في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية في تكنولوجيا إدارة الأعمال: السودان يأمل في نُقلَة زراعية عبر التكنولوجيا لندن .. 6 ديسمبر 2013 .. التاسعة صباحاً .. توقيت جرينيتش – موقع البي بي سي .. على الشبكة العالمية للإنترنت.. أعدّ التقرير: جيمس كوبنال .. بي بي سي نيوز .. ترجمه للعربية: محمد أبوجودة (الرأي العام).. الخرطوم 7ديسمبر2013 قطاع من الأرض الطيبة، يُطلَق عليه "الواحة". الواحة في اللغة العربية، هي بالضبط ما يبدو عليه هذا المكان. المزرعة على بُعد ساعة بالسيارة. من العاصمة السودانية الخرطوم. على طول الطريق المعبدة، ترقد هوامش صحراوية بلون البسكويت المُساعِد في الهضم، المُحيط القَفر، خلوّاً من خُضرة زرع، يسلِّط الضوء على كون السودان، واحداً من الأماكن الأقلّ نموا على وجه الأرض. لكن ال"واحة - OASIS " نفسها، تبدو انفجاراً للخُضرة في ألوانٍ زاهية ملتفّة الزروع. تتجمّع بين أثنائها قنوات الرّي الآتية من نهر النيل الأزرق. في السودان، ترتبط معظم المشاريع الزراعية بالنهر، ولكن من عهدٍ طويل، تلاشى ذاك الارتباط بين النهر والمشاريع الزراعية. "الواحة" توظّف أحدث التقنيات. مثل أنظمة الرّي المحوري، تلك التي تتخلّل المساحات الزراعية بشكل سلس. ترشُّ ماء السّقيا، وتوزّع الأسمدة المخصِّبة، عبر دوائر تحكُّم إليكتروني. نقص التمويل المحصول الرئيسي هنا هو البرسيم، والذي يستخدم كعلف. أكثر من ذلك يباع في الخارج، لاسيما في منطقة الخليج. ولكن(شركة دال DAL) الشركة السودانية العملاقة، التي تمتلك" الواحة "، هي واحدة ضمن عددٍ قليل في اجتراح وتنفيذ هذا النوع من الزراعة، وهنا مَدعاة للمشاكل! إذ: " ليس هناك مايكفي من الموردين في الأنحاء، لذلك نحن نُكافح للحصول على قطع الغيار " .. يقول طارق محمد خير، مديرالعمليات في المزرعة. الاقتصاد الزراعي في السودان (قطاع التغذية) في اضمحلالٍ مؤرّق. يتلاشى هومصدر قلق أيضا: " التحدي الرئيسي الآخر هو التمويل، إذ ليس هناك تمويل متوفر لهذا النوع من الزراعة، ذي المستوى المتطور، والذي يحتاج معدات مكلفة للغاية. " ومع ذلك، فقد ثبت أن استثمار الرّي المحوري، ممتاز للغاية. تكييف الهواء للأبقار على بعد بضعة كيلومترات عن الطريق،في"مزرعة ألبان شركة دال"، يتضح مزيدٌ من الأدلة على فوائد التكنولوجيا المتطورة، وما يمكن أن تحقّقه، وذلك عبر النظام الذي يُبقي الأبقار الأجنبية في أجواءٍ مماثلة لتلك المستخدمة في بعض المقاهي الراقية. الأبقار السودانية غالبا ماتكون ضعيفة المستوى اللاّحم، بارزة أضلاعها من خلال جلودها. لذلك فقد جلبت" شركة دال" أبقاراً أجنبية من أستراليا وهولندا وغيرها، لأنها تنتج المزيد من الحليب . ليبقى على الشركة أن تبذل أقصى الجهود لملافاة أشعة شمس السودان الحارقة، حفاظاً على الأبقار المستوردة؛ والتي تقضى معظم وقتها في الحظائر مكيفة الهواء، وتحت رذاذ مياه التبريد. بمثلما يحدُث في الخرطوم بالمقاهي الراقية والأكثر ترفاً، مُراعاة لروّاد الكابيتشينو أن تُنهكها الحرارة الموّارة. إمكانية مُضاعفة نسل الأبقار لخمسِ مرّات "معظم المزارع الحيوانية في السودان بدائية، ويتم الحلب بالأيدي، في العراء" يقول الدكتور محمدسعيد، مديرمزرعة "دال". المُشَغِّلون الزراعيون يعتنون بصحة الأبقار، وذلك عبر القلائد الإلكترونية التي يلبسونها إياها. يشرفون على جهاز الحَلب. الذي يمكن بواسطته حلب 56 بقرة في 10 دقائق. قبل أن يتم تخزين الحليب في صهاريج صحية. كذلك يتم تلقيح الأبقار صناعياً، ويتم كذلك استخدام تقنية نقل الأجنة. ووِفقاً للدكتور سعيد: " نحن يمكن أن ننتج خمسة أضعاف عدد النسل، بالمقارنة مع طرق التربية العادية القديمة "، مضيفاً: " الفكرة هي أن ننتج المئات من الأبقار السودانية المتفوّقة تهجيناً، والتي من شأنها أن يكون إنتاجها أكثر بكثير من السلالات المحلية. العناية بالسُّكَّر لها الأولوية في شمال الخرطوم، وعلى بُعد 50 ميلاً تقريباً، تستثمر "شركة دال" بما لايقلّ عن ( 30.6 مليون إسترليني) في مصنع لتعبئة منتجاتها من الحليب المبستر والزبادي. شركة "دال" تضطلع بعملٍ كبير، لكنها ليست مضطّلعة بالقدر اللازم، كي تتمكّن من دفع الأثمان الباهظة لتجذير التقنيات الحديثة. بعض الشركات الزراعية الكبرى الأخرى، وغالبا ماتكون استثماراً أجنبياً وتستخدم الرّي المحوري، تعمل في مجال إنتاج السُّكَّر بكثافة. في يوليو 2012، افتتح الرئيس عمر البشير، مصنع سكر جديد في ولاية النيل الأبيض، وهو مشروع برأسمال 800مليون دولار؛ وذلك في إطار طموحات إنتاجية للسكر بالسودان، لتجعل منه واحدٌ من أكبر مُصدِّري السُّكَّر في المنطقة. ففي سبعينيات القرن العشرين، كان التوسّع في إنتاج السُّكَّر، يُعَدّ كعلاج ناجع لمشاكل السودان الاقتصادية. كثير من المُستثمِرين الأجانب، أسهموا في حقل إنتاج السكر، وكان من ضمنهم رجل الأعمال البريطاني" تيني رولاند" والذي أسهم بقدرٍ وافر في إنشاء مشروع كنانة السكر. تأثير النفط في الواقع، لقد لعبت دائما الزراعة دورا رئيسيا في موجة التحديث في السودان. فخلال الحقبة الاستعمارية، أنشأت بريطانيا مشروع الجزيرة. على مساحة واسعة تتمدد بين النيلين الأزرق والأبيض، مُنسابة الرّي. أنتج مشروع الجزيرة القطن للمصانع في شمال غرب انجلترا في لانكشير ويوركشير. ما إن تمّ انفصال السودان، حتى راح كل النفط السوداني، إلاّ قليلاً، لصالح الدولة الوليدة في جنوب السودان، ما اضطرّ الحكومة لسحب الدعم عن المحروقات. في وقتٍ لاحق بعد الانفصال، الأمر الذي أدّى إلى احتجاجات كبيرة. اليوم، لايزال مشروع الجزيرة الزراعي الكبير، يعمل في ذات المجال، وإن كان المشروع يعمل على ذات النسق القديم، لكن بشكلٍ باهت هزيل. فقنوات الري بالمشروع، تناقصت كفاءتها، والإنتاج أقلّ بكثيرٍ ممّا ينبغي.. مواصلة في قراءة القصة الرئيسية للمقتَبَس ( لقد أثبتنا أنّه من المُمكِن أنْ نجعل من الزراعة في السودان، عملاً مُربِحاً ) انتهى .. أسامة داوود، رئيس مجموعة شركات دال - DAL .. فالزراعة، مثل بقية الاقتصادات السودانية الأخرى، تمّ إهمالها كُليَّةً عندما تدفق النفط في عام 1999. يقول محمد "من أهل الجزيرة" واحد من المزارعين السودانيين: " نسوا كل شيء عن الزراعة مرةواحدة..! بدأوا في اقتناء المال من النفط " .. يضيف في شيءٍ من الحسرة: " كنتُ أكسب من المال، عبر التعاقد سنوياً لتشغيل اثنين من الجرافات، أملكهما. لتنظيف قنوات الري في الجزيرة، ولكن المحزن أنّ الكسب لم يعُد كما كان، حيث لا غَناء فيما يجري به العمل". عندما انفصل جنوب السودان عن شمالِه، عام 2011 ، استغرق الأمر معظم النفط، وبالتالي فإن التركيز مرة أخرى على الزاعة، سيكون هو البديل الصالح. الاعتماد على الطقس معظم الزراعة السودانية، تبدو محدودة للغاية؛ يقول الخبير الاقتصادي الحاج حمد، إذ يعتمد أكثرها على الأمطار الخريفية الموسمية. يقول الخبير: "يجب أن نستخدم البذور المقاومة للجفاف، كما يجب تأسيس إدارة أفضل للتربة " .. مُضيفاً: " بالأساس،فإنّ أكثر المنتجين الزراعيين، يستنفدون منتجاتهم. إذ يذهب معظم الغُلّة إلى الأسر الريفية، تأميناً لغذائهم؛ وبنهاية موسم الأمطار والقيام بالحصاد، يعود المُنتجون إلى المُدن طلباً للكسب المديني. بالنسبة للمزارعين مثل محمد، من أهل الجزيرة، فإنّ مرآى الآلات اللامعة، والأبقار مُكيَّفة الهواء في مزارع "شركة دال DAL" تبدو مختلفة تماماً عمّا ألِفوا. كذلك آلات الحَلب، تسمح بحلب عُدّة أبقار في وقتٍ واحد وقصير. إذا كان لديك المال والتكنولوجيا الفائقة والزراعة. كما يُبيِّن السيد/أسامة داوود، رئيس مجموعة شركات دال–DAL، فإنّ النشاط الزراعي هو الأكثر ربحيّة والأكثر مردوداً إنتاجيّاً في جميع أعماله؛ تلك التي تشمل صناعات الدقيق والسيارات و الكوكا كولا من بين نشاطات اقتصادية أُخَر. ( لقد أثبتنا أنّه من المُمكِن أنْ نجعل من الزراعة في السودان، عملاً مُربِحاً ) وفق ما صرّح مؤخراً حالياً، يتبدّى بصيصُ أمل، حيث قامت الولاياتالمتحدة برفع العقوبات عن قِطاع الزراعة في السودان. هناك إذن، أملٌ في أنّ هذا سيمكِّن القطاع من تحقيق المزيد من التطوّر. ربما يستغرق هذا الأمل، وقتاً أطول، كما يصرِّح الخبير الحاج حمد. لسبب مايطرأ من تأخير في مجيء الشركات الأمريكية للسودان. إذ أنّه من غير المُرجّح أن تتسارع تطورات الزراعة..! ذلك أنّ الأمريكان ما يزالون، يحتقبون مآخذاً جدّيّة، تجاه حقوق الإنسان في السودان، ونتيجة لتلك المخاوف والمُهدِّدات المستمرة، فالتطور الزراعي في السودان، مشكوك في أمرِه. بيد أنّه سيظل التأكيد بأهمية الزراعة في السودان باقيا، سيما في حال استقطاب التكنولوجيا القادرة على إنجاز النُّقلة الزراعية المطلوبة. حتى تكون الزراعة في السودان، قطاعٌ ربحيٌّ، حسبما يُشير السيد/ أسامة داؤود، متفائلاً: (آملُ حقيقةً أنّ يكون لدينا قصة نجاح هنا)،، مُضيفاً بأنه أكثر أملاً، في أن يقوم الناس باقتباس تجربتهم في دال – DAL حتى تتحقق النُّقلة الزراعية المطلوبة في السودان. --- --- نقلاً عن صحيفة "الرأي العام" .. عدد الأحد 8ديسمبر/2013م [email protected]