شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالصورة والفيديو.. ناشط مصري معروف يقتحم حفل "زنق" للفنانة ريان الساتة بالقاهرة ويقدم فواصل من الرقص معها والمطربة تغي له وتردد أسمه خلال الحفل    شاهد بالصورة والفيديو.. ناشط مصري معروف يقتحم حفل "زنق" للفنانة ريان الساتة بالقاهرة ويقدم فواصل من الرقص معها والمطربة تغي له وتردد أسمه خلال الحفل    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    خريجي الطبلية من الأوائل    لم يعد سراً أن مليشيا التمرد السريع قد استشعرت الهزيمة النكراء علي المدي الطويل    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان صورة داخل الإطار .. بقلم: الصادق عبدالله عبدالله
نشر في سودانيل يوم 12 - 02 - 2014


مقال يقرأ مباشرة قبل الحوار وقبل الوثبة....
هذا المقال يحاول رسم صورة بالمفردات لعمل بورتريه (صورة هوية) ومقاربة للسودان الذي نختلف حوله ونتقاتل. من يدري أن الفرقاء يتحدثون عن شيء مختلف؟ لا بد أن هناك صورة عديدة وربما مهزوزة عن صورة السودان في الاذهان. فهذا المقال ومقالات أخرى، ربما لم تكتب بعد، يمكن بها رسم تقاطيع وتقاسيم صورة هذا المجهول. يذكر الكثيرون الطرفة على لسان صاحب دعوة أنه ذهب لكاتب عرض حال، ليحرر له قضيته (كتابة عريضة). باعداد العريضة وقراءتها، جلس صاحب الدعوة يبكي، إذ أنه لم يكن يتصور كمية الظلم الذي حاق به وقد ابرزته له العريضة. هل نحتاج فعلاً أن نحرر صورة (السودان) ونتفق عليها لنقول (ياهو دا السودان)، وربما يكون وقتذاك الجلوس و البكاء، ومن ثم يكون قد طهرت القلوب والنوايا. وإلا فمن يهاجر يجد في الارض مراغماً كثيرة وسعة، وقد هاجر الكثيرون واكتسبوا المواطنة في أنحاء الأرض.
الآن كل واحد يطلب الحوار، فهل مطلق الحوار سيؤدي إلى تحرير القضية والاتفاق عليها. معلوم ما يذكر عن حوار الطرشان، الذي تتحدث فيه أطراف الحوار عن أشياء مختلفة. ومعلوم الحوار وعيوبه إن كانت سفسطاء أو مراء، أو جدل ترتفع فيه الأنفاس وتحمر الوجوه (والرهيفة تنقد، والباب يفوت جمل، والزارعنا يجي يقلعنا.. وغير ذلك)..كل الجمل الاخيرة هي مفردات لنهايات بعض الحوار في ثقافة سودانية.. أو ما زالت بت الفكي مجبورة على الصلاة.
هذا المقال وغيره يمكن أن يسهم في التعريف بالسودان ومكوناته الرئيسية كدولة. ونشأة واستواء جمهورية السودان والأبعاد الاقليمية لدولة جمهورية السودان. يستعرض المقال صورة (بورتريه) للسودان بقسماته البارزة من خلال مكوناته البشرية والطبيعية وعرض بعض المؤثرات التي تجعل من السودان رقعة واحدة اسمها السودان يراد لها أن تدخل في عقد كبير.
بدءاً، تعتبر فكرة الدولة فكرةٌ انسانيةٌ قديمةٌ، من لدن الممالك اليونانية القديمة. وقد بدأت بمجرد تأملات في أذهان الفلاسفة قبل أن تكون واقعاً. وقد كانت نظرية المدينة الفاضلة عند افلاطون من أهم النظريات التي أثرت في الفكر الإنساني حتى الأزمان الحديثة. كما اختلفت النظريات في شأن مبدأ الدولة. بيد أن الدولة بمفهومها وتكوينها الحديث ظهرت بعد القرن الخامس عشر الميلادي، هذا بعد تفكك الامبراطورية الرومانية ونشؤ الدويلات . وكذلك مفردة (الدولة) المستخدمة الآن في اللغة العربية، هي مفردة حديثة، إذ كانت المفردات المتداولة تشمل السلطنة، الإمارة، الخلافة والإمبرطورية.
وقد وعُرِّفت الدولة بمفاهيمها الحديثة تعريفات كثيرة، محور تلك التعريفات أنها تجمع بشري مرتبط بإقليم، يسوده نظام اجتماعي وسياسي وقانوني، غايته المصلحة المشتركة، وتسود عليه سلطة مزودة بقدرات تمكنها من فرض النظام. وبذلك تكون عناصر الدولة هي الشعب، الإقليم والسيادة . كما يمتد مفهوم الدولة في بعض تعريفاته، بعد عناصر الشعب والإقليم والسيادة، ليشمل الديانة والنظرية الاقتصادية الحاكمة والعِرْق . فلقد نشأت الدولة يوماً على الأعراق. ولا تزال الأعراق تمثل مكون رئيس طاغ في كثير من الدول، والدول الأروبية كانت صراعاتها عرقية، والآن حدود كثير منها تمثل حدود أعراق لها لغاتها ولها ثقافتها .
كما الدين أن لا يزال أحد أكبر الدوافع والمؤثرات لنشأة الدولة واستمرار الدولة. فبالنظر لأعلام الدول في الشرق والغرب تجد فيها رمزية الدين واضحة الدلالة، إن كان ذلك صليباً أو هلالاً أو رمزاً برسمٍ أو لفظٍ أو لون. كذلك العطلات والأعياد الرسمية ذات صبغة دينية في العالم بأسره. وتكتسب الدولة قيمتها وقوتها من شعور الناس (مواطنيها) وإحساسهم بوجودها وانتمائهم لها (عنصر قوة داخلي) يضاف إلى ذلك نظرة العالم الخارجي، بما في ذلك دول الجوار والاعتراف بها (عنصر قوة خارجي).
ومعلوم في افريقيا حدود الدول وضعت بناء على حدود القوي الاستعمارية وقتها والاتفاق فيما بينها تحالفاً أو غلبة.
وبمفهوم الدولة الحديثة، تجاوز عدد الدول في العالم عدد المئتين دولة، منها ثلاثة وخمسين دولة افريقية. ويتفاوت اقليم الدولة من الدول العملاقة، التي يتجاوز سكانها المليار نسمة (الصين، الهند) أو تصل مساحتها إلى ملايين من الكيلومترات المربعة(الصين، استراليا)، إلى الدول التي لا تتجاوز أكثر من مدينة ولا تزيد مساحتها عن عشرات الكيلومترات(سيشلز)، أو يقف شعبها عند بضعة ألوف بينما تتساوى في الاعتراف بها كدولة ذات سيادة. وتنضوي معظم الدول في منظمة الأمم المتحدة. كما تنضوي الدول في تشكيلات أخرى اقليمية هي الأحلاف والتكتلات والمجموعات الاقليمية وشبه الاقليمية. ولكل دولة من الدول قصة نشأة وتكوين، ومنها بالطبع السودان. يحاول هذا البحث أن يرسم يبرز صورة وملامح وإطار لدولة السودان من خلال وصف مكوناتها.
فمن تعريف الدولة السابق، يتضح أن التعرف على أي دولة، يبدأ بالتعرف على اقليمها الجغرافي (أي مكوناتتها الطبيعية من أرض وماء وهواء وأنماط الحياة المسخرة للإنسان من نبات وحيوان)، ثم المكوناتها البشرية وسيادتها ومحركاتها الاقتصادية والدينية والسياسية، ثم بعد ذلك نظامها السيادي (نظام الحكم فيها). يضاف لذلك تاريخ الدولة الذي يعطيها عمقها الزمني المتغير بتغير الحقب، ولا تكتمل صورة الدولة إلا باستقراء تاريخها الذي يشمل الأحداث التي وقعت في آماد مختلفة لتكون المحصلة هي الدولة الناتجة في الواقع الحالي. أما إقليم الدولة الذي يعني أرضها وما عليها وما تحتها من مكونات الطبيعة، فيمثل البُعد المحسوس الماثل، الذي هو أبرز ما تنشأ عليه الدولة بين الناس، إن كان ذلك على أرض زرع وماء أو جزر داخل البحار أو دول ساحلية ومداخل طرق قوافل وموانيء. أو دولة حبيسة لا منفذ لها إلى البحر، إلى غير ذلك من موارد الأرض الأخرى التي تشكل مصدر لقوة الدولة ونطاق كيانها.
تظهر قيمة الأرض كأول قيمة للدولة، فلا دولة بلا أرض. وتظهر مفردة الأرض في شعارات الدول (هذه الأرض لنا فليعش سوداننا علماً بين الأمم). وشعار الولايات المتحدة التي تتسيد العالم يبدأ بأغنية تقول (هذه الأرض أرضك) ، يتعلمون عليها عزف الموسيقى، كما يفعل السودانيون في أداء أغنية خليل أفندى فرح المسماة عازة (عازة في هواك نحن الجبال) ويتعلم عليها الناشئة كذلك العزف (كان ذلك واصجاً في عهد كاتب المقال). ونموذج دولة إسرائيل يمثل فكرة الدولة الدينية الذي كان وجود أرض لها أهم متطلباتها.
ولغرض توصيف حالة اقليم السودان، ستسهم مكونات الدولة المذكورة (الأرض، الشعب والسيادة) بالتعريف بالسودان سمات وقسمات الجغرافية والتاريخ والشعب والتي هي مكونات جمهورية السودان، ومن ثم النظر في علاقتها بمحيطها الاقليمي الخارجي المتأثر به والمؤثر عليه.
اسم السودان:
أطلقت مفردة السودان في اللغة العربية على الناس سود البشرة . وجغرافياً أطلق اسم السودان على المنطقة وسكان المنطقة الافريقية الممتدة من المحيط الأطلنطي غرباً، عبر وادي النيل وجنوب الصحراء إلى البحر الأحمر وهضبة الحبشة شرقاً، وقد كان هذا هو الجزء المعلوم من افريقيا جنوب الصحراء التي تعرف الأن في تصنيفات الاقليمية الحديثة (Sub Saharan Africa).وتعرف منطقة السودان بالحزام السوداني الذي يقع بين خطي عرص 9.5 و17.5 شمالاً . وقد ورد في كتاب طبقات ود ضيف الله أن الشيخ بانقا الضرير أمه (سودانية). وقد أوضح البروفسور يوسف فضل أي أنها من سكان البلاد الاصليين، اي السود، وقد كان معلوماً استخدام المفردة في هذا السياق .
ينقسم إقليم حزام السودان إلى شرقي وغربي. فالسودان الغربي هو منطقة غرب أفريقيا التي مثلتها يوماً مملكة غانا. وأسم غانا مفردة مشتقة من اللغةالأمازيقية لسكان شمال افريقيا وتعني أرض السود، وقد عرفت به مملكة غانا في غرب افريقيا التي كانت تغطي ذلك الجزء من الحزام، ثم اشتق منها اسم غينيا (تصغيراً)، ومنها غينيا بيساو وغينيا الاستوائية وغينيا كوناكري. وقد نشأت المنظمة الاقتصادية لغرب افريقيا ، في ما عُرف يوماً بالسودان الغربي، الذي يمثل تاريخياً دولة غانا، وقد نشأت حديثاً منظمة الساحل والصحراء، التي تمثل حزام السودان جميعه (من البحر الأحمر وحتى المحيط الأطلسي) مع بعض التخوم في الشمال والشرق.
وتعرف جمهورية السودان الحديثة، في كتب المؤرخين بالسودان الشرقي وكذلك عرف باسم سودان وادي النيل ومؤخرا السودان الانجليزي المصري Anglo-Egyptian Sudan بعد أن حم السودان من قبل الفريقين. من الملفت أن دولتين أخريين من دول الحزام السوداني احتفظتا بذات الإسم (السودان) لكن باللغة الانجليزية وهما النيجر، ونيجريا التي تعني الأسود باللغات اللاتينية. وفي الوقت الذي كان السودان يعرف بالسودان الانجليزي المصري، كانت دولة تشاد تعرف باسم السودان الفرنسي . وقد يتفاجأ البعض أن يجد كتاباً باسم تاريخ السودان ولا يذكر هذا السودان الشرقي من قريب أو بعيد (راجع كتاب تاريخ السودان للسعدي). أما اسم اثيوبيا، والذي عرفت به منطقة السودان الشرقي لدى الحضارة الاغريقية، فيعني الأسمر في اللغات اللاتينية القديمة، وقد أطلق على منطقة السودان عند المؤرخين الرومان، كما عرف باسم كوش، وقد عرف السودانيون الاوائل بالكوشيين، ويعني السمر، ومنها حتي يذهب البعض أن كلمة كُشنة تعني السُمرة. أما اسم اريتريا، المجاورة فيعني الأرض الحمراء باللغة الايطالية التي تميز المنطقة، ومنها اسم البحر الأحمر ومعروفة شعابه المرجانية الحمراء. .
جمهورية السودان (الأرض):
أطلق اسم السودان رسمياً على جمهورية السودان التي نشأت بموجب اتفاقية الحكم الثنائي الانجليزي المصري التي تم توقيعها في يوم 19 يناير 1899م، إذ لم تستخدم مفردة السودان في عهد المهدية. وتقول المادة الأولى من الاتفاقية : (تطلق لفظة السودان في هذا الوفاق على جميع الأراضي الكائنة إلى جنوبي الدرجة الثانية والعشرين من خطوط العرض وهي: أولاً: الأراضي التي لم تخلها قط الجنود المصرية منذ 1882، (هذا يشير إلى أن هناك أرض في الشرق تمددت فيها ايطاليا، أراضي في الغرب سيطرت عليها فرنسا) ثانياً الأراضي التي كانت تحت إدارة الحكومة المصرية قبل ثورة السودان الأخيرة (يعني الثورة المهدية وليس غيرها مما سُمي ويُسمى ثورة) وفُقِدتْ منها وقتياً ثم افتتحتها الآن حكومة جلالة الملكة (فيكتوريا البريطانية) والحكومة المصرية بالاتحاد، ثالثاً الأراضي التي قد تفتحها بالاتحاد الحكومتان المذكورتان من الآن فصاعداً) . وقد كان ناتج اتفاقية الحكم الثنائي هو دولة السودان بحدودها حتى تحقيق الاستقلال عام 1956 وخروج السلطات الاستعمارية(الحكم الثنائي)، لتنقسم جمهورية السودان في العام 2011 إلى جمهورية السودان في الشمال وجمهورية جنوب السودان في الجنوب.
فإقليم جمهورية السودان المقصود إذاً ، هو الأرض التي تمثل جمهورية السودان في حدودها الحالية (2013)، وهي جغرافياً تمثل حوض النيل الأوسط . والذي تلتقي فيه روافد نهر النيل الكبرى. وتحد جمهورية السودان عدد سبعة دول هي دولة جنوب السودان من الناحية الجنوبية، وجمهورية افريقيا الوسطى من الجنوب الغربي، جمهورية تشاد من الغرب، دولة ليبيا من الشمال الغربي، جمهورية مصر العربية من الشمال، بينما تحدها جمهورية اثيوبيا الإتحادية من الجنوب الشرقي ودولة اريتريا في الشرق ناحية الجنوب ليكمل الخارطة البحر الأحمر الذي يفصلها عن المملكة العربية السعودية، هذا بين خطي عرض (10)شمالاًً، (22.4) درجة شمالاً. وبين خطي طول (22) درجة شرقاً و(38) درجة شرقاً. ويمتد السودان من البحر الأحمر حتى حد اقليم دارفور الفاصل مع جمهورية تشاد في الغرب ، في مساحة تصل إلى نحو اثنين مليون كيلومتر مربع. مع جريان النيل في الثلث الشرقي من السودان، بمكوناتها الطبيعية والبشرية.
إن نظم التضاريس (شكل سطح الأرض) والجيولوجيا (مكونات الأرض) وعوامل المناخ (الرياح والأمطار ودرجات الحرارة) هي السمات الطبيعية التي أسهمت مجتمعة، مع حدود الاقليم في تحديد خارطة جمهورية السودان. فجمهورية السودان هي في إحدى أبرز صورها هي حوض النيل الأوسط، الذي تهوي إليه الأنهار والنهيرات (ظاهرة الفيضانات المتكررة لتبرز هذا المعنى) تصنع نهر النيل الكبير الذي ينساب متعرجاً عبر شلالات، حتى يخرج من طرفها الشمالي. ففي الجنوب الشرقي تمثل مرتفعات الهضبة الاثيوبية حداً طبيعياً فاصلاً بسمات واضحة، ليكمل البحر الأحمر وتلاله من الشرق حدود الخارطة. كما أن خارطة توزيع الأمطار التي تتدرج في غزارتها من الجنوب من منطقة السافنا الغنية (أكثر من 600 مم في العام) إلى السافنا الفقيرة (600-400مم في العام ثم المناخ الصحراوي(أقل من 400مم في العام) ، هذا لتصنع خارطة الأمطار مع الأرض وسطحها نُظُماً بيئية ومن ثم نُظُماً انتاجية ومستوطنات بشرية تتناغم مع تلك المكونات. كذلك ذات المكونات الطبيعية تجتمع بسماتها الخاصة المماثلة لتصنع دولة جنوب السودان المجاورة. ففي الجنوب غزارة الأمطار وشكل الأرض وطبيعة التربة وأنظمتها البيئية صنعت أيضاً نظماً جغرافيا طبيعية وأنشطة بشرية صنعت بموجبها ملامح دولة جنوب السودان.
أما نحو الغرب فتمتد جمهورية السودان مع السهل، ولا يكاد يوجد فاصل مع بقية السهل السوداني الممتد، عدا المجاري والمعالم المحدودة. لذلك يكتسب السودان عمقه الحقيقي داخل أرض السهل الافريقي، ويمتد ما يعرف بحزام السودان. وحزام السودان لم يجتزأ إلا بصراع قوة الدول الاستعمارية واقتسامها الأرض. وفي هذه الناحية اقتطعت فرنسا منطقة تشاد ضمن مستعمراتها. وكانت تطمع ان تتوغل حتى النيل. وأن سكان اقليم السهل والصحراء مرتبط وجدانياً واقتصادياً بالسودان، إن كان ذلك منذ الممالك الاسلامية في شنقيط وتمبكتو القيروان أو إبان حركة الثورة المهدية (لا تزال هناك جيوب لاتباع الإمام المهدي في بعض دول المنطقة. أو حتى الارتباط الحالي للطريقة التجانية . ومعلوم الارتباط الاقتصادي حيث أن النيل وروافده مثّل منطقة مهجر و مستقر لكثير من الناشطين اقتصادياً من دول غرب افريقيا، إن كان ذلك على النيل الرئيس (خاصة مشروع الجزيرة) أو روافد النيل والأنهار الأخرى (الدندر، الرهد، القاش، بركة). وأن ناتج الحراك من غرب افريقيا قد رفد السودان بالملايين، حتى وصل السودانيون من أصول من غرب افريقيا عدة ملايين .
من ناحية الشمال، يعتبر الشلال الأول هو بداية الأراضي السودانية منذ تاريخ ما قبل الميلاد . فلقد مكثت معظم الممالك المصرية شمالي الشلال الأول. وقد كانت شلالات النيل تمثل أهم المعالم لحياة الناس وحركتهم. وفيما عدا مجرى النيل تمثل الصحراء البرزخ الطبيعي الآخر. الآن توصف أفريقيا ب(افريقيا جنوب الصحراء وضمنها اقليم حزام السودان). لقد صنع النيل شرياناً حيوياً للعبور إلى داخل افريقيا. ومثّل النيل ممراً ومستقراً للتجار والزراع والرعاة، كما ساعد حركة الجيوش، والتي تثمل عنصر الدولة الحاسم في التغيير، إن كان ذلك عبر الغزو والاجتياح أو كان انقلاباً على نظامٍ سائد. ولم يُعرف تفاعل للسودان مع العالم الخارجي أكثر من الذي حدث على طول وعلى جانبي نهر النيل، الذي شهد حركة الهجرة الراتبة والطارئة والجيوش المغيرة والتجارة القاصدة . هذا وقد نشأت الممالك والعواصم على شاطئ النيل (دنقلا، مروي، سوبا، بربر، شندي، الخرطوم وسنار). وتقف الإهرامات والمعابد آثاراً باقية من أمم غابرة استطاعت جهود العلم والبحوث أن تفك بعض طلاسمها، و تبقى كثير من تفاعلات التاريخ في طي الغيب.
بناءاً على ما ورد ذكره فإنه يمكن أن ينطبق على أرض جمهورية السودان، تماماً اسم حوض النيل الأوسط، الذي يميل باتجاه عام من الجنوب للشمال. ويظهر الميلان بانحدار أكثر حدة في الناحية الشرقية(حوض النيل الشرقي) الذي يضم النيل الأزرق والأنهار التي تنحدر من الهضبة الاثيوبية، حيث تتدفق تلك الأنهار بقوة وسرعة واضحة، يمثله خور بركة، نهر القاش، نهر عطبرة، نهر الرهد، ونهر الدندر. أما النيل الأزرق الذي يمثل الرافد الأكبر للنيل مع صنوه النيل الأبيض، فينحدر كذلك ببعض الجسارة نسبة لانحدار الأرض في ذات الاتجاه. فمدينة الروصيرص التي تقع على خط 12 شمال ترتفع عن الخرطوم بنحو سبعين متراً . وقد تسبب ويتسبب انحدار النيل الازرق في الفيضانات المتكررة . وسمي بالأزرق لميل لون مائه الداكن بسبب ما تحمله المياه عبر إندفاعها من ذرات التراب. سر هذا الإنحدار هو الذي صنع الخزانات (الروصيرص وسنار) كما صنع مشروع الجزيرة، والآن، بعد تعلية خزان الروصيرص يجري التخطيط لترعتي كنانة والرهد اللتين ستنحدران في ذات الاتجاه. ويرفد النيل الارزق باخدار مماثل نهري الدندر و الرهد. ثم يليهما نهر عطبرة الذي يلتحم مع النيل الكبير. ثم تنحدر أنهار أخرى إلى الشرق منه إلى منتهاها داخل أرض السودان هما نهري القاش وبركة.
أما النيل الأبيض فيمثل أكثر أرض السودان انخفاضاً من مدخله عند منطقة جودة وحتى التقائه مع صنوه الأزرق عند مقرن الخرطوم. وينساب النيل الأبيض على مهلٍ، ويبقى انحداره في حدود السنتمتر الواحد في كل كيلومتر طولي . لترتفع بلدة جودة والتي تبعد نحو اربعمائة كيلومتر إلى الجنوب من الخرطوم، بما لا يتجاوز السبعة أمتار. أما غربي النيل الأبيض فتمثل أرض السودان سهلاً واسعاً، مع بعض الارتفاع النسبي والقسمات الجبلية في غرب السودان وتتمثل في منطقتي في جبال النوبة في كردفان وجبل مرة في دارفور، لتشكل هذه المرتفعات بعض خطوط تقسيم المياه الداخلية، مثل خور أبوحبل الذي يشق طريقه حتى يصل مصبه على النيل الأبيض في منطقة السيلة شمالي كوستي. هذا وهناك وديان داخلية في اتجاهات متفرقة في منطقة جبال النوبة ومرتفعات جبل مرة. كما يوجد في اقصى جنوب غرب السودان بحر العرب الذي يصب في النيل الأبيض في منطقة بحر الغزال. ثم ينبع واديا المقدم والملك في كردفان، ووادي هور يعبر نحو الشمال في اقصى شمال دارفور وكلها تتجه شمالاً، وتمثل أذرع أكثر اخضرارً وامتداداً للحياة في عمق الصحراء. وتمثل كل هذه الوديان وغدرانها، بل ومياهها الجوفية المتاحة شرايين لحياة الناس بزروعهم وأنعامهم. بيد أنه لا توجد حواجز او قسمات طبيعية تذكر بين السودان وتشاد، التي تمثل أطول الحدود الغربية مع السودان، غير منحفض وادي اسنقا الذي يمر شرقي بلدة أدري التشادية، وتنتشر على عدوتيه بعض القرى والبلدات السودانية ونظيرتها التشادية.
النيل هو الشريان الرابط الرئيس الذي ربط أرض السودان بالخارج، من الشمال والجنوب، وكمقصد من الغرب للشرق، حيث كان مرتكزاً في طريق الهجرة على مر القرون، وطريقاً للتجارة ولتحريك الجيوش. وذات النيل هو أهم شريان اقليمي يتسلسل من بين الهضاب في اقليم وسط وشرق افريقيا ليتجمع بكامله في السودان ثم ينساب يتلوى يصارع الجنادل ليعبر سهل السودان رابطاً منطقة البحيرات والهضبة الأثيوبية ومصر. ليس النيل وحده، فصحراء السودان جزء من الصحراء الكبرى التي صنعت أنماطاً متشابهة من الحياة بانسانها وحيوانها وثقافتها، ثم سهل السافنا الذي يمتد من أقصى غرب افريقيا ليصنع ذات الأثر، بل ليزيد عن الصحراء بكثافة الحياة فيه. يجد الدارسون لتاريخ السودان أن صادرات السودان للعالم، كانت ولا تزال تشمل الصمغ والغلال والحيوانات والجلود. وتنتاب كل الاقليم ذات المؤثرات الطبيعية، سراء وضراء.
وأرض جمهورية السودان، في بعدها الجيولوجي، بسماتها العامة المعلومة، تمثل مرتفعات البحر الأحمر امتداداً للصخور النارية الأساسية التي تكونت من النشاط البركاني في منطقة الأخدود الافريقي العظيم، الذي يمتد من الجنوب الافريقي عبر بحيرة ملاوي وتنجانيقا مرورا بكينيا عبر الهضبة الاثيوبية، مروراً بجيبوتي فأريتريا صانعاً البحر الأحمر. فالصخور حول عدوتي الوادي هي صخور نارية تمتد إلى السودان حتى منطقة العتمور في شمال شرق البلاد. كما تمثل جبال الانقسنا والجزر الجبلية (جبال موية وسقدى وغيرها) بين النيلين امتدادأً طبيعياً لها. كذلك الحال في جبال النوبة ومرتفعات جبل مرة، كلها امتداد للصخور النارية الأساسية التى هي امتداد لمنطقة البحيرات في وسط افريقيا. أما سهول السودان الوسطى فهي تمثل سهول رسوبية من فعل جريان الأنهار من الأزمان الغابرة. بينما يختلف التكوين الجيولوجي في منطقة الصحراء في الناحية الشمالية الغربية، غرب النيل والتي يسود فيها الحجر النوبي الرملي المسامي، والذي يعتقد أن تكوينه امتداد لعصور جيولوجية غطت فيها مياه البحر منطقة السهل في الصحراء الكبرى. ثم طبيعة تكوين التربة في المنطقة نتجت من نوع مختلف من عوامل التعرية، التي تتمثل في التعرية بواسطة الرياح والتي تتسبب في تكوين التربة والكثبان الرملية التي تميز المنطقة. فالأراضي الطينية القرينية في الشرق وفي الوسط بين النيلين هي وليدة الصخور النارية السوداء في منطقة الاخدود الافريقي والهضبة الاثيوبية. أما الأراضي الرملية في الغرب والشمال الغربي هي وليدة الحجر الرملي النوبي، وبين هذه وتلك تكوينات من العزاز والخرصان ناتج من تفاعلات المكونات الجيولوجية والمناخيةالمختلفة في العصور المختلفة .
وقد عرفت أرض السودان في حضارات وادى النيل القديمة منذ 1500 (قبل الميلاد) بغناها بمعدن الذهب النفيس. فأرض نبتة كانت تعني أرض الذهب وأرض النوبة تعني أرض الذهب. كما هو معلوم أن حملة محمد على باشا على السودان كان أحد أهدافها الحصول على الذهب، وقد اشتهر ذهب بني شنقول في أعالى النيل الأزرق، ويعرف عند البعض بالذهب السناري. فاسم السناري الذي يحمله بعض السودانيون يعني الذهب السناري. كذلك اشتهر ذهب شيبون، وهناك من السودانيون من اسمه شيبون ، الجبل المشهور في جنوب كردفان شمال شرقي مدينة كادقلي، ويحفظ الجيل السابق أغنية للمطرب الشعبي النعام آدم (دهب شيبون، القمر المضوي الكون). أيضاً عرفت مملكة مروي القديمة بالحديد، وسميت ببرمنجهام افريقيا. وقبل محمد علي كان قد استمر تدفق العرب لقرون عديدة، بما أدى لسيطرتهم وتوطيد نفوذهم في أرض المعدن . وتشير بعض منشورات شبكة المعلومات الدولية بأن اسماء كثير من البلدان السودانية مشتقة من مفردات تعني أرض أو وادي أو مكان أو جبل الذهب (شيبون، شنقول،) باللغات النوبية القديمة. فالذهب والحديد هي من المكونات الجيولوجية لأرض السودان، التي لفتت لها أنظار الطامعين. كما أن نيل السودان كان معبر رئيس نقل المستكشفين إلى وسط أفريقيا.
شعب السودان:
الشعب يعني السكان ، اي العنصر الإنساني الذي يمثل المكون البشري، الذي لا تكون الدولة إلا به ومنه. فهو عنصر الدولة وبعدها البشري الحي الواعي الفاعل لصناعة الدولة. وهو المحصلة الناتجة عن تفاعل وتصاهر المكونات البشرية في الرقعة الجغرافية. فمن هو يا ترى هو شعب السودان الذي يوجد على أديم وجه أرض السودان، واكتسب حق العيش والانتفاع بمكونات أرضه وموارده؟. فقد أشير سابقاً بأنه قد استمدت جمهورية السودان اسمها من لون شعبها. ويصبح الإسم رمزاً ودلالة على هذا الوجود البشري ومنتهاه وامتزاجه في أرضه.
كما ورد في معرض السرد عن إقليم دولة السودان التنوع البيئي الغني بموارده. ومع كثافة الحراك البشري فيه وفي الأقاليم المجاورة له، خاصة منطقة الجزيرة العربية إلى الشرق وشمال وشرق افريقية والقرن الافريقي، حيث جذب السودان إليه الهجرات البشرية من حاميين (الاعراق الزنجية) وساميين (عناصر العرب والاثيوبيين) وغير ذلك ، من حضارات مختلفة اسهمت في التماذج و التشكُّل العرقي والثقافي لشعب السودان. لقد أسهمت جغرافية السودان وأرضه في تشكيل السمات الاجتماعية للسودانيين، لتتشكل أصول السودانيين عبر القرون وينشئوا حضاراتهم التي يرصدها التاريخ، بنظمها المختلفة وقد نتج عنهم هذا الشعب السوداني الحالي. وقد أدى ذلك التفاعل في نشؤ ممالك السودانيين المذكورة على النيل (مروي، المقرة علوة، العبدلاب والفونج،) وفي المناطق المطيرة جنوب الصحراء (المسبعات، تقلي، الفور والداجو والتنجر) على النهيرات وموارد المياه. وما من عاصمة سودانية إلا وقد قامت على مورد ماء، وما من عاصمة إلا وأقام بين الناس فيها سلطان له الأمر والنهي. ولقد ظلت الهجرات عبر النيل ولفترات امتدت إلى أكثر من عشرة قرون هجرات لمجموعات صغيرة. كانت محصلة أثرها على المدى الطويل حتى نشأة مدن اربجي وسنار والحلفايا وقيام السلطنة الزرقاء ومملكة تقلي وممالك دارفور الإسلامية. فقد عرف العرب منذ وقت مبكر سعة المراعي التي تتمتع بها الأراضي حول النيل، فأقاموا نظماً رعوية تنتشر في الأراضي المطيرة في الفيافي وترتكز على النيل ووديانه في الصيف ومواسم الجفاف. ثم تمتد تجارتهم إلى مصر في الشمال وسواكن والمصوع على البحر الأحمر. وتمتد حركة الناس في السهل الأفريقي إلى الغرب، ثم تقوم بعض السلطانات الصغيرة بدافع تأمين القوافل التجارية إلى الهضبة الأثيوبية وإلى دارفور.
لأرض السودان والنيل وروافده ومناخها وتقاسيم الأرض وثرواتها المعدنية عظيم الأثر على تكوين شعب السودان وانتشاره في رقعة أرضه، وأن ذات الأرض )السودان) كانت مبعثاً للغزو لمن قبل مراكز النفوذ الخارجية لومن ثم التحكم. ف
الظاهرة الموسمية للمطر في حزام السودان ساهمت بقوة في حركة الناس للزراعة والرعي ووالمسالك للتجارة الهجرة والنزوح والحج، هذا لاغراض السلم. بل إن حركة الجيوش ظلت على تطاول الأزمان تتحين الظرف المناخي الملائم للتحرك والإقامة وتتخذ من النيل و روافده معابر أو مراكز لخدمة جيوشها وتزويدها بالماء. لا ينسى السودانيون أن كتشنر غزا ام درمان في شهر سبتمبر، موسم الدميرة (الفيضان)، والنيل في أعلى مناسيبه يرفع البوارج النيلية لتقذف قافذاته حممها على أم درمان وتهدم قبة الإمام. وقبل ذلك يذكر أن أبا قرجة استفاد من محدودية المياه بعد موسم المطر، ليتحرك بخيالته أمام جيش هكس المتحرك نحو الأبيض، عاصمة كردفان، وسيطر على زمام المبادرة بدفن الآبار، ليلقى هكس وجيشه حتفه في غابة شيكان. ويذكر كيف سلك الأمير أحمد فضيل النيل الأزرق لتعزيز أم درمان
وفي الجانب التجاري لا تزال تجارة المواشي والإبل تتحين موسم المطر لتتحرك نحو الأسواق على شاطئ النيل. وتتحين السفن ارتفاع مناسيب النيل لتتحرك أعلى أو أدنى النهر. ليس الماء وحده حتى الهواء ودرجة حرارته يسهمان في تكوين السودان. فالهواء الرطب السائد من هضبة البحيرات الافريقية الاستوائية والهضبة الاثيوبية يجلب المطر الذي يغذي النيل والمراعي ومناهل المياه. وعندما ينقص المطر ويسود الجفاف وتخيم المجاعات في حزام السودان تتحرك الهجرات الجماعية إلى أماكن مظان الماء والطعام. ويمثل النيل وروافد أكبر مقصد ومنتهى. فإن شهدت منطقة الجزيرة العربية رحلة الشتاء والصيف، فالسودانيون لهم كذلك مواسم للهجرة (حتى هجرة عصافير الخريف) يشهد رحلات ترتبط بمواسم المطر والفيضان. وقد شهد السودان الحديث تدفق اللاجئين إثر المجاعات والنزاعات من دول الجوار الشرقي ومن دول الجوار الغربي ليرتكزوا عند النيل وروافده. وفي الجنوب الشرقي رغم وجود الحاجز الجبلي للهضبة الأثيوبية،
ولشعوب الجوا ر تظل أرض السهل السوداني المجاور، محل انتاج الغلال مكان جاذب للتواصل بين عدوتي الأرض. أما في الشمال، فهواء الشمال البارد الجاف قد دفع المراكب الشراعية في بعض أجزاء النيل، وأسهم في زراعة محصولات مصر من العدس والبقل والبصل والحنطة (القمح)، كما اسهم في التواصل عبر الصحراء لتتحرك القوافل (في رحلة تماثل رحلة الشتاء والصيف) إلى العواصم جنوب الصحراء إن كانت هي الفاشر أو الأبيض أو غيرها نحو مصر ليبيا وتونس الخضرا. وتزخر قصص السودانيين الشعبية عن تونس الخضرا وعن دار فاس وعن بلاد النم نم (الكنغو)، بل إن حركة طلاب العلم وشيوخ الدين والحجاج قد ربط بين السودان والشمال الافريقي عبر الصحراء. ويستقصي كتاب تشحيذ الاذهان في سيرة بلاد العرب والسودان لمحمد بن عمر التونسي شواهد التواصل والتمازج. وكذلك إنتشار الطريقة التجانية التي من الروابط الدينية المؤثرة بين السودانيين وسكان الشمال والغرب الافريقي. ولا يزال فصيل من السودانيين يعرفون بالمغاربة، ولهم قرى ومشيخات دينية.
رغم الإنصهار الحادث وتشكل الشخصية السودانية من مكوناتها العرقية والاثنية، تظل الخلفيات تذكر للتعرف على جذور مكونات المجتمع السوداني، فهي تمثل الطبوغرافيا والأمشاج والخميرة الاجتماعية. ولا تزال هناك خصائص وسمات تظهر فيها قسمات المجتمع، بدءاً من لون البشرة وشكل الجسم وسماته العامة وقسماته إلى تقاليد الفصود والجراحة والوشم على الوجه وغير الوجه، يستكمله الإرث الثقافي من المسكن والملبس و الاكسسوارات، ثم يكون اللسان دليل على الأصول وعلى التثاقف بين الأصول والمكونات السلالية التي عمرت أرض السودان كان ناتجها شعب السودان الحادث الماثل بمكوناته الحادثة.
المكونات السلالية لشعب السودان:
إنّ ذكر المكونات السلالية للسودانيين ياتي على سبيل التعرف على الجذور التي رفدت المجموع البشري السوداني. فرغم مفهوم الدولة الحديثة التي يتساوى الناس فيها حقوقاً وواجبات، ورغم قِيَم الدين التى تقول أن الناس سواسية، ورغم المؤثرات العولمية التي تمد الجسور وتمحى الفوارق الثقافية والحياتية التي تسهم بصورة غير مسبوقة لتسوية القسمات العرقية، إن كانت على مستوى اللسان أو العلامات المصنوعة بقصد التمييز (الشلوخ وغيرها) أو طريقة تصفيف الشعر (الشعور المضفورة أو المجدولة ) وحتى الأزياء والاكسسوارات، التي أصبحت تصمم بواسطة بيوت الأزياء أو المجوهرات، إلا أنه لا تزال هناك طبوغرافية بشرية ماثلة في النفوس وفي الحياة السودانية وأحداثها. وهي لا شك تقسيمات عُرفية في كثير من أوجهها. فلا يمكن بأية حال تمييز الغالب الأعم من السودانيين بمجرد النظر لوجوههم وسمتهم، خاصة وقد اندثرت الشلوخ والوشم ، كما تساوت الازياء والاكسسوارات ، وزالت وتزولالفوارق بين الألسن، لتظهر لغة للتخاطب لا توصف أكثر من أنها لهجة عامية سودانية.
وكما أشير فيما سبق بأن عناصر الجغرافية والمناخ والدين والسياسة ساهمت في صهر هذا الشعب لسماته وقسماته الحالية، إلا أن الأعراق وكثير من القيم المصاحبة لها ظلت عوامل ماثلة في إبقاء سمات كثيرة، لا يزال يُحتفى بها في كثير من البقاع. وليس الزعامات القبلية ومجالس شورى القبائل ومنظماتها المدنية وأهل حلها وعقدها، إلا تضاريس عرقية ماثلة للعيان، لا زالت تعظم من شأن القبيلة. وأن لهذه الطبوغرافية البشرية، شأنها في البناء الاجتماعي من تواصل وتراحم، كما لها بالمقابل تاثير على السياسة الكلية للبلاد. هذا ولا ينفي أن لعوامل الدين والجوار الجغرافي والاقتصاد والثقافة ومؤسسات الدولة الحديثة هي الأخرى لها تاثير على بناء وشبكات النسيج الاجتماعي السوداني الأكبر الذي يستطيع السودانيون خارج حدود الوطن أن يميزوا به هويتهم أكثر ممن هم داخل الحدود، يعززه حمل الأوراق الرسمية.
على هذه الخلفية يأتي السرد للمسميات السلالية للسودانيين كمؤشرات للتكوين البشري لهذا الشعب، مع المؤثرات المصاحبة من التقاليد والمعتقدات والممارسات التي نتجت من التعايش على مدى القرون. هذا وربما تأتي دراسات جينية لاحقة لتبيان مدى اختلاط الاعراق في السودان و السهل السوداني.
المعلوم والمتعارف عليه أن الكيان البشري في السودان يتألف من أربعة مجموعات تمثل جذور التكوين البشري، هي: المجموعة الزنجية والمجموعة النوبية، المجموعة البجاوية، المجموعة العربية . وهذا التكوين يعطي السودان سمته البشري، الذي في ذات الوقت يربطه بما حوله من من الإقليم الجغرافي الممتد عربياً وافريقياً، والذي يضعه بامتياز ليملأ الفراغ ويكمل ألوان الخريطة في حزام الساحل والصحراء إلى غرب افريقيا، وشرقاً نحو الهضبة الاثيوبية والبحر الأحمر إلى القرن الافريقي وعلى طول حوض النيل إلى وسط وإلى شمال افريقيا، بل وعبر البحر الأحمر إلى المنطقة العربية. فالمجموعة الزنجية لا شك أنها مثلت مستودع الدماء السودانية (يقال قريبي دم ولحم) والذي طغى فيه لون البشرة السودانية وإلى القسمات الأخرى من الشعر وتقاسيم الوجه وسمات الجسم الأخرى، وقد أعطى هذا البلد اسمه (السودان). أما المجموعة النوبية، فإلى جانب دماؤها كانت هي البنية الاجتماعية والقاعدة الثقافية التي أقام السودان عليها حضارته وتاريخه وأوعية الحكم والاقتصاد والحضارة التي أذابت المكونات القديمة والقادمة إلى أديم ارض السودان عبر القرون. والمجموعة البجاوية هي الأخرى مثلت مستودع دماء وثقافة وحزام انتقال على تخوم البحر الأحمر في عدوة البحر الغربية التي تمتد بجنوباً حتى مصوع في اريتريا . أما المجموعة العربية فهي التي اضفات للدماء واللسان والدين، كما زادت وتيرة الحراك، بحكم الطبائع المترحلة في السهل والصحراء السودانية توطيناً واستغلال لمراعي السهول الممتدة.
من هذه المجموعات الأربعة الرئيسية تفرعت أسماء ومسميات من الشعوب والقبائل السودانية والبطون والأفخاذ والعشائر لتتجاوز المائة وخمسين مفردة من المسميات وتقسيماتها الأدنى. فالذي يتعرف على التقسيمات والمسميات يستطيع أن يجزم بأن هذه مكونات شعب وليست هي قبائل وعرقيات (نقية) منفصلة.
فالحقائق تشير إلى أن مكونات المجموعات الكبرى للمجتمع السوداني إلى أنها شعوب أكثر منها قبائل. فالجعليون على سبيل المثال هم شعب أكثر منه قبيلة، بل الجوامعة الذين يندرجون في تفصيلات المجموعة الجعلية هم كذلك شعب أكثر منه قبيلة، وكذلك البديرية والكواهلة ورفاعة والفور والرزيقات، والحمر والزغاوة، هذا فضلاً عن البجا والنوبة والفونج والداجو. كل ذلك ناتج من اختلاط الدماء والأعراق والتقاليد والانتشار الواسع في سهل السودان، وتبني عقائد وديانات وتبني أنظمة للحياة ومستوطنات بشرية، بل وحضارة في سياسة الحكم وتثاقف بين الناس لانتاج هذه الحياة السودانية التي يعيشها السودانيون ويقيمون عليها دولتهم المعترف بها عالمياً.
هذا ولا تقف المكونات السلالية لشعب السودان في فواصل وحواجز مطابقة لرسم الحدود السودانية، لكن كما هو معروف أنّ السلالة البشرية تعبر الحدود في كل الاتجاهات. ينطبق على الناس القانون الإلهي (وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءاً) . فالبجا يتمددون على طول ساحل البحر الأحمر شمالا وجنوباً إلى كل من مصر واريتريا واثيوبيا. وليس البجا وحدهم فقبائل الرشايدة والزبيدية يتمددون على طول البحر الأحمر ويعتبرون آخر الهجرات التي عبرت البحر الأحمر من الجزيرة العربية . وقد وقف الباحث على بعض الاشارات لارتباطات بين قبائل أولاد راشد والزبدة في غرب السودان عبر الحدود لدولة تشاد. ثم النوبيون في الشمال يتمددون مع النيل بين مصر والسودان، بل ويتمددون عبر السودان بذات الاسم وبسحنات مختلفة وبلغات يشير الباحثون أنها تنتمي إلى أصول مشتركة. وقبائل الهوارة والزغاوة والبديات والقرعان تمتد وتنتشر على عدد من دول الشمال الافريقي، وتأخذ مسميات مختلفة في البلدان المختلفة. وقبائل أعالي النيل الأزرق من بني شنقول يتمددون بين الدولتين الاثيوبية والسودانية.
أما غرباً فلا تمثل الحدود بين السودان وتشاد غير تقسيم إداري. فالقبائل العربية تتمدد بكافة مسمياتها، بل أن مثل مفردة العبدلاب التي تشير لعبدالله جمّاع القبائل، ذلك حلف و شعب أكثر منه قبيلة، و أن الرزيقات في الغرب هم حلف و شعب أكثر منه قبيلة وكذلك الزغاوة والمساليت والتاما والبرقو وغيرهم. ودولة افريقيا الوسطى تمثل امتداد بشريا متجانساً مع قبائل دارفور المتاخمة. وتشير الدراسات ويؤكد الواقع أن السودانيون يرتبطون ويتداخلون ويتشعبون بأمهاتهم أكثر من التجريد الذي ينتج عن انتقال أسماء الناس عبر آبائهم.
مؤثرات في تكوين الشعب السوداني:
تفاعل المكونات البشرية للسودان صاحبته ودفعته مؤثرات يمكن ان تّسمى ذات أثر خطير في تشكيل الشعب السوداني . فهناك من المفاهيم والأعراف والممارسات ما كان حاسماً في هذا التكوين الفريد لشعب السودان والذي كانت له نتائج عميقة في صناعة السودان وشخصية السوداني. وهذه تشمل:
موارد الأرض الطبيعية واتساعها والتنافس على استغلالها أو بالمقابل اتساعها ورحابتها للزراعة و الرعي والمهاجرين. الأنشطة الاقتصادية (التجارة، التعدين، الرعي، الزراعة، الاسترقاق،النهب،) والظواهر الطبيعية (موجات الجفاف والفيضانات، موجات الجفاف وشح المياه في مواسم الجفاف). فطبيعة المناخ الموسمية وطبيعة الأرض السهلية عززت الهجرة في مواسم الظعن والترحال. وكذا النيل ونظم الري . أما المعادن وعلى رأسها الذهب والحديد والنحاس والملح فقد كانت ولا تزال هي باعث للهجرات وباعث على الرغبة في موارد السودان . فقد عرفت أرض السودان من القديم بأنها أرض الذهب وأنها ارض المعدن وأنها برمنجهام أفريقيا، ولا تزال توصف بأنها سلة الغذاء في عالم يشتد فيه الجوع.
اللغة والدين والمعتقدات وما يصاحبها من حراك (الحج، الدعوة، الثورة، التعليم، التطرق وميراث الحكم). وقبل ذلك كان من تقاليد الحكم أن انتقال الحكم قد تمّ في بعض الأحيان في ممالك السودان من الملك إلى أبن البنت ثم انتقل بصورة مباشرة من إبن البنت (العربي) إلى إبنه وليست ابن بنته، هذا في السلالات العربية التي ورثت الحكم . وفي تاريخ الفنج أن الحكم ينتقل بقتل المك على يد سيد القوم، هذا بعد أن يقر الملك ويذعن وقت تنصيبه بهذا الإجراء قبل الجلوس على الككر (كرسي الملك). ومن مفاهيم الدين أن يبرز من يجدد للناس أمر دينهم، لا بد أن فكرة المهدي المنتظر كانت ذا أثر خطير، ساهمت في تكوين السودان الحديث. ومن تقاليد الحكم تجييش الجيوش وتحريكها، وقد فعل الخليفة عبدالله بتحريك قبائل الغرب وتسيير الجيوش للحبشة ولمصر، وقد فعل الحكم الثنائي من بعده في تأسيس قوة دفاع السودان ثم تسريحها. ومن سمات الحكم أن يفر الغالب (بأهله وحاشيته) من وجه المغلوب إلى ممالك وسلطنات الجوار فيستعين ويستقوى ويغزو فينتصر أو ينهزم. فقد فر بعض ملوك الفنج للحبشة(السلطان عبدالقادر ود أونسة) ،، ومعلومة قصة المك نمر مع الأتراك، وتقف بلدة المتمة الاثيوبية شاهداً على امتداد الشعب عبر الحدود. وحتى في عصرنا الحديث تسلل الانصار للحبشة ومقتل الإمام الهادي على الحدود السودانية الاثيوبية، كما قد فر بعض الزعماء في الشمال إلى مصر، وفر البعض الآخر لتشاد (رابح الزبير)، بل وإلى المنطقة الاستوائية ليعيش حتى الآن فصيل من سلالة الجيش السوداني في دول كينيا، يوغندا، والصومال يسمون بالنويين أو ((Nubi، وقد كان أبرز ظهور لهم عندما صعد الرئيس عيدي أمين دادا ، ذو الجذور السودانية إلى سدة الحكم في يوغندا. وكذلك كانت سلطنات وحكومات السودان تأوي المعارضين من سلطنات وحكومات الجوار. وكثير من زعماء دول الجوار الثوريين قد استقروا لبعض الوقت بالسودان. ويعرف أن فضل الله رابح السوداني أسس حُكماً في المنطقة المعروفة حالياً بدولة مالي. والفريق ابراهيم عبود استلم الحكم في ليبيا، بعد خروج الايطاليين، ريثما تستلم العناصر الوطنية الليبيبة الحكم منه. ومعروف أن رئيس الوزراء الاثيوبي السابق مليس زيناوي وكذلك الرئيس الاريتري اسياس أفورقي قد عاشا فترة في السودان وانطلقا من أرض السودان لمناهضة النظام الاثيوبي الحاكم. ولا يخفى أن الرئيس التشادي السابق حسين هبري انطلق من السودان وكذلك الرئيس التشادي الحالي ادريس دبي. وأن رئيس الكنغو السابق جوزيف كابيلا كان قد اتخذ السودان منطلقاً لنشاطه. حكي لي أحد الأصدقاء أنه كان عابراً بعض الدول لينفذ إلى دولة في غرب افريقيا.. وكان لا بد له أن يحصل على إذن عبور. وقد كان الإذن لمرور الأجانب يمنحه حاكم المقاطعة مباشرة. ذهب هذا المسافر وقابل الحاكم وعرّفه بنفسه أنه من السودان، فإذا به يحترمه ويقدره ويعرفه أن خدم لبعض الوقت ببوليس سكك حديد السودان وقد كان يقيم في عطبرة.كذلك توجد أعراف التحالف بين مكونات الشعب السوداني الأحلاف التي حدثت وتحدث حتى الآن. إذ يمكن القول أن العبدلاب هم حلف عبدالله جماع أكثر منه قبيلة وكذلك الفنج، ويمتد الأمر إلى قبائل الحمر والرزيقات والفور، يعزز الأمر عمليات التثاقف والمصاهرة والقيادة والعيش المشترك. بل ربما اختلطت أحياناً شجرة النسب وسلسلة الطريقة الدينية لتنتج قبيلة تروي قصة نسبها إلى جدها الكبير.
أما الحج فقد كان الشعيرة التي رفدت هذا القطر بقوافل الحجيج من غرب افريقيا، خاصة عندما شهدت دول وسواحل البحر الابيض المتوسط عهود من عدم الاستقرار والحروب ، وظلت الهجرات من غرب السودان وأطرافه. فقد كان طريق السودان أحد أكثر الطرق أوفر ماءاً و غذاءاً وأكثر أماناَ وسلاماَ نحو الأراضي المقدسة. ولم يكن فقط للممر، فقد شهد هجرة واقامة وتصاهراً ، تكشف عنه دراسات الجينوم البشري كأحدث نتائج التكنولوجيا البيولوجية.
التكنولوجيا (البندقية،السكة الحديد، تكنولوجيا المياه وأنظمة الري، النقل النيلي والإذاعة). أما التكنولوجيا الحديثة فقد كان لها أثرها البالغ في تشكيل السودان وتحريك مكوناته. فقد كانت البندقية الآلة الحاسمة في الفتح التركي حملات الدفتردار، كما كانت تمثل قوة الزبير باشا في بحر الغزال، وبها تمدد نحو دارفو، ومن بعده ابنه رابح حتى تشاد. ثم كانت قوات حمدان أبي عنجة التي تعرف بجهادية ابي عنجة أو قوات الكارا . وقد ورثت المهدية قوات ابي عنجة من قوات الزبير باشا. وقد كانت الفصيل الحاسم في معارك المهدية. ثم كانت ذات البندقية (النار عند سلاطين) هي الأداة التي قضت على الحكم الوطني للمهدية، ليفقد السودانيون اكثر من عشرة الف في ضحى يوم واحد، ثم القضاء على حكم علي دينار (وقد استخدمت الطائرة لأول مرة في القضاء على علي دينار في العام 1916)، والإبقاء على آثار المهدية متناثرة في الشرق والوسط والغرب. تلى ذلك تمدد السكة الحديد والربط بين مفاصل السودان. ثم تأتي نشأة مشاريع الري الكبرى وعلى رأسها خزان جبل أولياء (1907) وخزان سنار (1925) ومشروع الجزيرة وامتداد المناقل، ثم خزان خشم القربة والرصيرص ومشروع الرهد وطوكر والقاش، ومشروعات الري على النيل الأبيض التي حركت فصائل كبيرة ومؤثر من المكونات البشرية لتعمل داخل الرقعة المزروعة، ثم المدن التي قامت لخدمة تلك الاستثمارات. أما النقل على النيل فقد كان أكبر اثره على طول النيل الأبيض ومدنه المتناثرة بدءاً من القطينة والكوة والكنوز والجزيرة أبا وعلى رأسها مدينة كوستي. و تداخلت الثقافات المحلية في الأكل والشرب والغناء،حتى العاب الأطفال لتوصف بالأكل السواني والزي السوداني والغناء السوداني.
يلي ذلك تمدد السكة الحديد في مفاصل السودان في الفترة وقد بدأت السكة الحديد منذ عهد التركية السابقة (1876) في أقصى الشمال لتبلغ 5428 كليومتر ، بعد إنشاء خط سنار الدمازين وخط بانوسة واو في عام 1967 . وقد ساهمت السكة الحديد مساهمة كبيرة في نقل الناس بين أقاليم السودان المختلفة. وقد كانت السكة حديد تمتد داخل اقليم اريتريا إلى مدينة تسني بطول 53 كيلومتر . ويلاحظ أن السكة الحديدة اسهمت بصورة واضحة، بجانب مؤثرات أخرى في نماء مدن بورتسودان، عطبرة، سنار، بابنوسة ونيالا والقضارف. لتكمل شبكة الطرق والكباري التي نشأت بعد ذلك بقية المنظومة. وقد كان لدخول السيارة كبير الاثر في ربط فيافي وبقاع السودان. فقد اشتهرت اللواري الانجليزية التيمس والفورد والاوستين، لتدخل الشاحنات اليابانية من فئية النيسان و الزدواي منذ حقبة السبعينات وتمدد انتقالها حتى نيجيريا و افريقا الوسطى و غيرهما.
العادات والتقاليد القبيلة،الأعراق والمصاهرة والتعايش. ومشهورة قصة هجرة بني هلال وانتقال الحكم لسلالة أحمد المعقور. من أكثر فعاليات تمازج المجتمع السوداني في التصاهر هي تقاليد الزواج، وعلى راس ذلك تعدد الزوجات والذي توسعت فيه الأعراف الافريقية وحدده الإسلام بالنمط المعروف. ثم عادة التسري، وهو الزواج من الإماء. فقد رصدت الدراسات أن عظيم الفونج يحظى بأمة يتسراها وينجب منها ولي عهده. ولم يقتصر ذلك على الحكام، بل إمتد حتى زعماء القبائل والزعماء الدينيين. كذلك معلومة نظم التحالف بين القبائل لأغراض الحماية والمساندة (لكم ما لنا وعليكم ما علينا، وبيناتنا الملح والملاح). وقد تنتمي القبائل الصغرى أو الأضعف إلى القبائل الأكبر. ومن المعلوم لدى بعض القبائل السودانية أن الزوج يبقى مع أهل زوجته، وإذا فارقها يترك الأطفال يتربون لدى أخوالهم . كما أن من عناصر التمازج الطرق الدينية والصوفية التي كثيرا ما يتزوج التلميذ بنت شيخه ويرحل ليؤسس له ناراً للقرآن . وتذكر الروايات أن شيوخاً في الشمال والوسط والشرق ينتمون بامهاتهم لجد واحد.
أنظمة الدولة: التوظيف، النقل، تحريك الجيوش، التصدي للغزاة، التعليم، مشاريع الزراعة الكبرى، مشاريع التنمية الصناعية، مد وتعبيد الطرق. من أنظمة الدولة المؤثرة على تشكيل الشعب هي التوظيف والنقل حسب رغبة الدولة، إذا كان ذلك في قطاعات الجيش أو التوظيف المدني أو القطاعات العمالية, وقد كان للمهدية اليد الطولى في تحريك مجموعات كبيرة من الشعب. جاء من بعدها الحكم الثنائي الذي أعاد توظيف مكونات المجتمع في مدن أنشأها وعمّرها للغرض. ويشهد لهذه الحقبة تحريك الجيوش ثمّ تسريحها في مجموعات وإسكانها حسب رغبة النظام الحاكم (توجد أحياء تسمى الرديف في عدد من مدن السودان، ولقد كانت نواة سكانها هي قوات الاحتياطي المسرحة من قوة دفاع السودان. والكلمة هي RDF ، اختصاراً ل Reserve Defense Force ثم تحريك الموظفين والطلاب في كشوفات قبول ونقل موحدة من مركز الحكم في الخرطوم.
كل ما ذكر من أرض ومناخ وتفاعل بشري داخل أرض السودان أو في التخوم المذكورة ساهم في تشكيل شعب السودان، إلا أن دخول الأتراك كان أول خطوات اقليم السودان نحو تشكيل دولة السودان الحديثة. فعندما تولى محمد علي باشا، حكم مصر، بادر بالغزو المباشر بجيش حديث في العام 1821 بحثاً عن الموارد ، التي يطلبها لبناء امبراطوريته. لتسلك جيوشه ذات النيل وتفترع إلى فرقتين عند منحنى النيل، فتذهب واحدة إلى سنار والثانية تتجه نحو كردفان. تفرض جيوش محمد على سيطرتها على البلاد بقوة السلاح وتضع الأساس لأول دولة حديثة بحدودها المعروفة. ليمتد ذلك الحكم التركي المصري للسودان نحو خمسة وسبعين عاماً. ثم يقوم السودانيون، في أكبر عملية توحيدية، تجاوزت السلطنات المعروفة، في الثورة المهدية ليهزموا الحكم التركي المصري. ثم مرة أخرى يتم غزو السودان بجيش هجين، ليقضي على عشرة ألف سوداني في أم درمان، ويتم حكم السودان فيما عرف بالحكم الثنائي شراكة بين مصر وبريطانيا، ليمتد حتى بعيد منتصف القرن العشرين. وينتهي الحكم باعتراف دولي للسودانيين بدولتهم وحدودها في منظومة الدول الحديثة. ولقد رُسمت حدود خريطة السودان الحديث في عهد الحكم الثنائي. ويذكر أن كتشنر الذي قاد الجيش الانجليزي المصري الذي قضى على دولة المهدية، بأنه مسّاح، اهتم أول ما اهتم برسم خريطة السودان، وقد بنيت مصلحة المساحة وظلت حتى اليوم هي الأقرب لقصر الحكم في السودان، وتتبع لوزراة الدفاع. هذا هو السودان.
خلاصة:
هذا هي صورة للسودان، يؤخذ منها ويرد، بسماته الأساسية كأرض وشعب وحدود. الذي يحتل موقعاً وسطاً بين شرق افريقيا وشمالها وغربها، بحيث تنساب فيه المياه كما ينساب فيه البشر.. وقد استعرضت بعض المؤثرات والمحركات التي تجعل من السودان بوتقة كبيرة وحاوية لها محركات على مر العصور. ويستطيع السودان أن ينتمي جغرافياً وسلالياً لكل من شرق افريقيا وقرنها الكبير، وصحرائها ونيلها. كما يستطيع أن ينتمي لشمالها ومده الثقافي والديني ، كما ينتمي غرباً للمكونات البشرية والثقافية حتى ساحل الأطلسي. كما يمكنه أن ينتمي لأفريقيا جنوب الصحراء. وأن ارتباط أهله بالشرق والغرب والشمال وحتى وسط افريقا، وافئدة الزعماء والمعارضين والجيوش، تهوي إليه يجعله بوتقه ضخمة تنصهر عندها الأعراق السلالية والأنشطة الاقتصادية. وأن اتساعه راتقاً كل المساحة التي يحتلها بين الشمال والغرب والوسط والشرق، واحتضانه للنيل و إشرافه على البحر الاحمر، الممر العالمي بالغ الخطورة، يجعل منه دولة ذات خصائص تؤهلها للاقليمية.
مراجع مبحث السودان:
1. Ahmed Idha Salim, state formation in Eastern Africa
2. National Mining Association, Gold History, Washington, DC 20001
3. أ ج أركل، ترجمة عثمان أ عبدالرحيم، أصل الفونج 2003، دار عزة للنشر
4. افادة السفير الدكتور حسن عيسى طالب للباحث عن معنى كلمة تشاد التي تم نحتها من كلمة شط و قد كانت المنطقة تسمى الشط ( بحيرة الشط)
5. جمال حمدان، افريقيا الجديدة، دراسة في الجغرافية السياسية، مكتبة مدبولي
(طبعة 1996)
6. د. عمر أحمد قدور، شكل الدولة، المؤسسة العامة للطباعة والنشر والإعلان (انتشار)
الخرطوم 1997.
7. د. ك. ستيفنسون، الحياة و المؤسسات في أمريكا، مركز الكتب الاردني 1989
8. السير هارولد ماكمايل، السودان، ترجمة محمود صالح عثمان، مركز عبدالكريم
ميرغني الثقافي ، الطبع الثانية 2009
9. السير هارولد ماكمايل، ترجمة محمود صالح عثمان، مركز عبدالكريم ميرغني
الثقافي ، الطبعة الثانية 2009
10. الصادق عبدالله، بحث في التنمية الريفية، غير منشور
11. صلاح الدين الشامي، السودان، دراسة جغرافية الطبعة الثانية، دار بورسعيد للطباعة 1973
12. عبدالهادي الصديق، الحزام السوداني جغرافيته وتاريخه الحضاري مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي ام درمان 2005
13. فيصل بشير إمام ، معهد الدراسات الاضافية ، جامعة الخرطوم ، تطوير المواصلات
لخدمة التنمية في السودان 1968
14. القمص فيلوثاوس فرج، السودانوية مطبعة الحياة الجديدة الخرطوم 2009
محمد النور ضيف الله ، تحقيق يوسف فضل حسن، كتاب الطبقات في خصوص الاولياء و الصالحين ، سوداتك 2012
مكي شبيكة السودان عبر القرون
هارولد ماكمايكل، تاريخ العرب في السودان، ترجمة سيدعلي ديديان مركز
عبدالكريم ميرغني 2012
يوسف فضل حسن ، مقدمة في تاريخ الممالك الاسلامية في السودان الشرقي ، دار مصحف افريقيا، الخرطوم 2003


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.