ما ان حلت ليلة الخامس عشر من رمضان إلا وانطلق الصبايا والصبيان وملئوا الدوحة وضواحيها فرحا وضجيجا بملابسهم المزركشة والاهازيج التراثية " قرنقعوه قرقعوه اعطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم " فنشطت الذاكرة لايام الطفولة المترعة بكل ما هو جميل .. فالعادات التراثية للشعوب رديف لفطرتهم ومساند لميولهم المشتق من هويتهم . " والرحمتات الرحمة جاءت او عشاء الميتين " احتفال شبع لاطفال السودان ومساكينهم حيث تحرص الاسر في الجمعة الاخيرة من رمضان لتكون شبع للجميع ويطلق عليها " الجمعة اليتيمة " لان لا جمعة بعدها وضمن العشر الاواخر وتيمما بالمصطفي " ص" حيث كان اسرع من الريح المرسلة لبذل الخير . وليلة الرحمتات.. تمتين لصلة الارحام وللبذل السخي لينام الجميع في تلك الليلة وليس فيهم جائع وتتباري الاسر لعمل الفتة وييذبح الموسرون الذبائح و" الفتة " خبز مشرب بالشوربة والارز واللحم ويطوف الاولاد والبنات يطرقعون بفوارغ العلب المعدنية المليئة بالحصى لتصدر اصواتا إيقاعية تتناسق وترانيمهم وللاسراع لهم بالوليمة والتي تبدأ من منتصف النهار ياكلون بعدها التمر المنقوع في الماء ويدهن للبنات شعورهن بدهن طيب ذو عطر فواح مغلي بمنقوع القرنفل " المسمار " وتحرص ربة الاسرة لتصب الماء بنفسها على ايادي الصغار لغسلها وهم يرددون " الله يرحم مواتاكم " تين تين اعطونا عشاء الميتين " في سينفونية روحانية تجذب احباب الله ليشاركوا بالدعاء المستجاب في نهار وليالي رمضان .. وبرغم انني لم اجد اصل لهذه العادة والمنتشرة تقريبا في كل اقاليم السودان إلا ان مفردات اهازيجها مرتبطة بالبذل والدعاء والترحم على الاموات ودليل على الفطرة السليمة فالتمر والتين من فضائل الشهر لقيمتهم الغذائية وكان المصطفي ص يبدأ فطوره بالتمر كما ان فلسفة الصوم مؤازرة للفقراء والمحتاجين وفرصة للمساكين للشبع والارتواء . والسودانيون عرفوا بالكرم والنخوة وما زالوا رغم الظروف الاقتصادية الحالكة والغلاء المعيشي الطاحن اكثر حرصا على نصب ما يشبه الخيام الرمضانية وسط الاحياء والميادين العامة وكل اسرة تخرج طعامها من وجبات شعبية " كالعصيدة والقراصة " والتمر والبليلة مترجمين مقولة " الجود بالموجود " في تظاهرة اجتماعية تحي روح التواصل فيتناول المعدم طعام جاره الغني باللحوم والفواكهه الطازجة وللعزاب وعابري الطريق العام وقت الافطار النصيب الاكبر . ان العادات والتقاليد في دولنا العربية والاسلامية تتشابه وإن اختلفت مسمياتها وهي في الاصل توطن لاعانة الضعيف ومساندة المسكين واعالة اليتيم وكفالة المحتاج وطالب العلم والمرضى .. وسع الله عليكم جميعا وملكنا واياكم الاجر والثواب .. أمين . عواطف عبداللطيف [email protected] اعلامية مقيمة بقطر همسة : القرنقعوه او ليلة الرحمتات عادات موغلة في القدم ترسيخ للعدالة الاجتماعية في اسمى معانها .