وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    الامارات .. الشينة منكورة    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    شركة توزيع الكهرباء تعتذر عن القطوعات وتناشد بالترشيد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإطار التشريعي لحماية الآثار النوبية .. بقلم: د. سامي عبد الحليم سعيد
نشر في سودانيل يوم 16 - 12 - 2013


مقدمة:
في هذا البحث نحاول أن نقدّم تعريفًا لماهية الحماية التشريعية للآثار النوبية ، مستعرضًا مجموعة التشريعات التي تنظم التراث و التاريخ النوبي ، موضحًا الاختلافات بين معايير الحماية المطلوبة دولياً و التشريعات الوطنية المتاحة ومبينًا دور و أهمية أن تقوم جهود علمية قانونية تعمل على المحافظة على التراث النوبي، كما نحاول أن نفسِّر الإهمال الذي تتعرض له النوبة، بأنه موقف مؤسسي راسخ من خلال إمعان عدم الإشارة إلى الحضارة النوبية في التشريعات السودانية ، و هي التي تقف كمكون أساسي في الحضارة الإنسانية ، و وأحدة من أعمد الحضارة الأنسانية القديمة، و التاريخ السوداني على وجه الخصوص. هذا البحث يؤكد على وجود قضية إنسانية ثقافية تخص النوبيين، و يبحث في الأليات القانونية التي أنتجهتها المؤسسات التشريعية الحاكمة على مر التاريخ. في المقام الأول و المثقفين و المفكرين السودانيين الذين لم يبذلوا من وجهة نظرنا جهدًا كافيًّا لإنقاذ الحضارة النوبية من التلاشي.
حماية الآثار النوبية، من الإغراق و التدمير او الإهمال ، تعد مسالة مهمة للغاية،فالتراث النوبي هو تعبير عن الذاتية للنوبيين، والأقرار بذلك، يعني أقرار بالتمايز الثقافي بين النوبيين و المجموعات السكانية الأخرى، على الرغم من إشتراكهم في الوطنية و الثقافة الجماعية المشتركة. إن الإنكار تحت أي مبرر لحق النوبيين في التعبير عن خصوصياتهم (التراث / اللغة و غيرها من المحكيات / العادات) ، تحت أي مبرر كان، يولد دون أدنى شك، الإحساس بعدم التكافؤ، و عدم الإعتراف، و التمييز ، و يقلص من الأحساس بالوطنية الجماعية ، وينمي الأنانية الإقليمية/ الجهوية/ العشائرية، كما يهدد بشكل صارخ السلم الإجتماعي الجماعي في البلاد. إن التمايز في السودان هو عمود الثراء الثقافي، وأن التمازج الحضاري و التاريخي في السودان الذي إستطاع إن يرسم ملامح التسامح الإجتماعي، و القبول بالتمازج و التبادل دونما أدنى تعقيدات، هذا التواصل يجب أن يترسخ بالإقرار بضرورته و أهميته، من خلال الأعتراف بالثقافات و بالتراث المحلي في إطار الوحدة الوطنية الجامعة، و حماية ذلك التراث و تغزيزه و تغذيته.
تعرضت آثار النوبة للغرق ثلاث مرات قبل بناء السد العالي، المرة الأولى عند بناء خزان أسوان سنة 1902 وتبع ذلك ارتفاع منسوب المياه بشكل هدد الآثار والمرة الثانية سنة 1912، والثالثة في سنة 1932. وفي كل مرة كان يتم عمل مسح للمواقع الأثرية، ويتم تسجيلها وعمل الخرائط اللازمة لها. وعندما تقرر إنشاء السد العالى أصبح واضحًا أن جنوب الوادي سيتعرض لارتفاع منسوب المياه بشكل دائم ومن ثم أصبح من الضروري العمل لتلافي مخاطر ارتفاع منسوب المياه على المواقع الأثرية.
وفي عام 1972 اعتمدت اليونسكو خطة عشرية لدراسة التقاليد الشفهية الأفريقية وللنهوضباللغات الأفريقية، ونظمت في فيجي أول مهرجان لفنون المحيط الهادئ، واستهلت سلسلتيمن الدراسات الثقافية بشأن أمريكا اللاتينية. ولم يكن مفهوم التراث الثقافي موقوفابعد على المجال المادي فحسب. غير أنه على أساس إعلان 1966 ونجاح حملة آثار النوبةوالمبادئ التي أرسيت في البندقية عام 1970 كان أهم إنجاز لليونسكو في عام 1972 هواعتماداتفاقيةحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي. إن هذه الاتفاقية، وهي ربما اليوم أكثرالصكوك القانونية كونية في مجال التراث الثقافي، عززت تحديد التراث الثقافي كتراثمادي إذ أنها تحصر نطاقه على الآثار ومجموعات المباني والمواقع باعتبارها جميعانماذج من التراث المادي. وهذه الاتفاقية مثلها مثل اتفاقية لاهاي تركز علىالممتلكات الثقافية غير المنقولة -ذات القيمة العالمية الاستثنائية في هذه الحالة- ولكنها تدخل أيضا مفهوم «تراث البشرية ». وإذ أدرجت اتفاقية 1972 من أجل تطبيقهاأسلوبا برنامجيا يقوم على نظام القوائم والاستناد إلى مبادئ توجيهية عملية قابلةللتعديل فإنها عززت سياسات حفظ التراث وأصبحت المرجع القياسي لضم سياسات حفظ التراثباعتبارها وسائل للتنمية وذلك عن طريق السياحة بوجه خاص.
ما الذي نحن بصدد حمايته من آثار نوبية، هذا سؤال محوري، يجب الإنتباه إليه. إننا نبحث في كل مظاهر الحياة النوبية القديمة، و معالم حضارتهم، و بهذا المفهوم يكون الحديث عن نطاق واسع من الحماية، الذي يبدأ من الإهرامات و الحفريات و التماثيل الصخرية و بقية المنحوتات، كما تعتبر من الآثار بقايا السلالات البشرية والحيوانية وغيرها من الكائنات المعاصرة لها، و مظاهر الحياة الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية، التي يرجع تاريخها إلى ما قبل 600 سنة ميلادية.
هذا الموضوع أكتسب حيوية و إلحاح بالغين، بعد أن أصبحت السلطات الرسمية السودانية تخطط في إغراق العديد من المناطق التي شهدت قيام الحضارة النوبية، و الغنية بالآثار و الموجودات التاريخية، بدعاوي تحقيق التنمية، و من بين ذلك تشيد سد مروي و أغراق مساحات واسعة دون إجراء إي مسوحات أثرية، و دون أدنى إعتبار للاحتجاجات الكبيرة التي أثارها المواطنون أو المختصوصون في علم الآثار و الحضارات. و تسعى الحكومة المركزية، إلى تجديد ذات السيناريو في العديد من المناطق النوبية شمال الشلال الثالث، بما في ذلك مشروع خزان كجبار و و مشروع خزان دال.و تتجلى هذه التحديات بوجه سافر، في الحفريات التي تقوم بها السلطات الرسمية و المجموعات غير الحكومية، بغرض التنقيب عن المعادن في المناطق النوبية، معتدية بذلك على المعالم الأثرية التي تعدَ لدى السكان الاصليين مقتنيات ثقافية و تاريخية، و في بعض الاحوال مقدسات دينية لا يُقبل المساس بها.
تعريف الآثار:
عرفت بعض القوانين الوطنية الاثار بانها:
"الأموال المنقولة و غير المنقولة التي بناها أو صنعها أو أنتجها أو نحتها أو كتبها أو ريمها أو صورها الأنسان اذا كان عمرها مائتي سنة، او يزيد"
ولقدعرف قانون حماية الآثار المصري الأثر حينما نص على مفهومه في المادة الأولي من القانون رقم 117 لسنة 1983 حيث نص على"الأثر هو كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة أو أحدثته الفنون أو العلوم أو الأديان من عصر ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية المتعاقبة حتى ما قبل مائة عام متى كانت له قيمة أو أهمية أثرية باعتباره مظهرا من مظاهر الحضارات المختلفة التي قامت على ارض مصر أو كانت لها صلة تاريخية بها وكذلك رفات السلالات البشرية والكائنات المعاصرة لها".
وقد أجاز المشرع لرئيس الوزراء إصدار قرار بناء على عرض وزير الثقافة باعتبار اى عقار أو منقول من قبيل الآثار بالرغم من عدم مرور المدة السابقة متى كان للدولة مصلحة قومية في حفظة وصيانته .وفى هذه الحالة يتم تسجيل هذا الأثر على أن يلتزم مالك هذا الأثر بالمحافظة عليه وعدم أجراء أي تغير عليه .
الممتلكات الثقافية حسب ما جاء في اتفاقية لاهاي بأنها تشمل الممتلكات المنقولة والثابتة ذات الأهمية الكبرى لتراث الشعوب الثقافي كالمباني والأماكن الأثرية والمخطوطات والكتب وكل الأشياء ذات القيمة التاريخية والأثرية وكذلك المباني المخصصة لحماية الممتلكات الثقافية نفسها كالمتاحف ودور الكتب ومخازن المحفوظات وغيرها ذات العلاقة والتي تتطلب بموجب الاتفاقيات الوقاية والاحترام والحماية المتواصلة وقت السلم ووقت الحرب وعدم تعريضها للتدمير أو التلف وتحريم سرقتها ونهبها أو تبديدها.
إلا إنه من المفيد القول أيضاً إنه يجوز لمصلحة الآثار و التراث أن تعد من الآثار الأموال المنقولة و غير المنقولة التي يقل عمرها عن مأئتي سنة. أذا رأت أن المصلحة العامة تقتضي المحافظة عليها بسبب قيمتها التاريخية أو القومية أو الدينية أو الفنية.
أما مشروع قانون الآثار العربي الموحد، فقد عرف الأثر بأنه:
"أي شئ خلفته الحضارات أو تركته الأجيال السابقة، مما يُكشف عنه أو يُعثر عليه، سواء كان ذلك عقاراً أو منقولاً يتصل بالفنون أو العلوم أو الآداب أو الإخلاق أو العقائد أو الحياة اليومية، أو الأحداث العامة. و غيره مما يرجع تاريخه الى مئة سنة مضت، متى كانت له قيمة فنية أو تاريخية"
و أجاز مشروع القانون للسُلطات الوطنية أن تعد لاسباب فنية او تاريخية ، أي عقار أثراً اذا كانت للدولة المعنية مصلحة وطنية في حفظه و صيانتهبغض الطرف عن تاريخه.
و عرفت الاتفاقية الدولية لحماية التراث العالمي الثقافي و الطبيعي التي أقرها المؤتمر العام لمنظمة الامم المتحدة للتربيةو العلوم و الثقافة (اليونسكو) المُنعقد في باريس عام 1972، الآثار بأنها:
"الاعمال المعمارية و أعمال النحت و التصوير على الاواني و العناصر و التكاوين ذات الصفة الآثرية و النقوش و الكهوف و مجموعة المعالم التي لها جميعها قيمة عالمية إستثنائية من وجهة نظر التاريخ أو الفن أو العلم "
و يمكننا القول أن القوانين الوطنية العربية قد إتفقت في أن الشئ ذا القيمة الفنية و التاريخية يعد أثراً في حالتين:
الأولى: اذا كان تاريخ ذلك العنصر يرجع إلى زمن معين كان يكون عمره مائتي سنة.
الثانية: إذا عدت السلطة الأثرية في الدولة، الشئ أثراً لاسباب فنية أو تاريخية أو كان ببدوبة مصلحة وطنية في حفظه و صيانته بصرف النظر عن تاريخه.
و لأغراض الإحاطة الشاملة بجوانب ما يجب أن تشمله الحماية ، نورد هنا أنواع الآثار :
1. الآثار الثابتة:
وهي الآثار المتصلة بالأرض مثل التلال الأثرية، وبقايا المستوطنات والمدافن، والقلاع والحصون والمباني والبيوت التاريخية والتراثية، والعيون والقنوات، والأبنية الدينية كالمعابد والكنائس وغيرها سواء كانت على الأرض أو في باطنها أو في عمق الانهار.
2. الآثار غير الثابتة:
وهي المنقولات التي صنعت لتكون بطبيعتها منفصلة عن الأرض أو الآثار الثابتة، ويمكن تغيير مكانها بغير تلف. و المختصون فقط هم الجهة التي تعتبرأي أثرمن الآثار (غير الثابتة) آثراً ثابتاً، إذا كانت جزءا من أثر ثابت أو مكملة له، أو مقرونةً به، أو زخرفا فيه ، كالكتابات والنقوش والعناصر المعمارية وشواهد القبور.
الحماية القانونية للآثار النوبية:
تمثل الآثار الرصيد الدائم من التجارب والخبرات والمواقف التي تعطي الإنسان القدرة على أن يواجه الحاضر، ويتصور المستقبل باعتبارها من أهم مكونات الذاكرة البشرية الممتد إلى أعمق جذور مكوناتها.ولذلك فإن تخريب أو تدمير أو إتلاف أو تهريب أو سرقة الآثار يعني انقطاع جزء من تاريخنا،ومحو شيء من ذاكرتنا . فقيمة الآثار لا تقف عند متعة مشاهدة المكان فحسب ، ولكنها تعني تاريخ مجموعة بشرية، ميراثها، و ذاكرتها الجماعية، فإذا سقط المكان أو توارى أو تم إغراقه، فذلك يعني محو رموز التاريخ ، وضياع ذاكرة الأمة ، و لكل ذلك تأتت أهميةالحماية للآثار النوبية .
على صعيد الحماية القانونية سنتطرق هنا لثلاث مستويات من الحماية القانونية، دولياً، و أقليمياً و وطنياً ، و ذلك كما يلي:
أولاً: الحماية القانونية على الصعيد الدولي:
الاتفاقيات الدولية: (التأكد من هذه الاتفاقيات و اسماءها من الانترنت)
- اتفاقية لآهاي لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح
- المبادئ الدولية للتنقيبات الأثرية الصادرة 1956 .
- إتفاقية الحفاظ على جمال المناظر الطبيعية و المواقع الصادرة عام 1962.
- الميثاق الدولي لصيانة و ترميم النصب و المواقع الأثرية لعام 1964 الموقع بالبندقية
- إتفاقية صيانة الممتلكات الثقافية المعرضة للأعمال الحكومية و الخاصة، الصادرة عام 1968.
- إتفاقية حظر و منع إستيراد و تصدير و نقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة لعام 1970.
- إتفاقية صيانة التراث العالمي و الطبيعي لعام 1972.
- إتفاقية الحفاظ على الإحياء و المدن و المواقع التاريخية الصادرة عام 1976.
- إتفاقية إسترجاع الممتلكات الثقافية المسروقة أو المصدرة بطرق غير مشروعة 1995.
الإتفاقيات و المعاهدات الدولية في مجال حماية الممتلكات الثقافية للشعوب:
أولاً:
لقد برزت فكرة حمايةحماية الممتلكات الثقافية لأول مرة مرتبطة في حالة وقوع نزاع مسلح منذ إتفاقية لآهاي عام 1899 و 1907 ثم ترسخت في الوثيقة النهائية للمؤتمر الدولي في حالة نزاع مسلح لحماية الممتلكات الثقافية التي حررت في مدينة لآهاي 14 مارس 1954 المحفوظة لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم و الثقافية و يقصد بالممتلكات الثقافية في نطاق هذه الاتفاقية مهما كان أصلها أو مالكها ما يأتي:
1. الممتلكات المنقولة أو الثابتة ذات الأهمية الكبرى لتراث الشعوب الثقافي كالمباني المعمارية أو الفنية منها أو التاريخية الديني منها أو الأماكن الأثرية و مجموعات المباني التي تكتسب بتجميعها قيمة تاريخية أو فنية و التحف الفنية و المخطوطات و الكتب و كذلك المجموعات العلمية و مجموعات الكتب المهمة.
2. المباني المخصصة بصفة رئيسية و فعلية لحماية و عرض الممتلكات الثقافية المنقولة كالمتاحف و دور الكتب الكبرى و مخازن المخطوطات و كذلك المخابئ المعدة لوقاية الممتلكات الثقافية المنقولة في حالة النزاع.
3. المراكز التي تحتوي على مجموعة كبيرة من الممتلكات الثقافية و التي يطلق عليها ( مراكز الأبنية التذكارية) و تشمل حماية الممتلكات الثقافية في نطاق إتفاقية لآهاي لعام 1954 و قاية هذه الممتلكات و إحترامها.
ثانياً:
إن الإتفاقية الخاصة بحماية التراث الثقافي و الطبيعي التي أقرها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية و العلوم و الثقافة في عام 16/11/1972 في باريس التي أوصت بصيانه التراث الثقافي و الطبيعي ليلعب دوره الفعال في الحياة المجتمع و إدماج إنجازات الحاضر و قيم الماضي و جمال الطبيعة في إطار سياسة شاملة. حيث أقر المؤتمر العام وثائق لحماية التراث الثقافي و الطبيعي مثل التوصية الخاصة بالمبادئ الدولية التي ينبغي تطبيقها في مجال الحفائر الأثرية عام 1956 و التوصية الخاصة بالمحافظة على جمال المناظر الطبيعية عام 1962، و التوصية الخاصة بصون الممتلكات الثقافية التي تهددها الأشغال العامة أو الخاصة عام 1968 و قد أنبثقت من هذه الإتفاقية اللجنة الدولية الحكومية لحماية التراث الطبيعي و من أعمال اللجنة المفيدة تقبلها جرداً بممتلكات التراث العالمي الثقافي و الطبيعي الواقع في إقليم كل دولة و تسجل في القائمة المنصوص عليها في الفقرة (1) من المادة (11) من هذه الإتفاقية و يتعين أن يحوى هذا الجرد الذي لا يعتبر شاملاً وثائق عن مواقع الممتلكات و عن الأهمية التي تمثلها.
و اللجنة بدورها تنشر هذه الممتلكاات الثقافية و الطبيعية بقائمة كونها من التراث العالمي مرة كل سنتين عن التراث العالمي المعرض للخطر الذي يحتاج إنقاذه إلى أعمال كبرى في طلب العون. و من أجل تنفيذ الإتفاقية عندما يتعرض التراث العالمي المسجل لخطر الزوال بسبب الأعمال الكبرى العامة أو الخاصة أو التطور العمراني أو السياحي أو النزاع المسلح أو التهديد أو التهديد به أو الكوارث و النكبات أو الهزات الأرضية أو التحول في منسوب المياه أو الفيضانات. و تكون نفقات المعالجة من المبالغ المتجمعة في صندوق حماية التراث العالمي الثقافي و الطبيعي.
إن منظمة اليونسكو قد شاركت في سابقة في مجال صون التراث عندما تقدمت به مصر عام 1959 للمساعدة في إنقاذ آثار النوبة المعرضة للخطر نتيجة لقرار بناء سد أسوان وقد حققت حملة النوبة التي نفذت على مرحلتين ( النوبة و أبو سمبل) و إستغرقت عشرين عاماً إذ جمعت ما يقرب من 56 مليون دولار من مصادر دولية من مجموع التكاليف التي بلغت 98 مليون دولار تقريباً.
ثالثاً:
إتفاقية بشأن التدابير الواجب إتخاذها لحظر و منع إستيراد و تصدير و نقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق مشروعة التي إعتمدها المؤتمر العام لليونسكو في باريس 1970.
و نصت المادة 15 في هذه الاتفاقية ما يمنع الدول الاطراف فيها من عقد إتفاقيات خاصة فيما بينها بشأن إستيراد الممتلكات الثقافية التي نقلت لآي سبب كان من مواطنها الأصلية قبل العمل بهذه الإتفاقية و تنفيذاً للمادة (102) من ميثاق الأمم المتحدة تسجل هذه الإتفاقية في سكرتارية الأمم المتحدة بناء على طلب المدير المدير العام لليونسكو.
رابعاً: إعادة أو إستيراد الممتلكات الثقافية التي أقطارها الأصلية من أبرز الأمثلة على الأمثلة على عبقرية الشعوب و تراثها الحضاري المشيد عبر القرون بجهد المبدعين الذين عبروا عن جوانب متعددة عن العبقرية و الفكر النير. لأن التقلب في التاريخ في التاريخ قد سلب شعوباً عديدة إرثها الذين لا يقدر بثمن حيث تجد هذه الشعوب هويتها.
دور اليونسكو في حماية الآثار:
و قامت اليونسكو بوضع أكثر من إتفاقية دولية تهدف الى حماية كل ارث ثقافي أو أثري أو طبيعي، من هذه الاتفاقيات:
- توصية بشأن المبادئ الدولية التي ينبغي تطبيقها في مجال الحفائر الإثرية – عقدت في نيودلهي سنة 1956. و شدد هذا المؤتمر على التقيد و الاستفادة من خبرات بعض الدول التي لها تجربة ناجحة في هذا المجال و أن تكون مصلحة الآثار إدارة حكومية مركزية و أن تنشئ وحدة توثيق مركزية.
- إتفاقية من أجل التدابير الواجب إتخاذها لحظر و منع إسيراد و تصدير و نقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة. تم التوقيع على هذه الانفاقية في باريس في عان 1970. تجدر الإشارة أن هذه الاتفاقية لا تشمل الممتلكات الثقافية التي تم إستيرادهاأو المتاجرة بها قبل تاريخ بدء العمل بهذه الاتفاقية.
- إتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي و الطبيعي سنة 1972.
و تقف هذه الاتفاقيات مع غيرها من الاتفاقيات الدولية التي تهدف الى حماية كل ارث ثقافي أو أثري أو طبيعي، الا أن هذه الآليات الدولية لا ترقي بالدرجة الكافية لحماية التراث الثقافي الوطني. و المدخل الوحيد الصحيح لحماية التراث و الاثار الوطنية هو بناء قاعدة من التشريعات التي تنظم و تحمي و تعاقب كل من يعتدي على التراث بجانب تغذية الشعور القومي بحب الانتساب إلى ذلك التاريخ لان في ذلك تنمية للشعور القومي و حب الاوطان.
ثانياً:الحماية القانونية على الصعيد الإقليمي:
أقر ميثاق الوحدة الثقافية العربية الذي تم التوافق العربي عليه ببغداد في 29 فبراير/شباط 1964، وبموجبه تقرر إنشاء المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التي تأسست عام 1970، أقرّ في مادته الخامسة عشرة، أن تتعاون الدول العربية فيما بينها على إحياء التراث العربي –الفكري والفني– والمحافظة عليه، ونشره وتيسيره للطالبين بمختلف الوسائل، وعلى ترجمة روائعه إلى اللغات الحية، وهو ما أكده دستور المنظمة العربية وتبلور في عملها الثقافي منذ إنشائها.
ويمكن أن يبوب عمل المنظمة العربية في الحفاظ على التراث في المجالات التالية:
المجال الأول:
السياسات الثقافية، وقد تبلور اهتمام خاص بالتراث غير المادي منذ مؤتمر الوزراء في دورته الثالثة عشرة بعمان عام 2002 حيث دعا المؤتمر المنظمة إلى إيلاء اهتمام خاص بالمأثورات الشعبية (الفولكلور) وتعبيراتها ، والتنسيق مع المنظمات الدولية العاملة في مجال حمايتها وبالأخص الوايبو واليونسكو، لإعداد مبادرة عربية متكاملة لحماية تعبيراتها.
أما التراث المادي فقد أولاه مؤتمر الوزراء في دورته الخامسة عشرة عام 2006 بمسقط كبير اهتمامه، وتوجه اهتمام المؤتمر إلى التراث الثقافي العربي في بعده العالمي. بل إن المؤتمر عقد دورة استثنائية عام 2007 بالجزائر بدعوة منها تحت عنوان "حماية التراث الثقافي العربي والنهوض به"، شكلت قراراتها موجها للدول وللمنظمة في مجال العمل الثقافي العربي المشترك لصون التراث والنهوض به.وكان المؤتمر التاسع عشر بالرياض عام 2009 الذي يتناول موضوعا رئيسا له "الحفريات غير المشروعة، والمتاجرة بالممتلكات الثقافية".
المجال الثاني:
عقد الدورات التدريبية في الآثار وإيفاد الخبراء إلى الدول. وكان لها في السنوات الأربع الماضية تعاون مشترك في عقد دورات تدريبية سنوية مع برنامج "آثار" الموجه إلى الدول العربية في منظمة إيكروم وهي المركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافية ومقرّها بروما.
والمجال الثالث:
وضع القوانين والتشريعات على المستوى القومي في مجال حماية التراث الثقافي. وقد وضعت المنظمة القانون الموحد للآثار الذي أقرّه مؤتمر وزراء الثقافة ببغداد في نوفمبر 1981 وتعمل حاليا على تحديثه ليعرض على مؤتمر الوزراء بالدوحة في أكتوبر 2010
أما في التراث غير المادي، فقد عملت المنظمة منذ سنوات على وضع مشروع "اتفاقية لحماية المأثورات الشعبية في الدول العربية"ومشروع "قانون نموذجي" بشأنها.
المجال الرابع:
النشر والتوثيق ووضع قواعد البيانات.
المجال الخامس:
التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية في مجال حفظ التراث الثقافي وتنسيق العمل العربي المشترك في إطار عملها في هذا المجال.
ثالثاً: الحماية القانونية على الصعيد الوطني:
قد لاحظنا إن مجمل التشريعات السودانية ذات الصلة بالتراث و الحضارة لم تولي الحضارة النوبية أي ذكر، و هي التي تكاد أحد أهم ملامح السودان و حضارته، و تكاد تكون الثقافة النوبية هي الشجرة التي تلاقحت معها كل الثقافات الوافدة، لتنتج ما يمكن أن نسميه بالحضارة السودانية. إلا أنه من المدهش أن لا يكون هناك قانون أو تشريع خاص باللآثار النوبية، أو الحضارة النوبية أو اللغة النوبية .. إلخ ، في الوقت الذي تشرع فيه التشريعات و القوانين لموضوعات أقل أهمية من الآثار النوبية و حضارتها. على كل حالٍ، نبحث فيما يلي المناخ التشريعي الذي تعمل في ظله الحكومة لحماية الحضارة و الثقافة النوبية، و ذلك من خلال تدرج زمني يبدأ من أقدم القوانين إلى أحدثها، و ذلك كما يلي:
قانون الهيئة القومية للآثار و المتاحف لسنة 1991:
هذا القانون قد أنشأ الهيئة القومية للآثار و المتاحف بدلاً عن مصلحة الآثار، و بحسب نص المادة 6/1 جعل القانون للهيئة مهام معينة ، على رأسها ، تنفذ قانون حماية الآثار لسنة 1999 . و هو خالي من الاشارة المباشرة للحضارة النوبية و آثارها، و لكن تنطبق بالضرورة أحكام هذا القانون على الآثار النوبية.
قانون حماية الاثار لسنة 1999 و هذا القانون قد قام بالغاء قانون 1952:
لم يشير الى آثار الحضارات النوبية على سبيل المثال، فكل الذي اشار اليه هو القول في المادة3 (الاثار يقصد بها أي شئ خلفته الحضارات أو تركته الاجيال السابقة...)، و كان الانسب أن تكون الاشارة كما يلي (يقصد بها آثار الحضارات السودانية، على سبيل المثال الحضارة النوبية في مروى و كرمة و كوش و غيرها)،
قانون معهد حضارة السودان لسنة 2001:
إن قانون معهد حضارة السودان لسنة 2001، من التقنينات الحديثة التي عمدت إلى المحافظة على الحضارة السودانية، فقد نصت المادة الرابعة على انه ينشئ المعهد ليعمل لخدمة الحضارة السودانية بمختلف ابعادها التاريخية و المعاصرة و المستقبلية، لم ينص هذا القانون على أي أشارة على دعم و تعزيز الثقافة / الثقافات التي أنشأت أو التي أثرت في الحضارة السودانية، فكل ما نصت عليه في صدد المحافظة على الحضارة السودانية، و بالتالي لم يقدم القانون ما يشير الى خصوصية الحضارة السودانية، بالاشارة الى مكوناتها، لا سيما الثقافة النوبية، و بذلك يصلح هذا القانون أن يكون قانوناً لأي بلد آخر، بما يتضمنه مفاهيم عامة، و تجنب تماماً ذكر الحضارات النوبية بأي إشارة ، و بمراجعة الفقرات التسع التي جاءت تحت المادة (4)، نجد أن الفقرة (ه) نصت على ( المساهمة في حفظ الآثار السودانية و في الكشف عنها في حدود ما تتيحه القوانين و النظم).
قانون إعادة توطين و تعويض المتأثرين بقيام سد مروي لسنة 2002:
في المادة الثانية تفسير شملت التعريفات كلمة اللجنة(يقصد بها اللجنة السياسية العليا) و كلمة اللجنة الفنية المختصة(و يقصد بها اللجنة السياسية العليا لإقتراح فئات تعويض الأراضي)، و لم تشمل تلك اللجان أي لجنة فنية لتقييم و تقدير الاثار النوبية التي قد تتعرض للتأثير جراء عمليات الغمر لا سيما أن الحضارة المروية هي حضارة قامت على ضفاف النيل، و المنطقة المغمورة هي تماما المنطقة التي شهدت إذدهار الحضارة المروية، هذا القانون حولت بقصد أن ينفى أي صلة تجمع المنطقة المغمورة بتاريخ الحضارة المروية لذا أمعن في عدم الاشارة إلى دراسات قبلية حول تأثير قيام السد في إختفاء آثار نوبية، أو إختفاء المعالم المؤدية لها، و لم تكن معلومة لدي القائمين بالأمر عند إنشاء السد.
تحديات يجب أن يعالجها التشريع:
أولاً: التخطيط العمراني و أثره في تدمير المعالم الأثرية النوبية هامة:
من الظواهر السلبية في مجتمعنا قيام العديد من المشروعات التنموية الحكومية او الإستثمارية التجارية التي تزحف باتجاه المناطق الاثرية و التاريخية و ذلك لقلة الوعي الرسمي و الإجتماعي بأهمية الحفاظ على تلك المواقع. و ربما إقامة السدود و المشاريع الزراعية الضخمة و المناجم في مناطق تقع داخل مناطق أثرية و تاريخية.
و إزاء التحديات الحضارية كان لابد من إصدار تشريع يواكب هذا التطور الحضاري في وضع صيغ متقدمة في حماية التاريخ و الأثار. لذا من المهم، من ضمن الترتيبا ت الضرورية للحفاظ على الأثار، أعداد لجنة فنية لصياغة قانون لحماية الأثار النوبية.
و من الضروري عند الشروع في إعداد قانون الآثار ، لابد من الوضع في الاعتبار بالدرجة الأولى إشراك تجربة إدارة مصلحة الآثار السابقة من خلال إستيعاب مجال عملها العلمي و الحقلي و المعوقات التي واجهتها و مقررات المؤتمرات و الاجتماعات و الأوراق المتخصصة التي أنتجتها المصلحة.
ثانياً: تدمير ثقافي أم إبادة ثقافية:
شاع استخدام مصطلح الإبادة الثقافية، حين يكون الحديث حول/ عن الثقافة النوبية و ميراثها، و يستخدمالمصطلح التدمير الممنهج و المدروس لثقافات شعب أو أمة لاي سبب كان، على أن يتم ذلك بواسطة حكومة أو جماعة سلطوية أو جماعة إجتماعية نافذة.
و كان هذا المصطلح قد وجد رواجاً قبل و أثناء الحرب العالمية الثانية، و بالتقريب في وقت ما خلال سنة 1933، اقترح رافاييل ليمكينوضع المكون الثقافي كعنصر أساسي في الإبادة الجماعية التي أطلق عليها (الفاندالية)نسبة إلى الفاندالوالتي هي إحدى القبائل الجرمانية الشرقية التي اقتحمت مدينة روماوخربتها تخريبا عظيما لا سيما في آثارها الفنية والأدبية وذلك سنة 455 ميلادية.المهم أن واضعي معاهدة منع الإبادة الجماعيةسنة 1948 أسقطوا هذا المفهوم للابادة الجماعية.
إلا أن هذا المفهوم آخذ في التطور، و أصبح يحظى بحظ وافر من البحث و التدقيق، و ربما حوادث و حالات التعدي على الميراث القومي للشعوب المتكررة، مثل الذي يواجهه النوبيون اليوم، سيسهم في إعادة هذا المفهوم إلى طاولة التشريع الدولي. و يستخدم مصلح التدمير الثقافي في بعض السياقات ليعطي ذات المدلول الخاص بالبادة الثقافية و الذي أشرنا إليه سلفا، و ذلك مثلما إستخدم القانون الدولي مصطلح إبادة الإجناس كمرادف لمصطلح الإبادة الجماعية.
الحماية التنفيذية للآثار النوبية:
أولاً: تأسيس إدارة خاصة بحماية الآثار النوبية:
إن إنشأ مؤسسة أو هيئة حكومية البعة لواحدة من الوزارات المختصة، هو أمر مهم للغاية من زاوية تحديد الجهة الواجب عليها تنفيذ القانون و حماية و تنظيم الآثار، و تخصيص هذه الهيئة الحكومية يستدعي الاستعانة بالخبرات العلمية و الفنية المتصلة بهذا النوع من الآثار و هذه الطريقة في التحديد تساعد في تحديد المسئول و السلطات و الاختصاصات و القانون الواجب التطبيق.
و قد يكون من الأمثل في حماية الآثار تكوين مجلس أعلى لحماية الآثار يضم مجموعة من المؤسسات ذات الصلة و مجموعة من المتخصصين في التاريخ و الثقافة و الفنون و المعمار تكون مهمته دراسة كل الآثار الموجودة سواء ما كان منها ظاهراً او مطموراً تحت التراب. و من مهام هذه المجلس تكوين لجان فرعية في الاقاليم لتحديد و جرد الاثار و تسجيلها.
هذه الصور من الحماية التنفيذية تستفيد من التخصصية العلمية و تنظم الجوانب الادارية و التخصيصات المالية. كما أنها تبرز الهدف و تضعه في نطاق متخصص، و بذلك تكون هذه الهيئة مختصة على نحو دقيق بالكشف عن الآثار النوبية، و تصنيفها و صيانتها و حمايتها و المحافظة عليها، و دراستها و إستخلاص الحقائق التاريخية منها و رعضها على الناس و نشر الثقافة الآثارية.
ثانياً: إنشاء المتاحف و تطويرها:
من أهم وسائل الحماية التنفيذية للأثار النوبية هي أنشاء حماية للآثار النوبية في مواطنها الأصلية و ترميم ما أصابه الدمار و التلف بصورة علمية و بواسطة علماء و فنيين مختصين. بجانب ذلك تبرز أهمية الحديث عن عن المتاحف و ضرورة تطويرها على أسس حديثة تحقق أهداف تعريف الجمهور بحضارة بلدهم و حماية تلك الآثار و المحافظة عليها و منع شتى صور الإعتداء عليها.
ثالثاً: السعي لإستعادة الإثار النوبية المسروقة:
إن من أهم الجهود التي على السلطة التنفيذية أن تجتهد فيها في سبيل الحفاظ على الآثار النوبية هو السعي لاسترداد الآثار النوبية المنهوية او تلك التي تمت حيازتها بصورة غير قانونية، و في ذلك للدولة أن تسلك كافة سبل القانون الدولي لا سيما تلك التي أشارت لها إتفاقية إسترجاع الممتلكات الثقافية المسروقة أو المصدرة بطرق غير مشروعة 1995 او من خلال تفعيل أحكام إتفاقية حظر و منع إستيراد و تصدير و نقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة لعام 1970. بالاضافة لضرورة مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة و كذلك منظمة اليونسكو بالتدخل في هذا الشأن. أو من خلال حث الجهات التنفيذية في الدولة للقيام بمبادرة لعقد إتفاقيات ثنائية أو إقليمية تهدف الى إعادة الثروات الثقافية التي نهبت من السودان.
و كانت اليونسكو قد عقدت مؤتمرها العشرين في عام 1980 و كونت لجنة دولية لتسهيل المفاوضات الثنائية بين الدول لضمان إسترداد المقتنيات الثقافية و المنقولات التاريخية التي تم تهريبها خارج أوطانها بطرق غير شرعية، و لكن لم تنجح هذه الاتفاقية الدولية في إسترداد الاثار النوبية، بسبب عدم وجود وعي وطني كاف بالاجراءات القانونية الدولية أو لغياب الإرادة السياسية و التنفيذية الداعمة لمطلب استرداد الآثار النوبية، هذا فضلاً على القصور القانوني و السياسي الذي إكتنف مسيرة الإتفاقية.
و من وجهة نظرنا، نرى أن إتفاقية إسترداد الممتلكات الثقافية المسروقة او المصدرة بصورة غير شرعية لسنة 1995 قد تسهم بشكل فاعل في دعم الطلبات الخاصة باسترداد الآثار النوبية التي تم تهريبها إلى خارج موطنها.
و لقد درجت العديد من المؤسسات الدولية و بعض الدول إلى حث لجنة الأمم المتحدة لمنع الجريمة والعدالة الجنائية على إيلاء أهمية خاصة لموضوع حماية الممتلكات الثقافية وذلك بالعمل على تشجيع الدول على إبرام اتفاقيات ثنائية على غرار المعاهدة النموذجية لمنع جرائم انتهاك التراث الثقافي للشعوب الموروث في شكل ممتلكات منقولة, واستحداث الآليات القانونية والفنية اللازمة لتحقيق ذلك, وتعزيز سبل التعاون الدولي بهدف مكافحة سرقة الممتلكات الثقافية والتنقيب المحظور عنها والمتاجرة بها واستيرادها وتصديرها بصورة غير مشروعة, ومناشدة لجنة منع الجريمة والعدالة الجنائية توصى بتوجيه عناية خاصة لهذا الموضوع في إطار مناقشة مؤتمر الأمم المتحدة الحادي عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية.
رابعاُ: صور أخرى للحماية التنفيذية:
و بالحديث عن نشر الوعي و الثقافة الآثارية، يجدر التطرق على صور مهمة أخرى من صور الحماية التنفيذية للآثار النوبية:
1. انشاء المعاهد و مراكز البحوث المتخصصة و مراكز المعلومات المتصلة بالتراث النوبي المادي (الآثار) و التراث النوبي المعنوي (بالمأثورات الشعبية- الفلكلور)
2. أنشاء الإذاعات و القنوات التلفزيونية التي تعمل على الحافظة على الموروثات الشعبية و تغذيها و تطوريها و الحفاظ عليها بالتداول و الدراسة و التوثيق.
3. إدماج الثقافة و التاريخ النوبيين في النظام التعليمي المدرسي و الجامعي بصورة منهجية تترافق مع المواد الثقافية و التاريخية الاخرى.
الحماية القضائية:
و الحماية القضائية للآثار قد تتجسد في حماية القضاء الجنائي أو القضاء المدني أو القضاء الإداري أو القضاء الخاص أو من خلال هيئة إدارية ذات سلطات قضائية. إلا أن كل تلك الآليات قد تكون غير فعالة في حالة غياب الوعي القانوني بمبادئ حماية الآثار بموجب القانون الدولي و بموجب القانون الوطني.
فيما نتناول صور الحماية القضائية بإيجاز بغرض أعطاء صوره عامة عن أشكال تلك الحماية القضائية، و ذلك كما يلي:
أولاً: القضاء الجنائي:
إن مهمة القاضي الجنائي تطبيق القوانين العقابية، التي تشمل قانون العقوبات و القوانين العقابية الفرعية الخاصة مثل قانون الآثار و قانون الجمارك و قانون الشرطة و غيرها.
النص الجنائي ذو شقين شق التجريم وشق العقاب ولا يتصور أن يجرم المشرع الجنائي فعلا ولا يقرر عقوبة لمن يخالف إرادته من تجريم هذا الفعل لان التجريم في هذه الحالة والعقوبة هي جزاء الجريمة فلا عقوبة ما لم ترتكب جريمة واعتبار العقوبة جزاء يخلع عليها طابعا جنائيا والذي يرتبط به طابع اجتماعي عام يتمثل في أن العقوبة مقررة لمصلحة المجتمع الذي ناله ضرر الجريمة فالمجتمع وحده هو صاحب الحق والصفة في المطالبة بتوقيعها عن طريق الأجهزة التي تمثله في ذلك .
يعد قانون حماية الآثار في معظم البلدان من القوانين الخاصة التي تستهدف حماية قطاع عام من قطاعات الدولة وجزء من تراثها الحضاري والوطني وقد يلجأ المشرع في مثل هذا القانون إلى أسلوب التجريم لحماية الآثار و قد يعتبر الآثار من الأموال العامة للدولة، وبالتالي يجرم بعض الافعال و الانشطة التي تمس الآثار، ومن بين ذلك عب سبيل المثال: أن يحظر على الأفراد تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها و أنيحظر الاتجار فيها و أن يوجب على كل شخص طبيعي أو معنوي يشغل بناء تاريخي أو موقع أثرى لم يتقرر نزع ملكيته أن يحافظ عليه من أي تلف أو نقصان و أنيحظر هدم العقار الأثري كله أو بعضه أو إخراج جزء منه خارج الدولة و أنيحظر إقامة منشات أو مدافن أو شق قنوات أو إقامة سدود أو رصف طرق أو إقامة قنوات للري في المواقع أو الاراضى الأثرية أو في المنافع العامة للآثار.
ثانياً: القضاء الإداري:
أن من المتصور أن ينشب نزاع بين هيئتين إداريتين بخصوص تفسير القانون أو بخصوص إختصاص كل أو أحد الهيئآت الحكومية، و الأمثلة كثيرة لهذا النوع التنازع الإداري فمن المتصور أن تقوم إدارة حكومية بإصدار قرار بإزالة مباني تاريخية لاجراء اعمال تنموية أو استثمارية تجارية، أو أن ترفض دائرة الآثار طلباً للحصول على تصريح على إجازة بالتنقيب عن آثار، أو تصريح ببيع و نقل آثار أو مقتنيات تاريخية، أو أن تقرر سلطات حكومية أخرى إغراق مناطق معينة حاضنة لمجموعة من الآثار الظاهرة أو المطمورة.
في مثل تلك الحالات يكون القضاء الإداري هو المختص في نظر تلك الدعاوي.
ثالثاً: القضاء الخاص:
قد تنشأ محاكم خاصة تكون من ضمن إختصاصها محاكمة الجرائم المرتكبة ضد الآثار، و قد تكون تلك المحاكم الخاصة هي محاكم خاصة بقانون الجمارك و التهريب و قد تكون محاكم عسكرية أو محاكم خاصة بجرائم الحرب أو جرائم ضد الإنسانية.
هل يتعارض حق حماية الآثار و الخصوصية الثقافية للنوبة مع حقهم في التنمية:
تعد التنمية عامل محوري و فعال في تحقيق الشعوب و سلامها ، و هذا الحق بالنسبة للنوبيين بشكل عام ، و للنوبيين في السودان بصفة خاصة، سودان يعد حجر الزاوية في بناء سلام و استقرار و تنمية في أقليم النوبيين.
تم إقرار الحق في التنمية في عام 1981 في المادة 22 من الإعلان الأفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب، كحق مقرر للأفراد و الجماعات. إن الفقرة (1) من المادة 22 نصت على أن لكل الشعوب الحق في التنمية الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية ، و ذلك إستناداً لحقهم في الحرية و الكرامة ، و حقهم في المساواة في التمتع بالرفاه الإجتماعي.
و يجب أن يكون الحق في التنمية مكفولاً للنوبيين في منطاقهم، مثلهم مثل غيرهم من المواطنين في الدولة، فالحق في التنمية، كان قد تمت الاشارة اليه في عام 1986 في إعلان الأمم المتحدة حول الحق في التنميةDeclaration on the Rights to Development ، الذي كان قد تم إعتماده بواسطة الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 41- 128. و الحق في التنمية هو حق مقرر للجماعة مثلما هو حق مقرر للأفراد، و قد تم التأكيد عليه في إعلان فينا و برنامج العملVienna Declaration and Programme of Action, 1993 عليه أصبح الحق في التنمية مضمناً في العديد من برامج الأمم المتحدة، وبالتالي أصبح برنامج عمل طويل المدى، على نحو خاص لدى برنامج الامم المتحدة الإنمائي من خلال برنامجه المعروف (أهداف الألفية للتنمية). أن التنمية التي يعنيها الإعلان ، هي شاملة، إقتصادياً، وإجتماعياً، و ثقافياً، كما إنها عمليات و سياسيات مترابطة تهدف الى تحسين أوضاع السكان و الأفراد على أساس من مشاركة فاعلة و حرة و قيمة في التنمية و كذلك توزيع عادل للفوائد الناتجة عن ذلك.
و هذا الحق مثل بقية الحقوق، لا يتطلب إعماله إبطال حق آخر، فلا يستوي أن يدعي شخص بأنه لحماية (الحق في التعليم) إنه يضحي ب (الحق في المساواة) مثلاً، و بالتالي لا يعني المطالبة بالتنمية و الرفاه الاجتماعية إهدار الحق في المحافظة على (الثقافة الجماعية و الأثار التاريخية) للنوبيين.
من الثابت أن المحافظة على التراث الثقافي والحضاري تأتي على قائمة أولويات الحقوق الثقافية للأفراد والجماعات، فالتراث الثقافي هو المعبر عن الجماعة و تاريخها، و في ذلك تنصهر ذاتية الشعوب وهُويتها الفكرية والثقافية، و تنعكس من خلالها إبداعاتها . و في الواقع العملي تعرضت اللآثار النوبية للتدمير و الإغراق خلال القرن السابق و القرن الحالي، في مرات عديدة بموجب مبررات التنمية و الرفاه الإجتماعي للشعب النوبي، و أكدت شواهد التاريخ بأنها كانت " قولة حق أريد بها باطل".
إن المعالم و الاثار الحضارية ، الظاهر منها، و المتوقع ظهوره، تحظى بحماية دولية، في وقت السلم و في وقت الحرب، تحت اشراف اليونسكو، و أصبحت في هذا الصدد العديد من المدن التاريخية محمية بموجب القانون الدولي من التدمير و التخريب، و ذلك إقراراً بحقوق الشعوب كمجموعة ( و ليس الافراد) في الحفاظ على تاريخها و معالم حضارتها الانسانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.