تبدو صورة الأحزاب السياسية السودانية في هذا الحراك مشوهة تماماً بغيابها الواضح عن مسرح الأحداث بصورة تنظيمية في وقت تحرك فيه دوران عجلة الشارع السوداني فكان الحراك الشبابي الذي قدم ومازال يقدم في كل يوم وليلة تضحيات كبيرة في مشوار اسقاط النظام ، وبالرغم من أن شباب الأحزاب عنصر ثابت في الحراك الثوري المستمر إلا أن مشاركتهم لم تأت عبر عمل تنظيمي حزبي..وكي لا أسقط في دائرة ظلم الآخرين نعم هناك شخصيات حزبية تتحرك هنا وهناك تناصر الحراك الشبابي وبيد أن حراكها ينعت ب(الموقف الشخصي) مادامت المؤسسات الحزبية تمارس هواية ما تجيده منذ قيام الحركة الوطنية وهما التنافس والخصومة في الأوقات الحرجة إلى درجة يضيق فيها النفق ويزداد ظلمة إلى أن يتدارك أصحاب الحكمة الموقف .. فهلا أدركتنا الحكمة لتتجاوز الأحزاب ممارسة هواية التنافس والخصومة في المراحل المفصلية، كل دعاة التغيير على قناعة بأن الشارع السوداني أحوج ما يكون إلى من يدله تنظيمياً إلى نهايات يتنفس فيها عبق الحرية، إلا أن مجريات الأحداث التي يقابلها البرود الحزبي في وقت مات فيه النظام سريرياً أمر يدفع الرأي العام بوصم الأحزاب بارتكاب جريمة وطنية إذ أن ضعف التعاطي الحزبي مع الثورة والتمسك بالتصريحات على وسائل الإعلام يعني اطالة أمد نضوج ثمار الثورة التي نتطلع لأن تؤتينا أكلها قريباً وتفتح الباب لبناء وطن ديمقراطي حر بأن تكون المواطنة أساس الحقوق والواجبات لا العنصرية والدين والإنتماء الفكري والحزبي . الجو السياسي مشحون بالحماس الشبابي والشعبي ، وينبغي للأحزاب أن تتعاطى معه بدرجة أعلى من الحماس بأن لا تتغافل عن الواقع فالساحة اليوم محتقنة بغيظ مكتوم ، غضب حنيق خرج من رحم الظلم وهتف ب(اسقاط النظام) والشاهد أن المسئولية والواجب الأخلاقي والأدبي يجبران الأحزاب على تطويع الذات للخروج من أزمة التنافس والخصومة للقيام بدورها في إدارة الغضب الشعبي، وتوظيفه بطريقة تجعله يسرع الخطى نحو التغيير المطلوب عبر التظاهرات الشعبية السلمية، والاعتصامات والعصيان المدني ولكن للأسف حتى كتابة هذه الزاوية نر الأحزاب السياسية تتاسبق في اجتماعات للبحث عن" أين موقعها من الاعراب بعد التغيير" كأنها لا تدرك أن مطلوبات المرحلة هي تكامل الجهود من أجل نظام جديد، والشاهد على هذا التنافس هو ظهور العديد من الرؤى والاطروحات التي تكاد تكون متشابهة إلى درجة كبيرة مما يسهل عملية التواضع عليها ودمجها في وثيقة واحدة بمعنى أن لا تناقض بين رؤية النظام الجديد التي قدمها الصادق المهدي،و والبديل الديمقراطي أي يمكن التفاهم فيما اختلفتا عليه من أجل كسب الوقت وتقوية الحراك الشبابي في الشارع، والأحزاب يمينها ووسطها ويسارها ما لم تقتحم بقوة هذا الحراك وتنزل إلى القاعدة الجماهيرية لترتب بدقة مطلوبات المرحلة الحالية والمقبلة..وهذه المرحلة ينطق لسان حالها بضرورة أن تتقدم الأحزاب لإحداث التضامن الحقيقي بينها ،ومنظمات المجتمع المدني ،والنقابات الشرعية، والطرق لصوفية، والتنظيمات الشبابية ( قرفنا-أبينا- شباب التغيير- نفير وهلم جرا) ، وإلا ستكون الأحزاب قد تلبست وهماً حقيقاً في تحمل المسئولية،و قيادة العمل الوطني، وجاءت بما يتناقض مع تأريخها وحجمها الجماهيري وثقلها السياسي.. القراءة للواقع تشير إلى أن الشباب بحاجة ماسة إلى من يتولى زمام القيادة ،وإلا سيلجأ إلى خلق قيادة جديدة تتجاوز الجميع حتى لا يُباع نضالهم في سوق الإحباط.. لا مجال للتراجع بعد أن قدم أكثر من (200) شهيد، وعدد ليس بالقليل من الجرحى، و(800) معتقل من بينهم (23) مدافعين عن الحقوق، التراجع يعني المزيد من التنكيل والقهر والاستبداد .. حان الوقت للخروج من دائرة الخصومات الشخصية لسنا في مرحلة التسابق نحو الغنائم ،بل نحن في مرحلة التفطن، ولم الطيف الثوري من أجل نظام جديد قدم فيه الشباب والشابات والأطفال أرواحهم رخصية، وهناك من هم في سجون النظام لا نعرف عن أوضاعهم ما يطمئن النفوس .. يا سادة ويا قادة هل أنتم مدركون لمعنى أن تسيل دماء ليست بالقليلة ثمناً لإنهاء عهد السيناريوهات التراجيدية التي ظللنا نشاهد فصولها أكثر من (23) عاماً.. فاض الكيل.. أخرجوا إلى فضاء العمل الحقيقي إنتهى وقت الكلام.. نعم أدرك شهريار الصباح وسكت عن الكلام المباح.. لن نستمع إليكم نريد أن نراكم في الميادين. fatima gazali [[email protected]] ////////////