في حوالى منتصف فبراير من العام 1975 كنت قد اعمل في دار الصحافة/الخرطوم شارع على عبد اللطيف بجوار صينية الحركة التي حكم عليها مخططو المدن بالاعدام حيث حلت محلها اشارة مرور ضوئية وليس ذلك فحسب فقد (ازيل) مبنى دار الصحافة نفسه من خارطة الخرطوم (الجديدة)، وقد كانت السيارت التي تجوب شوارع الخرطوم قليلة الى حد بعيد وكذا كان عدد سكان الخرطوم في ذلك الزمان. وكان معظم الناس يعتمدون على (اسطول) مركبات المواصلات العامة المكون من (تاكسي/بصات حكومية وأهلية)، وكانت العاصمة المثلثة تعاني بين حين وآخر من ازمات نقص في وسائل و{مواعين} النقل العام عندما بدأ عدد الناس في التضخم نتيجة لانسياب اعداد كبيرة من سكان الأقاليم وتوجههم نحو الخرطوم لتوفر العديد من مرافق الخدمات العامة من تعليم وصحة وغيرها، فضلا عن توفر فرص العمل. وخلال تلك الأزمات التي مرت بها العاصمة المثلثة كان كثير من المواطنين {ممن يملكون سيارات} يسهمون في تخفيف العبء عن كاهل المواطن وذلك عن طريق توصيل المواطنين الى وجهاتهم المقصودة والتي تقع ضمن خط سيرهم الاعتيادي. وكانت لفتة بارعة من اصحاب تلك السيارات تدل على التكاتف والتعاضد والتعاون بين افراد المجتمع {بصرف النظر عن طبقاتهم ومستوياتهم} والتمسك بالتقاليد العريقة لأهلنا الطيبين، وامتثالا لما حض عليه ديننا الحنيف واتباعا لسنة المصطفي عليه افضل الصلاة والتسليم، وكانت الدنيا لا تخلو من فاعلي الخير امثال اولئك الذين تواضعوا و {تعاضدوا} وكانوا من المواطنين الصالحين. وأذكر أنه خلال تلك الأزمات ركبت مع صاحب (بوكس) حيث أسهمت (البكاسي) كثيرا في تخفيف معاناة المواطنين ابان تلك الأزمات الخانقة، رجل ذي مروءة وخلق ودين، وبدأ الركاب يجمعون له الأجرة، فما كان منه الا انتهرهم قائلا انه ليس في حاجة الى (فلوسهم) بقدر ما هو في حاجة الى (حسنة) هذا العمل الخيري مضاعفة الى عشر أضعافها، وكانت العربة وقتها تمر بجوار مبنى الحج والعمرة الحالي بمطار الخرطوم وقد تجمهرت مجموعة من الحجاج في طريقهم الى انهاء اجراءتهم وكان في وداعهم لفيف من أهلهم وذويهم، وتحسر صاحب (البوكس) على (فوات) الأجر العظيم عندما شاهد (سبيل) على قارعة الطريق أقامه أحد أهل الخير ليطفئ ظمأ المارة والمودعين والمواطنين عامة السالكين لذلك الطريق، ولم يكن (سبيلا) عاديا يقدم الماء البارد، بل كان يقدم (الليمون) البارد (الطاعم) وقد اشتد حر ذلك الصيف وارتفعت درجات الحرارة الى مستويات قياسية. وكان لسان كل من (يغترف) كوبا من ذلك الليمون (الخيري) يلهج بالشكر لذلك المحسن ويدعو له بالخير والقبول. أناس ذوي قلوب رحيمة يلتمسون (الحسنة) ويقصدون عمل الخير لايرجون من مخلوق جزاء ولا شكورا، يبتغون الأجر والثواب من عند رب العباد، لا يستكبرون لأن الله قد خصهم بالمال دون غيرهم، لأنهم موقنون بأن المال هو مال الله وهو المالك الحقيقي وهم (مستخلفون) فيه ينفقون حسبما أمرهم به الله. أما الآن وقد (غصت) الشوارع بالعربات وتنوعت موديلاتها وأشكالها وألوانها وقد (فتح) على كثير من العباد بالسيارات (الفارهة) التي تجوب شوارع الخرطوم وكثير منها شبه (فارغ)، يقودها أناس (يتسكعون) بها في الطرقات دونما (غاية)، بل يقول البعض أن {جرثومة} مرض {التفحيط} المستشري وسط مجتمعات شباب الخليج قد وجدت لها (ارضا خصبة) وسط بعض مجموعة من شبابنا {الطائش} خالي المسئولية. كل تلك السيارات التي {تنهب} الطرقات، ولا أحد من أصحابها {الذين ينعمون بالتكييف داخلها} يفكر في فعل الخير، لا سيما في ظروف {قاسية} ترتفع فيها الحرارة الى درجات {قياسية} والناس {يتكدسون} في محطات انتظار مركبات المواصلات العامة {يكتوون} بحرارة الجو. للأسف الشديد أنسانا حب النفس ان نفكر في معاناة الآخرين، وأن نأخذ بأيدي أولئك الذين اضطرتهم ظروفهم المادية الى استخدام المواصلات العامة. ليعلم اولئك أن المال الذي بأيديهم ما هو الا (فتنة) وابتلاء واختبار من المولى عزوجل. ليس من عاداتنا وتقاليدنا السمحة وتعاليم ديننا الحنيف أن نرى غيرنا في (ورطة) ولانمد له يد العون والمساعدة. اذن حري بنا أن نضع نصب أعيننا قول رسولنا الكريم: من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له. ولنعلم أن الأيام دول فقد تضطرنا الظروف ذات يوم أن نكون ممن يلتمس تلك الخدمة أو توقعهم في تلك (الورطة) لا سمح الله. alrasheed ali [[email protected]]