مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبيي: الاختبار الأخير .. وانفتاح كل الاحتمالات .. بقلم: عاطف كير
نشر في سودانيل يوم 28 - 05 - 2013

لوقت غير قليل اختبر الدينكا والمسيرية الكثير من العنت والمشقة والإقعاد عن التطور الطبيعي في نمط الحياة وعصرنتها بما يتماشي ومقومات العصر الذي نحياه. قاسي دينكا نقوك الإزاحة القسرية المنظمة والممنهجة منذ عهد الرئيس الراحل جعفر نميري والأنظمة التي تَعاورت حكم السودان حتي إنتهاؤه بآخرة٬ إلي المُستَخلفين في الأرض٬ الحركة الإسلامية ومؤتمرها الوطني. بطون وأفخاذ المسيرية من الناحية الأخري٬ عانت التغرير والإستخدام السياسي الإنتهازي ولما بعد تنجب تلك البطون والأفخاذ رشيداً ينتشل أهله من التآمر الذي لم ولن تتواني الخرطوم ونخبها المختلفة عن ممارسته خدمة لأجندتها الفكرية والعقائدية المتشنجة.
علي أن التطور٬ السلبي٬ لعلاقة المسيرية٬ وليس الأنظمة الحاكمة٬ بدينكا نقوك بصورة خاصة ودينكا بحر الغزال بصفة عامة وبدولة جنوب السودان من الجانب الآخر٬ بعد إغتيال السلطان كوال أدول في 4 مايو 2013 ٬ شكل عاملاً حاسماً في تغير تلك العلاقة ومؤثراً كذلك في تغيير نمط حياة المسيرية أنفسهم مما سنأتي عليه في سياق هذا المقال. كيف قيحت سياسات المؤتمر الوطني الحالية الجرح الملتهب في المنطقة؟
بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في بموجب إتفاقية السلام الشامل الموقعة بين حكومة السودان والحركة الشعبية/الجيش الشعبي لتحرير السودان٬ وبعد أداؤه القسم في 9 يوليو 2005 ؛ كانت قضية أبيي أولي المهام الدستورية في جدول أعمال الراحل المقيم د. جون قرنق دي مبيور. رفض المؤتمر الوطني تقرير الخبراء Abyei Boundries Commission ABC وإنتقل ملف المنطقة من ثم٬ إلي أعلي مستوي هياكل الشراكة بين الطرفين إجتماعات المكتب السياسي للحركة الشعبية لتحرير السودان والمكتب القيادي للمؤتمر الوطني.
الإجتماعات المشتركة للمكتبين السياسى للحركة الشعبية لتحرير السودان٬ والقيادى للمؤتمر الوطنى، المجلس الأعلى للشراكة بالإضافة إلي إجتماعات اللجنة السياسية إضطلعت بمهام مراجعة تنفيذ الإتفاقية وتقويم إدارة الفترة الإنتقالية ومسار العلاقة والشراكة بينهما. رئاسة تلك الإجتماعات٬ المكتبين٬ مشتركة بين الرئيس سلفاكير والرئيس البشير بموقعيهما الحزبيين وإجتماعاتها دورية سنوية، إجتمعت هذه الآلية لمرة واحدة يتيمة فى مايو 2006. وبعد إكتمال كافة الترتيبات لهذه الآلية فى 2007؛ فشل قيامها بسبب عدم الإتفاق على موضوع الحدود التى رسمتها مفوضية حدود أبيى.
فَشَلْ جانب المؤتمر الوطنى فى إجتماعات اللجنة السياسية برئاسة نائب رئيسه للشئون التنظيمية فى التلاحى حول القضايا الخلافية المطروحة٬ من بينها قضية أبيي٬ على طاولة التفاوض حملته إلى إسباغ صفة التنفيذية على طبيعة تلك القضايا والتى لا يملك تفويضاً بالتوصل فيها إلى إتفاقات وبالتالى كان ترفيع تمثيل وصلاحيات هذه اللجنة لتصير اللجنة السياسية التنفيذية العليا برئاسة الدكتور رياك مشار نائب رئيس الحركة الشعبية نائب رئيس حكومة جنوب السودان والأستاذ على عثمان نائب رئيس المؤتمر الوطنى نائب رئيس الجمهورية. ماهى العقبات والمطبات التى إعترضت تنفيذ الإتفاقية؟!
من العقبات ما يجد تفسيره فى تعاسر الإنتقال من حال الحرب إلى حالة السلم ودرجة العداء التى أستحكمت لدى الطرفين، ومنها ما هو إصطناعى أستجادت صنتعه دوائر مؤتمرفُتُّواتية صرفة. إبتداءاً برفضها تقرير الخبراء لمفوضية حدود أبيى Abyei Boundaries Commission ABCالمقدم فى 14 يوليو 2005 وإنتهاءاً، وللمفارقة، بإنكارها قرار محكمة التحكيم الدولية الدائمة بلاهاى Permanent Court of ArbitrationPCA حول أبيى ايضاً أخطر القضايا العالقة بين الطرفين بالإضافة إلى ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب والمشورة الشعبية فى المنطقتين من جانب وترتيبات ما بعد الإنفصال من الجانب الآخر. عليه كانت أبيى المعضلة والثيرومتر المَقِيس لعلاقة الشريكين لجهة عدم مبارحتها مضابط إجتماعاتهما مطلقاً مذاك التأريخ وحتى هذا الآن. فتقرير الخبراء الذى أغلظ المؤتمر الوطنى القسم بقبوله كنهائى وملزم كما تقول المادة (5) من الملحق المفسر لبروتوكول أبيى التى تؤكد تعهد الطرفين بقبول التقرير وإلتزامهما بنتائجه وتُقرأ: "ترفع (مفوضية حدود أبيى) تقريرها النهائى إلى الرئاسة قبل نهاية الفترة قبل الإنتقالية. ويصبح تقرير الخبراء الذى توصلوا إليه حسب المنصوص عليه فى قواعد الإجراءات بخصوص (مفوضية حدود أبيى) نهائياً وملزماً للطرفين"، يقف شاخصاً على صناعة "الخرخرة" لتعريف حدود مضارب بطون وأفخاذ نقوك الدينكاوية كما قالت المادة (1) من الملحق المفسر لبروتوكول أبيى نفسه والتى تُقرأ: "بعد التوقيع، وبالرغم مما تضمنته المادة (5-1) من برتوتوكول أبيى، يتعين على الطرفين تشكيل (مفوضية حدود أبيى) المكلفة بتحديد وترسيم حدود المشيخات القبلية التسع التابعة لدينكا نقوك الذين حُولوا إلى كردفان فى 1905، ويشار إليها فيما بعد بمنطقة أبيى". أنخرط الطرفان فى حوار سياسي دائرى حول "خرخرة" الوطنى إلى أن طار الملف إلى المحكمة الدولية. كما أن الحوار السياسي بين الطرفين حول العديد من بنود إتفاقية السلام الشامل لم يبارح لولبيته حتى تفجر الأمر بإنسحاب الحركة الشعبية لتحرير السودان من كل مؤسسات الشراكة وآلياتها بما فيها حكومة الوحدة الوطنية فى أكتوبر 2007 إحتجاجاً على تباطؤ الشريك فى، وعدم رغبته تنفيذ الإتفاقية.
علي الرُغم من فقدان الدينكا٬تاريخياً٬ وللأبد٬ الكثير من الأراضي التي هُجروا منها قسراً بسبب الهجمات المنظمة التي أعملتها الحكومات المركزية عن طريق المسيرية٬ أصبحت تلك المناطق٬ فقط٬ ذات قيمة تأريخية لهم.فقد مارسوا أقصي درجات ضبط النفس إلتزاماً بالمحاولات التي أعمتلها الحركة الشعبية لتحرير السودان في السابق٬ وتلك التي تعملها حكومة جنوب السودان وصولاً٬ كما تظنوا٬ إلي آخر محطات القضية لاهاي ونص قرار محكمتها الذي كانوا به أرضياء. في ذات تلك الأثناء "هلل" و"كبر" وكلاء المؤتمر الوطني بأيلولة بعض حقول النفط إلي شمال السودان بذات القرار وكانوا٬ أيضاً٬ به فرحين٬ ولم ينشغلوا كثيراً بمصالح مواطنيهم "المسيرية" المتعلقة بنمط حياتهم ونمط حياة ماشيتهم التي خلقهم الله عليها٬ ولكنها إرادة ذات الخالق التي جعلت بصيرة أولئك الوكلاء كأنعام المسيرية إن لم يكن أضل منها سبيلاً ولله٬ دوماً٬ في خلقه شئون.
واصل من راهن علي وهومه منهم٬ بإمكانية السيطرة علي المنطقة بالقوة وفرض أمر واقع مخالف Defacto Situation بقوة السلاح؛ واصل أولئك تجييش قبائل المسيرية وعسكرتهم وحملوا البرلمان علي إستصدار تشريعات تبيح ذلك الفعل٬ وتَولج المسيرية في لعبة خطيرة لما بعد يدركوا نواهيها. تَكشفت خطورة اللعبة بصورة أكثر وضوحاً٬ قبل الشروع في ترتيبات إستفتائي جنوب السودان ومنطقة أبيي المتزامنين كما نص علي ذلك كتاب نيفاشا المشهود. ضربت مليشيات المؤتمر الوطني تدعمها القوات المسلحة "السودانية" المسماة تكذباً ب "القومية" مناطق دينكا نقوك "السودانيين" في مايو 2008 بغرض إزاحتهم وإحلال المسيرية بدلاً عنهم٬ وهو أمر يُراغم طبائع الأشياء وفي مقدمتها نمط حياة المسيرية الرَحَّال. الوسائل التي أستخدمتها مليشيات المؤتمر الوطني في تلك الإزاحة تمثلت في حرق القري بمن تساكنها من دينكا نقوك٬ وتدمير البُني التحتية٬ علي قلتها٬ من طرق وكباري بهدف عرقلة إستفتائي جنوب السودان وأبيي. تواصلت نضالات الحركة الشعبية لتحرير السودان والجنوبيين علي حدٍ سواء وتتوجت في مخفر للشرطة بمدينة أمدرمان عندما أوفد الرئيس البشير رسولاً٬ أحمد هارون٬ لعقد صفقة تَقيه ونظامه الحرج المتسبب عن إعتقال الأمين العام للحزب الذي يتشاركه السلطة٬ ديسمبر ٬2009 بموجب الإتفاق المبرم بينهما٬ ومن ناحية أخري تسكين الغضب الذي إعتري جوانح الشعب وأضطره للخروج إلي الشارع تعبيراً عنه.
الرسالة التي حملها موفد البشير جاء فيها: "أَودِعوا البرلمان ما شئتم من مسودات قوانيين ونحن علي إستعداد لإجازتها علي أن تنسحب٬ في المقابل٬ الحركة الشعبية لتحرير السودان من قوي الإجماع الوطني ومن نشاطه الذي عبَّأ الشارع العام٬ وألبه ضد المؤتمر الوطني وسياساته". أجاز المجلس الوطني٬ 29 ديسمبر٬2009 قانونا إستفتاء جنوب السودان وأبيي بالإضافة إلي قانوني المشورة الشعبية لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق وفي وعيه تأجيل٬ ونقل المعركة إلي ساحات أخري تمكنه من كسب بعض الوقت. تمثلت تلك السوح في مفوضيات إستفتاء جنوب السودان وأبيي٬ ودونكم التلاحي الذي دخله الطرفان لتكوينهما. ولما تصدت الحركة الشعبية لتحرير السودان وحكومة الجنوب لكل تلك المحاولات المستميتة، إلتجأ الوطنى إلى آخر كروت اللعبة التى بحوزته، المليشيات الجنوبية المسلحة لزعزعة الأمن والإستقرار فى جنوب السودان بهدف الإطاحة بحكومته وتهيئة المجتمع الدولى والإقليمى لقبول فكرة تأجيل قيام الإستفتاء عن موعده المحدد بدعوى عدم تَهيؤ الجنوب والجنوبيين لممارسته.علي أيٍّ تكونت مفوضية إستفتاء جنوب السودان وتأخرت خاصة منطقة أبيي لأسباب إرتأت فيها قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان٬ بعد دراسة متأنية لرغبات الجنوبيين من ناحية ونوايا الشريك٬ الشريرة٬ من الناحية الأخري٬ إنتظار إعلان إستقلال جنوب السودان وتكوين دولته المستقلة٬ ومن ثم التعاطي معالقضية وفق توازن القوة التي تتوفر به. فيما تراءي للمؤتمر الوطني٬ من الناحية الأخري٬ نجاح خططه الساعية لتقويض إستفتاء جنوب السودان وبالتالي "تنفيس" القضية برُمتِّها. ناضلت الحركة الشعبية لتحرير السودان وحكومتها فى جنوب السودان ومارست من الضغوط ما نجح فى حمل الوطنى وحكومته على إجراء الإستفتاء فى موعده المضروب والإعتراف بنتيجته. كشفت نتيجة ذلك الإستفتاء (98.83% لصالح الإنفصال، 1.17% لصالح الوحدة) عن رأى الجنوبيين الأخير فى حكومة الوحدة الوطنية المكونة بموجب إتفاقية السلام الشامل حيث لم يلحظوا تغييراً يذكر يستأهل منح الصراع السابق فرصة للتدوير فآثروا السلامة بإختيار إعادة بناء حيواتهم التى دمرها وأنهكها ذلك الصراع/الحوار وفي البال أبيي السليبة.
عجبي من المسيرية الذين يؤثر العوراء علي العيناء!!
إستعصام فُتُّوات المؤتمر الوطني بخطتهم الإستراتيجية الأساسية رغماً عن هزيمتها٬ أجبرهم إلي الإنتقال إلي الخطة البديلة B Plan بإحتلال منطقة أبيي وإزاحة مواطنيها٬ دينكا نقوك٬ وإن إستدعي الأمر إبادتهم بالقتل الممنهج الذي أعملته٬ وما زالت تُعمله قواتهم المسلحة والمليشيات التابعة لها قبل وأثناء وبعد إتفاقية السلام وإستقلال جنوب السودان لاحقاً.
عليه٬ وضمن قضايا أخري٬أُحيلَت قضية أبيي لمرة أخري٬ يوليو ٬2010 إلي أُضبارة فريق الإتحاد الإفريقي المكلف بإدارة مفاوضات ما بعد الإستفتاء علي تقرير مصير جنوب السودان٬ ما الجديد الذي جاء به الوسيط الإفريقي لفك طلاسم لغز "خرخرة" المؤتمر الوطني إزاء هذه القضية تحديداً؟
جمع الوسيط الطرفين للتفاوض بصورة تمكنه من التعمق في فهم تعقيدها ولكن تَعضَّلت٬ لمرة أخري٬ قضية أبيي بعد إنتقالها إلي المنبر الجديد إذ علقت الحركة الشعبية لتحرير السودان مفاوضات ترتيبات ما بعد الإستفتاء فى مارس 2011 إحتجاجاً على دعم، تسليح وتمويل المؤتمر الوطنى والقوات المسلحة للمليشيات الجنوبية. ودعمت موقفها ذاك بالعديد من الوثائق والمكاتبات الصادرة عن وزير الدفاع السوداني٬ زعيم الفُتُّوات٬ وإشترطت عودتها للتفاوض توقف الوطنى عن ممارسة٬ توجهاته العدائية ضد٬ وسياساته التوسعية في٬ جنوب السودان. إثر ذلك التطور٬ إنعقدت لأول مرة بإشراف لجنة الإتحاد الإفريقى قمة بين الرئيسين كير-والبشير لإتخاذ قرارات مصيرية وإستراتيجية فى إتجاهى إما السلام أو الحرب إن لم ينجحا فى لجم قياد المتفلتين ضمن حزبيهما. خرجت القمة بإتفاق الطرفين على تشكيل لجنة أمنية من الطرفين بمشاركة الإتحاد الإفريقى لإستقصاء الحقائق على الأرض حول الإتهامات التى وجهتها، والدلائل التى قدمتها الحركة الشعبية لتحرير السودان وحكومة الجنوب. لم تشكل اللجنة ولما تستقصى شيئاً إلى أن تفجرت الأوضاع فى أبيى٬مايو 2011 ٬ وفى جنوب كردفان٬ يونيو 2011 ٬ تاركة وميض نار تحت الرماد.
توصل الطرفان إلي إتفاق لتنفيذ الإتفاقيات التي توصلا إليها سابقاً لحل الوضع المعقد الذي وصلت إليه قضية المنطقة. في 20 يونيو 2011 مهرا الطرفان٬ باقان أموم عن الحركة الشعبية لتحرير السودان وأدريس عبد القادر عن حكومة السودان٬ إتفاقاً أسمياه "ترتيبات مؤقتة لإدارة وأمن منطقة أبيي" وشهد عليه الرئيس السابق تابو أمبيكي نيابة عن اللجنة الإفريقية حول السودان. إشتمل الإتفاق علي العديد من القضايا 1) الأمنية٬ تكوين القوات الأمنية الدولية وتلك المشتركة بين البلدين٬ 2) الإدارية٬ تكوين الأجهزة الإدارية والتشريعية بالإضافة إلي اللجنة الإشرافية للمنطقة٬ 3) الإنسانية٬ حقوق النازحين ووصول المساعدات الإنسانية وعمليات إعادة تأهيل العائدين٬ 4) المالية وأخيراً 5) هجرة الرعاة وضمان حقوقهم في الوصول إلي الماء والكلأ. في ذلك الإتفاق تواضع الطرفان وبشهادة الرئيس أمبيكي علي ثلاثة أشياء محورية الأولي: طلب إنخراط المؤسسات الإقليمية والدولية: "The Parties request the African Union and the United Nations to support this agreement and its implemntations"٬ االفقرة الثالثة من ديباجة الإتفاق ويقابله في العربية: "يناشد الطرفان الإتحاد الإفريق والأمم المتحدة دعم الإتفاقية ودعم تنفيذها"٬ الثانية: تعلقت بتكوين الإدارة المشتركة للمنطقة وعدد مرشيحها من كل طرف المادة الخامسة من الفقرة الأولي:
"The Chief Administrator shall be a nominee of SPLM, agreed by GoS. The Deputy Chief Administrator shall be a nominee of GoS, agreed by SPLM. In each instance, the nominating Party shall make three nominations for each position, from which the other Party must agree one. Of the five heads of department, three shall be nominee of SPLM, and two shall be nominees of GoS"
"سيكون رئيس الإدارية مرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان٬ توافق عليه حكومة السودان. نائب رئيس الإدارية سيكون مرشحاً من حكومة السودان توافق عليه الحركة الشعبية لتحرير السودان. لكل مقترح٬ سيطرح الطرف المُرشِّح ثلاثة مرشَّحين لكل منصب يوافق الطرف الآخر علي واحد منهم. علي أن ثلاثة من رؤساء الإدارات الخمس سيكونون من مرشحي الحركة الشعبية لتحرير السودان٬ وإثنين من مرشحي حكومة السودان". أما الثالثة والأخيرة: تكليف الوساطة الإفريقية إقتراح تصور حل للوضع النهائي للمنطقة٬ المادة الأربعون من الفقرة الثامنة:
“The parties reiterate their commitment to resolve peacefully the final status of Abyei, and shall therefore consider, in good face, proposals that the African Union High Level Implementation panel shall make to resolve this matter. The Panel shall be advised by the President of Sudan and the President of Government of South Sudan, on the timeframe within which to present its proposals".
"يجدد الطرفان إلتزامهما بالتوصل إلي حل سلمي لتحديد الوضع النهائي لأبيي٬ وسيتعاملان بشفافية٬ مع إية مقترحات تتقدم بها لجنة الإتحاد الإفريقي رفيعة المستوي لبلوغ هذه الغاية. ستحدد اللجنة بالتشاور مع رئيس السودان ورئيس حكومة جنوب السودان الإطار الزمني الذي ستتقدم خلاله بمقترحاتها".
مضت الترتيبات وأعلن جنوب السودان عن قيام دولته المستقلة في يوليو 2011 وتَسعَّرت أنشطة الفُتُّوات وتَسرَّعت٬ لتفجر الإحتقان الحاصل بين الدولتين بإندلاع المواجهة المباشرة بينهما في فانطو/هجليج في 26 مارس 2012. إندلاع تلك المواجهة جاء في أعقاب زيارة تأريخية لوفد عال المستوي من جنوب السودان لا سيما وفدها المفاوض ترأسه كبير مفاوضيها باقان أموم. هدف الزيارة كان دعوة الرئيس البشير إلي قمة رئاسية تجمعه إلي الرئيس كير بمدينة جوبا في إبريل 2012 لدفع وتسريع التفاوض حول القضايا التي تعثرت اللجان الفنية والسياسية في معالجتها من ناحية٬ ولتأكيد التوجه الإستراتيجي الذي تبناه وفديهما التفاوضيان. بعد أن عقد وفد جنوب السودان إجتماعاته مع نظرائه من الوفد السوداني وأختتمت تلك الإجتماعات بلقاء رئيس الجمهورية نظم للوفد الجنوبي إجتماعاً أخيراً بوزير الدفاع السوداني٬ عبد الرحيم حسين٬ لهدف يتيم٬ هو إقناعه بالقبول بالتوجه الإستراتيجي الذي توصل له كبير مفاوضي جمهورية السودان٬ إدريس عبد القادر٬ الذي لم يقو علي حضور الإجتماع بوزير الدفاع وإن حرص علي قيامه!! وفي ذلك من الإشارات والدلالات الموحيَّة لكل فطن.
إلتأم إجتماع القمة الرئاسية في سبتمبر 2012 بأديس أبابا بدلاً عن جوبا بسبب توجهات الزعيم سالف الذكر الذي نجح في إنتزاع رئاسة وفد بلاده٬ بإنقلاب أبيض٬ من الوزير المغلوب علي أمره إدريس عبد القادر بعد أن أذاقه صنوفاً من الإذلال والمهانة.في 17سبتمبر٬ وفي ظل ذلك الجو المشحون بالتوتر والخلافات بينهما٬ بعث الرئيس أمبيكيبرسالة إلي رئيسي البلدين قبل حضورهما للقمة المزمعة بينهما. هدفت الرسالة إلي تهيئة الرئيسين قبل أن يحطا برحالهما في العاصمة الإثيوبية لكونها كانت تحليلاً للوضع المتفجر لمنطقة أبيي أكثر من كونها رسالة تهدف إلي إبلاغهما بأمر القمة. مُتن الرسالة نزع إلي تفسير وتحليل لبعض البنود الأساسية في بروتوكول إبيي الموقع في يناير 2005٬ وقرار محكمة التحكيم الدولية وتشاركها مع الرئيسين قبل أن يتسلما مقترح الحل النهائي الذي إتفق عليه الطرفان٬ وألزم به مجلس السلم والأمن الإفريقي. جاء في الرسالة: عند إعتبارنا لمقترح الحل النهائي لمنطقة أبيي توقفنا عند بعض الإعتبارات المهمة٬ واحدة من هذه الإعتبارات: "طموح الطرفين عند التفاوض والتوقيع علي برتوكول أبيي أن تكون المنطقة جسراً للتواصل بين الشمال والجنوب" وأن الطبيعة الخاصة لهذه المنطقة إقتضت أن تكون لها إدارة خاصة تختلف عما عداها من مناطق. وأنه قد تمت هزيمة هذه الروح بعد أن أصبحت أبيي عامل شقاق وخلاف بين الطرفين أثناء الفترة الإنتقالية وبعد قيام دولة جنوب السودان٬ وعليه ستعني نتيجة الإستفتاء حول منطقة أبيي "ربح" أو "خسارة" لأي من الدولتين مما سيترتب عليه أحد أمرين:
هزيمة المصالحات بين دينكا نقوك والمسيرية وبالتالي تقويض قدرتهما علي تجسير التعاون المأمول بين الدولتين
خلق مناخ سلبي بين البلدين فيما يتعلق بتحقيق الهدف الذي إلتزما به وهو تحقيق القابلية المتبادلية بينهما.
وبناء علي ذلك إقترح الرئيس مبيكي علي الرئيسين أن يتفاوضا بدلاً عن ذلك٬ حول حل يشكل فوزاً للطرفين معاً. إنتقل الرئيس مبيكي٬ في خطابه التحيليلي٬ إلي تشجيع السودان لإحترام القرار الداعي إلي٬ والسماح لدينكا نقوك والسودانيين الآخرين المقيمين في المنطقة بإجراء الإستفتاء كما تم النص عليه في بروتوكول أبيي قائلاً:
“However, it seems important that the decision should be respected that the Ngok Dinka and other Sudanese residing in Abyei should be allowed to hold the Referendum provided for in the Abyei protocol".
بهذا الحديث نحي الرئيس مبيكي منحاً اضحاً في تحديد ملامح مقترح الحل النهائي لمنطقة أبيي٬ وترتيب دفوعاته حيث أوضح أهلية الناخب وزاد عليها:
“One of important reasons for this must have been that it proved impossible to find any prescriptions in the International Law, which provide the criteria to be used to determine whether nomadic transit through any territory entitles the nomads to be treated as residents within the meaning of ‘residents' as it relates to the Abyei protocol".
"أحد الأسباب المهمة لذلك٬ أنه ثبت من المستحيل العثور علي أي تعريف في القانون الدولي من شأنه أن يوفر معايير يمكن إستخدامها لتحديد ما إذا كان يَحق للرُحَّل الذين يَعبرون أي أراضي أن يُعاملوا كسكان مقيمين لا سيما في إطار المعني الذي وردت به في برتوكول أبيي".
وفي فقرة أخري من الرسالة؛ أشار الرئيس أمبيكي إلي قناعتهم في لجنة الإتحاد الإفريق رفيعة المستوي بإستحالة حل هذه المعضلة ودياً إلا إذا كان مصحوباً بقرارات أخري٬ لأسباب عدَّدها عل النحو التالي:
“With regard to all this, we believe that it is also important that we pay particular attention to the fact that Abyei protocol recognized the particular status of the Ngok Dinka by describing the population of Abyei as constituted of ‘members of the Ngok Dinka community and other Sudanese residing in the area'
"فيما يتعلق بكل ذلك٬ فأنه من المهم أن نولي٬ أيضاً٬ عناية خاصة لحقيقة أن بروتوكول أبيي إعترف بالوضع الخاص لدينكا نقوك عندما وصف التركيبةالسكانيةلمنطقة أبيي بأنها تتشكل من "أعضاء مجتمع دينكا نقوك والسودانيين الآخرين المقيمين في المنطقة"٬وقرار محكمة التحكيم الدولية القاضي بتمتع دينكا نقوك بحقوق الأغلبيةdominant rights في منطقة أبيي وأردف قائلاً:
“In addition to all the foregoing, it would seem obvious that the majority of the population continuously resident in Abyei Area, thus defined, are the Ngok Dinka. Furthermore it would similarly seem reasonable to expect that in the projected Referendum, this majority, the Ngok Dinka, will vote that Abyei should become part of the Republic of South Sudan".
ويقرأ: "بالإضافة لكل ما سبق ذكره٬ أنه يبدو جلياً أن الأغلبية لسكان أبيي تتألف بإستمرار من دينكا نقوك٬كما عُرفت٬ عليه يبدو أيضاً مقنعاً أن نتوقع في الإستفتاء المزمع أن الأغلبية٬ دينكا نقوك٬ سيصوتون لصالح أن تكون منطقة أبيي جزءاً من جمهورية جنوب السودان". وفي فقرة أخري من الرسالة ذكر الرئيس أمبيكي:
“Within the context of these sense of ‘winners' and ‘losers' to whom we referred to earlier in this letter, and strictly in these sense, it could then be said that the Abyei Referendum result in Misseriya and the Government of Sudan emerging as ‘losers'".
"في سياق سيناريو الفائزون والخاسرون الذي أشرنا إليه في مستهل هذا الخطاب٬ وتحديداً في هذا السيناريو٬ يمكننا القول أن نتيجة إستفتاء أبيي ستظهر المسيرية وحكومة السودان كخاسرين". وفي بنائها العضوي مضت الرسالة/التحليل في إستعراض الأعراض لتصل إلي توصيف أمصالها٬ قال الرئيس أمبيكي:
“We believe that in this context it would still be necessary for your Excellency and President Bashir to enter into other agreements to create as much of a win-win situation as possible"
"نعتقد أنه في هذا السياق٬ لا زالت هناك ضرورة لكما٬ أصحاب الفخامة٬ أن تدخلا في إتفاقيات أخري لخلق حالة فوز للطرفين معاً بقدر الإمكان". ولخلق تلك الحالة إقترح الرئيس أمبيكي وزملاؤه في لجنة الإتحاد الإفريقي رفيعة المستوي خمسة خطوات من شأنها توفير تلك الحالة:
ضمان إستمرار الوضع الإداري الخاص للمنطقة الذي تمتعت به في السابق حال أيلولتها إلي جنوب السودان.
ضمان حقوق رعاة المسيرية في المرور عبر أبيي إلي جنوب السودان حيث مناطق الرعي التقليدية.
أن تضمن إدارة المنطقة٬ أو الجهاز الإداري للدولة٬ جنوب السودان٬ توفير الخدمات الضرورية التي قد يتطلبها المسيرية في ترحالهم مثل الصحة٬ التعليم٬ الخدمات البيطرية.
توفير حكومة جنوب السودان لبعض الموارد المالية للمساهمة في تطوير مناطق المسيرية في شمال أبيي بالتعاون مع حكومة السودان.
السماح للزعماء التقليديين من دينكا نقوك والمسيرية للإجتماع بإنتظام٬ كما كانوا يفعلون في السابق٬ للحفاظ علي علاقات الإخاء التاريخية والتعاون فيما بين المجتمعين.
الموقف الرسمي الذي أودعه جنوب السودان طاولة المفاوضات بعد أن تسلم الرئيس سلفاكير ميارديت في 21 سبتمبر ٬2012 مقترح الحل النهائي لمنطقة أبيي التفصيلي: "علي الرغم من ملاحظاتنا العديدة علي المقترح فإننا نعلن موافقتنا عليه وبصورة كاملة"٬ علي النقيض أعلن السودان رفضه للمقترح في قمة الرئيسين في سبتمبر 2012 بأديس أبابا والتي حضرها إلي جانب الرئيس البشير القيادي في المؤتمر الوطني "المسيري" درديري محمد أحمد.
إبتناءاً علي ما سبق ذكره؛ فإن عشائر دينكا نقوك التسع عانت ما لم يقو غيرها علي الإصطبار عليه٬ وتحملت عمليات التهجير التأريخية٬ وإن شئتم دقة٬ التطهير الإثني Ethnic Cleansingالذي أعملته القوات المسلحة التي إكتسبت دربتها وإحترافيتها المدعاة٬ من قتل وسحل مواطني الشعب السوداني فيما لم تحارب غازياً أجنبياً علي كثرتهم وتكاثر نشاطهم. وما أعملته من الناحية الأخري٬ مليشيات الميسيرية العاملة تحت إمرة وحماية القوات المسلحة٬ والتي توفرت لها أسلحة بزت حتي القوات النظامية الأخري٬ وعجبي ممن يؤثرون العوراء علي العيناء!.
إغتيال السطان كوال أدول .. وتَبدل قواعد اللعبة
في إتصالهما الهاتفي٬ وكأحسن ما تكون القيادة الرشيدة؛ أطلع الرئيس سلفاكير نظيره السوداني بحادثة إغتيال السلطان كوال زعيم عشائر دينكا نقوك وأتبع ذلك شارحاً أن: "المحمول الثقافي لقبائل الدينكا عموما يعتبر أن المساس برأس القبيلة أنما يعني المساس بالقبيلة نفسها وأنه ليس في مقدوره٬ الرئيس سلفا٬ السيطرة علي غضب دينكا نقوك أكثر من ذلك". وبين لحظة وتاليتها ذاع الخبر وملأ الأرجاء ناعياً موات علاقة دينكا نقوك علي وجه الخصوص والجنوبيين عموماً بقبيلة المسيرية. كيف أُغتيل السلطان كوال ولماذا؟ ومن المسئول عن إغتياله؟ وما الذي يترتب علي ذلك الإغتيال مستقبلاً علي البلدين؟
تَسلم السلطان كوال دنيق مجوك قيادة شئون نظارة دينكا نقوك في سبعينيات القرن الماضي بعد إغتيال أخيه السلطان موياك دينق مجوك٬ لما أظهره من نبوغ ورجاحة عقل وتفوق علي أقرانه. أهلته القدارة التي تميز بها من إدارة ملف النظارة منذ ذلك الوقت وحتي تاريخ إغتياله. بعد فراغه من إجتماعات اللجنة الإشرافية العليا لمنطقة أبييAbyei Joint Oversight Committee AJOCالطارئ الذي دعت له قوات اليونيسفا United Nations Interim Security Force for Abyei UNISFA لمناقشة الوضع الأمني المتفجر في المنطقة٬ طار الخير الفيهم٬ الرئيس المشترك للجنة من جانب السودان يرافقه العميد طارق عبد الكريم كارم إلي الخرطوم بعد أن أديا دورهما المرسوم في خطة الإغتيال. فيما توجه السلطان كوال يرافقه دينق مدينق٬ نائب الرئيس المشترك للجنة عن جانب جنوب السودان٬ وأخرون إلي المناطق الشمالية لمنطقة أبيي في زيارة تفقدية "بعلم" وتحت "حماية" القوات الأممية٬ خلافاً لما تحاول الخرطوم الرسمية وأجهزتها الأمنية والإعلامية تصويره.
في طريق عودته إلي مدينة أبيي؛ إعترض سير موكب القوات الأممية ثلاثة أفراد من قبيلة المسيرية٬ وفقاً لقواعد الإشتباك Rules of Engagment التي تُقيِّد عمل قوات الأمم المتحدة في كل بقاع الدنيا٬ توقف الموكب. دخل قائد القوات الجنرال يوهانس تسفا مريام في حوار مع الثلاثي المسيري ليتعرف علي ماهية مطالبهم. فيما الحوار يتواصل تساءل المسيرية عن سبب عبور دينكا نقوك "لأراضيهم"؟ وطالبوا بتسليم كل الدينكا الذين يستغلون سيارات الأمم المتحدة "لذبحهم" أمام القوات إنتقاماً لمن قُتل من ذويهم وما نُهب من ماشيتهم علي حد زعمهم. واجه قائد القوات الإثيوبية صعوبة في التعاطي مع ذلك الأمر٬ وفيما هو يحاور ويفاوض تزايدت أعداد المسيرية وتجاوزت المئتين بعضهم راجل والبعض الآخر علي الدراجات البخارية٬ وطوقوا الموكب بكامله لا سيما السيارة التي كان يستغلها السلطان كوال. إضطر قائد القوات إلي طلب تعزيزات أمنية من رئاسة المعسكر خاصة القوات في "دفرا" تحسباً لأية طوارئ قد تنجم عن ذلك الوضع٬ بينما أعمل إتصالاته بالقيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم. ولدهشة القائد الإثيوبي كانت المجموعة المُحاصِرة أيضاً تجري إتصالاتها بذات القيادة العامة!!
إستمر ذلك الحوار/التفاوض لما يقارب الست ساعات دون التوصل إلي حل يمنع إراقة الدماء وطلبت القيادة العامة من قائد القوات الهدوء ومحاولة السيطرة علي الوضع ريثما يوفدون ضابطاً رفيع المستوي يساعد في السيطرة علي الأمور في أسرع فرصة ممكنة. لكم٬ ولنا٬ أن نستقرئ ماهية "التعليمات" التي تلقاها أعضاء قبيلة المسيرية "المدنيون" في ذلك الإتصال!! نجح قائد القوات في كسب بعض الوقت وصلت فيه تعزيزاته الأمنية بأن أخذ يفاوض المجموعة المُحاصِرة أنه لا يستطيع تلبية كل مطالبهم لا بتسليم الدينكا الذين يرافقهم ولا سلطانهم٬ ولكنه يضمن عدم عبورهم "أراضيهم" ويمكنه أن يعود أدراجه ومرافقيه إلي المعسكر ب "دفرا". ولما كانت عودة الموكب إلي المعسكر ستحبط محاولة الإغتيال الذي قد لا تسنح "الظروف" لتنفيذه لاحقاً٬ وبالتالي تقويض الخطة الإستراتيجية٬ إستهدفت المجموعة المنفذة سيارة السلطان كوال٬ لأنها تعلم ما يعنيه أن تنتاش رصاصاتهم رأس القبيلة٬ وإختارت أن تغتالالقبيلة بإردائها السلطان كوال أدول قتيلاً بسبع رصاصات غادرة إخترقت جسده ليمضي إلي دنياه الآخرة بأنفٍ شامخ فيما إستغرق نظرائه من سلاطين المسيرية يبكون مصيرهم الذي تَلاعب ويتلاعب به فُتُّوات ببذات رسمية في مركز السلطة بالخرطوم غير آبهين لا بمصير المسيرية ولا بمصير أنعامهم .
المجموعة التي إغتالت السلطان كوال٬ ستة أشخاص٬ قتلوا في تبادل إطلاق النار مع القوات الإثيوبية فيما قتل أكثر من ستين شخصاً من أبنائهم وذويهم فيما يَصرُّ البعض بإختزال الأمر في كونه مَحضُ حادث جنائي ينتهي بتقديم الجناة إلي المحاكمة!. حاولت الخرطوم الرسمية جاهدة أن تثني قائد القوات الإثيوبية الحانق ألا يتحدث عن هذا العدد المهول من ضحايا المسيرية في تلك الحادثة. عوداً إلي الخطة الإستراتيجية التي أشرنا إليها في فاتحة هذا المقال؛ فإن تهجير أبناء أبيي دينكا نقوك وإستباقاً للإستفتاء المزمع بتنسيق وتوجيهات "الزعيم" عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع٬تعاونت فيها٬ وما زالت وزارات الدفاع٬ الصحة٬ التعليم والري لتوفير الخدمات الضرورية التي يحتاجها "المستوطنون" الجدد ومحاولات تغيير نمط حياة المسيرية وغيرهم٬ حيث أوكل لهذه الوزارات بناء العيادات الطبية٬ المدارس والحفائر والآبار للحصول علي المياه الجوفية فيما تكفلت وزارة الدفاع بتأمين "المستوطنيين" بنشر أفراد من الوحدات العسكرية والأمنية المختلفة بالمنطقة فضلاً عن المسيرية أنفسهم. ومما يؤسي له٬ أن العبقرية الشيطانية التي تفتقت عنها تلك الخطة٬ أن تمولها من عائدات النفط المنتج في المنطقة بما فيه النسبة المخصصة للمسيرية أنفسهم والتي تذهب إلي الإضرار بمصالهم بدلاً عن تعزيزها وترقيتها.
تَعقُّد العلاقات المسيرية الدينكاوية
المدة التي إستغرقتها القوات الأممية في منطقة أبيي مكنتهم من دراسة وضعها المعقد من ناحية العلاقة بين مجتمعي الدينكا والمسيرية من ناحية٬ ونمط حياة المسيرية من الناحية الأخري. خلصت تلك الدراسة إلي أن طبيعة ونمط حياة المسيرية غير معني بالإستقرار في المنطقة٬ وإنما عبورها إلي ما بعدها حيث المرعي والمياه. كشفت الدراسة أن المسيرية يمضون ما لا يقل عن 45 يوماً في الترحال من مناطقهم في شمال أبيي إلي أعماق جنوب السودان في فصل الصيف٬ فيما لا تتجاوز رحلة العودة 1520 يوماً دون الإستقرار في المنطقة.
لهذا٬ فإن إستغباء المسيرية وإستغلالهم الذي تمارسه الخرطوم تترتب عليه الكثير من الإشكاليات التي ستؤثر علي مصيرهم وعلي مستقبل علاقتهم بجنوب السودان بعد إستعداء دينكا نقوك بإغتيال زعيمهم يمكن أن نجملها في عدة أمور:
أولاً:تعقد علاقات المسيرية بدينكا نقوك ودينكا بحر الغزال٬ حيث أن إغتيال السلطان كوال قد لا يمر دون أن ينتقم أبناء دينكا نقوك عموماً٬ وأسرة الراحل دينق مجوك علي وجه الدقة والخصوص الذين تقيحت جراحهم أكثر من غيرهم بالإغتيالات والمآسي التي تعرضوا لها علي أيدي مليشيات المسيرية٬ إن هم حاولوا العبور إلي المنطقة أو إلي ما ورائها قبل أن يتم التوصل إلي حل نهائي وجذري لمشكلة المنطقة. من الناحية الأخري٬ فإن ولايات شمال وغرب بحر الغزال وكذا الحال بالنسبة لولاية الوحدة٬ المسارات التي قد يلجأ إليها المسيرية بدلاً عن أبيي؛ لن يسمحوا بإستقبال رعاة المسيرية إن لم يَكُ تعاطفاً مع مواطنيهم من دينكا نقوك٬ فتخوفاً من السمعة "الإستيطانية" التي تسبقهم. عليه فإن العلاقة التي إغتالتها السلطة المركزية في الخرطوم من أعيان المسيرية "المُستَغلون"٬ وفُتُّوات المؤتمر الوطني ستكون عاملاً حاسماً في تَغيُّر نمط حياتهم لا سيما هذا العام.
ثانياً: فشل قائد القوات في تقدير حجم الخطر المحدق٬ والعواقب التي قد تنجم عن إغتيال السلطان كوال ومرافقيه٬ وقد فعلوا تحت بصر ونظر القوات الإثيوبية٬ إستغله المؤتمر الوطني لخدمة عدة أغراض: 1) إرسال رسالة بعدم قدرة تلك القوات علي توفير الأمن٬ وحفظه في المنطقة بحسب التفويض الممنوح لهم بموجب إتفاقية 20 يونيو ٬2011 2) إصرار الحكومة السودانية ومن خلفهم المسيرية علي رفض أية حلول لا تعتبر المسيرية مواطنون يتساوون مع دينكا نقوك ٬ 3) عرقلة عمليات عودة دينكا نقوك الطوعية للإستقرار والمشاركة في الإستفتاء المزمع وبالتالي تسهيل وتسريع محاولات إحتلال المنطقة بكاملها.
عليه يستوجب الأمر ويستأهل ترقية قواعد الإشتباك تحت البند السابع لمواجهة التوترات التي ستنشأ بين الدينكا والمسيرية من جهة وبين المسيرية والحكومة السودانية من الجهة الأخري٬ لجهة كون الأخيرة عضواً في مؤسسات إقليمية ودولية وتترتب عليها بموجب تلك العضوية إلتزامات لا يمكن التنصل منها.
ثالثاً: إستعصاء تشكيل المؤسسات المدنية٬ الإدارية والمجلس التشريعي٬ والأمنية٬ الشرطة٬ المشتركة للمنطقة. فالشروط التي ظل يضعها المؤتمر الوطني بتشكيل تلك المؤسسات بالتناصف أُعطبت بإغتيال السلطان كوال بالإضافة إلي خلو المنطقة من المسيرية عقب ذلك الإغتيال تخوفاً من عواقبه. أما فيما يتعلق بالشرطة المشتركة فقد كشفت حادثة إغتيال السلطان كوال إستمرار وجود القوات المسلحة في المنطقة بدليل إرسال القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية ضابطاً برتبة رفيعة لمكان الحادث رداً علي إتصال قائد القوات الإثيوبية الذي أشرنا إليه سابقاً مما يشي بعواقب وخيمة حال إستمرار الحكومة السودان في نشر وإستبقاء قواتها الأمنية٬ المليشيات٬ شرطة البترول وغيرها من المسمسات٬ رغماً عن قرارات مجلس الأمن الدولي ومناشداته لسحب تلك القوات.
رابعاً: التوتر٬المكتوم٬ الحادث بين السودان وإثيوبيا بعد مقتل الجنود الإثيوبيين العاملين ضمن قوات الأمم المتحدة والتحقير Humiliationالذي لاقته تلك القوات منذ دخولها إلي أبيي من ناحية٬ والتوتر الذي قد ينشأ بين إثيوبيا وجنوب السودان من الناحية الأخري إن أقدم دينكا نقوك علي إجتراح أفعال إنتقامية من شأنها أن تحرج حكومة جنوب السودان والقوات الإثيوبية علي حد سواء٬ بعد أن تم عجزت تلك القوات في حماتيهم وفي حماية زعيمهم الذي أغتيل تحت نظر ذات القوات.
أن "عملية" إغتيال السلطان كوال تتحمل مسئوليتها بالكامل حكومة المؤتمر الوطني وعلي رأسها الرئيس البشير. فالعميد طارق عبد الكريم كارم عضو اللجنة الإشرافية عن جانب السودان إلي جانب رئيسها المشترك٬ مساءلون فقط أمام رئيس الجمهورية كما تم النص عليه في إتفاقية الترتيبات الإدارية والأمنية الموقعة في 20 يوينو 2011. كما أنه كان النقطة المحورية focal Point في الإشراف علي تنفيذ الخطة التي أُسلفت الإشارة إليها. وهو من قام بتثريب حركة السلطان و خط سير موكب القوات والذي تم إعتراضه بعد مسافة مقدرة من معسكر القوات الذي إنعقد فيه الإجتماع الطارئ. عليه فإن ضلوع عضوي اللجنة الإشرافية لمنطقة أبيي٬ الخير الفيهم والعقيد طارق عبد الكريم يلقي بمسئولية قانونية٬ إغتيال السلطان كوال٬ وأخلاقية٬ إستغباء المسيرية وإستغلالهم وبالتالي الإضرار بمصالحهمعلي الحكومة السودانية.
خلاصة
بعد إندلاع المواجهة العسكرية المباشرة بين جنوب السودان والسودان في منطقة فانطو/هجليج في مارس 2012؛ إستصدر مجلسا السلم والأمن الإفريقي والدولي في إبريل٬ مايو من ذات العام خارطة طريق قارية/كونية ألزمت فيه البلدين٬ وفي إطار زمني محدد التوصل إلي حلول نهائية في أربعة قضايا إساسية من بينها قضية أبيي٬ المواد(13) و(2) علي التوالي. وفي مادتين تاليتين٬ (14) و(5)٬ كُلف الرئيس أمبيكي بتقديم مقترحات حلول تفصيلية حول القضايا الخلافية التي لم يتوصل الطرفان إلي نتيجة بشأنها لإجازتها كحلول "نهائية وملزمة". وكذا الأمين العام للأمم المتحدة بعد التشاور مع رئيسي الإيقاد والإتحاد الإفريقي.
فيما تواصلت الإجتماعات بين الطرفين دونما حلول تذكر؛ إستمرأ المؤتمر الوطني تحدي الإرادة الإقليمية والدولية وتفنن في إيذاء مواطني جنوب السودان في ولاياته الشمالية التي تحادد السودان جنوبا بالقصف الجوي والهجوم البري٬ بدعاوي ومبررات مكرورة٬وعلي رأسهم مواطنوا أبيي. والمجتمعان الدولي والإقليمي الذين أحالا ملف قضية المنطقةإلي مؤسساتهما٬ لا سيما العدلية منها والتي إتخذت قرارتها٬مطالبين بحمل السودان علي الإنصياع إلي٬ وتنفيذ تلك القررارت وبالتاليحماية دينكا نقوك من الإبادة التي يتعرضون لها. أو٬ والحالة هذي٬عليدينكا نقوك الإلتجاء إلي التمرد علي "الشرعية" الدولية والإقليمية والإنضمام إلي تمرد المجموعات المسلحة في منطقتي جبال النوبة والنيل الأرزق لتحقيق مطالبهم المشروعة٬ وإنشاء تحالف يجمعهم علي إعتبار أنه لم يتم تنفيذ أي من بروتوكولات المناطق الثلاث المضمنة في إتفاقية السلام الشامل يناير ٬2005 أو الإعتماد علي أنفسهم في إبتداع وسائل لتحقيق تلك المطالب٬ أدناها الأمن وأعلاها قيام الإستفتاء٬ وتجنب حالة المنطقة الحالية وفق السيادة المشتركة shared sovernigty التي لا تُقعد حكومة جنوب السودانعن تحمل مسئولياتها نحو مواطنيها٬ وتستغلها حكومة المؤتمر الوطني وفُتُّواته٬ في تسليح وتحريض مليشياتها من أبناء المسيرية علي إحتلال المنطقة علي حساب سكانها الفعليين.
نخلص أخيراً إلي أن الحل النهائي لذلك الوضع الملتهب يرقد في قبول المسيرية والحكومة السودانية "لعودة" منطقة أبيي إلي جنوب السودان وضمان حقوق المسيرية في المراعي والمياه كما جاء في مقترح الرئيس أمبيكي وخلق حالة فوز للطرفان معاً. وأن كانت تجربة إستفتاء جنوب السودان قد مرت بطريقة شبة سلمية٬ فإن إستفتاء منطقة أبيي قد لا يكون٬ لإن أبناء دينكا نقوك سيصوتون بالضرورة لعودة المنطقة وسيكون دافعهم في ذلك تأريخ ممارسات المسيرية والحكومة السودانية السيئة.
atif hamdoun [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.