بالنسبة للمغترب تبدأ الرحلة هكذا: بعد أن يعجز الشاب في الحصول على فرصة عمل في بلده يقرر الهجرة. يطرق أبواب السفارات والقنصليات وممثليات البلدان المختلفة، وحين يعجز في ايجاد أي فرصة عمل نظامية في تلك البلدان يقرر أن أن يهاجر بطريقة خبط العشواء، ليس مهما الوجهة، لكن الأهم أن يغادر البلد حتى يكتب في زمرة المغتربين. ما يزال في ريعان الشباب وحيويته، يبحث هنا وهناك عشى أن يجد العمل الذي يتوافق مع دراسته وطموحه. يطرق كل الابواب لكنه لا يجد ما كان يحلم به، فيرضى بما قسمه الله له، فهذا مصيره المكتوب. سنوات تمضي ويقرر الزواج حتى لا يفوته ربيع العمر. يتزوج ثم يحضر زوجته للعيش بجواره، يجابدان معاً مشقة الحياة الصعبة ... سنة تمر وبعدها سنة ليجد نفسه غارقاً في مشاكل الأسرة والأولاد ثم والديه وأخوانه الذين تركهم خلفه وهم يكابدون الظروف القاسية.... حتى هنا لا توجد مشكلة عصية عن الحل، لكن المرحلة الفاصلة هي وصول الأبناء لمراحل متقدمة في الدراسة، هنا يجد ذلك "الشاب" والذي غادر مرحلة الشباب أمام خيارات متعددة: هل يبقي معه أبناءه ليواجه مشاكل التعليم في المهجر، وهي بجانب عدم توافقها مع التعليم في الوطن فإنها مرتفعة التكاليف بالنسبة لإمكانيات الكثير من المغتربين... أو يتوكل على الله ويرسل أبناءه للعيش مع أهلهم ليجدوا أنفسهم إزاء مجتمع جديد بالنسبة إليهم. هناك يبدأ صراع مرير، الأبناء الذين اعتادوا على نمط حياة مختلف عليهم الآن أن يتكيفوا مع واقع جديد لكنهم يعجزوا عن ذلك فيحدث الاختلال النفسي... أما الخيار الثالث أن يرسل ذلك المغترب المغلوب على أمره جميع أفراد أسرته ليظل هو يواجه مصير الاغتراب والوحدة، بينما أسرته تصارع العيش بعيداً عن رب الأسرة وربانها. صراع مرير لا يشعر به المغترب إلا حين وصول أبناؤه إلى مراحل متقدمة في الدراسة، ومما يصعب من الأمور عدم وجود مدارس سودانية في بلاد المهجر، وحتى القليل الموجود منها في بعض البلدان مستواه متدن من حيث الكوادر الإدارية والتعليمية، فهذه المدارس في سبيل تقليل التكاليف لا تجد حرجاً في الاستعانة بمدرسين غير متخصصين، وربما لم يمارسوا المهنة من قبل إلا في تلك المدرسة. ولذلك ليس مستغرباً أن تأتي تلك المدارس في ذيل القائمة حين إعلان نتائج الامتحانات. من الغريب ألا يكون هذا الموضوع من ضمن هواجس جهاز العاملين بالخارج ولو من باب الاستثمار التجاري الذي يمكن أن يدر على هذا الجهاز عبر ذراعه الاستثمارية الكثير من المبالغ المالية. المسألة تتطلب إرادة ومبادرة من قبل الجهاز والسفارات بالخارج بالتنسيق مع الجهات الرسمية في البلدان المضيفة. تعليم أبناء المغتربين بالخارج يشكل أكثر الأزمات التي تواجه المغتربين، ويجب أن يأتي على رأس أولويات جهاز شئون العاملين بالخارج والمؤسسات الأخرى المعنية.. فهؤلاء المغتربين هم مواطنون حقيقيون لو تعلمون. Ayman Abo El Hassen [[email protected]]