يترقب السودانيون داخل السودان وخارجه، وبعض دول العالم المهتمة بالشأن السوداني، باهتمام ملحوظ، إعلان التشكيل الوزاري الجديد بعد انتظار طويل عيل معه صبر كثير من السودانيين، ترقباً ومتابعة وتوقعات بالقادمين الجدد سواء أكانوا من المؤتمر الوطني أم الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في الحكومة العريضة، أو حتى من الأحزاب المعارضة، لاسيما حزب الأمة القومي وحزب المؤتمر الشعبي. والناس في السودان حذرة من مخاض التسكيل الوزاري الجديد، خاصة أن ذات السناريو من حيث الترقب والانتظار في التشكيل الوزاري السابق الذي استخدم فيه المؤتمر الوطني ذات التكتيك، في إطالة الانتظار، وكسب الوقت، ولكن الكثيرين من السودانيين أُصيبوا بخيبات الرجاء، عندما أُعلنت أسماء وزراء الحكومة الجديدة في ديسمبر 2011، فجاءت على غير ما كان ينتظر الكثيرون، وعلى غير ما بُشر به من التغيير الاختياري قبل التغيير الاضطراري. وأحسب أن الكثيرين من الوزراء آنذاك تخندقوا، وكانوا أقرب للممانعة منهم للمبادرة بإنفاذ متطلبات التغيير وقتذاك. ولكن المناداة بالتغيير باتت تشكل هاجساً من الضروري أن يتعامل معه الأخ الرئيس عمر البشير بالاستجابة اقتناعاً بأهمية المراجعة وسرعة الإجابة، إذ إن عامل الزمن الذي راهن عليه المؤتمر الوطني لبضعة أشهر بات ينفد، وإن دعوات التغيير، أصبحت من مهددات تماسك عضويته، وصلابة بُنيانه، لاسيما بعد أن انتقلت المطالبة بالتغيير والإصلاح أكثر إلحاحاً من قبل، ونتيجة ذلك تكاثر المذكرات وتعدد مصادرها، مما استدعت الكثير من المضاغطات، ومن ثم إحداث شرخ في بُنيان كيان المؤتمر والوطني، بخروج كوكبة من أُطره التنظيمية، وتكوين حزب جديد، لا شك أنه خصماً على الحزب الحاكم حتى ولو قلل البعض من تأثيره الآني، دون إدراك مآلات تأثيراته المستقبلية على مسيرة حزب المؤتمر الوطني ومساره في العمل السياسي والزخم الجماهيري. مما لا ريب فيه أن تفاعلات الانتظار والترقب في هذا التشكيل الوزاري الجديد، لم تكن هناك مؤشرات تبين الخيط الأبيض من الأسود من كثرة الترشيحات، وتعدد مصادر التسريبات. وقد ذهب بعضهم من كثرة الترقب، وإطالة الانتظار إلى تأليف الطُرف والنكات، وهي في مثل هذه الأجواء المشحونة بغيبيات المغادرين والقادمين، تنسج هذه الطرائف، ومن أجمل ما سمعت هذه الطرفة التي أُنزل فيها قاعدة أصولية، تقول: "ناقل الكُفر ليس بكافر" وهي أن أحدهم نصح أحد الطامحين في المنصب الوزاري بالذهاب إلى السيد الرئيس للتحية والمجاملة، ومن ثم يكون حرك حظوظه وأسهمه في بورصة التشكيل الوزاري، وتذهب الطرفة إلى أن صاحبنا – هدانا الله تعالى وإياه- دخل على السيد الرئيس في مكتبه، ووجده منهمكاً، فألقى عليه بالسلام، فرد عليه الرئيس السلام، وحرص على أن يحييه بأحسن من تحيته، تنزيلاً لقول الله تعالى: "وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا"، فسأله الرئيس وهو منهمك في ما بين يديه، قائلاً: "الصحة كيف؟"، فرد صاحبنا بسرعة "المالية أحسن يا سيد الرئيس"! فأحسب أن هذه الطُرفة تلخص في صورة درامية حال الترقب، ومعاناة الانتظار لدى الكثيرين طامحين في التوزير، ومؤملين في التغيير. أخلص إلى أن الأخ الرئيس عمر البشير بحديثه عن الأخ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية، لدى مخاطبته الاحتفال بمرور 500 عام على قيام أول دولة إسلامية في السودان في منطقة قري شمال الخرطوم أمس (السبت)، أنصف الرجل في ما تردد في الوسائط الإعلامية داخل السودان وخارجه، من أن تنحى أو استقال لخلافات وصراعات بين أجنحة الحكم في السودان، بينما الحقيقة التي أعلنها الأخ الرئيس عمر البشير قيبل اجتماع المكتب القيادي لإجازة التشكيل الوزاري الجديد، أمام الملأ من الناس "أن علي عثمان محمد طه هو رأس الرمح، وقائد التغيير في التشكيل الوزاري الجديد"، مضيفاً "أن علي عثمان سيتنازل عن مكانته، كما تنازل طوعاً من قبل عندما وقع اتفاقية السلام الشامل". ولم يكتفِ الرئيس البشير بهذا، بل أقسم بعدم وجود خلافات أو صراعات، مشيراً إلى أن الوزراء الذين ما زال عطاؤهم مستمراً، ويمكن أن يستمر، تنازلوا طوعاً واختياراً، وأن التغيير الجديد سيكون إحياءً لقيم "هي لله". وجميل أن يؤكد الأخ علي عثمان محمد طه في تصريحات صحافية "أن انسحابه من المواقع والمناصب لن يقعد به، ولن يضعف دوره في الحياة العامة". وأحسب أن طول انتظارنا، وعيلة صبرنا، ستنتهي اليوم (الأحد)، بإعلان التشكيل الوزاري الجديد على أمل ألا نُصاب بخيبات الرجاء، وألا تضيع آمال التغيير سدًى وهباءً. ولنستذكر في هذا الصدد، قول الله تعالى: "لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ". وقول الشاعر عمرو بن الاهتم السعدي المنقري: وكل كريم يتقي الذم بالقرى وللخير بين الصالحين طريق لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق