د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفة القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم [email protected] حقوق الأقليات الدينية: ومن القضايا التي تناولها الفقه الدستوري الاسلامى المعاصر قضيه حقوق الأقليات الدينية، حيث يطرح مذهبين يستند كل منهما إلى تصور معين لمشكله العلاقة بين الوحدة والتعدد: المذهب الأول : الوحدة المطلقة : يفترض أن الحل الصحيح لمشكله العلاقة بين الوحدة والتعدد ، هو القول بالوحدة المطلقة ، و يترتب على هذا المذهب إنكار اى شكل من إشكال التعدد ، وإنكار المواطنة كأساس للحقوق والواجبات، وبالتالي إنكار العديد من الحقوق التي قررها الإسلام كدين للأقليات الدينية ، فضلا عن تحويل بعض الأحكام الاستثنائية التاريخية المرتبطة بظروف زمانيه ومكانيه معينه إلى قاعدة مطلقه تصلح لكل زمان ومكان. المذهب الثاني: الجمع بين الوحدة والتعدد (التعددية المقيدة): ويقوم على أن الحل الاسلامى الصحيح لمشكله الوحدة والتعدد هو الجمع بين الوحدة والتعدد ، على المستويين التكليفى والتكويني، وبالتالي الإقرار بالتعددية (المقيدة وليست المطلقة) . وتتمثل الوحدة - على المستوى التكويني- في تقرير الإسلام وحده الكون ووحده البشر ، بمعنى وحده الأصل البشرى ، والمساواة بين إفراده ، بخضوع كل الناس لذات السنن الالهيه الكلية والنوعية التي حركه الإنسان ﴿ وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم ﴾ . كما تتمثل الوحدة - على المستوى التكليفي- في تقرير الإسلام مفهوم وحده الدين الذي مضمونه وحده مصدر كل الأديان السماوية (الله تعالى) ، وان الإسلام هو جوهر كل الأديان السماوية، وانه ليس نفي أو إلغاء لهذه الأديان، بل إكمال وتوحيد لها، فهو أكثر اكتمالا باعتباره أخر وارقي مراحل الوحي فالعلاقة بين الإسلام والأديان السماوية السابقة عليه هي علاقة الكل بالجزء يحدده فيكمله ويغني ولكن لا يلغيه ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ، ﴾( المائدة:48)،.بخلاف نظريه وحده الأديان التي رفضها علماء أهل السنة، والتي ترى أن كل الأديان صحيحة بالتساوي، وبالتالي فان علاقة الإسلام بالأديان السماوية علاقة تطابق، مما يؤدى إلي انتفاء الموضوعية .كما تتمثل التعددية - على المستوى التكويني - تقرير القران التعدد كسنه إلهيه﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَات ِوَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُم ْوَأَلْوَانِكُم ْإِنَّ فِي ذَلِك َلَآيَات ٍلِّلْعَالِمِينَ﴾ )الروم : 22). كما تتمثل التعددية – على المستوى التكليفى في تقرير القران تعدد الشرائع . إقرار مفهوم المواطنة: كما أن هذا المذهب يرى أن الإسلام اقر بمفهوم المواطنة الذي يشمل المسلمين وغير المسلمين، وهو ما يتضح من خلال وثيقة الصحيفة التي كانت بمثابة دستور لدوله المدينة، وطبقا لها نشأت علاقة انتماء جديدة،علاقة انتماء إلى ارض مشتركه (وطن)، فترقى العلاقة الجديدة بالناس جميعا(أهل الصحيفة) إلى ما فوق الطور القبلي ، ففي المدينةالمنورة و في ظل الصحيفة تكون "شعب" تتعدد فيه علاقات الانتماء إلى الدين(لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم)، ولكن يتوحد الناس فيه (مع اختلاف الدين) في علاقة انتماء إلى ارض مشتركه ( وطن)( وأنَّ يهود بني عوف أمَّة مع المؤمنين ...). إقرار الإسلام حقوق الأقليات الدينية :هذا المذهب يتسق مع إقرار الإسلام جمله من الحقوق للمنتمين إلي الأديان الأخرى، ومن هذه الحقوق: إسناد الأعمال: ففيما يتعلق بإسناد الأعمال لغير المسلم ، فانه إذا كان هناك من يرى المنع المطلق كأغلب المالكية والإمام احمد، فان هناك أيضا من يرى الجواز المطلق كابي حنيفة وبعض المالكية، أو الجواز أحيانا والمنع أحيانا وهو رأى اغلب العلماء ، والذي نراه وجوب التمييز بين غير المسلم المواطن وغير المسلم الاجنبى، فالأول يحق له إسناد الأعمال له مادام شرط الكفائه متوفر فيه ، لأنه جزء من حق المواطنة الذي اقره الإسلام، أما الثاني فيتوقف إسناد الإعمال له على مصلحه الدولة. الأخذ برأيه: أما فيما يتعلق بالشورى فانه يحق لغير المسلم الأخذ برأيه في الشورى ، لان مجال الشورى هو الفروع لا الأصول، يقول ابن كثير في تفسير الايه( اسألوا أهل الذكر)( اسألوا أهل العلم من الأمم كاليهود والنصارى وسائر الطوائف)( 3/215). الحرية الدينية: أما فيما يتعلق بالحرية الدينية ، فقد قرر الإسلام الحرية الدينية لغير المسلمين، ممثله في حرية الاعتقاد وحرية ممارسه الشعائر والأحوال الشخصية، بشرط الخضوع لقواعد النظام العام الإسلامي (لا إكراه في الدين). مفهوم الذمة: أما عن مفهوم أهل الذمة فان الذمة لغة العهد والكفالة والضمان والأمان(الفيروزابادى، القاموس المحيط ، 4/115) ، أما اصطلاحا فقد عرفها العلماء بأنها ( التزام تقرير الكفار في ديارنا وحمايتهم والذب عنهم ببذل الجزية والاستسلام من جهتهم) ( أبو زهره المجتمع الانسانى، ص 194) ، فهو تقرير حقوق المواطنة لغير المسلم في الدولة الاسلاميه، مع احتفاظه بحريته الدينية،على المستوى الدستوري( في ذمه الله ورسوله) ، ضمانا لعدم إهدارها بواسطة الاغلبيه المسلمة ، مادام قائما بواجباتها التمييز: أما التمييز بين الذميين والمسلمين، فلم يقل به احد من المتقدمين ، وقال به بعض العلماء ، في مرحله تاريخية لاحقه ، لوقوف بعض الذميين مع التتار ضد المسلمين ، من باب الاحتراس، فهو ليس قاعدة مطلقه، بل حكم تاريخي مربوط بظروف معينه (عبد العزيز كامل، معامله غير المسلمين ج1، ص199). مفهوم الجزية: أما الجزية فهي حكم من أحكام الحرب كبدل للإعفاء من الجندية ، ورد في الصلح مع نصارى نجران ( ليس على أهل الذمة مباشره قتال ، وإنما أعطوا الذمة على أن لا يكلفوا ذلك) ، لذا ذهب العديد من العلماء كرشيد رضا ووهبه الزحيلى (أثار الحرب، ص698 ) وعبد الكريم زيدان ( الفرد والدولة،ص98) إلى أنها لا تؤخذ في حاله أداء الخدمة العسكرية كما في الدولة الحديثة ، وقد استندوا في ذلك إلى العديد من السوابق التاريخية التي تؤيد ذلك ، ففي صلح حبيب بن مسلم للجراحجه ( أنهم طلبوا الأمان والصلح ، فصالحوه على أن يكونوا أعوانا للمسلمين، وان لا يؤخذوا بالجزية)( البلاذردى، فتوح البلدان،ج1/ ص217)، ومع أهل ارمينه ( أن ينفروا لكل غاره... على أن توضع الجزاء عمن أجاب إلي ذلك)( الطبري، تاريخ الأمم، ج 5،ص257 ). - للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان (http://drsabrikhalil.wordpress.com).