بسم الله الرحمن الرحيم ظلت الأستاذة الفاضلة آمال عبَّاس تتناول قضايا اجتماعية مهمة مثل قضايا الطلاق، والفقر، والبطالة، والفصل من العمل بدواعي الخصخصة وغيرها من القضايا التي لها أثر كبير على الأسرة والحفاظ على سلامة المجتمع، وقد ذكرت الأستاذة نقلاً عن صحيفة الخرطوم أنَّ مدير مشرحة مستشفى الخرطوم الدكتور عقيل سوار الذهب قد أورد أنَّ مشرحة مستشفى الخرطوم تستقبل شهرياً ما بين 300 – 500 جثة طفل لقيط. وتساءلت ألا يزعجنا هذا الأمر؟ هذا الأمر يزعج أي إنسان عاقل، ويحتاج إلى دراسات علمية متعدِّدة لمعرفة الأسباب الحقيقية للانحلال الأخلاقي التي أدَّت وما زالت تؤدي إلى إرتكاب جرائم الزنا والقتل، حيث أنَّ عدم تحرّك المجتمع يجعله مشاركاً بطريقة غير مباشرة في هذه الجرائم التي تؤدي إلى غيرها من الجرائم، فجريمة الزنا تقود إلى جريمة القتل التي ترتكبها الزانية للتخلص من العار، فضلاً عن إنجاب نوع من البشر حاقد على المجتمع ومليء بالعقد النفسية والكراهية التي يكون لها مردود سلبي ويكون ذلك ممن يسلم من اللقطاء من الموت . لقد اتضح لنا من خلال دراسة أجريناها أنَّ سبب العنوسة عند النساء ليس بكثرتهنَّ كما كان يعتقد معظم النَّاس، حيث تشير الدراسات – في الغالب الأعم - على أنَّ عدد الرجال أكثر من عدد النساء وليس العكس، ومع ذلك تتفاقم مشكلة العنوسة لدى النساء، حيث ورد في موقع مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية، والاجتماعية، والتدريب للدول الإسلامية (SESRIC)، أنَّ نسبة الإناث إلى مجمل السكان في عام 2011م، كانت كما يلي: في ماليزيا )49,29%(، وفي بنغلاديش (49,4%)، وفي مصر (49,79%)، وفي المملكة العربية السعودية (44,78%)، وفي نايجريا (49,36%)، وفي الكويت (40,37%)، وفي بروناي (49,50%). وكذلك أورد مركز الدراسات السكانية بجامعة الملك سعود أن نسبة الإناث في العالم تساوي (49,6%)، مقابل (50,4%) ذكور، مما يشير إلى أنَّ عدد سكان العالم من النساء والذكور يتساوى تقريباً، حيث يزيد عدد الذكور بهامش ضئيل يساوي (0,4%). وفي السودان كما ورد في مركز (SESRIC) - السايق ذكره - كانت نسبة الذكور إلى الإناث تساوي 50,17 % ذكور إلى 49,83% إناث. وبناءً على ما سبق يتضح لنا أنَّ مشكلة العنوسة ليست بكثرة النساء كما يشاع، ووفقاً لهذه المعطيات يمكن البحث عن أسباب أخرى تقود إلى العنوسة لدى الجنسين، وإقدام عدد كبير منهم على سلوك طريق الفاحشة والتي تتفاقم بسبب سوء التربية وانتشار الوسائل التي تقود إلى الفساد الأخلاقي. والفساد الأخلاقي مرده إلى عدم إقدام الشباب على الزواج، وضعف الوازع الديني، ومعلوم أنَّ عدم إقدام الشباب على الزواج يكون لأسباب كثيرة منها: غلاء المهور، وأوهام العرق والنسب، وارتفاع تكاليف السكن خاصةً في المدن، فضلاً عن الفقر والبطالة وعدم مقدرة الشباب على تحمُّل المسؤولية الأسرية بسببه، ولذلك يضطر الشباب إلى قضاء احتياجاتهم الجنسية خارج مظلة الزواج، ومن تزوج منهم سرعان ما يهرب من أسرته وأطفاله بسبب الفقر، الأمر الذي أدى إلى ظاهرة الطلاق للغيبة ودونكم صفحات الصحف اليومية حيث لا تخلو صحيفة من تلك الصحف من إعلانات الطلاق للغيبة والتي يوقعها القاضي على من تطلبه من النساء اللاتي هرب أزواجهن، حيث يطلبن الطلاق خشية الفتنة لغياب الزوج. إنَّ هذه القضية من القضايا المهمَّة التي يجب التوقف عندها، فكيف تُقتل قرابة الخمسة آلاف نفساً بشرية في العام في جانب من ولاية الخرطوم وليس كل الولاية - حسب إحصاءات مشرحة الخرطوم - ولا يتحرك أحداً لإنقاذ هؤلاء الفتيات من أن يضطررن للوقوع في جريمتين: الأولى – جريمة الزنا، والثانية – جريمة القتل، علماً بأنَّ البنت الزانية تعلم بالمخاطر التي تواجهها عند ارتكابها لجريمة الزنا، حيث يسهل اكتشافها للتغيرات التي تحدث في تكوينها البدني جراء الحمل، وهي تعلم بأنَّها مسؤولة عن كل ما تقوم به، ومع ذلك تُقدم على هذه الفعلة المنكرة والمحرَّمة، ولذلك تتعاظم مسؤولية المجتمع الذي لا يحرك ساكناً لحلِّ المشكلات المؤدية لكلِّ هذه المصائب والمحن. وكلّ بنت زانية أكيد معها شريك مجرم من الذئاب الذين يتسربلون بثياب العفاف والطهر نفاقاً وكذباً، ويفلتون من العقاب بسبب صعوبة إثبات التهمة الموجهة إليهم وفق قانون إثبات جريمة الزنا الموجود لدى المحاكم وفق الفقه الموروث، ولذلك نرجو الاستفادة من التطور العلمي لحل إشكالية نسب المولود لوالديه الذين هما السبب في وجوده، ويمكن باستخدام التقنيات الطبية بتحليل ال: ((DNA لمعرفة والدا الطفل الضحية اللقيط، فلم يعد الآن هناك من صعوبة للتوصل إلى معرفة من يرتكب جريمة الزنا. وتأسيساً على ما سبق فإنَّ تطور العلم في مجال الطب يخدم قضية الحد من ارتكاب جريمة الزنا، حيث يسهل معرفة أب وأم أي مولود ولذلك نطالب بإعادة النظر في قوانين الشهادة لإثبات جريمة الزنا، خصوصاً إذا علمنا أن الشهود الأربعة المطلوب شهادتهم يمكن أن تكون شهادتهم شهادة علمية، حيث تفيد قصة يوسف - عليه السلام – وامرأة العزيز: أن الشاهد في تلك القضية كان من أهل امرأة العزيز وكانت شهادته علمية، فهو لم يحضر الحدث، حيث شهد بنظرية علمية تفيد يقيناً بوقوع الحدث ومن الذي ارتكبه حيث بحث عن حالة قدِّ القميص هل كان من الدبر أم من القبل؟ فعندما وجد القميص الذي يرتديه يوسف المتهم قدَّ من دُبرٍ تمَّ توجيه الإتهام والإدانة لامرأة العزيز بيقينٍ تام، حيث قال تعالى: ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) ﴾[يوسف: 26 - 28]. وبالتالي إذا شهد أربعة من العلماء أهل الاختصاص بصحة نسب اللقيط الضحية لمن يرتكب جريمة الزنا فيجب أن يتحمَّل الزناة عواقب جريمتهم. إنَّ هذا الأمر لأهميته يحتاج لدراسة علمية وافية. إنَّ الدِّين الإسلاميّ يساوي بين الرجل والمرأة في الحقوق الإنسانيّة، ولكنَّه لا يساوي بينهما في المهام الموكلة لكلٍ منهما. فالبنت يجب أن تُعد لمهمتها كبنت وهي تختلف في تكوينها النفسي والبدني عن الولد، ويجب توعيتها وتعليمها أمر دينها لتحافظ على نفسها من الذئاب البشرية التي لا ترحم. ويعود السبب في هذا الكم الهائل من اللقطاء إلى شيوع المرأة بدواعي المساواة المطلقة كما ينادي بذلك معتنقي الديانات اللبرالية، والشيوعية، والعلمانية، فالمرأة الآن مشاعة كما نادى بذلك الشيوعيون، فخروجها إلى العمل والدراسة، ووجودها مع الذئاب في مكان واحد سواء في مواقع العمل أو الدراسة هو السبب الرئيسي لمثل ما يحدث من فسادٍ وشيوعٍ للفاحشة في أوساط المجتمع المسلم، فضلاً عن فقر الشباب وبطالتهم وتأثرهم بما ينشره الغرب من فساد، مما ادى إلى عزوفهم عن التفكير في الزواج. تأسيساً على ما سبق نضم صوتنا للأستاذة آمال عبَّاس في وجوب التحرك لتدارك هذا الأمر الذي إذا تُرك دون إهتمام من المسؤلين، ومنظمات المجتمع المدني ذات الصلة، ومراكز البحوث والدراسات في الجامعات المختلفة، فأنَّه سيقود إلى تفكك الروابط الأسرية ومن بعد ذلك يسهل تدمير المجتمع حيث يصبح أفراده بلا أخلاق ولا فضيلة، ولا أهداف، ولا قيم. ونطلب من معهد الدراسات الإنمائية بجامعة الخرطوم، ومعهد دراسات الأسرة بجامعة أم درمان الإسلامية فتح الج ال لتقديم دراسات في هذا المجال حتى يستطيع المجتمع حلّ مثل هذه المشكلات الخطيرة حلاً علمياً، يجنبنا غضب الله سبحانه وتعالى ويكفينا شر المصائب والكوارث وهي لا تكون إلا بسبب ما كسبت أيدي الناس من جرائم وفسق وظلم وكفر بأنعم الله. وهذا الذي يجري ما هو إلا نذير لتدمير المجتمع الذي يرى المنكر ويصمت، ويرى الفاحشة تنتشر ولا يتكلَّم وكأنَّ الأمر لا يعنيه. هذا الأمر يحتاج إلى ندوات ومؤتمرات ودراسات. وكذلك نرسل رسالة للصحفيين والكتاب والنشطاء أن يوجهوا جزءً يسيراً من اهتماماتهم للقضايا الحيوية والمهمة في المجتمع، بدلاً من التركيز على القضايا السياسية والمناكفات التي لا تقدِّم بل تؤخِّر، والقضية التي أثارتها الأستاذة آمال عباس يا أهل الصحف أهم من قضية طَرْحة المهندسة أميرة وبنطال الصحفية لبنى، حيث وجدتا اهتمام مكثَّف من النشطاء والإعلام، وهنا أرواح تقتل ولا تجد هذا الاهتمام، وأعراض تُنتهك ولا أحد يتحرك لوقف ما يحدث. إنَّ المجتمع هو محل تطبيق السياسة ولا يمكن أن توجد سياسة من غير مجتمعٍ واعٍ، وراقٍ، وطاهرٍ، ونقي وخالٍ من الفساد والفاحشة، فالمسؤولية مشتركة بين كل أفراد المجتمع ولذلك لا يصح أن يتراخى أيّ شخص مسلم من أن يساهم في حلِّ هذه الإشكالية على حسب مقدرته وفكره، فالزناة حتما من مختلف فئات المجتمع، وضررهم يمس كل المجتمع فحمايةً لكلِّ الناس يجب أن يتعاون كل الناس. نسأل الله السلامة والعافية والمعافاة. E mail: [email protected]