و لا يزال هؤلاء في مضارب القبائل يلعبون بالتأريخِ.. و الجغرافيا.. و بالنسبْ.. يرسمون شجرةَ العائلة.. يستنسخون من مات دون أن يلد.. و يطبعون اسمَ من وَلَد.. و من وُلِد و جدِّ جدِّ الجدْ و قبله و بعده.. و بعدِ بعدِ البعد.. لكنهم يستنكفون ضمَّ جدهم أبي لهب للمنتخب.. و لا عجب! و مرت القافلة.. و بعدها قوافل.. و الحال نفس الحال في مضارب القبائل.. البعضُ قبل أن يبدأ المشوارَ نحو النبعِ قد وصل.. و البعضُ يبلغ منتهى الوصولِ دون أن يصل.. إلا إذا انتعلَ الجمرَ.. و امتشق الرعدَ و الجنونْ.. و فجَّر السكونْ.. كالأسدِ الجريحِ في الأدغالْ زئيره يقتلع الأشجارْ.. يجرف الأنهارْ يزلزل الجبالْ.. يطوِّعُ الممكنَ و الكائنَ و المحالْ.. هذا أقلُّ ما يمكنُ أن يقالْ.. قي هذا الزمنِ الصعبْ.. تبت يدا أبي لهبْ.. كل شيئ تحت السيطرة عثمان محمد حسن الأمطار تنهمر و السيل يجرف الأبقار و البيوت.. و البشر و هؤلاء يعلنون:- " كل شيئ مستقر كل شيئ تحت السيطرة.!" في خاطري تَعشعش الأسف ألا يرون خلفهم.. أمامهم.. يمينهم.. يسارهم.. و فوقهم و تحتهم.. ألا يرون ما نرى؟ أم أنهم في مأمن قصورهم.. فغاب عنهم ما جرى.. و الافقُ أحمرٌ.. و الليلُ أحمرٌ.. و السيلُ أحمرٌ.. و النملُ أحمرٌ.. يتسلق الأجساد و الأنفاس في جلَدْ.. و حيةٌ جريئةٌ ترتاحُ فوقَ فرشِنا.. ألا يرون ما نرى؟ و إخنطفَ الكلامَ سائحٌ لا يعرفُ الذي يدور في البلد.. منافحاً عن الذي يقوله الولد.. مؤكدا.. أن الحياة ليست في كمَد.. و ارتطم الكلامُ بالكلام.. تفجر المكانُ ينفث الدخان.. و في فزعٍ طار سربُ الحمام.. مهاجراً إلى الوراء في الزمان.. خوفاً من النيران في الأمام.. و هؤلاء لا يرون ما نرى! اين الوطن؟ عثمان محمد حسن حين تشعرُ أن الوهنْ قد دبَّ في بدن الوطنْ.. عند المسارْ.. و العمرُ يمضي في انحسار و لا تملكُ غير الدعاءِ في انكسار.. ينتابك الشجن.. و حين يُسحب التراب من تحتك في غفلةٍ من الزمن.. ينتابك الحزَنْ.. أنت إذن في حفرة بلا قرار.. تنظر من كوةٍ مثل نفق.. إلى الذين يعبرون فوق الدمن.. يزايدون في الثمن:- "كلُّ شيئ هاهنا حسن !".. ألا يرون ما ترى؟ ذاكَ إذن.. وطنٌ غير الوطن.. و فجأةً تسمع التهليلَ و التكبيرَ القلِق.. و الاستنفار في التلفاز و المذياع ينطلق: " هيا إلى الجهاد.." الجهاد ضد من؟ و أنت في الحفرة تفترش الرماد.. و تلتحف السكن..؟ و لا يزل هؤلاء يستنفرونك للجهاد.. من العدو.؟ العدو من؟ و الكل يسبح في دوَّامة من العفن ضد الوطن! السيل.. السيل.. السيل عثمان محمد حسن برقٌ.. رعدٌ.. مطرٌ.. مطرٌ.. مطرٌ.. مطرٌ.. و البعض يحاول سدَّ شقوقٍٍ يتسربُ منها الماءُ إلى الأكواخِِ الطينْ.. ضوضاءٌ... ضوضاءٌ.. ضوضاءٌ.. ضوضاء.. و امرأةُ تجري من جهةِ التل :- " السيلْ.. السيلْ.. السيلْ..!" القريةُ تخرجُ عزَّ الليلْ.. عويلُ نساءٍ و عويلْ.. و الماءُ يمورُ يفورُ.. يدورْ.. يفورُ.. يفور..ُ يظلُّ يدورْ.. كالباحثِ عن كنزٍ تحت الأرضْ.. يتفجرُّ من بين شقوقِ في الأرضِ العطشى (البُورْ..) يلتفُّ حول بيوتِ الطينْ.. و يجرفُ كلَّ بيوتِ الطينْ.. أوانٍ تطفحُ.. و أباريقْ.. نملٌ يقرصُ.. و عقاربُ تلسعُ.. و ثعابينْ.. السيلُ.. السيلُ.. السيلْ.. هجومُ الغولِِ على الأحلامِ العرجاءْ.. تتقافذُ كلُّ خشاشِ الأرضْ.. وُجهتها دبةَ شيخْ أحمدْ.. القنفذُ يخرجُ من تحت الأرضِ يدُّبُّ.. يدُّبُّ.. يدُّبْ.. يستسلمُ لللبومِ الضبْ.. للبومِ حضورٌ طاغٍ في ليلتنا الليلاءْ.... موجاتٌ.. موجاتٌ.. موجاتٌ تجتاح المدرسةَ.. و المسجدَ.. و النادي و الدكانْ.. يختلط الزيتُ بالأوراق.. و بالأورادِ.. و ( كرسي الجانْ).. ارحمنا يا هذ السيلْ.. أكتافُ القريةِ ما عادت تتحملُ هذا الشيْل.. و بعد أذان الفجرْ.. لبست شمسُ القريةِ ثوبَ حدادْ.. ركاماً زبدا.. و غثاءاً.. و غثاءْ.. و اختنقَ نهيقُ حمارِ الشيخْ.. و الديكُ الأخرقُ لم يظهرْ.. و الحوشُ انفتحَ على الجيرانْ- كلَّ الأركانْ.. و رفاتُ بيوتٍ فوق رفاتْ.. و حصانْ شيخ أحمدْ تحت الانقاضْ.. ماتْ؟! لا..لا.. ما ماتْ! مات! مات! مات! شيخ أحمد مات! عاصفة التمكين عثمان محمد حسن ليسوا أكفأ من فينا ليسوا الأكثر معرفة بالدنيا و الدين.. انتاج سلاح التمكين.. ثعالب " تلهو في السوق.." ليسوا الأشجع ليسوا الأقوى.. ليسو الأذكى.. لكن الأخبثَ هُم.. في كل مقام دسُّوا الشم.. و الأشجع قد شبعوا موتا و الأقوى دحرتهم عاصفة زلزالاً.. دوَّخ و الأكفأ تركوا الدار و ما فيها زحفاً نحو دبي و نحو الهند.. و نحو الصين.. [email protected] ///////////////