شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة سودانية صاعدة تستعرض جمالها وتصف نفسها بأنها (ياسمين صبري) فرع السودان    سَامِر الحَي الذي يطْرِب    التلاعب الجيني.. متى يحق للعلماء إبادة كائن ضار؟    شاهد بالفيديو.. أشهر مصنع سوداني يستأنف العمل بالخرطوم في حضور صاحبه    شاهد بالصورة.. وسط ضجة إسفيرية واسعة افتتاح محل "بلبن" بمدينة ود مدني بالسودان    مواعيد مباريات كأس العالم الأندية اليوم السبت 21 يونيو 2025    العدل والمساواة: المشتركة قدمت أرتال من الشهداء والجرحى والمصابين    يا د. كامل إدريس: ليست هذه مهمتك، وما هكذا تُبنى حكومات الإنقاذ الوطني    بحث علمي محايد    عضو المجلس السيادي د.نوارة أبو محمد محمد طاهر تلتقي رئيس الوزراء    السودان.. وفد يصل استاد الهلال في أمدرمان    "وثائقي" صادم يكشف تورط الجيش في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين (فيديو)    الجيش السوداني يعلّق على الهجوم الكبير    كامل إدريس وبيع "الحبال بلا بقر"    السودان.. كامل إدريس يعلن عن 22 وزارة    إنريكي: بوتافوجو يستحق الفوز بسبب ما فعله    "كاف" يعلن عن موعد جديد لانطلاق بطولتي دوري أبطال إفريقيا وكأس الاتحاد الإفريقي    هل ستتأثر مصر في حال ضرب المفاعلات النووية؟    إيران تغرق إسرائيل بالصواريخ من الشمال إلى الجنوب    "الكنابي": تهجير المواطنين بإزالة السكن العشوائي في الجزيرة والخرطوم تطور خطير    عندَما جَعلنَا الحَضَرِي (في عَدّاد المَجغُومِين)    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    الجمعية العمومية الانتخابية لنادي الرابطة كوستي    ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو والفوز بهدفين لهدف    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    السودان والحرب    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان العريض - دارفور والحكمة الغائبة! .. بقلم: بلّة البكري
نشر في سودانيل يوم 16 - 03 - 2014


[email protected]
مدخل
عزيزي القارئ، تحدثت عن دارفور في مقالي السابق. تتواتر الأخبار عن فظائع أمنية في دارفور (انظر مواقع التواصل الأجتماعي السودانية في الأنترنت - سودانيزاونلاين/ فيس بوك - وما كتب في هذا الشأن عما يحدث هناك). أنه اشعال لنار جديدة لا تبقي ولا تذر وقودها الأنسان المغلوب علي أمره هناك - المرأة والعجزى وكبار السن والأطفال والذين يعيشون أوضاعا مأساوية حتى قبل الأحداث الأخيرة. فمن يحارب من؟ وما هي قيمة النصر فى مثل هذه الظروف؟ ويحضرني هنا المثل الشعبي في وصف الحال هناك: "جفّالة وسوولها كركاب"! فمن أين يستقي سادتنا العسكريون الحكمة في إدارة البلاد وأزماتها؟ فالراعي يعرف بالفطرة خطل الكركاب للجَفّالة! والحديث هنا مجازي بالطبع. لأن دارفور مشتعلة أصلا منذ عشرة اعوام "تلهلب" النيران في أرجائها في أكثر من جبهة. فالحل هو في إيجاد أفضل طريقة لأطفاء النار هناك أو احتوائها وليس في إضرامها بصب مزيد من الزيت (الجنجويدي) عليها. وإن قال قائل كيف تطفئ الحكومة النار والثوار يشعلونها نقول لهم لم يكن ذلك الحال في ابوجا 2006 والدوحة 2012 عندما جلسوا للتفاوض وكانت الحكومة تلعب بالنار وتقسم المحاورين ظنا منها أن ذلك هو حنكة سياسية. فكم فرصة تريدها الحكومة قبل أن تتعلم الحكمة؟ هذا فضلا عن أن الأحداث الأخيرة، في بعضها، من فعل منسوبي الحكومة والذين، فيما ورد من أخبار، يبدو أن تفلتهم قد خرج عن سيطرتها فشقوا عصا الطاعة عليها نهارا جهارا وانفلت الأمر. (انظر بعض ما جاء في "رويتر" أدناه).
تقارير عالمية
جاء في افتتاحية (سودانايل) في يوم الأربعاء الماضي 12 مارس الجاري نقلا عن (رويتر) أن ((الولايات المتحدة قد استنكرت في الأسبوع الفائت تصاعد العنف في الآونة الأخيرة في منطقة دارفور بغرب السودان وقالت إن المدنيين "يتعرضون للتخويف والتشريد والقتل" على الرغم من وجود واحدة من أكبر بعثات حفظ السلام في العالم. وانتقدت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة سامانثا باور الحكومة السودانية وقوة حفظ السلام المشتركة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور والمعروفة اختصارا باسم يوناميد. واتهمت الخرطوم بعرقلة قوات حفظ السلام وقالت ان جنود حفظ السلام يجب أن ينتهجوا موقفا أكثر فعالية في حماية الناس. وقتل العشرات من الناس في دارفور في الأسابيع القليلة الماضية في اشتباكات بين متمردين وقوات الأمن. ويتهم منتقدون الحكومة بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الانسان بين الأقليات العرقية في المنطقة. وقالت باور في بيان صدر أثناء اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي بشأن دارفور "ما زال وكلاء الحكومة السودانية والجماعات المسلحة الأخرى يهاجمون المدنيين في دارفور." وأضافت قولها "ونحن نستنكر أحدث الهجمات في جنوب دارفور التي شنتها قوات الدعم السريع المدعوعة من الحكومة السودانية. وقد تسبب استمرار العنف في المنطقة ومن ذلك الاشتباكات التي وقعت في الآونة الأخيرة في شمال دافور. في تشريد ما يقرب من 120 ألف شخص منذ يناير كانون الثاني." وقالت السفيرة الأمريكية "على الرغم من وجود واحدة من أكبر عمليات حفظ السلام في العالم فإن المدنيين في دارفور ما زال يجري استهدافهم ويتعرضون للتخويف والتشريد والقتل."وقالت "تدعو الولايات المتحدة الحكومة السودانية الى الكف عن عرقلة .. يوناميد ونحن ندعو يوناميد الى تنفيذ تفويضها بنشاط أكبر من أجل حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية في انحاء دارفور).
دفن الرؤس في الرمال
أن ما يحدث في دارفور ينبئ بقصر نظر ولا مبالاة وخيمة العواقب. أنه امتهان للأنسان هناك وهدرٌ لحق أصيل من حقوقه الأساسية هو حماية الدولة له. وعلى مستوى آخر ما تقوم به مليشيات الحكومة ومنسوبيها المتفلتين يماثل اشعال النار في طرف بيت من القش مترامي الحيشان ولكنه يمتلئ بالعويش مما يسهّل سريان اللهب في كل أرجائه. الحكومة تراوغ وتذر الرماد علي عيون الشعب المقهور المغلوب علي أمره وتتنصل من وعدها بالتفاوض واعمال الحل الناجع. هي مسئولة تماما عما يحدث هناك لأنه من فعلها أو من عجزها عن الفعل. وقد وضح الآن أنها عاجزة تماما عن احتواء المشكلة التي صنعتها بيديها. أين هوالحل الناجع الشامل الذي وعدت الحكومة الناس بأن يثبوا معها لتحقيقه؟ السلاح ليس هو الحل سواء إن حملته الحكومة أو الثوار. الأحتراب هو وسيلة جبر الأطراف المتحاربة علي الجلوس للتفاوض فقط. الي متى تجهل هذه الحكومة الأبجديات؟ وكم ربع قرن آخر تريد حتى تتعلم أبسط قواعد الحكمة؟ هل تنوي مثلا فصل دارفور عن الوطن الأم كما فصلت الجنوب من قبل. وهل مثلث حمدي الذي حدثونا عنه في السابق سيظل أمرا واقعا مفروضا علينا فرضا بعجز الحكومة وتواطؤ حراس أبوابها من الطائفية؟ أنهم جميعا يدفنون رؤسهم في الرمال. اختشوا يا هؤلاء وكفى دفنا للرؤس في الرمال؛ فالتاريخ لا يمكن استغفاله.
تراكم الفشل
قلنا في السابق ونكرر الآن تكرارا لا نعتذر عنه: لقد انحدرت بلادنا الي قاع سحيق بفعل أو عجز أو فشل هذه الحكومة: فعلي سبيل المثال لا الحصر هناك حروباتٌ أهلية في ثلاثة جبهات علي الأقل تستنزف طاقة الدولة المالية علي شحها واقتصاد منهار لغياب التخطيط السليم واهدار بلايين الدولارات من أموال النفط وشح موارد الدولة الآن وسوء استخدام القليل الموجود منها بسبب الفساد المستشري علي كل المستويات. هناك غياب تام للتخطيط الأستراتيجي أدي الي انعدام التنميّة المستدامة وأنهيار قطاع الخدمات الأساسية مثل الصحّة والرعاية الأجتماعيّة والتعليم. أضف الي ذلك ضعفٌ مذري في مقدرة الدولة علي حماية الناس وممتلكاتهم والأمثلة لا حصر لها في النيل الأزرق وفي دارفور الآن وفي كردفان الكبري؛ بل وفي الخرطوم عندما اطلقت الحكومة نيران الذخيرة الحية علي المتظاهرين العزل في سبتمبر الماضي ومنهم تلاميذ المدارس لتزهق أرواحهم بغير قليل من اللامبالاة. بل لا زال القتل مستمرا فقد فقدت البلاد بالأمس القريب شابا آخر أعزل طالبا بجامعة الخرطوم – علي أبكر موس أدريس - في قلب الخرطوم حيث تم أقتناصه وقتله بدم بارد. هناك أيضا سياسة تكميم الأفواه التي ثبت فشلها في عصر العولمة وأمثلة هذه كثيرة مصحوبة بمصادرة الحريات العامة والتعدي علي حريات الصادحين بالحق في وجه المسئولين مثل ما حدث لشاب أعزل يقبع أهله في مخيمات النزوح في دار فور - تاج الدين عرجة - والذي اعتقل في ديسمبر الماضي بعد أن عبر عن رأيه بشجاعة فيما رأى أنه الحق في أمر دارفور ومسئولية الرئيس عنه. ولا زال هذا الفتى المقدام قيد الحبس فما هي جريرته؟ ولا ننسى الحصارٌ الدبلوماسي العالمي علي البلد والذي مبعثه سجل الدولة المتطرّف والنظرة المريبة لنشاطها في المحيط الدبلوماسي المحلي والعالمي. كما ولنا رئيس مطلوب دوليّا بواسطة محكمة الجنايات الدولية في لاهاي للأجابة علي تهمٍ بجرائم حرب في دار فور. وقد فصلّنا في مآلات هذا الوضع وتداعياته علي البلاد في المقال السابق. ثم مقاطعة اقتصادية جديدة من بعض دول الجوار مثل المملكة العربية السعودية والتي أمرت مصارفها بايقاف التعامل مع البنوك السودانية وما لذلك من تداعيات علي حركة التجارة وتحويلات النقد الأجنبي للبلاد. كل هذا ولا زالت حكومتنا تراوغ في أمر الحوار الشامل والذي تقول أنها اعدت له العدة واستعدت له وحشدت له منسوبيها من أحزابها الصديقة في قاعة الصداقة قبل فترة لتلقي علي مسامعهم خطابا مبهما في لغته ومقاصده. سمعوه في صمت مريب. ثم أصلحوا ملافحهم المزركشة وعمائمهم وتسالموا وتواددوا وانصرفوا في أدبٍ جم وكأنهم قد باركوا هذا الخطاب المبهم قبل دخول القاعة!
جدليّة المركز والهامش!
عزيزي القاري لقد تمت مناقشة (جدليّة) المركز والهامش في الصحافة الأسفيرية وفي مواقع التواصل الأجتماعي السودانية بما يملأ مجلدات. ودعني أتناول هذا الأمر الشائك، رغم تعقيداته، باختصار أرجو أن لا يكون مخلّاً. وذلك لما له من صلة لصيقة بما نحن بصدده هنا. هناك تقارب نراه الآن بين المؤتمر الشعبى والمؤتمر الوطني بعد خطاب "الوثبة" الشهير ناتج عن الشعور بأرهاصات زلزال قادم قوامه الشعب السوداني كله والذي تكشفت له الخدعة التاريخية. لقد بان الآن أنهم رأوا من الأفضل لهم أن يتوحدوا ليحكمونا مرة أخري ببهلوانات "حضارية" من نوع جديد! كيف للحضارة أن تقوم لها قائمة والمدارس ينعدم فيها الكتاب والكراس ومقاعد الجلوس؛ دع عنك فقر المناهج وتخلفها عن متطلبات العصر الحديث. كيف للحضارة أن تقوم لها قائمة وهناك نقص في المعلم وفقر في تدريبه المهني وافتقار للبيئة المدرسية في كل شئ - المباني والمسارح والمعامل والماء والكهرباء. وحتى لا ننجرف في باب آخر من قصور هذه الحكومة وخطل مشروعاتها الحضارية دعنا من هذا الآن ولنعد لدار فور وعلاقتها بجدلية المركز والهامش.
جاء في مداخلات أحد المشتركين في منبر حوار عام دار فيه نقاش حول هذا الأمر قوله: " لقد تسبب انفجار الوعى المفاجئ بالحقوق، والذى نتج بدوره عن إنفجار وسائل الإتصال وتدفق المعلومات، عن حراك داخلى كبير فى دواخل كل أفراد الشعب الذى كانوا من قبل مهمشين ومظلومين عبر كل الأزمنة. ويمثل مجموع هذا الحراك بركانا يغلى وسينفجر فى أى وقت ولأبسط الأسباب. ولو كانت الدولة راشدة وحكيمة وتعتمد الأسلوب العلمى لتفادت وقوع الكارثة القادمة بإعتماد إجراءات سريعة ليس أقلها ترك الحكومة للسلطة بصورة ممنهجة لممثلى الشعب الحقيقي. ولكنها أصغر وأجهل من أن تقوم بهذا العمل. ولن توقظهم سوى القارعة".
صحيح أن الواقع الأجتماعي السياسي في السودان كثير التعقيد. أحزاب السودان القديم هي كلها وجوه متشابهة في مكعّب متماسك تماما. المكعّب، كما هو معلوم، جسم له ستة أوجه: وجهان منها تحتلها الأحزاب الطائفية الرئيسية ووجهان لأحزاب الحكومة، الوطني والشعبي، وإن ظل االأخير مطرودا لفترة بدأت الآن في الأفق ارهاصات نهايتها ووجهان تزدحم بالمؤلفة قلوبهم من كل شاكلة. يقولون انّهم مختلفون ولكنهم مجرد أوجه لجسم واحد هو مكعَّب (أهل الحظوة)، المتعالي، الأقصائي، الذي يرفض بشدة أي تغيير جذري في خارطة السياسة السودانية في السودان خاصة إذا أتي التغيير بإنسان الهامش. وحجة الرفض في باطنها أمور شتي مسكوتٌ عنها وفي ظاهرها الشريعة وحكم الله في الأرض. والنتيجة هي تهميش غالب أهل السودان كما رأينا بفقه التمكين وخلافه بل ومحاربتهم بالسلاح إذا اقتضي الأمر كما حدث ويحدث في دار فور الآن وجنوب كردفان والنيل الأزرق وكجبار وبورتسودان وحتى الخرطوم. نعم، ليس كل من هو مركزي يمكن أن يوصف بأنه مستفيد من الوضع الراهن. بل يمكن القول أن هناك قلة تضاف الي بعض رموز السلطة المركزية الحالية والمجتمعين من حولهم من المؤلفة قلوبهم أو جيوبهم لا فرق. لكن المسألة أعمق من هذا لأنّ لها بعداً تاريخيا. إنّ السلطة المركزية الحالية كثيرا ما تشكل في وجدان أهل المركز (قيادات الطائفية علي الأخص) شرا مبرّرا، لأن البديل المتوفر الآن – في نظرهم - هو استيلاء حركات المقاومة المسلحة، ذات الأغلبية من الهامش، على مقاليد السلطة المركزية في السودان؛ وهذا في العقل الجمعي المركزي شعوريا ولا شعوريا يمثل شراً أكبر من الواقع المعاصر لأنه يهدّد جميع الأمتيازات التاريخية التي راكموها على حساب الهامش. أنهم بهذا الفهم القاصر تناسوا غالبية أهل السودان والذين يكتوون يوميا بقصور هذه الحكومة بل وبصلفها.
أهل المركز القابضين علي الأمر في الحكم والأدارة والوظائف العليا في الدولة علي مر التاريخ لا يعترفون بحق الهامش المتساوي مع حقوقهم. بل إنسان الهامش الأشعث الأغبر في مخيلتهم هو الشيطان نفسه. ولهذا فأي حراك من الهامش يقترب من أمر السلطة الحقيقية في المركز هو حراك"عنصري" في أدبياتهم وهم الذين يتفاخرون بأصولهم العرقية الخالية من الدم الهامشي الزنجي! هذا هو مربط الفرس. فأوصافهم المحِطّة علي مر التاريخ لكل من أتي من الهامش مثل علي عبداللطيف وقرنق وحسن حسين ومحمد نور سعد وكل أهل الجنوب الذين ساووهم بالحشرات بعض شواهد فقط علي النظرة الدونية المتأصلة في مخيلة هؤلاء للهامش وأهله. فهل نحن جميعا أهل بلد واحد؟ هذا سؤال مفتاحي. مثلث حمدي لم يأتِ من فراغ؛ بل هو مدعوم أدبيا بكل هذا الزخم العنصري المتعفِّن منذ مئات السنين. أنه المخطط الجديد لهيمنة أهل الحظوة علي كل دولاب الدولة حتى وأن أدّى الأمر لفصل الجنوب ( الذي فصلوه بالفعل) أو فصل دارفور. هناك هلع حقيقي الآن في المركز من أن الشيطان قادم. لأن ما حذرنا منه وحذر منه الكثيرون هنا من أن الحرب هي الخسران المبين قد تم تجاهله. والآن بدأت عجلتها في الدوران مرة أخري في دارفور؛ ولكن لا حياة لمن تنادي. والحكومة تصب عليها الزيت بدلا من اطفائها (انظر تقارير رويتر أعلاه). أما حراس أبوابها من قيادات الطائفية فهم مشغولون في أمرهم بورثة النظام والأعداد ليوم سقوطه خاصة وأنجالهم في قصر الحكم في فترة (ابرنتسشب) ربما بمخصصات وزارية. أو قل أن بعضهم متشاغل بأمور شتى حتى ينقضي هذا الأمر بخيره وشره فقد وصوهم الأجداد أن يبعدوا أياديهم الطاهرة من الفتّة الساخنة!
خاتمة
عزيزي القاري لقد آن أوان التغيير الآن وكفانا مذلّة. فلنا وطنٌ عريض حدادي مدادي وكادرٌ قيادي شابٌ ومُستقِّل عن القيود الآيدلوجية المستوردة من فقه التكفيريين ورصفائهم ممن أوردوا بلادنا موارد الهلاك. غابت الحكمة عن المشهد السوداني الحالي تماماً والذي في طريقه أن يماثل الوضع في سوريا – لا سمح الله. أقول هذا وقلبي وجلٌ علي وطني. لا سبيل البتة الي جلب السلام والسلم والحكم الديمقراطي الي السودان إلا بوقف الحرب ومفاوضة من حملوا السلاح بحسن نيّة؛ ثم تمثيلهم سياسيا في النظام الجديد الجامع بما يرضي طموحاتهم المشروعة. فمن قال أن الأنتفاضة الشعبية الشاملة كفيلة بذلك صدق، نظريا؛ أما عمليا فهي لا تضمن مشاركة الكل ووقف الحروب في بلادنا والذي لا يتم إلا بالتفاوض المسبق من خلال تمثيل سياسي ومشاركة فعّالة. والأمثلة علي ذلك كثيرة في تاريخنا المعاصر (قرنق ومنصور خالد ومايو 2 في الثمانينات). الحكومة ترفض التفاوض الآن وتذكّي نيران الحرب بجنجويدها في دارفور وألاعيبها في الخرطوم وبورتسودان وغيرها. أما اكروباتها الأخيرة في نهاية العام الماضي في شمال كردفان وقولها أنها ستقضي علي التمرد بدخول العام الجديد لا يعدو أن يكون تفكير رغبوي علي أحسن الفروض. طريق الحل الشامل واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار؛ يتطلب فقط بعض الحكمة والتواضع. أنه التفاوض ولا حلَّ سواه خاصة وقد علا سقف المطالب الآن في كل الجبهات مما يحول العملية برمتها الي ما يشبه التسليم والتسلم للشعب وممثليه المختارين. ونذّكّر الحكومة وسدنتها وحراس أبوابها مرة أخري بالمثل الشعبي "البخيت يشوف في غيره والشقي يشوف في تُولا"! أو بعبارة أخري: "رُبّ يومٍ بكيتُ منه فلما صرتُ في غيره بكيتُ عليه"! كل هذا اسمه الحكمة الشعبية البسيطة التي تركها لنا الأباء والأجداد والذين من نسلهم رجال من شاكلة مانديلا، فأين حكامنا وحراس أبوابهم من هؤلاء؟! الحل الشامل يكمن في إعمال العقل والحكمة وحسن النيّة. ثم لابد له من تفكير خارج الإطار مستفيدين من تجاربنا السابقة الفاشلة وما أكثرها؛ فكل تجربة فاشلة لا يستفاد منها تكرّر نفسها. ثم لابد من التبصّر في تجارب الآخرين ايضا ووعي دروسها. الأنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يستفيد ويتعلم من تجارب الآخرين؛ فمتى ما انتفت عنه هذه الخصلة أو غُيبت التحق بالحيوان؛ ولك، عزيزي القارئ، أن تقارن الفرق في مستوى العقل والحكمة بين الأثنين!!
"[email protected]"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.