تلبية أي دعوة لحضور أي مبادرة قال صاحبها أنه يريد بها خيراً ليست خيانة أو عيباً أو منقصة .. ومقاطعتها ليست خيانةً أو عيباً أو منقصة هذه تقديرات سياسية .. خاضعة للخطأ والصواب وليس للتخوين والسباب و التحقير .. لذلك أنا أقدر جداً حضور د.الترابي والسيد المهدي ود.منصور خالد وأقدر جداً مقاطعة الحزب الشيوعي والمؤتمر السوداني فهذه كلها تقديرات قابلة للخطأ و الصواب .. مع العلم أن المرحوم نقد إلتقى الرئيس البشير مرتين للحوار حول قضايا الوطن ولكن أنصاره لم يصفوه بالخائن في هذه المرة ولا حين دعوا نافع على نافع إلى مؤتمر الحزب الشيوعي الخامس في قاعة الصداقة وأحتضنه نقد .. بينما (بعض) أنصاره ألسنتهم طويلة على الآخرين ..هاتو لي إسم حزب واحد أو حركة مسلحة لم تجلس مع هذا النظام المستبد أو الأنظمة المستبدة السابقة؟! مالي أسمع صوت صدى صمتكم المهيب .. أم هو كما قال الشاعر: (حلال على بلابله الدوح ..حرام على الطير من كل جنس)! السياسة هي (فن الممكن) .. نحن نريد تفكيك هذا النظام الاستبدادي فإن كان الأمر ممكناً بثورة فهيا بنا حي على الفلاح ... وإن تعذر ذلك في الوقت الحالي فإن أي مبادرات من شأنها أن تتيح مزيدا من الحريات للقيام بتفكيك النظام على مراحل حتى وإن أخذت وقتاً أطول وتطلبت منا مزيدا من الصبر والحكمة و"طولة بال" على (خرمجات الرئيس ورهطه) فما هي المشكلة خصوصاً أن كُلفتها أقل وتحقن ذرف المزيد من دماء السودانيين؟! سبب سقوط نظام حسني مبارك هو التزوير الفج في انتخابات 2010 بالإضافة إلى قضية خالد سعيد .. وهذا التزوير لم يكن لتظهر فجاجته لولا مشاركة قطاعات من المعارضة وعلى رأسها الأخوان المسلمين وبعض أحزاب اليسار في الانتخابات وعمل حراك شعبي .. مما أدى إلى فضح النظام دولياً وتعريته أمام شعبه مما جلب مزيداً من الغضب الشعبي وتسبب في الثورة. عموماً أنا أرى أن تنخرط المعارضة مجتمعة ..أقول مجتمعة في حوار جاد مع الرئاسة من أجل: 1. حرية الصحافة و الأعلام وإلغاء الرقابة القبلية. 2. - حرية العمل الحزبي وعمل الندوات والمؤتمرات دون قيود. 3. تشكيل لجنة للدستور رئيسها من أحد أحزاب المعارضة ونائبه من المؤتمر الوطني. 4. الدخول في مفاوضات جادة مع الحركات المسلحة للوصول إلى سلام عادل مرضي لأهل دارفور وجبال النوبة الذين وقع عليهم ظلم مخزي ومؤلم مع محاسبة المتورطين. 5. حل البرلمان المزور وإرجاع المفصولين.. وتعويضهم. 6. تكوين حكومة إنتقالية يشارك فيها الجميع واليمين واليسار وحركات دارفور وشرق السودان. 7. وجود ضمانات دولية لهذا الإتفاق. 8. مشاركة الشباب الفاعلة في هذه الخطوات "وهذه الشريحة المهمة تجاهلها الخطاب تماما". 9. نقل جلسات الحوار على الهواء مباشرة لنعرف من هو "الحادب" على مصلحة الوطن ومن "يزايد" ومن ينافق لأنه سيتم محاكمة الجميع بهذه المستندات الصوتية لاحقاً . يجب الأخذ في الإعتبار (الإرادة الدولية) التي لا تريد حدوث تغيير عنيف في السودان ولا تدعمه على ضوء ما تمر به المنطقة العربية من عنف ,بل على النقيض من ذلك هي تدعم تحولاً ناعماً في السودان لأن هناك مخاوف حقيقية من (صوملة السودان) إذا إنحدر في العنف نتيجة التعقيد القبلي والعنصري والأيديولوجي وتوفر السلاح لدى كل الأطراف, آخذين في الإعتبار ما يحدث في جنوب السودان. الأمر الأخير هو أن نتائج الربيع العربي أثبتت بوضوح أن ((الوعي)) هو أساس الثورات, والثورة السياسية إن لم يسبقها ثورة فكرية فإن مصيرها ديكتاتورية أكثر سوءاً , ومئات الآلاف من القتلى وشقاقٌ مجتمعي آثاره ستدوم طويلاً ربما لعقود , ودونكم ليبيا ومصر وسوريا, واليمن أيضاً التي هي الآن على مشارف الإنفصال إلى دولتين .. وبقيت تونس هي الإستثاء لماذا؟ .. الأجابة هي الوعي وعدم وجود تناقضات عرقية وحروب أهلية ونسبة أمية تقارب ال(صفر) % بينما في مصر والسودان الأمية تتراوح من 50 إلى 65% . وبالمناسبة دائماً الأسهل هو القيام بتصريحات عنترية رافضة ترضي العوام وتشفي غليلهم وتحصل بها على مزيد من الشعبية والتصفيق وحناجر الهتيفة .. ولكن الخيارات الصعبة تحتاج إلى التعقل والتواضع لما هو ممكن, مع التأكيد أنه لا تنازل عن "الحلم النهائي" وهو الحرية الكاملة ودولة المواطنة والمساواة وتفكيك النظام تحت أي ظرف من الظروف .. مرة أخرى السياسة (فن الممكن) وليس (اللاممكن) .. وإن لم نصل لإتفاق معهم أو نكثوه - وهو واردٌ بالنظر إلى تاريخهم في نقض العهود - فالشوارع لم تنتحر ولم تعلن في مؤتمر صحفي أنها تنوي الرحيل !! [email protected]