كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    صلوحة: إذا استشهد معاوية فإن السودان سينجب كل يوم ألف معاوية    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    أيهما تُفَضَّل، الأمن أم الحرية؟؟    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل آن أوان ليلة السكاكين الطويلة!؟ .. بقلم: فتحي الضَّو
نشر في سودانيل يوم 11 - 06 - 2013

كنت أعتقد يقيناً أنني كتبت شيئاً عادياً أو هكذا ينبغي أن يكون في مثل هذه الظروف. لكن ذُهلت عندما فاض بريدي برسائل قراء كرام يسألون بل يتساءلون عن صِحة ما ورد في خواتيم المقال الأخير. وعندما تمعنت في الأمر وجدت أن سبب هذا الحشد البريدي لا يعدو إلا أن يكون نتيجة لثلاثة احتمالات. إما أن ما كتبت كان مبهماً لدرجة يحتاج فيها لإبانة، أو أن حب الاستطلاع الغريزي في النفس البشرية تطلع للمزيد الذي يشفي الغليل، أو أن هاجس الخوف على وطن يقف على شفا جرف هارٍ بات يسيطر على أفئدة السودانيين، وفي ذلك يقف البعض عاجزاً عن مد يد العون لإنقاذه من سقوط محتمل!
على الرغم من أن أياً من هذه الأسباب يمكن أن يكون ترياقاً يجيب على التساؤلات آنفة الذكر، إلَّا أنني عدلت احتمالاتي تلك باستبعاد السبب الأول. ليس لأن ما كتبت كان واضحاً وبلغة عربية فصحى، ولكن لأنني تذكرت طرفة راجت في زمن الرئيس المقبور جعفر نميري عن شخص مقهور مثلنا، كان قد شرع يوزع أوراقاً بيضاء في الطرقات بزعم أنها منشورات ضد ذلك النظام الديكتاتوري بالرغم من أنه ليس مكتوب عليها أي شيء، وعندما قيل له كيف يدّعي أنها منشورات، قال على الفور: وهل الحال الذي نعيشه يحتاج لتوضيح؟ وبالطبع شر البلية ما يضحك كما يقولون!
لأن وراء الأكمة ما وراءها، دعونا ابتداءً نستدعي الفقرة موضع التساؤل. وهي الفقرة التي خلصنا إليها بعد تحليل الوضع القائم وحالة الانسداد الراهنة التي وصل إليها النظام، وجاءت كالتالي«صفوة القول، كنت قد ذكرت في المقال السابق عبارة قلت فيها عرضاً إن سقوط النظام أصبح وشيكاً، وليسمح لي القارىء الكريم بتكرارها ونشهد عليها من فطرنا من صلصال وإليه نعود، هذا على الرغم من أن السياسة وشئونها لا تعرف القول الفصل ولا الرهان المطلق، لكن فليثق من أولانا ثقته في أنه قول لا ينطق عن الهوى، ولا جاءنا من وحي يُوحى، وإنما بناءً على وقائع ورصد وتحليل نكاد نرى فيه رأي العين ليلة السكاكين الطويلة تصدع ردهات القصر الذي بناه غردون! ولمثل يوم كهذا سعى النظام إلى (حتفه بظلفه) كما تقول العرب العاربة»!!
انّتهت الفقرة، ولكن دعونا من قول العرب العاربة، وهاكم حديث (العرب الممزوجة بدم الزنوج الحار) كما قال شاعرنا الراحل إسماعيل حسن. في واقع الأمر إن ما كتبت استند على ساقين، الأولى ساق الظاهر الذي لا يُخفى على العين كما افترضت الطُرفة. والساق الثانية ساق الباطن وهي الأهم وقد إتكأت على معلومات تسربت لنا من المصدر الذي ظلّ يمدنا - ومنذ فترة طويلة - بالذي أرهقهم وقض مضاجعهم وبدد النوم من عيونهم. وللذين لا يعلمون ولم يتمكنوا من قراءة كتابنا الأخير (الخندق/أسرار دولة الفساد والاستبداد) نقول إنه ابن سرحتهم أي من جنس العصبة، نافذاً يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وبمثلما يتظاهرون يمد سبابته ويرفع عقيرته مهللاً ومكبراً في مناسبة أو بدونها. ولأسباب شرحناها من قبل ذكرنا فيها دوافعه كما أفصح عنها، بالرغم من أنه ما يزال بالنسبة لنا لغزاً مرهقاً. بيد أن ذلك ليس مهماً بقدر ما المهم هو ما أتحفنا به واحتفى به القراء بعد أن تطابقت مجرياته مع ما يجري على أرض الواقع. ومع ذلك لست في حاجة لتأكيد صدقيته أو نقيضها فيما سيرد ذكره، والحمد لله الذي سخّر لنا قراء هم من الحصافة بحيث باتوا يفرزون الغث من السمين من أول نظرة!
لنبدأ بالساق الأولى حتى لا يصيب القراء الكرام ما أصاب قوم تُبع من ذهول. فالذي يعلمه المتابعون والمراقبون والمحللون السياسيون أن النظام تكاثرت أزماته وتناسلت بدرجة تجعل من احتمال صموده أمراً عصياً إن لم يكن مستحيلاً. فضنك العيش ورهقه الذي يعيشه السواد الأعظم أو غالبية أهل السودان، مرشح لمزيد من التفاقم في ظل اقتصاد ضعضعت العصبة ما أفنى فيه آدم اسميث عمراً، بدليل هذا الخبر الذي ربما طالعتموه مثلي في صحيفة الصحافة 6/6/2013 (طالب نواب البرلمان الحكومة بالإسراع في رفع الدعم تدريجياً عن السكر والمحروقات للسيطرة على السوق وإلا سيظل غولاً فاتحاً فاه ليبلع كل ما يتخذ في سبيل تخفيف المعاناة ومحاصرة الترهل والاستمرار في ترشيد الإنفاق الحكومي) وجاراهم في الهراء نفسه وزير مالية النظام الهمام الذي نقلت عنه صحيفة الأخبار 6/6/2013 قوله (إن مكافحة التهريب لن تتم إلا برفع الدعم عن السلع الاستراتيجية، السكر والمحروقات) وليس في الأمر عجب، أليس هذا الوزير هو من دعا أعضاء المجلس الوطني الأسبوع الفائت لتبني مشروع (صلاة الاستسقاء) رسمياً لإنجاح الموسم الزراعي!
توخياً للدقة نشير إلى أن علامة التعجب الأخيرة إضافة كريمة مِنَّا كأبسط ما يكون التعبير عن محنة. بدا لي أن معاناة الشعب الطيب تبدو كنار جهنم، كلما سأل الناس الحكومة السنيَّة تخفيفها أجابتهم بالمزيد. يحدث هذا التداعي المرعب في ظل خزينة خاوية على عروشها، وعملة محلية تدهورت إلى أن فقدت قيمتها، وتضخم بلغ نحو25% وديون وصلت إلى 45،6 بليون - بحسب آخر إحصائية لصندوق النقد الدولي - وبطالة في أوساط الشباب طالت أكثر من 47% فاتجه معظمهم نحو تعاطي المخدرات بأرقام فلكية، ثمَّ انتشرت الرذيلة طردياً مع الفقر الذي داس على أي فضيلة!
ليس ذلك فحسب، فكأنما الخلق ليس فيهم ما يكفيهم، فالمتابعون يعلمون أن أزمة الجازولين ضاعفت من معاناة المواطنين في المواصلات. أقول ضاعفت لأن الوالي الهمام انصب جلّ اهتمامه في كيفية (تشتيت مواقف الباصات العامة) بحسبه أنها تمثل شروعاً في انتفاضة. وليت الأمر توقف على المواصلات، فالأنكى انعكاسها على الزراعة التي أجدبت قبلاً. أما الخدمات الصحية فتلك فصول من مأساة لا يعرفها إلا من يكابدها، مريضاً كان أو معاوداً لمريض. وإن شئت أن تبلغ قمة الرثاء لحال وطن انطمس مستقبله فانظر لقطاع التعليم حيث رفع الجهل بيتاً عِماده المشعوذون والمكفرون وشذاذ الآفاق وانهدَّ فيه بيت العلم والمعرفة. وكلما توسل المواطن المسكين الأمن من خوف - بحسب الدستور الرباني - أجابوه بحروب يأخذ بعضها برقاب بعض واستعر لظاها في عدة جبهات، وإن التمس الناس ترويحاً عن النفس طالعوا فيلماً مرعباً عن فساد بزًّ قارون وسدنته!
لكن دعونا من كل هذه التفصيلات التي حفظها الناس عن ظهر قلب! أود أن أسأل أسئلة ألتمس بها قبساً يبدد ظلمتي. هل حدث أن هاتف أحدكم عزيزاً لديه في الوطن المكلوم وخلت محادثته من شكوى الأوضاع البائسة يتبعها سخط عارم؟ هل حدث أن قضى أحدكم أياماً معدودات بين أهله وصحبه وعاد دون أن ينفث زفرات حرى على وطن تسرب من بين الأصابع؟ منذ ما يناهز الربع قرن هل طالع أحدكم خبراً يدخل السرور والحبور إلى قلبه عن بلد صار عبئاً على أهله والبشرية؟ تلك أسئلة - رغم حيرتها - ستجد لها جواباً فيما ذكره أحد جلاوزة العصبة والمسؤول عن (جهاز تعذيب المغتربين) الذي قال إن جهازه هذا يصدر ثلاث آلاف تأشيرة خروج يومياً. إذاً فهذا هو الوطن الذي قامت قيامته قبل أوانها وفر فيه المرء من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه والظل الذي يأويه!
ما أتعسه من وطن سيطرت فيه شرذمة من الأفاكين والمنافقين على مقاليد الأمور، هم أنفسهم الذين دأبوا على رؤيته يتقزَّم كلما تضخمت كروشهم. وطن يعيش حالة موت إكلينكي (سريري) على مدى ربع قرن ينام مواطنه على لغة القتل والتنكيل والدمار والهلاك، ويصحو على أنغام الفساد والكذب والتدليس، وطن تضاءل بعد اتساع وأُفقر بعد غنىً، الناس يهربون منه وإليه، بل من المفارقات التي تدعو للتأمل أن في سنوات الحضيض هذه، انفضَّ عن النظام حتى الذين أيدوه غفلة وناصروه لأسباب آيديولوجية وتوسموا فيه خيراً اكتشفوا أنه كسراب بقيعة، فإذا بهم يفرون منه ظمأى كما يفر السليم من الأجرب!
نأتي للساق الثانية، وعلى القراء الكرام استخدام كافة أدوات السلامة الجوية في الهبوط الاضطراري الذي نحن بصدده. فمن باب احترام العلاقة التي تواثقنا عليها لأكثر من ثلاثة عقود زمنية، سأطلعكم - يا سادتي - على مجتزأ بحذفاره من رسالة لمصدرنا المحيِّر، بأمل أن تفتح أبصاركم وتنور بصائركم فيما استغلق عليكم من أمور «هذه المرة ليست لدي وثائق أرسلها لك كالعادة، ولكن لدي أسرار يشيب لها الولدان، ربما رأسك وليس رأسي ولا رؤوس عصبتي ذوي البأس كما تسميهم. فأما أنا ليس لأن رأسي خلا من السواد، ولكن لأنه لم يعد هناك ما يشيبه من فرط ما سمعت وهول ما شاهدت، أما بالنسبة (لعصبتنا) فقد تحايلوا على شيبهم بالصبغة والحناء، وهي الظاهرة التي انتشرت كما النار في الهشيم، وقد لا تعلم أن لهم في ذلك مآرب أخر. المعروف أن الظاهرة تفتح شهية المرء للحياة، وبالتالي تنفتح شهيته للسلطة وتبعاً لذلك يقبل بذات الشهية على الفساد. والله سبحانه وتعالى يقول ("قُل من كان في الضلالة فليمدد له الرَّحمن مدَّاً حتى إذا رأوا ما يوُعدون إمَّا العذاب وإمَّا الساعة فسيعلمُون من هُو شرٌّ مكاناً وأضعف جُنداً.. الآية) لا يغرنك تبرئة نفسي من سلطة زائلة فقد بلغنا فيها أرذل العمر، لكن ليس العمر الذي تعدون. ولكن لأنني أحمد الله الذي أذاقني جحيمها وليس لدي أدنى طموح في جنتها وأشك أنها كذلك. لا عليك بهرطقاتي هذه وإليك الوقائع التالية.. أزمتنا ضاقت واستحكمت حلقاتها، ومن المفارقات أن جماعتكم ناس الحركة الثورية فعلوا الأعاجيب ولكنهم لم يوفقوا في التوقيت، فقد كان الغزو في زمن استحكمت فيه الأزمة السياسية بين القطبين المتنافرين، وزادت عليها أزمة كبرى في المؤسسة العسكرية. قبيل ذلك بقليل اجتمع المجلس الخماسي الذي سبق وقلت لك إنه المخول بوضع خطوط عريضة لسياسات استراتيجية تتنزل على القواعد لتنفيذها (البعض بدأ يطلق عليه مجلس الصحابة) في ذاك الاجتماع حدث تلاسن حاد بين شيخ علي ودكتور نافع، ولم تكن تلك هي المرة الأولى فقد تكررت من قبل في احتلال هجليج. وتدور بشكل أساسي فيما يزعم دكتور نافع بأن شيخ علي يعتبر مسؤولاً عن كل ما حاق بالنظام من بلايا ورزايا منذ نيفاشا، في حين أن شيخ علي يقول إن لغة دكتور نافع الجافة نفرت عن الحكومة العدو والصديق. ربما تتساءل عن موقف الرئيس بين التيارين، بالطبع فإن المجلس الخماسي ليس على قلب رجل واحد، لا تستغرب إن قلت إنه - أي الرئيس - يسعد كثيراً بهذا التنافر لأنه يود أن يظهر بمظهر (كبير العيلة) وتزداد الحاجة له كطرف محايد في الصراع. في خضم هذا التشابك حدثت واقعة أم روابة وأبو كرشولا مما حدا بالمجلس المذكور استغلالها للتغطية على سوءاته، وقرر أن تنتظم البلاد تعبئة عارمة تستند داخلياً على عنصر الدين، وخارجياً على عنصر العرق، باعتبار أن الجبهة الثورية تريد تغيير هوية السودان، وهو الخطاب الذي استجابت له دولتين خليجيتين كبرى وصغرى بدعم غير مرئي، في حين تمنعت واحدة من دول الجوار الشمالي واستجابت الأخرى بدعم غير مرئي أيضاً. أما على الصعيد العسكري، الذي حدث قبل نحو شهر من واقعة أبو كرشولا جاء رهط من العسكريين لشيخ علي يشكون وزير الدفاع عبد الرحيم وطرحوا أمامه تجاوزات مهنية وفساد مالي وأسباب تضعضع الجيش، استمع لهم شيخ علي ولم يعد بشىء وعندما حدثت الواقعة جاءوه مرة ثانية وطالبوا بإقالته حفاظاً على هيبة المؤسسة العسكرية، قال لهم شيخ علي إنه يوافقهم الرأي في أخطائه وخطاياه ولكن إقالته في مثل هذه الظروف ستعطي مؤشراً سالباً لصراعات داخلية. والحقيقة تلك كلمة حق أراد شيخ علي بها باطلاً فهو يعرف دائما كيف ينحني أمام العاصفة وقد قصد بكلامه ذاك أن يطمئن على أنهم (لن يفعلوها!) وهو في نفس الوقت لا يستطيع الحديث مع الرئيس عن عبد الرحيم وأعاجيبه، لأن شيخ علي لا يريد توتير علاقته بالرئيس حتى لا يضعف أمام خصمه اللدود الآخر. خطاب التعبئة الداخلي الذي ذكرت رائده شيخ الصافي جعفر، وكان قد جمع عدداً من (عصبتنا) في داره وعلى رأسهم شيخ علي، وخطب فيهم خطبة مؤثرة، فهو يعرف كيف يستدر الدموع، ولكن القليل ممن هطلت دموعهم كانوا يعلمون أن ما حدث في أبو كرشولا كان طوق نجاة من أزمة استحكمت حلقاتها كما ذكرت. الحقيقة لا يخرج النظام من ظلماته سوى معارضتكم، ومهما فعل جماعتنا فلن يستطيعوا جزاء الإمام الصادق المهدي، فهو يتبرع بما يطلب منه ولا يُطلب. تماماً كما فعل قوش من قبل مع الاستخبارات الأمريكية (السي آي أيه) بالمناسبة قوش كانت محاولته حقيقية، ولكنه يعلم أنه لا يستطيع أن يكون حاكماً، إذ أن مهمته في الدنيا وإلى أن ينتقل للدار الباقية صناعة من يحكمون، ولهذا قليل منّا يعرف أنه كان يلعب تلك اللعبة الخطرة لصالح شيخ علي، ربما التطويل في اعتقاله محاولة لإيجاد دليل مادي في هذا الافتراض، بدليل تمديدها المرة تلو الأخرى بدعوى استكمال التحريات! لكنهم يعرفون أنه لا قوش ولا شيخ علي ممن يقعون في فخ كهذا. أختم لك بديكتاتورية سافرة مارسها الرئيس في أعقاب ما رشح عن أن أعضاء المجلس الوطني استدعوا وزير الدفاع لمساءلته، فقد حدث العكس إذ استدعى الرئيس رئيسهم أحمد إبراهيم الطاهر، وقال له بصورة صارمة، (بلّغ نوابك ديل كل واحد يمشي دائرته ويعملوا مع الناس في تجهيز الحملات وتفويج الشباب وبطلوا الكلام الفارغ البعملوا فيه ده) الحقيقة أن الرئيس في حيرة من أمره أو هو بين نارين كما نقول، لولا المحكمة الجنائية لسلمها لأقرب شخص من (عصبتنا) ومضى في سبيله لممارسة هوايات تحدثت عنها أنت في مقالتيك (كنا نظن أن عبد الرحيم وحده يعلم أسراره) الخلاصة الآن نافع انتفش ريشه كثيراً بعد الدعوة الأمريكية (أهلك ديل شواطين عديل كده) وهي إن تمت فيها ضربة قاضية لشيخ علي، الغريب أن نافع بدأ يتعامل بناءً على هذا الوهم!
أخلص ختاماً لسناريوهات محتملة قد تنفعك في التحليل، آمل أن تقول قبلها أو بعدها اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه».
إلى هنا فليسمح لي القارىء الكريم أن أتوقف لأن ما ذكره مصدرنا الذي سميته (راسبوتين) وهو به سعيد، يمكن أن يلفت نظر العصبة ذوي البأس فتعمل على إبطاله، أو ربما تأذى منه آخرون من القابضين على الجمر، وفي كلا الحالين نخشى من عواقب وخيمة على وطن بات يقف على حد السيف، ويشخص بصره نحو أوان عنوان مقالنا هذا!
آخر الكلام: لابد من الديمقراطية وإن طال السفر!!
//////////


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.