بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    ياسر عبدالرحمن العطا: يجب مواجهة طموحات دول الشر والمرتزقة العرب في الشتات – شاهد الفيديو    الإمارات وأوكرانيا تنجزان مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة    وزارة الخارجية القطرية: نعرب عن قلقنا البالغ من زيادة التصعيد في محيط مدينة الفاشر    حقائق كاشفة عن السلوك الإيراني!    المؤسس.. وقرار اكتشاف واستخراج الثروة المعدنية    البيان الختامي لملتقى البركل لتحالف حماية دارفور    الداخلية السودانية: سيذهب فريق مكون من المرور للنيجر لاستعادة هذه المسروقات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    تجارة المعاداة للسامية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصادق المهدي آخر زعماء المهدية .. بقلم: خالد موسي دفع الله
نشر في سودانيل يوم 25 - 12 - 2013

ظل السودان يشهد علي نحو دارج في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر من كل عام إحتفالية خاصة بعيد ميلاد الإمام الصادق المهدي أطال الله بقاءه ،وتطور ذلك المشهد من إحتفالية خاصة بأسرته الي حدث عام أصبح يشهده الضيوف ويتوافد الي ساحاته المهنئون من الساسة والدبلوماسيين ووجهاء المجتمع والثقافة. وقد تميزت سلسلة الإحتفالات الخاصة ببلوغه سن السبعين في عام 2006 بألق خاص. وذلك تقليد استنه محبو الاديب الكبير الراحل الطيب صالح، حيث اصدروا سفرا بمناسبةسبعينيته وضمنوه بحوثا ومقالات، اشرف عليها الدكتور الراحل حسن ابشر الطيب وتباري فيهاالنقاد والمحبون و أقرباء الأديب الكبير لتقريظ موهبته وانسانيته وقلبهالكبير.كما إحتفي من قبلهما شاعرنا الكبير محمد سعيد العباسي ببلوغه سن السبعين فيقصيدته الشهيرة:
سبعون قصرت الخطي وتركنني امشي الهويني ظالعا متعثرا
من بعدما كنت الذي يطأ الثري زهوا ويهوي الحسان تبخترا
وهذه مناسبة للإحتفاء بهذه السيرة السياسية الزاخرة، وإجالة النظر و التفكر في الكسبالسياسي والفكري الذي خلفه السيد الصادق المهدي. حيث أزعم ان السيدالإمام هو آخر زعماء اسرة المهدي الذي يجمع بين السلطتين الزمنية والروحية.وهو نهجخالف فيه سلفه من لدن المهدية. فالإمام المهدي إكتفي بالسلطة الروحية وترك إدارةالسلطة الزمنية لساعده الأيمن وخليفته عبد الله ود تورشين.. كما إحتفظ من بعدهالسيد عبدالرحمن المهدي بالسلطة الروحية، وترك تدبير شئون السلطة الزمنية والإداريةلمساعديه مثل البك عبدالله خليل والمحجوب وأبنه الإمام الصديق.وعلي ذات النهج أسسالسيد الصادق المهدي إنشقاقه الشهير عن عمه الامام الهادي الذي طالبه برعاية السلطةالروحية والتخلي عن السلطة الزمنية، بدافع تجديد الحياة السياسية وتحديث حزبالأمة. هذا الإنقلاب الفكري في نهج أسرة المهدي، أدي الي تكريس سلطة أبوية قابضةتجمع بين السلطتين الزمنية والروحية مما أغلق باب التجديد في الكيان وسد الرافدالحيوي الذي كان يمده بالمبدعين المستقلين الذين جاءوا للحزب من خارج دوائر ولاءاتهالتقليدية من أمثال البك عبد الله خليل ومحمد احمد المحجوب. أعتبر أن الصادق المهدي هو آخر زعماء المهدية حيث جمع بين السلطة الروحية والزمنية، والطاقة الفكرية للتجديد المعرفي مما وفر له فرصة سانحة لإجتراح تجديد وتغيير جذريفي فكر المهدية وتوجهاتها الكلية، لكنه إكتفي بتخريجات منطقية مست الشكل وتركتالجوهر..ونزعم ان الإمام الصادق المهدي اذا لم ينهض بمهمة البعث والتجديد الفكريالمطلوب فستستحيل علي من يخلفه للمزايا والخصائص وروح الزعامة التي يتمتع بها وسطمحبيه ومؤيديه. فهل يستجيب للنداء التاريخي ام يكتفي بتخريجاته التفسيرية التي طلقفيها المهدية العقدية واكتفي بالمهدية الوظيفية. وهي ذات السانحة التي لاحت للإمامالخميني حيث كان هو الوحيد المؤهل الذي يملك سلطة الغاء فكرة الامام الغائب، فبدلامن رميها في غيابت الجب تمحل بنظرية إمامة الفقيه . ولم يجرؤ أحد من بعده عليالإجتراح الموضوعي.
شخصية الصادق المهدي يميزها فاعلان: فاعل سياسي يعبر عن كسبهالذاتي في الفكر والثقافة والممارسة والإنتاج المعرفي وخصائص القيادة والزعامة.وفاعل روحي يستمده من ينبوع المهدية التاريخي وهو الذي يمنحه الشرعية والولاءالشعبي .ولا تكاد تستقيم للدارس شخصية الصادق المهدي دون إعتبار جدي لهذينالجانبين. وقد مازج بفرادة مدهشة بين ثلاث مفردات هي موروث الثقافة الدارفورية، التييغتني منها بمخزون كبير ،و ثقافة الوسط النيلية، وتراث المهدية الزاخر بالأقوالوالقصص والأشعار والأمثال. فقد قال معبرا بلسان اهل دارفور عن رفض حزب الامةللمشاركة الديكورية حسب وصفه في حكومة الوحدة الوطنية سابقا "انحنا يا جماعة أبينا دوتكي". وعندما أراد تبخيس إستخراج البترول في ذروة معارضته للإنقاذ قال انها " احلامظلوط" وعندما عارض التوسيع في الجامعات من غير روية ودراسة كافية قال " إنها كمنيحاول ان يطعم برميل موية بملعقة سكر" . وقال عن إنشقاق مبارك الفاضل وانضمامهللحكومة قبل أن تعود المياه الي مجاريها بينهما انه "كمن استبق أكل الفطيس قبل الذبيح " . وقال مستشهدا بمقولة الامامعبدالرحمن عندما طالبه البعض بالقصاص السياسي ضد الانقاذ "الفشي غبينته خربمدينته". هذه المزواجة بين التراث والتقليد من جانب، والحداثة والمعاصرة من جانب آخر،هي إحدي دوافع الإفتتان الشديد به من قبل المثقفاتية من شيعته الذين يغالبون نزعاتالولاء الطائفي علي الولاء الفكري. وفي هذا الصدد فقد وصفه الصديق الدكتور علي حمد القيادي في حزب الأمة في مقال نشره قبل سنوات خلت، بأنه فكي خواجة حيث يلبسجناح ام جكو ويتحدث بلسان أهل الغرب ويجادلهم في آخر نظريات الفكر الانساني بثقةعالية وثقافة موسوعية وافرة.و تكشف مقالات بعض المثقفين في السودان عن الخلل الجسيم الذي يصطنعه المثقفالملتزم سياسيا فقد يتنازل عن سلطته المعرفية في الجدل والنقاش بحثا عن الحقيقةليصبح حوارا يتلقي البركات من شيخه بعد ان شحبت روحه طارت شفقا ولم تشع غيما وسناكما أرادها الفيتوري. فيلغي بذلك أعز ما يملك المثقف وهو عقله و سلطته المعرفية. وشبيه بذلك المقولة الشهيرة التي رددها أحد انصاره وهو أستاذ في جامعة الخرطومأثناء فترة الديمقراطية الثالثة أن الصادق المهدي لو امره بالتصويت لحمار لفعل دونتردد. وفاق هذا ما نسب مؤخرا لإحدي ناشطات المؤتمر الشعبي التي قالت في مقابلة صحفية شهيرة أن الترابي لو أمرها أن تكفر لكفرت.والسودان للأسف لا يعرف سقفا للمكاجرة السياسية بين النخب المتناحرة لأنها مبنية علي الذاتي لا الموضوعي.
وحسبوصف أحد الساسة فإن الظل الفكري الثقيل للدكتور الترابي الذي فرضه قسرا علي الآخرين قد حجب ضوء الشمس عنالنباتات الفكرية الواعدة فماتت سهوا وترصدا. هذا الظل الفكري الثقيل أيضا فرضهالصادق المهدي علي حزبه، حيث لم تنبت قامة فكرية مستقلة من الحديقة النباتيةلفعاليات هذا الحزب .و أنتج هذا المناخ كوادر فكرية متميزة إرتضت لنفسها أن تكون صورة مستنسخة من الصادق المهدي . ورغم البروز الفكري للشيخ عبدالمحمودابوه إلا أنه يبدو مقلدا لا أصيلا .ولكن تتراءي أمامه مؤشرات القيادة الفكرية لهذا الكيان في المستقبل القريب.هذا التكلس المعرفي والضمور الفكري الذي أصاب جميع الأحزاب ، بما فيها حزب الأمةيتحمل مسئوليته قادة الأحزاب وكذلك الامام الصادق لأنه سد الرافد المبدع الذي كان يرفد حزب الأمةبالأفكار والشخصيات الخلاقة وهو تيار المستقلين من غير الانصار. وهو قد إرتد بذلك عن السياسة التي رسمهاوإختطها الامام عبدالرحمن الذي كان يفتح أبواب الحزب للشخصيات المستقلة ذات العطاءالمبدع، بل ويقلدها المسئوليات والمناصب القيادية. في ظل قيادة الصادق المهدي إنحسرهذا الرافد وعمد الي ترفيع الكوادر ذات النفوذ الطائفي والقبلي لحفظ التوازناتالجهوية وكان طبيعيا ان تفرز تلك السياسة نظاما ابويا قابضا . وإنتقل بالحزب منبوتقة ينصهر فيه دعاة التيار الإستقلالي الي كيان طائفي مترهل يقوم علي التحالفات العشائرية والجهوية مع الرأسمالية المحلية.وهو بذلك قد أفرغ العملية السياسية داخلالحزب من فعاليتها التاريخية وأستبدلها بنظام أبوي ترتفع فيه قيمة الولاء الطائفيوالسياسي للقيادة ويقل فيه الحراك الفاعل المبدع. وبالطبع فان مثل هذه القيادات ليستحريصة علي الإصلاح والتغيير، لأن ذلك يناقض مصالحها في التمثيل الجهوي في السلطةالسياسية للحزب. والحق فإن هذا أبرز أمراض السياسة السودانية. وربما يكون حزب الأمة أفضل تعافيا من غيره في هذا المجال. ولكن النقد يتجه الي أن سياسة تجفيف الحزب من المثقفين الحقيقيين والإستعاضة عن ذلكبعناصر تستنسخ شخصية زعيم الحزب الفكرية، وتستهلك مقولاته وأفكاره أدي الي حالة منالضمور الفكري والتكلس المعرفي، وخمود ملكة التجديد والإبتكار للإعتماد علي مصدرواحد للإلهام الفكري الذي مهما تدفق عطاؤه فانه لا يفي بتطلعات الظامئين . بتحليلكثير من النماذج المماثلة في الساحة السياسية السودانية يزعم البعض بأن الصادقالمهدي صمم هذا النموذج بوعي كامل ليظل هو علامة العرفان والفذ الملهم في خضم الجهلالسائد لتظل مقاليد سلطته الروحية والفكرية والسياسية في غير محل نزاع من العامة والخاصة.
يمتاز الإمام الصادق المهدي بخصيصة نادرة وسط السياسيين في السودان وهيموهبته الثرة في إجترار الأمثال الشعبية وتشقيق التشبيهات الساخرة . ففي موقفالمفارقات الكاريكاتورية كثيرا ما يستشهد بديك المسلمية الذي يصيح ويعوعي في الوقتالذي يحمر فيه أهل البيت بصلته إستعدادا لأكله. ويستفيض في شرح أنواع الديوك الأخريذات الشهرة والصيت مثل ديك العدة. وللأستاذ نقد السكرتير السياسي للحزب الشيوعي الراحل ذاتالنزعة في إستخدام الأمثال الشعبية اما للسخرية أو لتقريب المعني وشرح المواقفلجمهور المستمعين. فقد سبق للأستاذ نقد ان شبه موقف الجبهة الاسلامية في مناداتهابتطبيق الشريعة الاسلامية مثل "المرأة الغلفاء التي تمسك بالموسي لتطهر النساء" ايان فاقد الشئ لا يعطيه، ورغم طرافة المثل وغلظة عباراته إلا أنه قوبل بحملة شرسة حيثرماه البعض بالسوقية وكساد بضاعته وعجز بيانه عن التعبير الحاذق والمعني الأدق فيإجترار التشبيهات . ورغم ميل الزعيمان لإستخدام الأمثال الشعبية الا أن الامامالصادق المهدي قد سجل تفوقا واضحا وبلغ فيها شأوا بعيدا وصارت تشبيهاته مثار تندروتداول بين النخبة المثقفة والجمهرة العامة لطرافتها.
إن نزعتهللمزاوجة بين التراث والمعاصرة في شخصيته الفكرية تكاد تصبغ طبيعة تصرفاته السياسيةالتي تفضل كذلك المزاوجة بين المتناقضات والجمع بين المتوازيات. لا شك أن بيئة التنافس السياسي تفرز كثير من الأوصاف علي القادة والزعماء.والصادق المهدي ليس بدعا من ذلك، فقد وصفه الدكتور منصورخالد، وهو من أبرز مناوئيه بانه رجل وقواقة مرتبك في نفسه مربك لغيره..يتوهم في نفسه القدرة علي حل مشاكلالعالم وهو لا يستطيع حل أبسط خلافات اسرة المهدي . ووصفه الدكتور حسن الترابي بانهكان يحلم بلعب دور شبيه وموازي للدور الذي لعبه تروتسكي في تصحيح وإصلاح الفكرالماركسي ..هذا التصريح أدلي به الترابي عندما كان علي سدة حكم الإنقاذ، ولكن بعد الخلع السياسي تغيرت اللهجة والتصريحات..ويقول الترابي إنبه يقينا ثابتا بانه ولد سيدا وفي فمه ملعقة من ذهب، لذا فعلي الناس أن يقدمواالتضحيات من أجل أن تكتب البطولات بإسمه.وكان يصفه رفيق دربه المرحوم عمر نورالدائملخاصته بأنه رجل مشغول بالفكر أكثر من السياسة و كان يتمني أن يتفرغ السيد الإمام كلية للعمل السياسي. ووصفه الدكتور الراحل جونقرنق زعيم الحركة الشعبية بأنه رجل توفرت له كل أسباب النجاح من أرومة أصل، وعراقةنسب وفرصة لحكم السودان مرتين إلا أنه أفشل حاكم في تاريخ السودان الحديث، كما أنهساهم في صنع الكارثة التي يعاني منها الجميع، أولا بإبتداره مع حسن الترابي لمشروعالدستور الإسلامي وثانيا، لأنه دعا في منشوراته الفكرية الي أسلمة وتعريب جنوبالسودان بالقوة كما أنه غذي الصراعات القبلية بتسليحه للقبائل العربية أثناء فترةحكمه الأخيرة.وفي المراسلات المشتركة بين الصادق المهدي والراحل قرنق مندوحة لمن أراد التوسع. وفي ذات السياق وصفه الدكتور علي الحاج القيادي في المؤتمر الشعبي أثناء فترة الديمقراطية الأخيرة قائلا: إن الصادقالمهدي مثل الطفل الصغير الذي يبكي بحرقة لإمتلاك اي لعبة أطفال تقع علي عينه، وعندما تعطي له ليكف عن البكاء يقوم بتكسيرها علي الفور..وهو وصف كما يبدو للقارئ موغل فيظلال الغيرة السياسية. لذا فأن أقوال وشهادات الساسة في بعضهم لا تستوفي معايير الأحكام الصحيحة، لإنطوائها علي أغراض سياسية عابرة.
ويصفه أستاذ جامعيمرموق عكف علي دراسة بعض فترات المهدية بأنه يدعي تقمص روح الإمام المهدي وإلهاماتهالغيبية أكثر من الإمام عبدالرحمن الذي تميز بالواقعية وحسن المناورة السياسية. ووصفه الرئيس الأسبق جعفر نميري بأنه لا يصلح لحكم السودان، اذ تتحكم فيه ذهنيةأهلية لا تتناسب ورجل الدولة المسئول.وصفه أستاذ جامعي متخصص في العلوم السياسيةبأنه شخصية إختزالية اذ تميزت فترات حكمه بإختزال الحزب في رئيسه وإختزال الحكومةفي رئيس الوزراء، كما أنه عمل علي إنتاج ديمقراطية عشائرية تقوم علي تحالفات قبليةوعشائرية مع الرأسمالية الإنتهازية فأبعدها عن حركة الحداثة. وصفه السفير الامريكي الأسبق في السودان دونالد بترسونبأنه شخصية مترددة في إتخاذ القرارات الحاسمة، وقد فشل في قراءة الأسباب الحقيقةلمشكلة الجنوب لأنه كان يعتقد أن الحركة الشعبية هي الذراع العسكري لحكومة مانغستوفي أثيوبيا متناسيا أن لمشكلة الجنوب جذورا تاريخية معلومة. يصفهسياسي مخضرم بأنه أفضل نموذج للسياسي الذي يستسلم لغريزة حب البقاء، ويؤثر علي الدوامالسلامة الشخصية علي التضحية، وشبهه بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي عرفبقدراته المتميزة في إستشعار مكامن الخطر. وساق الأمثال علي ذلك اذ قطع دراسته بكليةغردون وسافر للدارسة بالإسكندرية خوفا علي نفسه عقب الأحداث التي صاحبت زيارةالرئيس المصري محمد نجيب للسودان.كما أنه خرج من الجزيرة أبا قبل أيام قلائل منقصفها، حيث ترك الإمام الهادي لمصيره المحتوم.ضمن لنفسه الخروج بعد فشل الحركةالوطنية في عام 1976 لأنه كان آخر الداخلين وأول الخارجين اذ آثر السلامة الشخصيةعلي تضحيات القيادة . قال عنه سياسي مخضرم أيضا أن الصادق المهدي رغمتسامحه الظاهري، إلا أنه رجل لا ينسي ثاراته ولديه إستعداد فطري لسحق كل من ينازعهسلطانه الحزبي والسياسي ويميل الي التشفي وإقصاء خصومه بالضربة القاضية. وقال وليم باتي سفير بريطانيا السابق في السودان " كنت عندما أطلبمقابلته يحرص علي أن يكون بجانبه عدد كبير من أنصاره وكانوا جميعهم يتحدثون معقبين علي كلامه. لهذا كثيرا ما يختلط علي حقيقة موقفه وموقفالمتداخلين من أنصاره".يقول عنه السياسي د. غازي صلاح الدين أنه يحاول دائما تربيع الدائرة. يصفه الكاتب الصحفي عثمان ميرغني بأنالصادق المهدي رجل يحتاج الي من ينقذه من نفسه، اذ إرتضي أن يعلق من المدرجات عليمباراة كان يمكن أن يكون لاعبها الأول. قال عنه محمد أحمد المحجوب الذي أجبر علي التنحي لإنتخاب الصادق المهديرئيسا للوزراء، أنه حاول إقناعه بالتروي والتدبر وإكتساب مزيد من التجربة، لأنإسماعيل الأزهري سياسي محنك يستطيع أن يلوي ذراع أقوي سياسي، إلا أنه رفض نصيحتهفقال عنه: إن الغرور الذي أعتلي به المنصب الرفيع سيكون هو ذاته من يهوي به الي أسفلسافلين. ومن ثم إرتجل مقولته الشهيرة في البرلمان: إن من حاول الدفاع عنهم طيلة حياتهكسروا سيفه الفولاذي وأستبدلوه بسيف من خشب وقال: "لا أريد أن أفسد علي رئيس الوزراءبهجة يومه هذا ولكن أتنحى لمقعد المعارضة لأعلمه كيف تكون المعارضة". وقال معرضا بهوبصهره الدكتور حسن الترابي الذي ناصره علي المحجوب، أن بينهما وصال. فرد عليهالدكتور حسن الترابي الذي كان يكنيه المحجوب بالشاب الملتحي قائلا "من أول رئيس علاالي آخر صنم هوي- مشيرا للمحجوب- فهذا أول رئيس للوزراء ليس له رئيس خارج قبة هذاالبرلمان"
سئل مسئول ليبي كبير زار السودان في نظام القذافي البائد في بداية عقد التسعينات، في ندوةعامة عن مناصرة الجماهيرية الليبية للعقيد جون قرنق فرد قائلا: لا تسألوا القيادةالليبية بل أسألوا الصادق المهدي، الذي قدم قرنق للعقيد القذافي عام 1983 وطالببدعمه وتسليحه لإسقاط نظام نميري ووصفه بأنه رجل وطني مخلص. وأضاف قائلا: لولاالصادق المهدي ماعرفنا قرنق ولولا توصيته لما دعمناه. و أوضح بأن الصادق المهدي عادإليهم بعد الانتفاضة مطالبا بأيقاف الدعم العسكري لقرنق.
يقول كثير من المراقبينأن اميز سلبيات الرجل، أنه متردد في إتخاذ القرار، يلجا الي الحلول الوسطيةوالتوفيقية التي تجمع المتناقضات وذلك لمنهجه الذي يحاول التوفيق بين الأشتات ويجمعبين المتوازيات. يقول عنهالدكتور قطبي المهدي وقوله مرجوح بحكم الإعتبارات السياسية ، إن الامام المهدي لو بعث اليوم لما إختار الصادق لخلافته لأنهأضاع أهم ما يميز الأنصار وهو روحهم الجهادية وإعتزازهم بالعقيدة وموتهم في سبيلإعلاء رايتها.يري الإنجليزي المخضرم توماس غراهام صاحب كتاب "موت حلم" الذي خصصهلذكرياته مع الإمام عبدالرحمن المهدي ولمناصرته للسيد الصادق المهدي أثناء فترةنضاله ضد جعفر نميري، أن الصادق المهدي يدرك دائما حقيقة وضعه كزعيم لذا فإن سقفالمساومة السياسية دائما بالنسبة له محدود، لأنه لا يستطيع أن يذهب أبعد من الأفقالذي يتوقعه الأنصار.
عقب انتفاضة ابريل 1985 دعا الباحث التراثي الطيب محمدالطيب ثلة من الشعراء والمثقفين للقاء الصادق المهدي في منزله للتعرف علي رؤيتهوآرائه في الساحة الثقافية والفكرية، وقد إندهش الحضور من دقة متابعته للتطوراتالحادثة في الفضاء الثقافي والفني خلال فترة غيابه المتطاولة في الخارج. فقامعبدالقادر الكتيابي أحد فحول الشعراء وهو مطرز بكل ألق الشعر ونفحة البنفسج وكبرياءالشعراء وارتجل قصيدة "علي الطلاق":
علي الطلاق...
مكاء صلاةاليمين عليك.. وحج اليسار اليك نفاق..
واقطع حد ذراعي رهانا
ستصبح ثم تراهمسمانا ..
وثم يشد عليك الوثاق
لتعرف ان المنابر سوق ..
وان البضاعةانت
وليس هناك امام .. وليس هناك رفاق
ستعرف اني صدقتك نصحي ..
واني احبك،
علي الطلاق
فما أن أكملها حتي تسلل الصادق المهدي الي داخل منزله، ولم يعد بعدها الي مجلس الشعراء، وليته جلس لأن نبوءة الشاعر قدصدقت، ولم يحنث بطلاقه..
يقول الصادق المهدي عن نفسه إن ميلاده إرتبط ببشرياتعظيمة لأنه صادف يوم ميلاد المسيح عليه السلام في الخامس والعشرين من ديسمبر، وكذلكبالرؤية الصالحة اذ رأي أحد أطفال الأسرة في المنام أن مهاجرا سياتي من كبكابية يومالخميس.ثم ما لبث ان ولد يوم الخميس، مما فسر الرؤية بالبشريات العظيمة. قال عنهالناشط السياسي غازي سليمان في مهرجان عودته من الخارج أنه لولا مانديلا لأطلقناعليك لقب أبو الديمقراطية في أفريقيا.
يقول عنه أكاديمي بارز أن أميز إجتهاداتالصادق المهدي الفكرية هي كتابه "سيألونك عن المهدية" الذي إستطاع ان يقدم فيهأجابات ذكية عن فكرة المهدية وأصولها بإستشهادات موثقة من الكتاب والسنة والتاريخالإسلامي. كما أنه فرق في أطروحته تلك بين المهدية التاريخية والمهدية الوظيفية. ودعا الي التركيز علي المهدية الوظيفية وهي المعنية بأمر الاصلاح والتجديد الديني . يقول الطيب صالح في ذكرياته مع طلحة جبريل في سفره القيم " معا علي الدرب مع الطيبصالح" انه فكر في عقد الستينات أن ينضم الي حزب الأمة بعد أن جذبه الطرح الفكريوالعقلاني للسيد الصادق المهدي الذي كان يمثل رمز الحداثة والإستنارة في القياداتالسياسية آنذاك، وشبهه بالرئيس الأمريكي كيندي. وأشار الي أنه سبق وان تسلل للإستماع الي أحاديثه ومحاضراته. وحتي وفاته كان يكن للرجل إحترام وتقدير كبيرين.يقول عن نفسه أن أهم إنجازاته هي أنهحول الحزب من مساره التقليدي وإنتقل به الي آفاق التحديث حيث كادت الفكرة المهديةأن تتلاشي ويقل كسب المنتمين إليها، ولم يبق منها إلا التراث والطاقة الجهاديةالكامنة. فجدد بعث الفكرة المهدية وإستطاع أن يعيد للحزب جماهيرته حيث ظل الرقمالإنتخابي الأول خلال عهد طويل لا سيما فترة الديمقراطية الثالثة.
الصادق المهديشخصية مثيرة للجدل. يحبه أقوام ويتدلهون به، ويكرهه آخرون ويغتاظون منه ولعل ذلكالجدل هو من سمت الشخصيات ذات الأثر في التاريخ. فرغم الشهادات الواردة في هذا المقال، وهي مزيج من النقد الموضوعي والنقد الجزافي جراء الغيرة السياسية ، إلا أن الصادق المهدي لا يختلف شخصان في إيمانه المطلق بالديمقراطية كنظام سياسي ناجع لحكم السودان.كما لا يختلف الناس علي طهارة يده، وعفة لسانه وديناميكيته الفكرية، وقدرته علي المبادرة السياسية . وتبقي صفته الأكبر هي شخصيته الأبوية و سودانيته الأصيلة ، ونزعته الدائمة للتجديد، لأنه ظل يخاف علي السودان من أي فعل أحمق يجر عليه الفوضي والدماء..إن الإتهام للصادق المهدي بأنه متردد في إتخاذ القرار ، ربما يكون إتهام ظالم لأن تردده ينطوي علي حكمة..إذا يمكن للصادق المهدي بكاريزميته وسط حزبه ومجموعته الأنصارية أن يعبئ طاقاتهم الجهادية لنشر الفوضي، والمواجهات الدموية.ولكن أكثر الناس لا يدركون حكمته السياسية. وهو يدرك قدر الزعامة في نفسه كما قال عنه الإنجليزي غراهام توماس لأنه لا ينزلق الي الصغائر. عندما يترجل السيد الصادق المهدي عن الساحة بعد عمر مديد سيدرك أهل السياسة في السودان أي بحر طمي، وأي نور خبا ، واي ركن إنهد وأي فراغ ترك، وأي سماحة تلاشت. يكفيه أنه ممن يؤدبون السياسة ، ولم يسجل له التاريخ أنه حكم بغير صناديق الإقتراع. ويطرز خطابه السياسي بالحكم الشعبية، والإستشهادات الشعرية التي تتكامل مع محفوظاته من القرآن والحديث الشريف.
ربما كان في مقدوره أن يحقق إنجازات أكثر وتحولات أعمق ، ولكنها أقدار زمانه ، وتحديات جيله .بيد أننا نعارض زعامة هذا الجيل للحياة السياسية طيلة أربعة عقود ، مما أقعدها عن التجدد، ولعل الذين يضيقون بزعامته من أهله ومناكفيه ، سيدركون ولو بعد حين أي نجم أفل، وسيبكون ممن كانوا يشكون منه ، ولعل قدر الزعماء أن تظل أفعالهم وتصرفاتهم محل جدل وإختلاف، ولكن سيبقي تأريخهم محفورا في ذاكرة الأجيال.
وتنتهي بنا المقاربة فيالإستشهادات الي أن الصادق المهدي زاد من حصيلة الكسب الذاتي السياسي والمعرفي أكثرمن أي زعيم آخر مر علي كيان الأنصار وحزب الأمة، حيث لم يعتمد فقط علي أرومة أصلهوتاريخ أسرته ومنبع وجدانها الروحي، بل زاد عليها من كسبه الذاتي و أطروحاته الفكريةوموسوعيته الثقافية .يواجه الصادق المهدي ذات النفق التاريخي الذي واجهه الأمامالخميني الذي أخرج الفقه الشيعي من طلاسم الإمام الغائب الي نظرية ولاية الفقيه،وكان بأمكان سلطته الروحية أن تسقط فصل الإمام الغائب من مقررات كتاب الفقه الشيعيالي الأبد، ولكنه آثر ان يحتفظ بسلطة الفقيه فأضاع فرصة ما زال يتحسر عليها قادةالإصلاح في المذهب الشيعي لأنه من النادر الآن ان تتوفر لأي آحد كارزما السلطةالروحيةالتي تمتع بها الخميني من قبل.أما الإمام الصادق المهدي فعليه أن يتعظ منتجربة الخميني، وأن يواصل مسيرة الإصلاح السياسي والفكري وألا يقف علي أعتاب التعليلالسهل للظاهرة المهدوية وتجديدها تحت مبررات المهدية الوظيفية.لأن الصادق سيكونآخر مجدد يمتلك الجرأة الفكرية والكارزمة الروحية في أسرة المهدي وما لم يفعله الآنسيستحيل حتما علي من يخلفه.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.