في اللقاء الذي جمع السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمام محمد طه، ووالي شمال كردفان مولانا أحمد هارون، مع أعضاء هيئة نفير شمال كردفان، أعلن نائب رئيس الجمهورية "أن طريق أم درمان- جبرة الشيخ- بارا، ومشروع مياه الأبيض، والمدينة الطبية، ستجد حظها في الميزانية المقبلة للعام 2014". وفي تقديري أن هذا الكلام لا يعدو كونه كلاماً سياسياً يقصد به "تسكيت" أهل شمال كردفان حتى وقت لا حق! إذ أننا كمراقبين كنا نتوقع من سيادته أن يقطع عهداً ملزماً على نفسه بأن ينجز لأهل هذه الولاية ما ظلت الحكومة تعدهم به من وقت لآخر منذ زمن ليس بالقصير، حتى صار أهلنا يضربون المثل على هذه الوعود بقولهم (أبشر يا كمون بالروى)، في حين أن المشاريع التنموية في مواقع أخرى تجد حظها من التمويل، ومن ثم التنفيذ، بلا تردد أو تأخير وبدون التعلل بالظروف الاقتصادية للبلاد! يا شيخ علي إنّ قدرك أن تكون كما قال أبو الطيب المتنبي لسيف الدولة الحمداني: يا أعدل الناس إلا في معاملتي فيك الخصام وأنت الخصم والحكم فنحن نعلم أنك من رجال الإنقاذ النافذين والأقوياء، وإذا أردت تنفيذ مشروع ما، يكيفك فقط أن تشير أو تلمح بذلك إلى الجهات المعنية وسيصبح المشروع واقعاً ملموساً. ومع أنك استعملت "س" وهي تفيد حدوث شيء في المستقبل القريب المتوقع القدوم، إلا أن واقع الحال قد يخرج هذا السياق من معناه الفعلي، لأن الظرف الذي تتحدث فيه هو سياسي بالدرجة الأولى، وفي وضع اقتصادي بالغ التعقيد! وحسب ما جاء على لسان الوالي أحمد هارون فإن هذه (الثلاثية التي تشمل مشروع مياه الأبيض، وطريق أم درمان- جبرة –بارا، ومستشفى الأبيض المرجعي، تعتبر منصة إنطلاق لنهضة الولاية في كافة الأنشطة الإنتاجية، سواء كانت في مجال الثروة الحيوانية والزراعة، أوالصحة، كما تشمل أهدافاً آخرى تتمثل فى التعليم كماً ونوعاً، والتنمية العمرانية، وإحياء المشروعات الثقافية والاجتماعية والرياضية). ومع هذا نرى أن الحكومة تتعامل معها وكأنها ليست المعنية بتنفيذها، أو كأن شمال كردفان ومشاريعها التنموية ليست ضمن الأولويات القومية! ومع تقديرنا التام للظرف الاقتصادي الذي تمر به البلاد، ومع حرصنا على سلامة الوطن واستقراره وأمنه، إلا أننا لا يرضينا أن تكون شمال كردفان، التي تربينا من خيراتها الكثيرة، ضحية لوضع ليس لأهلها فيه يد من قريب أوبعيد، إذ لم نستفيد من الإنفاق الحكومي، الذي أرهق الميزانية العامة، وجعل على محمود يرفع الدعم عن المحروقات وبعض السلع الضرورية، إلا الوعود التي لم تنجز أبداً. ونود أن نذكّر السيد النائب الأول بأنه هو الذي أطلق مبادرة نهضة ولاية شمال كردفان لتعود سيرتها الأولى "كردفان الغره أم خيراً جوه و بره " وذلك قبل عامين من الآن، عند زيارته التي طاف فيها أرجاء الولاية شمالاً وشرقاً وغرباً، ودعى حينها للتخلص من المدارس المبنية من "القش" واعداً بإفتتاح مائة مدرسة إيذاناً بإنطلاق نهضة تعليمية تساعد أبناء وبنات شمال كردفان على أخذ مواقعهم المرتقبة على خرطة المشاركة في تنيمة البلاد والنهوض بها في المجالات كافة. ولكي يتحقق هذا الأمل تكونت في الولاية هيئة نفير شمال كردفان، التي تضم كبار الشخصيات يتقدمهم المشير سوار الدهب والدكتور سيد علي زكي والفريق الطيب عبد الرحمن مختار وغيرهم من الخبراء والمختصين، وظلت الهيئة تعقد اللقاءات والاجتماعات وتطرح المبادرات على أمل أن ينجز الشيخ علي عثمان قوله لهم: (الناقص بنتمو) أوعلى أقل تقدير أن يتعامل مع الأمر بمقتضى المثل السوداني ( أكرم شبشة عشان الشيخ برير)؛ فقد دفعت شمال كردفان بكبار رجالها يتقدمهم المشير سوار الذهب بكل ما له من رمزية وقدر، فهلا أكرمت هؤلاء يا شيخ علي أو أكرمت شمال كردفان تقديراً لهم؟ ونخشى أن ينطبق على شمال كردفان المثل الشعبي الذي يقول: (يوم سعدك يا نافلة، قامت العرب جافلة)، إذ كلما استبشر أهلها بقرب تحقيق حلمهم يحدث أمر، على المستوى القومي، يحول دون ذلك، أو ربما أن القائمين على الأمر يتخذون من تلك الأحداث ذرائع ليس إلا؛ فقد قامت مشاريع قومية كثيرة في ذات الظروف دون مماطلة أو تلكؤ! وباختصار شديد إذا كانت الحكومة حريصة على تنمية هذه الولاية ونهضتها، لابد من قيام المشاريع المشار إليها على جناح السرعة؛ إذ لا يمكن أن تنهض منطقة لا ماء بها ولا صحة ولا تعليم. كما لا يمكن الحديث عن مشاريع زراعية واستثمار زراعي وحيواني بدون وجود بنية تحتية حديثة تساعد على ذلك وتحفزه، وبعدم ذلك يكون الحديث عن هذه الأنشطة ضرباً من "الضحك على الدقون"، أو نوعاً من الخطل الاقتصادي السمج. أخيراً نقول ليت الإنقاذ أنجزتنا ما تعد، فقد صارت كل الوعود سراباً بقيعة يحسبه أهل شمال كردفان ماءاً من شدة عطشهم! نحن نريد عهداً ناجزاً وغير مخلوف من لدن رئاسة الجمهورية التي وعدت المواطنين أكثر من مرة بإنشاء طريق أم درمان- جبرة الشيخ - بارا، الذي تتوفر له مبالغ تقدر بتسعين مليون دولار، (وقد أكد وزير التجارة الصيني خلال زيارته للخرطوم مؤخراً موافقة بلاده التامة على إنشاء طريق أم درمان- جبرة - بارا) كما نريد توفير مياه الشرب لأهل شمال كردفان، خاصة حاضرة الولاية الأبيض، وتقديم خدمات صحية وتعليمية لائقة، استناداً إلى مبدأ التقسيم العادل للثروة والتنمية بين ولايات السودان دون تمييز أو تهميش. و إذا لم نقدم للإنسان الماء والصحة والتعليم النوعي، و الطرق ووسائل الاتصالات فعن أية تنمية نتحدث ؟