في تطور ملحوظ، أقر المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحافية في اجتماعه الدوري أول من أمس (الأحد) برئاسة البروفسور علي محمد شمو رئيس المجلس، أن توزيع الصحف تراجع تراجعاً ملحوظاً، وتدنى تدنياً ملفتاً للانتباه، لا سيما أن بعض هذه الصحف تراجعت بنسبة 15%، بينما تراجع البعض الآخر إلى نسبة 50%. وعلمت أنه لم يكن بند مناقشة تراجع مبيعات الصحف وتدني توزيعها ضمن أجندة الاجتماع الدوري للمجلس، ولكن لأن الأمر بات يشغل هم واهتمام الكثير من العاملين في الوسائط الصحافية، تبادل المجتمعون جوانباً من مناقشة مسألة تراجع الصحف، مما أفسح لهذا الموضوع مجالاً في أجندة الاجتماع فرضاً، دون سابق ترتيب. ويحمد لذاكم الاجتماع هذا الاهتمام الملحوظ بهذا التدني الخطير في توزيع ومبيعات الصحف في الفترة الأخيرة. وأحسب أن المناقشات تطرقت إلى جوانب عدة، وعوامل عديدة، كان لها بالغ التأثير السلبي في هذا التراجع، من ذلك الأوضاع الاقتصادية التي أثرت سلباً في مبيعات الصحف وتوزيعها، وأدت إلى تراجعها، تراجعاً مريعاً، وصلت في بعض الصحف إلى 50% أو يزيد. كما أن الاجتماع تطرق إلى الظروف الاقتصادية الحالية التي تأثرت من جراء رفع الدعم عن المحروقات، وارتفاع أسعار السلع ارتفاعاً جنونياً، مما جعل الصحف تتذيل أولوليات القراء، ولا تزاحم متطلبات الحياة اليومية لهم، من مأكل ومشرب ومسكن. وأكبر الظن عندي، أن ارتفاع أسعار الصحف قبل ما يزيد عن شهر أثر أيضاً بدوره سلباً في هذا التراجع. كما أن البيئة السياسية، على الرغم من توسيع مواعين الحرية إلى درجة معقولة في الفترة الأخيرة، مقارنة بما كان عليه الحال بالنسبة للصحف إبان فترة الرقابة القبلية، إلا أن الرقابة الذاتية، ضيقت مواعين هذه الحرية. وبلا شك أنها اثرت سلباً أيضاً في معدلات التوزيع ونسب المبيعات، بالإضافة إلى أن شبكات التوزيع ومنافذ البيع، خاصة في ولاية الخرطوم والتي تبلغ 70% من جملة مبيعات وتوزيع الصحف اليومية، تأثرت سلباً بعوامل شتى، من بين ذلك أن أكشاك بيع الصحف، أغلقت لأسباب عديدة بعض هذه الأكشاك، غيرت أغراضها، فتحولت من أكشاك لبيع الصحف إلى أكشاك لبيع المرطبات والخضر والفاكهة، وأكملت المحليات عوامل إغلاق تلكم الأكشاك بإزالتها، بمسببات واهية، وخطط غير مدروسة. فالخرطوم كان فيها قبل عقدين من الزمان ويزيد أكثر من 6 آلاف كشك، فتقلص هذا العدد ليصبح الآن أقل من ألف كشك لبيع الصحف والمجلات. ولم يتعود الناس في السودان على ثقافة شراء الصحف من البقالات أو طلمبات البنزين، إذ أن هذه الثقافة الشرائية ضعيفة للغاية في السودان، مقارنة بما هو معتاد عليه في دول العالم الغربي ودول الخليج. وأحسب أن ضعف هذه الثقافة الشرائية للصحف من أسباب التراجع والتدني في التوزيع والمبيعات. وفي رأيي الخاص، أن من أسباب هذا التدني أيضاً تدنٍ ملحوظٍ في الخدمة الصحافية التي قد لا تدفع المرء لتغيير أولولياته ووضع شراء الصحف ضمن خارطة تلكم الأولويات. ولا يمكن في هذا الصدد تغافل تكاثر الصحف بصورة غير مدروسة في السوق الصحافي السوداني، وتأثيره المباشر في هذا التراجع، إذ أخذنا في الاعتبار ضمور القوة الشرائية لدى كثير من القراء. أخلص إلى أن الاجتماع الدوري للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحافية أول من أمس (الأحد)، لم يستطع الوصول إلى تصور معالجات لهذا الخلل الكبير، مما أضطره إلى تكليف لجنة الطباعة والتوزيع والإعلان لإعداد دراسة حول هذا الأمر، لتحديد الأسباب وطرح مقترحات علمية وعملية للمجلس، لمعالجة هذا الأمر الذي يشغل بال الكثير من المهتمين بقضايا الصحافة في السودان. وجميل أن يناقش ذلكم الاجتماع هذه القضية التي لم تكن مطروحة للنقاش في أجندته، ولكن أبدى بعض الأعضاء قلقاً ملحوظاً حول هذه المسألة، فأنبرى بعضهم بمناقشتها بصورة غير تفصيلية، وأثار حولها الكثير من المؤشرات التي يجب دراستها دراسة مستفيضة، وذلك بإحالتها لتلكم اللجنة. من هنا نرى أن هذه القضية ينبغي أن تناقش نقاشاً مستفيضاً من دوائر عدة، وصولاً إلى تشخيص علمي دقيق، ومن ثم البحث عن مخرجات لمعالجات أمر تدني وتراجع توزيع ومبيعات الصحف، والعمل على إعادتها سيرتها الأولى.