بقلم – سارة ميلر لانا ترجمة (بتصرف) : د / أوشيك آدم علي [email protected] الشاب البرازيلي أديسون لوباتولباتو يخرج كل يوم من منزله متأبطا شهادته الجامعية من كلية الزراعة يطوف بها مكاتب التوظيف مكتبا مكتبا ويرجع أدراجه في بنهاية اليوم خاوي الوفاض مثقلا بالهموم والإحباط مما جعل والاحباط.أهله وأصدقاؤه يشفقون عليه وينصحونه بالذهاب بشهادته إلي مكان آخر عله يجد لنفسه مخرجا من محنته ويجد ما يسد به رمقه. ولكن لوباتولباتو الذي أحب تخصصه يدرك جيدا ورأي أن مستقبله ومستقبل بلاده يكمن في أراضي السافنا الشاسعة التي تغطي وسط البرازيل ويتخيلهاويتختلها كأنها مزروعة بفول الصويا والذرة والقطن في حين أن الآخرين لا يرون فيها إلا أرضا جدبة غير معطاءة. هذه القناعة جعلته يصر أن يعمل في مجال تخصصه مهما طال صبره ، وأخيرا ومن حسن حظه لاحت له فرصة في أن يلتحق بوكالة البحوث الزراعية والحيوانية التي اتخذت لمقرها أرضا بكرة جدبة تتخللها بعض الشجيرات والحيوانات البرية القليلة بوسط البرازيل . حددتكانت رسالة الوكالة هدفها في أن تستصلح هذه الأراضي البكرة وأن تبرهن للجميعأن هذه الأرض التي ينظر أليها الجميع أنها فقيرة وغير مجدية يمكنها أن تكون صالحة بللزراعة بل وأنها لا تقل إنتاجيةانتاجية من الأراضيالأضي الزراعية المستغلة حاليا في مناطقبمناكق أخري من البرازيل. الحكومة من جانبها لم تأل جهدا في تنفيذ تنفيذا لهذه السياسة حيث بدأت حكومة البرازيل خطوات جادة في تأهيل الوكالة بإغداق ملايين الدولارات عليها وابتعاث العشرات من باحثيهاباحثيا لنيل إجازات عليا في مجال الزراعة من الجامعات الأمريكية .عندما اسست وكالة الثروة الزراعية والحيوانية عام 1970 لم يتعد حملة الدكتوراة فيها أصابع اليد ، اليوم وبفضل الجهود الدؤوبةالدؤبة يعمل تحت سقفهاسقف الوكالة أكثر من 1600 باحث وعالم من حملة الدكتوراه من شتي بقاع العالم ولا سيما من أمريكا وأوروبا مما أهل هذا المركز أن يكون أكبر مراكز البحث في العالم . الأبحاثالأعمال العلمية الجليلة التي أنجزتها الوكالة في استصلاح الأراضي الفقيرة أثبتت . هذه أثبتت جدواها الاقتصادية وأثمرت في تحويل البرازيل إلي أكبر مصدر لفول الصويا والمواشي والدواجن وعصير البرتقال والسكر وغاز الإثانول ومن ثم حازت علي تقدير علمي رفيع حيث نال بعضبعمض باحثيها جائزة منظمة الغذاء العالمي لانجازاتهم الباهرة في بمجال الزراعة . . الإنتاجية الزراعية العالية في البرازيل استحوذت أنظار العالم حيث نظروا لها بكثير من الإعجاب والانبهار مما جعل الوفود الزراعية العالمية تتقاطر عليهم لتقف علي تجربتهم عن كثب التجربة البرازيلة ونجاحها في استصلاح الأضي افقيرة بنالت اعجاب العالم حبث تقاطرت الوفود العاليمة لتقف علي تجربتها عن كثب.. أثناء زيارة إحدي الوفود إلي الوكالة يشير الباحث كوتيني رئيس مكتب العلاقات الخارجيةالخاجية بوكالة البحوث مشيرا من شرفة مكتبه إلي السهول الواسعة التي تثير تربتها الآلات الحاصدة لفول الصويا والذرة يقول : ما ترونه أمامكم اليوم لم يكن بهذه الصورة قبل أربعين عاما, وإن الأرض المخضرة أمامكم اليوم لم تكن قبل بضعة أعوام إلا أرضا غبراء تكسوها تربة حمراء فقيرة. ويسترجع كونتيي تاريخ التجربة الزراعية في هذه المنطقة ويقول أن الزراعة بدأت هنا علي أرض مساحتها 3100 هكتار أنشأت في مركزها وكالة البحوث التي نحن اليوم في احدي قاعاتها. أجري العلماء هنا أبحاثهمتجاربهم في تخفيض حموضة التربة بإضافةباضافة مادتي الفسفور والجير إليها ، ثم زراعة التربة المعالجة بهذه الطريقة بأنواع مختلفة من فول الصويا حتي تمكنوا من انتخاب أجود الأنواع منها وأكثرها مقاومة للحموضة. بفضل هذه البحوث تنتج المنطقة في الوقت الحالي 63% من انتاج البرازيل من فول الصويا – أكثر المحاصيل نجاحا في البرازيل. علق مدير المختبر القومي لأبحاث فول الصويا في جامعة إلينوي الأمريكية علي تجربة البرازيل في زراعة فول الصويا قائلا إنها أول تجربة لإخضاعلاخضاء زراعتة في الأراضي المنخفضة وهو إنجاز أشبه بالإنجاز الذي حققته أمريكاامريكا في أربعينات القرن المنصرم أو ما سمي بالثورة الخضراء حيث استطاع العلماء الأمريكان استخلاص أجود سلالات القمح لسد حاجة العالم من لهذه الغلة الهامة. ما تجدر الإشارة إليه أن البحث العلمي وحده لم يكن كافيا لتحويل حقول السافنا التي تشكل ربع مساحة الأراضيالراضي الزراعية في البرازيل إلي أراضي أرض زراعية منتجة . الحكومة العسكرية البرازيلية من جانبها ومنذ عام 1970 شرعت في خطة طموحة ومدروسة لاعمارلإعمار هذه السهول وذلك بتحفيز المواطنين للاستقرار بها وقدمت في سبيل ذلك كل التسهيلات والخدمات اللازمة لهم. فمثلا المزارع باولو روببرتو بوناتو باع ارضه ( 60 هكتار) في الجنوب ونزح إلي الأراضي الجديدة في وسط البرازيل وأقام مشروعه الجديد علي مساحة 300 هكتار، والآن بفضل جهود الدولة وتشجيعها يمتلك 6 ألف هكتارأي 10 أضعاف ما كان يمتلكه في السابق.لإستقرارهم. سياسة توطين المزارعين ومساعدتهم ماديا وعلميا ساهمت في رفع إنتاجية الحقول مما جعلحعل البرازيل أكثر التجارب الزراعية الزراعي نجاحا .فمثلا في العام الماضي كان العائد من الزراعة في البرزيل حوالي 289 بليون دولار أي ما يوازي 25% من الناتج المحلي ، وصدرت البرازي عام 2000 ما قيمته 20 بليون دولار من المنتوجات الزراعية ، وفي العام الحالي ارتفع هذا الرقم ليصل إلي 85 بليون دولار، نصيب فول الصويا منه 11.4 بليون ، إضافة لإنتاج 17 بليون لتر من غاز الإثانول أي ما يوازي 33 % من إنتاجانتاج العالم من هذا الغاز. هذه الطفرة الزراعية الناجحة جلبت استثمارات عالمية كبيرة للبرازيل حيث علق أحد المستثمرين الزراعيين العالميين عليها قائلا: إذا أردت أن تستثمر في مجال الزراعة عليك أن تجد موطئ قدم لك في البرازيل. رغم ذلك فإن النجاح الزراعي البرازيلي لم يسلم من النقد اللاذع من مجموعات حماية البيئة التي رأت فيه تعديا صارخا لبيئة الأمازون البكرة حيث أقيمت امتدادات المشروع علي أراضي أزيلت عنها الغابات ، ولكن القائمون علي المشروع يردون علي هذا الإتهام بقولهم إنهم ليسوا في حاجة في الوقت الحالي علي التمدد الرأسي بل يمكنهم زيادة الإنتاجية بتحسينات أفقية علي الأرض المستغلة حاليا. وما من شك أن الإنتاجية الزراعية العالية مهمة في عالم اليوم الذي يشح فيه الغذاء ويزداد الطلب عليه ولا سيما في الأقطار الأكثر نموا كالصين والهند. يري البعض أن ندرة الغذاء وارتفاع أسعاره يرجع فيه اللوم علي الولاياتالمتحدة التي حولت فائض الذرة لإنتاج غاز الإثانول. ولوم مماثل وجه للبرازيل التي استغلت أراضيها الواسعة لزراعة السكر ثم استخلاص غازالإثانول منه ، مما حرم العالم في كلا الحالتين مواد غذائية أساسية في أمس الحاجة إليه. رغم ذلك فإن الركود الاقتصادي الذي يشهده العالم يمكن أن يلغي بظلاله علي البرازيل ، غير أن خبراء الزراعة في هذا البلد يؤكدون علي مقدرتهم في الصمود والتصدي باستصلاح أراضي إضافية بما يقدر بحوالي 90 مليون هكتار وبتأهيل أكثر من 165 مليون هكتار أخري من المراعي الفقيرة. لا يقف دور البرازيل في الوقت الحاضر كمنتج للغذاء في العالم ، بل أن علماءها يجوبون العالم في أمريكا الجنوبية وأسيا وإفريقيا لنقل وتطبيق تجربتهم الزراعية الفريدة . في هذا الصدد يقول أليسيو الفيسي الرئيس السابق لوكالة البحوث الزراعية والحيوانية في البرازيل – لدينا التقنية والأراضي الواسعة وأهم من كل ذلك المزارعين الأذكياء المقدرين لمسؤولياتهم , ونحن كما تلقينا مساعدات من أمريكا وأوروبا في تطوير زراعتنا من واجبنا الآن أن نشارك العالم الثالث نجاح تجربتنا . التحدي الذي يواجهنا هو فشل التجارب الزراعية في إفريقيا . لقد حاولت صناديق الدعم العالمية أن تنتشل إفريقيا من براثن التخلف ولكنها لم توفق . ودورنا الآن أن نتصدي لهذا التحدي , وعلينا في المقام الأول أن نركز علي البحث العلمي كمدخل لحل هذه المعضلة. ما يجعل وكالة البحوث الزراعية والحيوانية تبدي إهتماما بإفريقيا هو تشابه الظروف البيئية والمناخية بين المنطقتين. لذلك بدأت الوكالة بإرسال البعثات العملية لبعض الأقطار الإفريقية ، غير أن الخطوة العملية جاءت عندما أنشأت الوكالة فرعا لها في غانا عام 2006 ومن هناك بدأت تدير مساهماتها لبقية أقطار إفريقيا . فمثلا في أنجولا بذلت الجهود لإنشاء معهد للبحوث الزراعية ليأخذ عل عاتقه زيادة الإنتاجية الزراعية هناك. وفي أقطار إفريقية أخري حاول البرازيليون توطين سلالات القمح المقاومة للجفاف كالتي استحدثوها في بلادهم ، هذا إضافة لجهود مكثفة ذات صلة بفنزويلا وبعض أقطار أمريكا الوسطي فضلا عن تيمور الشرقية. الغاية من كل هذه الجهود كما يقول كونتيني مساعدة هذه الأقطار لتحقيق الإكتفاء الذاتي في الغذاء علي أمل تصدير الفائض منه في المستقبل. ويحذر كونتيني أن المشوار لازال طويلا وأن العمل قد يستغرق بعض الوقت عقدين أو ثلاثة عقود من الزمان قبل أن تحصد نتائجه. النجاح هنا ليس بنقل التكنولوجيا وتصديرها ولكن قبل ذلك لا بد أن يبدأ البرنامج بتأهيل المزارعين وتوعيتهم مع التزام كامل للدولة في مراقبة وتنفيذ المشروع. ويضيف كونتيني إن تحول إفريقيا إلي ما يشبه البرازيل يعد ضربا من الخيال في الوقت الحاضر.غير أن هذا الحلم يمكن تحقيقه إذا عولجت بعض المعوقات الخاصة بإفريقيا كملكية الأرض وعدم الاستقرار السياسي وفض النزاعات والحروب التي تجتاح إفريقيا بين حين وآخر، فضلا عن الكثافة السكانية في تلك القارة . علق واحد من الخبراء الزراعيين البرازيليين الذين وقفوا علي التجربة الزراعية في موزنبيق بأن الصورة الحالية في موزنبيق تشابه ما كان عليه الوضع في البرازيل قبل 50 عاما حيث الزارعة كانت بدائية وانتاجيتها متدنية. ويضيف خبير أخر إذا أريد لإفريقيا أن تنهض زراعيا عليها أن تنشأ قاعدة زراعية صلبة وتسلك خطوات مشابة كالتي اتبعتها البرازيل ، وفي ذلك الوقت سوف نجد أن البنية الزراعية ستزدهر وتتواكب تلقائيا مع تطور في التنمية البشرية للإنسان الإفريقي وهو أمر هام للنهضة الزراعية. ويختم لوباتو- الذي أحيل إلي المعاش ويعمل حاليا مستشارا بالوكالة - حديثه قائلا إن رواد الزراعة الحديثة في إفريقيا ستنتابهم نفس الغبطة التي انتابتنا نحن في البرازيل بأنه لا شيئ يدخل البهجة والسرور في نفس الإنسان أكثر من رؤية الحقول الخضراء في أرض كانت عما قريب أرضا بكرة غير منتجة