الدكتور / المكاشفي عثمان دفع الله محمد دكتوراه في استراتيجيات تطوير المناهج مدرس بدولة قطر [email protected] يتميز العصر الراهن بالتقدم العلمي والتكنولوجي الذي نقل الإنسان إلى مراحل متقدمة من الفهم لقوانين الله نعالي في الكون ووفر الكثير من الجهد والمال والوقت . إن الفضاء الإعلامي المتنامي عبر البرامج التلفزيونية والانترنت يؤثر على النشء الجديد من فلذات أكبادنا الذين ما زالوا يحبون في عالم الفكر والمعرفة فلم تتشكل عقلياتهم بعد التشكيل الإسلامي القادر على التمييز بين الحسن والقبيح من الأفكار والمفاهيم ، والذين لم تأخذ نفسياتهم الحد الأدنى من البناء الذي يؤهلهم للصمود أمام مبثوثات تلك الأجهزة الخطيرة ،ويضاف إلى قوة تأثير هذه الأجهزة ، فساد المادة المبثوثة وخبث أهداف الباث لها ، وسعة حيلته . ويمكن استخدام أسلوب الرقابة الحكومية على البرامج لدرء خطر الغزو الغربي ومفاسد العولمة وبالرقابة الأسرية والمدرسية والتعاون بين كل مؤسسات التربية والإعلام . التربية كالثياب ومن حق كل أمة أن تفضل ثيابها على قدها وليس على قدود أمم أخرى ، ومن حق كل أمة على بقية الأمم أن ترى منها ما يسر أو على الأقل لا ترى منها ما يغم ويؤذي العيون والقلوب . إن الأقطار العربية لا تختلف عن غيرها في أن أغلبها تقلد الغرب تقليدا أعمى في كل شيء ، وترتكب نفس الأخطاء في اعتبار الأعراض فقط ، وليس فيها أي جهد جاد لمعرفة المصدر الأساسي لمشكلاتها ، واختيار استراتيجية مناسبة لكل هذه المشكلات في ضوء قيمها الخاصة ومعتقداتها . إن استيراد الفكر الحضاري من الاتجاه الخارجي يكمن فيه الخطر كله ، ذلك لأنه ينقل روح أهله إلى أي مكان يحل فيه ، إضافة إلى التخطيط الدقيق المقصود حين تصدير الأفكار إلى العالم العربي . يقول العلاقة الكسيس كار ليل : " إن الناس لا يستطيعون أن يتبعوا الحضارة العصرية في مجراها الحالي لأنهم آخذون في التدهور والانحطاط لقد فتنهم جمال علوم الجماد وأنهم لم يدركوا أن أجسامهم ومشاعرهم تتعرض للقوانين الطبيعية وهي قوانين أكثر غموضا - إن تساوت في العلاقة - مع قوانين الدنيا كذلك لم يدركوا أنهم لا يستطيعون أن يتبعوا هذه القوانين دون أن يلاقوا ، جزاءهم من ثم يجب أن يتعلموا العلاقات الضرورية للعالم الدنيوي لأترابهم أبناء أدم وذواتهم الداخلية وتلك التي تتصل بأنسجتهم وعقولهم " وغير كار ليل كثير من الكتاب والفلاسفة الذين يرون هذا الرأي ويؤمنون بأن الحضارة الغربية معرضة للزوال ما لم ترجع إلى قوانين الفطرة وما لم تدخل عالم الروح في حسابها . إننا ننفرد بمثل وقيم أخلاق فكرية تمكن الإسلام من تقديم برنا مج لحل عادل وعملي للمشكلات التي تواجههما البشرية ، إن مفهوم الصمود الحقيقي هو العودة إلى المنابع ونقطة الانطلاق. بعض الدول العربية في مجال المناهج أخذت عن الخبرات والتجارب العالمية أخذا حرفيا دون أي قيد والبعض الأخر أخذ عنها بتحفظ شديد ، والبعض الآخر أخذ عنها وفق معايير محددة محليا وعربيا. هذا الكم الهائل والمتنامي من المعرفة يحتاج إلى تنظيم سريع لمن يريد أن يستخدمه والتعرف على طرق استخدام المعرفة وهو محك التقدم ، لأن العقل البشري هو محور هذه الثورة لأنه يمثل طاقة متجددة لا تنضب فإن الثورة التكنولوجية الثالثة لن تكون حكرا على تلك المجتمعات الكبيرة أو القوية إنما يمكن لجميع الشعوب أن تخوض غمارها إذا ما أحسنت إعداد أبنائها تربويا وتعليميا لذلك ومما يؤكد هذا المعنى مفهوم العولمة الذي يستهدف أساسا السيطرة والاختراق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ولذلك فإن أول ما تتجه إليه الدول القوية التي تسعى على تحقيق صورة من صور السيطرة والاختراق هو ضرب العقيدة والقيم واللغة والتاريخ، ولم تستجب له المناهج العربية ، وإذا كانت المناهج قد أعدت من أجل التحصين وحماية الهوية العربية والوطنية فلن تستطيع العولمة أن تحقق أهدافها . وإذا كانت دول العالم لا تستطيع أن تعيش بمعزل عن تيار العولمة فلا بد أن تتفق كافة الدول على اقتسام الموارد بشكل عادل واقتسام المشكلات والتحديات أيضا لنحقق مجتمعا مستقرا يقوم على التوازن والتكافؤ والتعامل مع الدول الأخرى وعلى أساس من الوعي بأن العالم كله يجب أن يعيش بسلام من أجل التنمية للجميع على قدم المساواة . تقول مجلة إيكونوميست البريطانية " أن التعليم هو ثروة الأمم وإن مؤسسات التعليم هي ساحات المعارك للقرن المقبل " . ويؤكد البروفيسور الأمريكي دانيال سافران خبير التربية العالمي أن مسألة التعليم لا يمكن فصلها عن الأمن القومي ، إن المدرسة هي مخفر الحدود والجامعة هي الثكنة ، ويقول: إن ما يميز العالم الصناعي عن العالم الثالث هو أن الأول ينفق على التعليم والأبحاث أضعاف ما ينفق على الجيوش والسلاح بينما في العالم الثالث فإن ما يحدث هو العكس تماما ، إذا فإن وزراء التربية وليس وزراء الدفاع هم حماة خط الدفاع الأول عن الأمن القومي في القرن المقبل " ويشخص الدكتور زغلول راغب النجار بعض أسباب أزمة التعليم المعاصر بقوله : (( من المؤسف أن الاستعمار الأوروبي قد عمل على نقل نماذجه التعليمية وترويجها في البلاد التي استعمرها وأغلب هذه النظم قد نقلت بطريقة مشوهة بهدف تكوين شبيبة تلقن القيم السائدة في الدول المسيطرة ، وإلى تعليمها بالقدر الذي يجعلها في خدمة الاستعمار ،وهذا الأمر يتضح بجلاء في نظام التربية الإنجليزية في كافة الدول التي احتلت أراضيها ، والتي كانت تهدف إلى تكوين فئة من الأفراد يمكن اعتبارهم مواطنين من حيث اللون والدم ، وانجليزا من حيث الأذواق والآراء والأفكار والتقاليد في جميع الدول التي اصطلت بنار الاستعمار البريطاني ، وكذلك الدول التي أسست نظمها التعليمية بعد رحيل الاستعمار عنها ، بنتها على قواعد مستوردة متناسية في ذلك أن فلسفة التربية يجب أن تنبع من عقيدة الأمة وتراثها وفكرها ، وأن أي نظم تربوية مستوردة مصيرها أن تلفظ كما يلفظ الجسم عضوا غريبا يزرع فيه ، وبالفعل فإن غالبية الدول التي استوردت نظمها التعليمية من الخارج ظلت مؤسساتها التعليمية في حالة من عدم الاستقرار لاتزال تعوق العملية التعليمية وتعطلها عن بلوغ أهدافها المرجوة . وقد تعاون أصحاب الفلسفات المنحرفة مع المفتقرين إلى فلسفة محددة لحياتهم على إقصاء فلسفة الحياة الصحيحة عن ميدان التربية والتعليم فدارت العملية التعليمية في دوامة الفكر المادي المجرد من الروح "الدين " ، أفقدها أنبل عطائها ، وأقدس أدوارها ، وأسمى غاياتها وهذا يشكل حجر الزاوية في أزمة تعليمنا المعاصر )) . وكإطار لتطوير تعليمنا مع المحافظة على هوية أمتنا للمزواجة بين الأصالة والمعاصرة يمكن الاستفادة مما ذكره الدكتور صالح محمد النصيرات في مقاله الموسوم " الإصلاح التربوي والتعليمي دواعيه وجوانبه بمجلة التربية القطرية ( العدد 157 ) : 1- نشر الفكر الإصلاحي المستند إلى الفكر الإسلامي والحقائق العلمية . 2- تغيير أو تعديل المناهج بما يحقق تمكين الطالب من المهارات الأساسية و الكفايات المناسبة لعصر المعلوماتية . 3- ربط الإصلاح التربوي بالتنمية الشاملة . 4- نشر الثقافة الإسلامية الصحيحة التي تربي على العمل الجاد وتنبذ التواكل والتعصب للقبيلة والطائفة وتقيم وزنا للمستقبل . 5- تصحيح مسار التربية العربية واعتماد المنهج الإسلامي في التنظير والتفكير 6- الاهتمام بالبحث التربوي وتصحيح الرؤية المعرفية ولإطار الفكري للبحث والانطلاق من الواقع لدراسة المشكلات التي تواجه التربية العربية . وبعد ما هي أبرز المجهودات القطرية للتؤامة بين التعليم والهوية في منظومة المجلس الأعلى للتعليم والمدارس المستقلة ؟ . 1- استناد مبادرة تطوير التعليم إلى الدستور القطري والخطط الإستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم القائمة على الهوية العربية الإسلامية . 2- القائمون على تنفيذ تطوير التعليم معظمهم من العناصر الوطنية والمقيمين أصحاب الثقافة العربية الإسلامية المعتزين بها . 3- محاولات المجلس الأعلى للتعليم لتدارك تأخره في وضع معايير لأهم مادتين وهما التربية الإسلامية والاجتماعيات ( جغرافية وتاريخ وحضارة قطر ) والذي أثار انتقادات واسعة وعلنية وذلك بتبني مناهج وزارة التربية والتعليم لهاتين المادتين مع السعي الجاد لوضع معايير لهما ، بل وتدعيمهما بمواد تركز على الهوية العربية الإسلامية لمجتمعنا القطري مثل التربية الأسرية و مادة التربية القيمية والتي تبنت مدرسة عبد الرحمن بن جاسم الإعدادية المستقلة بالوكرة أن تكون مركزا لها لكل المدارس المستقلة بدولة قطر . 4- اعتماد أنشطة وبرامج تحصن الطلاب تحصينا علميا وشرعيا وثقافيا على مبادئ الإسلام والقيم السمحة بالمجتمع القطري العربي المسلم ويمكن إبراز تجربة مدرستنا عبد الرحمن بن جاسم الإعدادية المستقلة مثل الالتزام بإقامة صلاة الظهر جماعة لكل الطلاب والمعلمين ، إقامة محاضرات وندوات إسلامية باستضافة علماء يردون على استفسارات الطلاب بفكر اسلامي منير معتدل ، التركيز على القضايا التي تهم الشباب بالمعارض والمشاركات مثل أضرار التدخين والمخدرات والوقاية من الحوادث المرورية بالتعاون مع وزارة الداخلية ، الاهتمام بالحفاظ على البيئة نظريا وعمليا وإقامة مسرحيات حولها تفعيلا لرسالة المدرسة ورؤيتها " التعلم بالفنون " ، تنفيذ برنامج صلاتي بالتعاون مع المشرف عليه الأخ الأستاذ سعد الغانم والتوأمة مع وزارة الأوقاف من خلال مشاركة أئمة المساجد والأسر وقد تبنى ذلك مركز التربية القيمية ، بجانب المشاركة في مسابقات القرآن الكريم والمسابقات الثقافية الإسلامية المتنوعة ، وفي المسابقات الخارجية فازت المدرسة بأفضل منشد في الإنشاد الإسلامي على مستوى العالم العربي ، وكذلك بمركز أفضل مدرسة في العمل الطوعي على مستوى دولة قطر ، مع الاهتمام بالجوانب السلوكية والعلمية للطلاب وتكريم أولياء أمورهم معهم ودعم مركز مصادر التعلم بالمدرسة بالكتب والمجلات والأفلام والمواقع الالكترونية التي تدعم اتجاه التعليم مع المحافظة على هويتنا الذاتية والتعامل بعقل مفتوح مع الآخرين والاستفادة مما يتسق مع إسلامنا وقيمنا ، ويمكن أن يكون الكثير من مثل هذه البرامج وغيرها جاريا بمدرستنا والمدارس المستقلة الأخرى . وفي خاتمة هذا المقال والذي غطى جانبا من هذا الموضوع الكبير والمهم ، فإننا جميعا من أعلى مستويات المسئولية في الدولة وإدارات التعليم والمدارس والمعلمين والطلاب وأولياء الأمور وفعاليات المجتمع المدني وكل المؤسسات الرسمية كالإعلام وغيرها مسئولون عن التعليم الذي يحافظ باستمرار على هويتنا وأصالتنا وقيمنا والاستفادة بعقلانية وحرص من المتاح أمامنا عالميا ، فنحن حضارة إسلامية زاهرة تعمر الأرض وترتبط بقيم السماء ، بل ورحمة للبشرية جمعاء .