من العسير على المشتغلين بمسألة الوعي أن تشغلهم القضايا اليومية التي تتبرع بها الأجهزة الأمنية بقذف بالونات تشغل العامة والخاصة بقضايا تصرفهم عن قضايا الدولة ،التي جثت على ركبتيها تستجدي من حولها الرحمة من الشواظ الناري المسلط على عجز أداء الدولة التام ، وعلى فشل إدارة شئون " بيت التمكين " عند " الجماعة " ، وفي ذات الوقت عشوائية إدارة الهدم المؤسس لدولة أضحت في ذيل قوائم دول العالم " الفاشلة. " (2) أعتب على الكثيرين من انشغالهم بالشأن العام اليومي ، في حين أن المفكرين يتعين أن ينظروا من علٍ للجغرافيا السياسية للدولة التي يُستقطع أطرافها يومياً وبطرائق متسارعة ومذهلة ، وتفوق أحياناً سرعة طفرة العولمة والإعلام في أطراف الدنيا. (3) اندهشت جداً ان تقوم إحدى شركات الاتصالات بتكريم مبدعين، وعبر إحدى القنوات التلفزيونية الحكومية، ولمدة تجاوزت الساعتين؟؟ . وعلمت أن شركة " زين " كشركة عابرة للقارات ، قد تقدمت بنصيب وافر من المسئوليات الاجتماعية فنالت المرتبة العاشرة ضمن الشركات الرأسمالية في منطقة الشرق الأوسط. وكنت أري أن المبدعين تكرمهم الجمعيات وروابط المبدعين ،ويمكنها أن تحدد لهم جوائز رمزية وتقديرية. لقد انتهي زمن الدولة الشمولية التي تكرم مبدعيها، والذين يسخّرون أدبهم لخدمتها ونشر ثقافتها وفكرها .ففي زمن العولمة ،تراجعت ملامح الدولة الوطنية في اقتصاديات العولمة وما حولها ، واستشرت البضاعة العابرة للقارات . (4) تذكرت كيف كانت الشركات متعددة الجنسيات تلعب دوراً في تشكيل السياسة في العالم ففي سبعينيات القرن الماضي،كان المثال الأبرز هو ما حدث في السودان،عندما لعبت شركة"لونرو" دوراً لوجستيا في إجهاض حركة 19 يوليو، وهي المستثمر الأكبر في صناعة السكر بمشروع كنانة لاحقاً !. وتحركات "توني رولاند"،في هذه الاحداث معروف قصتها الكاملة . ومن الأمثلة أيضاً : كان هناك الدور الذي لعبته شركة الاتصالات الامريكية "أي تي تي" في تقويض نظام "سلفادور اليندي" بدولة شيلي ذات التوجه الاشتراكي ، الذي انتُخب ديمقراطياً عام 1970 ،وإسقاط نظامه بواسطة جنرالات الجيش في 1973) . ومن تداعيات تلك الأحداث ، رحيل المبدع الشيلي " بابلو نيرودا " عقب اغتيال الرئيس " سلفادور أليندي " في قصره ، ويحقق القضاء هذه الأيام أن رحيله ربما كان مُدبراً ! . ومن تداعيات تلك أن قامت جائزة تحمل سيرة المبدع " بابلو نيرودا" . ( وقد نال الفنان والمطرب " محمد عثمان وردي" جائزة الشاعر الشيلي "بابلو نيرودا "للإبداع في الغناء الوطني عام 1974 م ) . هذا العالم وقد صار صغيراً بالفعل ! (5) مفهوم في عالم الأعمال اليوم أن ترعي الشركات أنشطة ثقافية واجتماعية وخيرية في البلدان التي تعمل بها.وبدرجات متفاوتة وبشفافية عالية ومعلومة للجميع،ويظهر هذا الدعم في ميزانيتها السنوية وبنظُم مؤسسية . لكن ما يحدث في السودان، وفي ظل دولة لا تتمتع بأي شفافية فإني اتوجس أن تضيء تلك الشفافية في ظل التعتيم من حولها . فصارت تلك الشركات هي التي تحمل آلة التصنيف والاختيارالتي تحدد بها الأعمال الابداعية،مع وجود اتحاد للكتاب"يهز ويلز"،له مشاركاته المعلومة في كل الحقب السياسية التي مر بها السودان فالمنظومة التي تعمل بها شركات الاتصالات بالسودان على سبيل المثال ،وبتوجيهات من الهيئة المنظمة لأعمال هذه الشركات، صارت تتلقي تعليمات بتعيين الموالين للنظام، وصرف الاعانات المالية للأفراد والهيئات ذات الصلة بالنظام ويحال لها آلية تكريم المبدعين، الذين ربما ستلزمهم يوماً بعمل قصائد في مدح هذه الشركات،وتأليف أشعار تكون جزءاً من الدعاية لهذه الشركات ،علماً بان أكبر هذه الشركات قد قابل مالكوها رئيس الجمهورية لينقلوا تظلمهم من عدم امكانية تحويل أرباحهم الي الخارج، مع إجراءات بنك السودان الاخيرة ، فماذا يمكن أن يحدث ؟! . نترك الأمر لفطنة القارئ أو القارئة . (6) فها هي"زين" قد بدأت بتكريم المبدعين، وملكت لنفسها دورا ليس لها، فالمسئوليات الاجتماعية الحقيقية تنتظر من دعم المؤسسات الخدمية التي تنصلت من عبئها الدولة .وقد يأتي يوما في الخيمة الكبرى للمسئوليات الاجتماعية بلا ضابط ،ان تقوم هذه الشركات بالوسيط لإجراء مصالحة سياسية بين الاحزاب والنظام، أو ان تمول انقلابا علي السلطة،كما حدث في شيلي عام 1972 .؟؟؟؟ المراجع : * LONRHO:A FACE OF A MULTINATIOAL COMPANY-BY SUZAN KRONJI * THE SOVEREIGN STATE OF ITT-By ANTHONY SAMPSON يوسف إدريس [email protected]