ندوة الشيوعي    "المركز الثالث".. دي بروين ينجو بمانشستر سيتي من كمين وولفرهامبتون    منتخب الضعين شمال يودع بطولة الصداقة للمحليات    الإعيسر: قادة المليشيا المتمردة ومنتسبوها والدول التي دعمتها سينالون أشد العقاب    "قطعة أرض بمدينة دنقلا ومبلغ مالي".. تكريم النابغة إسراء أحمد حيدر الأولى في الشهادة السودانية    د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذه حكايات بلدي (2) .. بقلم: المهندس كمال شبر
نشر في سودانيل يوم 27 - 05 - 2013

لم نكن من أولئك الكوكبة من رجال الوطن الأوفياء الذين شاركوا وكانت لهم مساهمات في بناء وانجاح اكبر مشروع مروى بين أحضان انهار النيل الأبيض والأزرق ولكن سنحت لنا الظروف أن نكون من الشاهدين وان نتعايش ونعاصر البعض من هؤلاء الرجال الشرفاء خلال فترة زمنية هامة في تاريخ هذا الوطن الغالي حيث كنا نقضى معهم كل أيام الإجازات السنوية ونحن طلاب بالمراحل الثانوية والجامعية بعيدا عن أجواء العاصمة وسط المزارع والحواشات مع أهلنا الطيبين ووسط أجمل بقعة مخضرة في بلادنا هي ارض الجزيرة الخضراء.
" من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله علي فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " صدق الله العظيم
هكذا تعودنا التحدث عن بلادنا بكل عزة وافتخار تعودنا أن نتحدث عن جمال الطبيعة فى بلادنا وعن خضرتها ومزارعها وأشجارها وحدائقها وترابها وأراضيها وسهولها ومدنها وقراها وحاراتها وعن نهر النيل الأزرق ونهر النيل الأبيض فى انسيابهما من الجنوب الى الشمال . تعودنا أن نتحدث عن عذوبة تلك المياه وعن خصوبة تلك السهول التي تحتضنها انهار النيل شرقا وغربا في أواسط السودان من ارض الجزيرة تعودنا أن نتحدث عن عطاء تلك الاراضى الطيبة والممتدة من منطقة سنار وحتى جنوب الخرطوم ولأرض الجزيرة بين انهار النيل الأزرق والنيل الأبيض حكايات فهذه الأرض هبة من الله لأهل السودان الطيبين .
لقد نجح المستعمر الانجليزي فى اكتشاف تلك السهول وتلك الاراضى الخصبة التى كلها خيرات وكلها عطاء وكان تأسيس مشروع الجزيرة أكبر مشروع زراعي مروى فى قارة أفريقيا حيث تأتى المياه من تلك الأنهار لتروى أراضى المشروع وكان الهدف الرئيسي الاستفادة من أرض السودان وزراعة تلك السهول الخصبة بمحصول القطن ليمد المصانع البريطانية للنسيج ولقد كان من أجود أنواع القطن طويل التيلة وقد كان المشروع ناجحا فالأنهار كانت توفر المياه لترويه والأرض كانت خصبة ولقد كان لتأسيس خزان الروصيرص ومن بعده خزان سنار دور فى تغذية المياه لري المشروع والذى عرف بمشروع الجزيرة وبمساحة ألف فدان ومع انسياب مياه انهار النيل من الجنوب الى الشمال ومع سدود خزانات الروصيرص وسنار ومع القنوات الرئيسية والقنوات الفرعية والجداول لتغذية هذه السهول بالماء والحياة والتى كانت تعرف بابو عشرين وابو ستة فى شبكة لنظام الري كانت تغذى وتروى المزارع فى تلك السهول لتزداد وتتضاعف المساحات المزروعة وكان تأسيس مشروع امتداد المناقل مكملا لمشروع الجزيرة لتصبح المساحات المزروعة أكثر من الالفى فدان .
هكذا تعودنا أن نتحدث عن بلادنا وعن سهولها ومزارعها المخضرة وعن رجالها الذين بذلوا الكثير لرفعة هذا الوطن ولإنماء هذا المشروع وقدموا الكثير من التضحيات منهم من عمل مفتشا زراعيا ومنهم من عمل فى مراكز الأبحاث ومحاربة الآفات الزراعية ومنهم من عمل فى المحالج فالمشروع منظومة متكاملة بالرجال المؤهلين بشهادات عليا فى مجال الاقتصاد والزراعة والصناعة والهندسة منظومة متكاملة بخيرة الموظفين والمزارعين والعمال ولقد كان لهؤلاء المزارعين حكايات نضال ومقاومة ضد المستعمر الانجليزي عندما علموا ان خيرات هذا البلد لاتذهب لاهليهم وكان نتاج تلك المقاومة تأميم المشروع ليصبح تحت إدارة سودانية وأيدي سودانية وقد شملت المنظومة كذلك مجلس لإدارة المشروع بالإضافة إلى الهياكل التنظيمية وتشكيلات الباشمفتشين والمفتشين الزراعيين والموظفين والمزارعين والعمالة منها الموسمية ومنها من يأتي مهاجرا من الشمال أو من أقصى الغرب ولقد كان لمنظومة المشروع حكايات .
ولقد شملت هذه المنظومة السودانية الرائعة تلك السهول والمزارع والحواشات ومحصول القطن والمحاصيل الأخرى وعطاء الأرض وانهار النيل والقنوات وشبكة الري الممتدة في أعماق هذه السهول بالإضافة إلى الآليات والمعدات المساندة والقطارات وسكة حديد المشروع والتفاتيش وسرايات المفتشين الزراعيين وتلك المدن التي نمت وتطورت داخل ارض الجزيرة وتلك القرى داخل ارض المشروع والتي كان يسكنها أولئك الرجال الأوفياء المخلصين من المزارعين .
لقد تم توزيع المشروع الى مناطق عدة ومزارع وتم تخطيط أنظمة الري لترويها وتم تخطيط الدورات الزراعية وجدولتها لزراعة محصول القطن والمحاصيل الأخرى من القمح والذرة والفول السوداني والأعلاف والخضروات ولقد تم توزيع المزارع إلى وحدات كل وحدة الى ثلاثة أقسام لتحقيق المناصفة وتحقيق الشراكة مع المزارعين كل قسم فى حدود الخمسة فدان الى عشرة فدان القسم الأول لزراعة القطن والثاني يقوم المزارع بزارعته من المحاصيل المختلفة حسب متطلبات الاستهلاك المحلى والقسم الثالث ارض بور يتم استغلالها مستقبلا.
والجدول الزمني لزراعة محصول القطن كانت يستمر لفترة تسعة شهور يشمل عمليات تحضير الأرض والإعدادات والتجهيزات والحفريات وأعمال الحراثة والزراعة ومتابعة نظام الري ومتابعة النمو وأعمال النظافة اليومية والدورية وأعمال محاربة الآفات الزراعية وأعمال الحصاد واللقيط ومراقبة الجودة والنوعية وتأتى بعد ذلك أعمال التعبئة والنقل إلى المحالج بمدن الحصاحيصا ومارنجان ومرحلة أخرى للشحن والترحيل إلى ميناء بور تسودان للانتقال إلى مراحل التصدير الأخيرة.
ومن هذه الكوكبة من الرجال الأوفياء بالمشروع كان المفتش الذي ترك بهرجة وأضواء المدينة وترك اجتماعيات الأهل والأقارب وترك وسائل الحياة السهلة والميسرة وآثر الحياة الصعبة وسط حواشات الغيط والسكن فى السراية كما يحلو تسميتها فهي المسكن له ولأسرته مبنى مبسط تحوطه غابة من الأشجار الشوكية ويوجد كذلك سكن للخفير مع أسرته والسرايات دائما ما تكون قريبة من الترع الرئيسية وكل الطرق المؤدية إليها ترابية وكل الطرق التى يستخدمها المفتشين للوصول للمزارع والحواشات ترابية وكانت وسيلة المواصلات المتاحة للمفتش هي عربة الموريس ماينور الانجليزية الصنع ورغم إنها كانت صغيرة لاتكفى لكامل أفراد الأسرة إلا إنها كانت للخدمة الشاقة وقطع مسافات طويلة تمتد لمئات الكيلومترات يوميا للقيام بعمليات التفتيش والسراية دائما ما تكون وسط مزارع الغيط بعيدة عن المدن والقرى التي يقطنها المزارعين وأقرب قرية أو حلة تبعد حوالي الخمسة عشر إلى عشرين كيلومتر وأقرب بقاله فى القرية لشراء بعض المستلزمات الضرورية جدا من سكر وشاي وزيت وللتسوق وشراء الاحتياجات الغذائية كان على المفتش أن يقطع مسافات طويلة لإحدى المدن القريبة مثل المسلمية أو الحصاحيصا أو ود مدني وأحيانا بركات أيهم اقرب الى مكان عمله والسراية كانت بكهرباء محدودة جدا قد لا تتوفر طوال اليوم والثلاجات كانت تعمل بالجازولين والاتصالات كانت بواسطة التلفونات القديمة وتعرف بعدد الرنات حيث كان لكل مفتش عدد محدد من الرنات تمثل رقم تلفونه والاتصالات كانت على نطاق ضيق والسراية بدون السلك النملى لا يمكن العيش بها لوجود البعوض والناموس والحشرات هذا غير الحيوانات الزاحفة المنتشرة وسط تلك الأشجار الشوكية او الغابة المحيطة بالسراية ولا عيادات او شفخانات قريبة ولذلك كان وجود صندوق للإسعافات الأولية من الضروريات ولا توجد مدارس قريبة لتعليم الأبناء اللهم الا بعض المدارس الابتدائية التى يتم إنشاءها لعدة قرى فى موقع فى وسطها وتأتى المدارس الوسطى بمسافات ابعد لتزداد المعاناة فى توصيل الأبناء وتعليمهم ولكن المعاناة الحقيقية فى المراحل الثانوية والجامعية والتى تكون داخل المدن ابتداء من الخرطوم ومدني وحنتوب والحصاحيصا والمسلمية وبالتالي كان الأبناء يضطرون للسكن بالداخليات بعيدا عن أسرهم من اجل التعليم واللقاءات قد تكون شهرية وأحيانا فى الاجازات النصف سنوية والإجازة الصيفية.
الحياة كانت قاسية ولكنها كانت تهون بالنسبة لهؤلاء الرجال الأوفياء من أجل الوطن ومن اجل تراب الوطن الحبيب ومن اجل الأرض التى كانت فى حاجة لمن يخدمها بإخلاص لاستغلال مياه النيل العذبة ولتحقيق الناتج الأعلى لمحصول القطن والمحاصيل الأخرى ومن اجل التوسع فى زراعة الخضر والفواكه للاستهلاك المحلى ومن اجل تحقيق الاكتفاء الذاتي ومن اجل تحقيق التكامل الزراعي لترتبط مع المجالات الأخرى الصناعية وتربية المواشي والثروة الحيوانية ومن اجل العمل لرفع المستوى المعيشي والاجتماعي داخل مجتمعات المزارعين التى كرست حياتها لخدمة المشروع واقتنعت بالسكن داخل تلك القرى والحلال بأرض الجزيرة والمناقل هؤلاء الرجال لم تتنازعهم اى انتماءات حزبية أو سياسية فقد كان الأيمان بالوطن وبالعمل الزراعي من اجل هذا الوطن يملأ نفوسهم بالطاقات والبذل .
المفتش كان له مهام وواجبات ضخمة تتمثل فى القيام بالإشراف والمتابعة على جميع الأعمال خلال الدورة الزراعية والتأكد من استكمال تجهيزات الأرض وإعدادها وحراثتها ونظافتها وزراعتها والتأكد من انتظام عمليات الري ووصول المياه الى الاراضى المزروعة والحواشات وتفادى عمليات الهدر والأخطاء التي يمكن أن تسبب في عمليات تسريب المياه من القنوات والجداول ومن هذه الأخطاء عدم صيانتها وكذلك متابعة أعمال الزراعة والتأكد من الاستغلال السليم للاراضى والمساحات التى توزع على المزارعين فى المنطقة طبقا لنظام التوزيع العام للحواشات كانت مهمته الرئيسية هى مراقبة الجودة والتأكد من قيامهم بمهامهم وواجباتهم وبتوفر العمالة وقيامهم بالأعمال الموكلة لهم خاصة فى أوقات الحصاد واللقيط والتأكد من توفر الآليات اللازمة لانجاز الأعمال التى تتطلب استخدامها.
المفتش كان يومه يبدأ من بعد صلاة الفجر مباشرة ليبدأ عمليات التفتيش الصباحية واليومية على الحواشات وخلال فترة الظهيرة تكون الأعمال المكتبية وتتواصل عمليات التفتيش والمراقبة عصرا ومثله مثل المزارعين حيث تتطلب متابعة أعمال الزراعة تواجدهم بالمزارع منذ الصباح الباكر وتحت حرارة الشمس المحرقة للقيام بأعمالهم ولانجاز مهامهم وواجباتهم حسب البرنامج الزمني وجدولة الأعمال خلال الدورة الزراعية لمحصول القطن وباقي المحاصيل ولاستكمال هذه المنظومة من أعمال المشروع والتي تشمل محاربة الآفات الزراعية ومنع اى خسارات قد تحدث لا قدر الله والعمل للاستغلال الكامل لكل المجهودات المادية والجسمانية ومساحات الأرض الخصبة المزروعة وسهولها الشاسعة .
ومثل المفتش والمزارع فئات أخرى من الرجال الأوفياء منهم رجال مركز الأبحاث لتحسين الأداء ولتحسين نوعيات المحاصيل خالية من الأمراض وحقيقة كانت المحاصيل من أفضل الأنواع عالميا وكان لمحصول القطن عائدا يمثل أعلى نسبة لدخل السودان القومي واقتصاد البلاد ولقد كان القطن هو المحصول الرئيسي الذي ساعد كثيرا فى توفير العملة الصعبة للبلاد وساعد فى إنعاش صناعة النسيج فى السودان ونجاح مشروع الجزيرة كان مرتبطا بكل تلك العوامل وبكل تلك التضحيات من تلك الكوكبة من الرجال الأوفياء فمنهم من عملوا فى قلب تلك المزارع والحواشات التى تمثل ميدان المعركة الحقيقي ومنهم من عملوا فى الأبحاث بمركز ود مدني بكل طاقاتهم المهنية والعلمية ومنهم من عملوا ميدانيا لمحاربة الآفات والحشرات ومنهم من عملوا فى محالج القطن على حساب راحتهم وصحتهم لاستكمال مراحل التعبئة والشحن إلى ميناء السودان لعمليات التصدير وكل مواقع عمل المشروع كانت وسط ارض المشروع فى مناطق نائية عن المدن الرئيسية خاصة العاصمة الخرطوم .
تحية اجلال وتقدير لتلك الكوكبة من الرجال الأوفياء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه وأفنوا معظم حياتهم لخدمة المشروع وعاشوا فى ارض المشروع وقدموا التضحيات الجسام وكانت لهم قناعات بان ثروة هذا البلد وكنوزه وذهبه في الزراعة وان لهذه الأرض عطاء والزراعة تحتاج للايدى العاملة وتحتاج للمخلصين من الخبراء والإداريين والمهندسين والزراعيين لإعلاء هذا البلد ولإرساء قواعده ولتأكيد التنمية والتطور والتقدم ولتوفير احتياجات أهلنا الطيبين من مأكل ومشرب وصحة وتعليم وخدمات ولاستيعاب هذه الطاقات البشرية لكي تعمل وتكون طاقات منتجة وفعالة وغير معطلة قبل أن تتبدل وتتغير حكايات بلدي التي نعرفها والتي تعودنا أن نتحدث عنها .
تحية إجلال وتقدير للسيد الفاضل سليمان عبد القادر عكاشة والذى عمل بمدرسة وادي سيدنا الثانوية ثم انتقل للعمل مفتشا زراعيا بالمشروع وتنقل بين عدة تفاتيش عمل فيها بإخلاص وتفانى وفى عزلة عن العالم الخارجي واكتفى بذلك العالم الصغير المحيط بمزارع القطن والمحاصيل اكتفى بذلك العالم الصغير مع أهلنا الطيبين من المزارعين والعمال وكان لهم الأخ الأكبر وكان لهم الموجه والرقيب على نجاح أعمال المشروع فى كل مراحل الدورات الزراعية واستطاع تحقيق أعلى مستويات أداء وأعلى مستويات إنتاجية من المحاصيل المزروعة وأعلى مستويات لنوعية تلك المحاصيل وبمواصفات وجودة عالية وفى المساهمة الحقيقية فى إثراء الحياة الاجتماعية والثقافية والتوعية للمناضلين من كوكبة المزارعين وسكان تلك القرى فى ارض الجزيرة والذين ارتبطت أعمالهم ومصائرهم بالمشروع وأصبح للجميع سجلات من نور قبل أن تتبدل الحكايات وتتبدل أنظمة المشروع وتتبدل المحاصيل وتتبدل قسمة الأراضي بالجزيرة والمناقل وتتبدل التوجهات والسياسات والاستراتيجيات وتتأثر تلك المنظومة الرائعة للمشروع لقد كان واحد من الجنود المناضلين الأفاضل وله منا كل التحيات وكل التقدير ومع كل التمنيات له بالصحة والعافية وطول العمر.
وتحية اجلال واعتزاز وتقدير للسيد الفاضل الباشمهندس عبد الحميد حسين التوم شرفى والذى آثر الانضمام الى تلك الكوكبة من الرجال الأوفياء وفضل خدمة بلاده والعمل من داخل المشاريع في مجال تخصصه في الهندسة الميكانيكية وبدأ العمل مهندسا ميكانيكيا بمشروع المناقل ثم انتقل للعمل برئاسة مشروع الجزيرة بمدينة بركات ومنها إلى محالج المشروع بالحصاحيصا وهو من الذين قدموا الكثير من التضحيات وعاش معظم حياته فى مدينة الحصاحيصا بعيدا عن أضواء الخرطوم هو وأفراد أسرته الكريمة وترك بصمات واضحة وذكرى عطرة في مجتمع المدينة الصغيرة وكان احد الجنود المناضلين الشرفاء ولقد عمل بجد وإخلاص في مجال عمله مستغلا لمؤهلاته وخبراته الهندسية لإنجاح المشروع إلى أن وافته المنية بعد صراع مع المرض منعه من مواصلة المسيرة النضالية.
وتحية إجلال وتقدير لتلك الكوكبة من الذين عملوا بإخلاص فى مراكز الأبحاث بمدينة ودمدنى ومنهم البروفيسور أحمد ناصر بله بمؤهلاته الأكاديمية العالية وخبراته في مجال الزراعة ومكافحة الآفات والحشرات فهو من الذين قدموا الكثير وكانت له مساهمات فى إنجاح المشروع وكانت له مساهمات أكاديمية فى جامعة الجزيرة وكانت له مشاركات فى المؤتمرات العالمية والمحلية ولقد رفض كل العروض للعمل بجامعات الخليج والمنظمات العالمية فى مجال تخصصه واذكر منها منظمة الأغذية العالمية (الفاو) وفضل العمل داخل بلده إلى أن وافته المنية فى حادث مرور داخل ارض الجزيرة التى أحبها وأخلص لها و معه ابن المهندس الفاضل عبد الحميد شرفى وقد لطف الله بإنقاذ إفراد أسرته الذين كانوا معه فى العربة خلال الحادث المؤلم.
كل الدعوات للباشمهندس عبدالحميد حسين التوم شرفى والبروفيسور احمد ناصر بله بالرحمة والمغفرة وأن يسكنهما الله فسيح جناته فلقد كانوا من المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ودام عزك يا وطن .
المهندس كمال شبر
الرياض مايو 2013
Kamal Shibir [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.