[email protected] اتجاهات التوقعات كلها تؤكد ان محكمة الجنايات الدولية ستدين الرئيس البشير وستصدر امراً بتوقيفه، هذا هو واقع الحال المعبر عنه علناً أو سراً من قبل كل القوى السياسية وغير السياسية، لكنه هذه الايام يتخذ شكل الموقف الرسمي كون كل التصريحات الرسمية المباشرة وغير المباشرة تعول على المادة (16) من نظام محكمة الجنايات الدولية والدفع باتجاه تأجيل القرار بعد صدوره من قبل مجلس الامن بأكثر من حصر ودفع الجهود لإلغاء القرار نفسه أو تاجيل صدوره ذاته. لكن كيف سيكون الوضع والحال اذا فاجئت المحكمة الجميع بما فيهم الحكومة والمؤتمر الوطني برفض مذكرة اوكامبو الشهيرة جملة وتفصيلاً؟!!. ذلكم بالطبع بعيد عن التوقع والاحتمال، لكنه مادة لإستقصاء كل الاحتمالات على ذات النهج الذي يتوقع ضمنه الجميع أسواء الاحتمالات لمآلات ما ستأتي به المحكمة الجنائية الدولية في مقبل الايام.كيف اذاً سيكون رد الفعل؟ أول المندهشين سيكون الرئيس عمر البشير نفسه! وستبلغ به الدهشة درجة تأييد العدالة الدولية منتقلاً بها من أسفل حذائه إلى أعلى عليين وربما في خطابه العام المكتوب هذه المرة والمرتجل أمام التجمعات!!؟. لكنه بالمقابل سيواجه بأن ملف القضية بمحكمة الجنايات الدولية لم ولن يغلق وأن رفض قضاتها ادانة الرئيس لا يعني ان قضية دارفور وما وقع بها من جرائم انتهي هنا؟!!. بل سيمثل ذلك انقالاً بالقضية من قامة الرئيس الى قائمة ال52 التي أشار إليها الرئيس نفسه أمام ضباط القوات المسلحة والبوليس والامن بالمعاش في لقائه الاخير معهم. وسيدعم ذلك بلا شك تخدنق الرئيس خلف القوات المسلحة، الامر الذي سيوفر له ولها (القوات المسلحة) اقوى خلفية للتخلص من كل قائمة ال 52 بقرار رئاسي او مرسوم واحد!. وتسمح للرئيس البشير بالانتقال السلس من الحزب الواحد الى آفاق الحكومة القومية التي ينادي بها الجميع الآن، خاصة وأنه سيكون ضمنها إن اراد أو خارجها بكامل اختياره. وحتى لا يكون هو محل اتهام آخر قد يفرض نفسه اذا سمت محكمة الجنايات الدولية آخرين من ضمن قائمة ال 52 سيحرص البشير هذه المرة على محاكمة الجميع محاكمة حقيقية وشفافة داخل السودان كون ذلك يتسق من جهة مع موقفه السابق الملعن بعدم تسليم أو السماح لمحاكمة أي سوداني خارج السودان، يدفع من جهة أخرى باطلاق التغيير ضمن نظام الحكم وفقاً لحثيات وتفاصيل اتفاق السلام الشامل كون الذين يعرقلون مسار الاتفاق سيحالون وبالجملة للمحاكمة المعلنين منهم سابقاً (هارون وكوشيب) واللاحقين. الذي يدفع بهذا السيناريو (قلب النهاياته المتوقعه) هو تصريح الشيخ حسن الترابي الذي دفع ثمنه سجناً ببورتسودان. ذلك أن الترابي في تصريحه ذاك وقف عند نقطة جوهرية قد تقود لهذا السيناريو برفض القضاة لإدانة البشير، أو الانتهاء لذات السيناريو كنتيجة لمحاكمة البشير نفسه!!؟. فقط اشار الترابي في تصريحه ذاك إلى أن البشير (مدان سياسياً) فهو رأس النظام الذي قد يصدر القرارات والتعليمات لكن الذي ينفذ ذلك على الميدان هم آخرين حتماً، قد يكونوا من هم دونه في متابعة وتنفيذ القرارت نزولاً الى أدني مستوى ميداني لذلك التنفيذ. كما أن اشارة الترابي المتعلقة بالادانة السياسية تشئ بأن أمام البشير مساحة حتى ضمن المحكمة والمحاكمة للدفع بالمسؤولية (السياسية) في وجه (المسؤولية الجنائية) التي قد تقع على آخرين من دونه وضمن نوابه ووزرائه، فيخرج هو من بعد ذلك مدان (سياسياً) فقط، وليس جنائياً، وهذا يفتح الباب أمام آخرين يقودون اليوم التشدد تجاه المحكمة خوفاَ وطمعاً في أن تقف عند الرئيس والذين أعلنتهم المحكمة سابقاً (هارون وكوشيب)، وضمان أن تقف المحكمة عند محاكمة هذين الاخريين وأن لا يترتب عليها المطالبة بمثول أياً منهم أمامها. هناك الكثير من الحيثيات المنشورة حتى ضمن تقارير جهات دولية ذات اعتبار ومنظمات ذات ثقل دولي ترمي المسؤولية الرئيسية لجرائم دارفور على عنق آخرين توفرت لتلك الجهات والمنظمات حيثيات بالغة الدقة تدفع بحدود الادانة السياسية في وجه الرئيس البشير دوناً عن الادانة الجنائية، وسيكون لذلك اعتبار أساسي وقوي في حالة رفض القضاة لإدانة البشير أو ككروت بيد محاميه أمام المحكمة. وكل ذلك يدفع بنا للمضي في التفكير في سيناريو بديل لأ يتأسس على أدانة الرئيس البشير أبتداءاً أو كنتجية لمحاكمته. الواضح من تداعيات طلب المدعي العام أوكامبو القبض على الرئيس البشير، أن لجأ البشير للمؤسسة العسكرية، وقد كانت المؤسسة العسكرية خياره نسبة لماضي التآمر ضمن وبين الاسلاميين الذين لم يتوانوا في التخلي عن زعيمهم في سبيل الحفاظ على مواقعهم في السلطة وقطعاً للطريق بخط الزعيم القاضي بفتحها لتكون منافسة بين القوى السياسية كلها، إضافة إلى تواجهاته العملية القاضية بتقليص سلطات الرئيس بنقل حق اختيار الولاة ليكون حقاً لشعب كل ولاية، وأكثر من ذلك اعطاء الوالي المنتخب حق اختيار وزارته، هذا اضافة لإنتخاب مجلس الولاية من قبل شعب الولاية ذاتها. سيكون ذلك خط مناسب للبشير يعضدد به موقف مساندة القوات المسلحة له وتسمح له بالانفتاح نحو القوى السياسية كلها دون خاسره أو تأثير على اتفاقية السلام الشامل والشريك الحركة الشعبية، خاصة وأن ما رفضه الاسلامين بالمؤتمر الوطني سابقاً وكان سبباً في ابعاد الترابي وشق الحركة الاسلامية عاد المؤتمر الوطني وقبل به ضمن اتفاقية السلام الشامل وبذات التفاصيل أن لم يكن بزيادة تدقق التنفيذ وتحدد مواقيته. سيكون البشير قد تخلص من ضغوط المحكمة التي انصرفت عنه لتطال آخرين، وسيكون محتاجاً أيضاً للدفع بوضعه الجديد وابعاد أي مؤشر لإدانته أو مجرد طلبه من محكمة الجنايات الدولية أن يدفع بحل لمشكلة دارفور، وسيكون ذلك متاحاً له اذا انفتح على القوى السياسية الشمالية، وسيكون أكثر قبولاً لأي دور تلعبه الحركة الشعبية الشريك تجاه حل مشكلة دارفور. ويبقى أهم دافع لهذه الخيارات هو أن كل التعاطي مع المشكلات بما فيها مشكلة دارفور سيكون داخلياً وبين أطراف سودانية تتعاطي الحل والربط فيه بعيداً عن القوى الاقليمية أو الدولية، وذلك سيرفع اسهم وسمعة الرئيس البشير بقي بالحكم او غادره. لكن الجناح الذي سيمثل ال 52 الآخرين ستكون بيده أوراق وكروت أخرى سيضطر لتوظيفها واستخدامها أخطرها على الاطلاق هو كرت الجنجويد!!؟. ذلك أن الجنجويد يمثلون مكوناً اساسياً من مكونات دارفور والحل فيها، كما أنهم سيكونوا مستهدفين على الاقل باخلاء المناطق التي كانت لآخرين وآلت لهم بدفع من القوة التي وفرتها لهم الدولة من خلال من هم ضمن المتهمين المدرجين يقائمة ال 52. والتي هي الاخرى ستكون واحدة من أهم اسس الحل الذي يقضي بجمع السلاح منهم وبذلك قد يتحولوا من داعمين للحكومة الى خانة (المتمردين الجدد) الذين بتمردهم يوفرون دعماً لخط قائمة ال 52 التي قد يضطر الرئيس لتغيير شكل التعاطي معها حال رفض التهم الموجه له أو في حال نحج في دفع الادانة الجنائية عنه. لكنهم سيواجهون باجماع سياسي من كل القوى السياسية من جهة ومن قبل القوات المسلحة والحركة الشعيبة وحركات الدارفور التي ستكون قد دخلت في اتفاق موسع وتوافق كل القوى السياسية السودانية مما يقد يضعف من أي نشاط معادي قد يلجأون إليه. وهكذا تكون اتفاقية السلام الشامل قد انفتح لها باب التنفيذ الكامل الذي يقضي بتغيير بنية النظام للدرجة التي دفعت كل الذين كانوا حريصيين على تعطيله خارج المعلب بعد أن تحولوا إلى موضوع للمحاكمات بتهم الابادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية ولكن ليس بلاهاي بل بالسودان ومن قبل قضاة سودانيين. وبذلك ستكون قد اشرقت على السودان شمس جديدة ليجد السودان والسودانيين انفسهم ضمن عالم جديد يدعو ويدفع نحو التغيير الشامل بفرض تحديات جديدة تماماً على الثقافة والخبرة السياسية بل والثقافية على السودان والسودانيين. هكذا يمكن أن نتوقع شيئاً مغايراً للعادي، يفتح آفاق التفكير والحلم (بعالم سعيد) رغم اشتداد الازمات وضيق حلقاتها نحو فرج ما قد يأتي من بين أيدها أو خلفها، عسى ولعل، فالنلتمس بالبحث والتقليب وقلب الفرضيات طرقا جديدة ومسارات أخرى نحو مخارج تدفع الامال نحو سودان جديد.