أكدت مدينة كسلا بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ المقولة الشهيرة "لا كرامة لنبيٍّ في قومه" غير صحيحة في هذه المدينة المعطاءة، ودليلي على ذلك، ما شَهِدَتْهُ مدينة كسلا أول من أمس (السبت)، خلال تظاهرة كرنفالية لتكريم الأخ الصديق الشّاعر الغنائي المبدع إسحق الحلنقي، الكاتب الرّاتب في صحيفة "التغيير"، وهو واحدٌ من كبارِ شعراء الأغنية السودانيّة، ارتبط اسمه ارتباطاً وثيقاً بكسلا، مدينةً وعاطفةً ووجداناً. فلا غَرْوَّ أنْ ساق كلماتٍ خالداتٍ عن كسلا، وتغنَّى بها مطرب كسلا التاج مكي، وهي أغنية "حبيت عشانك كسلا" التي تنداح شعراً غنائياً رقيقاً، وعاطفةً وجدانيةً متقدةً، حيث يقول فيها: حبيب عشانك كسلا خليت ديار عشانك وعشقت أرض التاكا الشاربة من ريحانك فإسحق بهذه الأغنية لم يقتصر حبه على الحبيب الحِسِّي، ولكنّه امتدَّ إلى الحبِّ المعنوي، فأحب كسلاالمدينة، وتخلَّى عن دياره من أجل المحبوب، وعشق أرض المحبوب التي شربت من ريحانه. بينما اضطر الشاعر الغنائي الرَّقيق فضل الله محمد، إلى مغادرة مدينته، والبحث عن سكنٍ قرب المحبوب، إذ يقول في الأغنية الشهيرة للمطرب الرّاحل محمد مسكين: قول لي يا حبيبي شن بعمل وراكا انا احلم وامل في سرعه لقاك ولا اسيبا مدني واجي اسكن حداكا وفي رأيي الخاص، أن تكريم أهل كسلا لابنهم الحلنقي، كان تكريماً فخيماً، عرفاناً ووفاءً وتقديراً لما قدمه لهذه المدينة من جمالياتٍ جعلت لكسلا مذاقاً خاصاً، وموقعاً متميزاً في قلوب العاشقين. والجميلُ أنّ هذا التكريم زاوج بين تكريم حكومة الولاية برعاية الأخ الصديق محمد يوسف آدم والي ولاية كسلا، وقيادة الأخ الصديق محمد أحمد علي، وزير الثقافة والإعلام والشؤون الاجتماعية والشباب والرياضة، وكان خاتمة فعاليات التكريم بمسرح البستان غرب مدينة كسلا الذي شهد حضوراً كثيفاً، وبدأ بأوبريت "عزيز كسلا"، تأليف الأخ السفير معاوية التوم، وألحان عماد يوسف، بمشاركة غنائية من المطربين سيف الجامعة وعصام محمد نور وعصمت بكري، وكوكبة من المطربات، ريماز ميرغني وشموس وصباح عبد الله وإنصاف فتحي وفاطمة عمر، تتويجاً للأخ الحلنقي بين أهله ومواطنيه، وضيوفه شهودٌ على ذلك. ومما أبهج أهل كسلا أن هؤلاء المطربين والمطربات لم يكتفوا بأوبريت "عزيز كسلا"، بل قدموا نماذج من أشعار الأخ الحلنقي، التي تغنَّى بها كثير من المطربين، كباراً وصغاراً. وقد أدخل هذا الحفل البهيج كثيرَ سعادةٍ، وعظيمَ سرورٍ في نفوس أهل كسلا، وأعاد إلى ذكرياتهم أيامها الخوالي. وأحسبُ أنّ تكريم الأخ إسحق الحلنقي كان تكريماً مستحقاً، فهو الذي لم يتغنَّ بجمال نساءِ كسلا، أو روعة جبال التاكا، أو رقرقة مياه توتيل، أو هدير القاش، بل امتدَّ غناؤه ليشمل الطير الخداري، ودليلي على ذلك، أغنية المطرب الكبير علي إبراهيم اللحو التي كتب كلماتها الرائعات الأخ الحلنقي والتي تقول: قول لي يا طير الخداري قول لي وحياة حبنا وين رسائلك يا حليلا وين عيونك مننا نحن ناس بنعيش حياتنا الغالية بالنية السليمة وكل زول دايرين سعادتو بتشهد الأيام عليمة يا حليل كسلا الوريفة الشاربة من الطيبة ديمة فهكذا نجد أنّ الأخ الحلنقي يتغزَّل في كل شيءِ جميلِ بكسلا، وأحسب أنّ شعاره في هذا التغزل، قول الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي: وترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى فوقه الندى إكليلا هو عبء على الحياة ثقيل من يظن الحياة عبئاً ثقيلاً والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً أخلصُ إلى أنّ حفل تكريم الأخ الحلنقي، وجد رعايةً خاصةً من الأخ محمد يوسف آدم، والي ولاية كسلا، الذي أعلن عن جائزةٍ سنويةٍ تُقدَّم باسم الشاعر إسحق الحلنقي، في شكلِ مسابقةٍ شعريةٍ لكلِّ شعراء السودان، قيمتُها تصل إلى 50 ألف جنيه. ومن خلال هذه التظاهرة التكريمية، أزاح الأخ الوالي الستار عن تسمية أحد شوارع كسلا باسم إسحق الحلنقي، وهو الشارع الممتد من جامعة كسلا إلى الإذاعة في المدينة، كما أزاح الستار بهذه المناسبة عن دارِ اتحاد الأدباء والشعراء بولاية كسلا. وأكبر الظنِّ عندي، أن أهل كسلا تجاوبوا مع إعلان الأخ محمد يوسف آدم، مرحبين، بأن هذا العام سيكون عام الثقافة وتشجيع المبدعين في المجالات كافة بولاية كسلا، وكذلك أن المهرجان الثقافي السياحي سيكون مع فصل الخريف الذي يجعل طقس كسلا طقساً ربيعياً يتوق إليه كثير من السياح داخل السودان وخارجه. فكسلا موعودةٌ بمهرجانٍ ربيعيٍّ للثقافةِ والسياحةِ والتسوقِ، فلنهبُّ إليه زُمراً وفُرادى، مثلما يدعو الحجيج الموسم. ولنستذكر في هذا الخصوص، قول الشاعر السوداني توفيق صالح جبريل: كسلا أشرقتْ بها شمسُ وجدي فهي بالحقِّ جنّةُ الإشراقِ كانَ صبحاً طلقَ الُمحيا ندياً إذ حللنا حديقةَ الُعشاقِ نغمُ الساقياتِ حرّكَ أشجاني وهاج الهوى أنينُ السواقي