"حلمنا أنْ يعود "طير الجنّة" الى شجرة الحرازة"، هكذا اختصر، لقمان أحمد، بن قرية الملم، ومدير مكتب "بي بي سي" بواشنطن، حلمه، الذي أراد تحقيقه، عبر منظمة "عودة الروح للتنمية". قالها وهو يعبث بأزرار البروجكتر بأصابعه. وينقل على حائط قاعة "طيبة برس" نهار أول أمس، صوراً لقريته "الملم"، شمال نيالا، المستلقية تحت سفح جبل مرة العظيم. أظهرتْ دماراً هائلاً، أحال المركز الصحي، والمدرسة والمسجد، والسوق الى خرابات. تسرحُ فيها الحمير والكلاب، التي يفوق عددها سكان القرية. وأحالتْ قرية "الملم"، على قول ابنها "لقمان أحمد"، الى "أكبر تجمع للكلاب والحمير" في السودان، بعد أنْ التحق غالب سكان القرية بمعسكرات النزوح البائسة، وواصل: "وهي دعوةٌ لمن يريد كلاباً وحميراً أنْ نُصدّر له"!! العنوان الأبرز للصور التي تخرج من معدة "البروجكتر، لتستلقي على الحائط المعتم، كانت ملخّصاً لرحلاتٍ قام بها لقمان، وعضوية المنظمة، الى قريتهم التي لم يهن عليهم حالها البائس. وهي التي كانت تحتضنُ في يوم ما سوقاً هو الأكبر بالمقارنة مع أسواق دارفور التقليدية، إذ تدخله أسبوعياً "150" عربة محملة بالبضائع، و"10" ألف رأساً من الماشية. هذا بجانب كون الملم بها قصراً للسلطان العظيم علي دينار. عليه فقد خططوا لإعادة الروح الى المدينة عبر خطواتٍ، ابتدروها بالمصالحات القبلية بين قبيلتي "الفور" و"البني منصور" باعتبارهما مكونات القرية الرئيسية. بجانب إعادة مشروع سوق الملم، وبناء ما تدمّر منه. ودعم المزارعين، وبناء مدارس القرية، ومركزها الصحي. توقف لقمان أحمد، وثبّت البروجكتر عند صورتين، أولاهما: المركز الصحي، الذي لم يتبق منه سوى حوائط ثلاثة متداعية، وبلا سقف. هذا المبنى كانت يتلقى فيه مرضى القرية العلاج من الأمراض العادية. وفيه أيضاً تلقى "لقمان أحمد"، وهو بعد صبياً "شليقاً" العلاج من حروقٍ أصابت يده اليمنى، وتركتْ آثارها على يديه الى الآن. يحملها معه بين الملم في دارفور، وبيت واشنطون الأبيض. أما الصورة الثانية، فقد كانت للمدرسة الغربية الابتدائية، والتي انقدحتْ أولى مواهبه الإعلامية، ملقياً لقصيدةٍ أعجب بها معلم اللغة العربية، ومهدياً إياه مجلة "بساط الريح" المصوّرة. وهو الاسم الذي انتقل معه في الثانوية، والجامعة، حيث كان يُحرر صحيفة تحمل ذات الإسم. مشروع إعادة الروح لقرية "الملم" الدارفورية، يستهدف دعم الرقعة الزراعية، وإعمار الحياة بالقرية، من مدارس ومساجد ومراكز صحية، وزراعة. حتى يعود "طير الجنة" الى شجرة الحرازة التي غادرها. حلم ذاتي، وخاص وبسيط، لا يتوقف عند انتظار مسؤولية الدولة. الآن تحول الى عمل جماعي، وابتدأ بعون ذاتي، أهلي، وعبر شراكات بمنظمات طوعية، يحلم بتغيير واجهة القرية من كلاحة الحرب. الى جمالها الأول الذي استفز يوماً ما، الفنان خليل إسماعيل، في واحدة من الرحلات الفنية لفناني "أمدرمان"، وأجبرته على الكتابة، والغناء: "في طريقنا لي غرب الجبل، فرحين نسينا الساعة كم، وشاهدنا أريل في الملم، يسبي القلوب يمحي الالم".