال برئاسة ياسر عرمان،بينما تمسك وفد الحكومة على مسودة طرحها تتعلق بضرورة الاتفاق على وقف إطلاق النار والدخول في عملية التفاوض المباشرة ببند الترتيبات العسكرية والأمنية، في المقابل تمسكت الحركة الشعبية قطاع الشمال بمسودتها الداعية لضرورة فتح المسارات الإنسانية وتوصيل المساعدات للمتضررين، وهو الامر الذي اعتبرته الحكومة محاولة لاعادة تشوين الحركة وليس اغاثة المواطنين، خصوصاً ان الحركة انقطعت عنها خطوط الامداد عقب توقيع اتفاقيات التعاون مع دولة جنوب السودان، وهكذا تمترس الطرفان في مواقفهما ورفض كل منهما تقديم تنازلات فرفعت الجولة. ورغم اتهامات قطاع الشمال للحكومة بعرقلة العمل الإنساني في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، لانها لا تملك جديدا لتقدمه خلال الجولة الماضية ، ولكن الواضح ان قطاع الشمال حاول فرض مزيد من الضغط على الخرطوم لتقوم بتقديم تنازلات إضافية تمكن القطاع من تحقيق أجندته التي يطرحها، الشاهد ان الاسلوب الذي انتهجه قطاع الشمال لا يمكن تفسيره إلا في هذا الاطار وفقاً لمواقف مشابهة وقعت خلال مسيرة التفاوض مع الحركة الشعبية لتحرير السودان قبل الانفصال، وهو يعرف بالاسلوب التكتيكي من خلال استغلال موضوع الاوضاع الانسانية املاً في استجداء المجتمع الدولى ليقف خلفه فى سبيل اغاثة المواطنين المتضررين. لكن وفد الحكومي من خلال تجاربه السابقة كان يعي هذه المسالة فاكد اثناء الجولة موافقته على تقديم المساعدات بما لايتعارض مع سيادة الدولة وابدي استعداده لتنفيذ الاتفاقية الثلاثية بشأن الاوضاع الانسانية في المنطقتين. ولا تخفي الحكومة تبرمها من فتح عدد من العواصم ابوابها لقيادات قطاع الشمال مما يجعلها تستقوي عليها وتفرض اجندتها وفقما نقله وزير الخارجية على كرتي للامين العام للامم المتحدة بان كي مون خلال لقاءه به على هامش الاجتماع رفيع المستوي للجمعية العامة للامم المتحدة بنيورك بقوله "ان الإستقبال الذي يحظى به قادة المجموعات المتمردة بجنوب كردفان والنيل الازرق في بعض العواصم يجعلهم غير حريصين على السلام لأنهم يجدون الدعم من تلك الدول"، ورغم هذا التبرم اكدت الحكومة حرصها على التوصل لتسوية في المنطقتين لتحقق الأمن والاستقرار . asmahan faroog [[email protected]]