يفترض أن تكون حماية المستهلك نوعا من التنظيم الحكومى والأهلى يعمل على حماية مصالح المستهلكين، خاصة في الأمور المتعلقة بقضايا السلامة والصحة العامة والمنتجات الغذائية أو حتى الخدمات التى توفرها الحكومة أو المجتمع المدنى بجمعياته المختلفة ذات الاختصاص وذلك لحماية المستهلك من عمليات الغش التجارى أو الاستغلال بصورة غير مشروعة أو بتقديم خدمة عن طريق الاحتكار أو الاذعان لظرف ما. وتعد حماية المستهلك مسئولية مشتركة بين ثلاثة أركان تتمثل فى الدولة ومنظمات المجتمع المدنى والمستهلك نفسه ، للحيلولة دون التلاعب بالسلع والخدمات التى تقدم للمستهلك من عدة جوانب منها التلاعب بالأسعار أو الخدمة وصولآ لسلامة المنتج المقدم من حيث الأسعار وصلاحية الانتهاء، وكل ذلك بهدف تصحيح مسارات العلاقة بين المنتج والمستهلك وكخط دفاع عن المستهلكين، وأحيانآ المنتج نفسه كأحد واجبات الدولة والمجتمع تجاه المواطنين. كما يتطلب الآمر حماية المنافسة بين المنتجين، ومراقبة التراخيص بالإضافة إلى توعية المستهلك. ويتطلب عرض المنتجات للمستهلك أحيانآ استخدام فنون التسويق والإعلان للترويج للسلع أو الخدمات ، ومنها عرض ما يسمى بالتنزيلات أو التخفيضات، حيث تفرض كثير من الدول فى العالم من وزارتها المختصة والجهات الرقابية استصدار تراخيص للتنزيلات ومراقبة المحال التى تجرى تخفيضات عامة على الاسعار أو بعض السلع، من حيث فحص مستندات البضائع وفواتيرها للتأكد من جودتها الصحية ومصدرها وكيفية دخولها للسوق. ويجدر بالذكر أن الحصول علي ترخيص التنزيلات يتتطلب مدة لا تقل عن الأسبوعين لاستيفاء الفحص اللازم قبل دخوله حيز التنفيذ مع أخذ عينات فعلية لمعرفة مطابقاتها لمعايير الجودة . وهذا من حيث الإجراءات الشكلية، غير أن جمعيات المجتمع المدنى تنشط فى هذا الموضوع من جانب آخر متمثل فى معرفة مصادر هذه البضائع، وعما إذا كانت قد سبق أن رفضت من قبل دولة آخرى، ومعرفة أسباب الرفض، والتي قد تكون بسبب تعرضها لأشعة أو تلوث كيميائى، أو لعيوب تصنيع داخلية، أو لقرب حلول تاريخ إنتهاء الصلاحية، أو المفارقة في السعر المعروض بسعر التكلفة الحقيقى حتى ولو كان بدون هامش ربح وغير ذلك من الأسباب. ونشطت في العقود الأخيرة، وعلى مستوى العالم، أنواع من التجارة سميت بتجارة نفايات السلع، وهي تستهدف أسواقا بعينها ذات خواص محددة. ومن أهم تلك الخواص أن يكون أمر حماية المستهلك أو حتى قانونه فى تلك الدول المستهدفه من الامور الغائبة تماما، أو المستحدثة أو أن تكون قليلة الخبرة والممارسة الكافية لكشف أنماط الغش التجارى المختلفة، وأن تكون تلك الدولة المستهدفة ضعيفة الرقابة على أسواقها. وكذلك تنشط تجارة نفايات السلع حيثما توجد نزاعات على الحدود بحيث يسهل استغلالها كمداخل لتهريب البضائع ، وتكثر أيضا في الدول التى تعانى من ضعف الاقتصاد أو تلك التي تجتاحها المجاعات، وكذلك الدول التى ينخفض فيها مستوى دخل الفرد، والذى يسعى لتوفير قوته بأقل تكلفة ممكنة مجبرا فعليا عن التغاضي عن معايير الجودة والسلامة العامة. وتعد تجارة نفايات السلع هى أحد أنواع الاقتصاد الخفى (أو ما يسمى بغسل الأموال)، والذى غدا ينمو ويطور من أساليب استخدامه بصور متسارعة تفوق كل محاولات الرقابة عليه ومنعه. ولا شك أن مكافحته تتطلب تعاونا دوليا وإقليميا حماية للمستهلك من أضرار الغش التجارى، والذى أصبح يتبدى في عدة أوجه منها تعديل تاريخ الصلاحية بتقنيات عالية يصعب كشفها، ووجود عيوب داخلية فى المنتج لا يكون واضحة للمستهلك (مثل التلوث الكيميائى والإشعاعى) . وكذلك يمكن أن يستغل بعض التجار سياسة "الإفراغ" التى تتم فى بعض الدول التي تعير بعض الأهمية لصحة وسلامة منتجاتها، وذلك بتفريغ المنتجات التى قارب إنتهاء صلاحيتها بإعادة تصديرها لدول آخري بطرق شرعية أو غيرها وذلك بحساب أن تكلفة شراء هذه المنتجات وتصديرها لدول أخرى يحقق عائدا لسلع تعد في الواقع من النفايات، ويمكن بالتالي عرضها بسعر يعتبر رخيصا بالمقارنة مع تكلفتها أو مقارنه بسعر التضخم فى تلك الدولة. لابد أن ظاهرة إغراق الأسواق ببضائع تحمل تنزيلات عالية فجائية تثير الإنتباه (والعجب أيضا) خاصة إذا كانت منتجات استهلاكية كالأطعمة، حيث أنها من الآمور التى يجب أن تخضع لدراسة حسابية بسيطة بين نوع المنتج ومعدل الطلب عليه فى السوق، فعادة ما يستغل التجار عملية شرائهم لسلع كثيرة للحصول على خصم فى السيولة النقدية من المنتج، وبالتالى ينعكس هذا الخصم على سعر السلعة المعروضة للمستهلك ولكن بدرجة من المعقولية والمنطق الحسابى بين تكلفة المنتج الحقيقية وهامش الربح. ولهذا السبب لا تؤدي هذه التنزيلات إلى إحداث خسائر للتاجر. كما تكون أحيانآ التخفيضات بغرض تغطية سلعة أخرى، أى دمج سلعة قارب تاريخ إنتهاء صلاحيتها مع سلعة أخرى مثل سكر مع شاى، وصابون مع مبيض. وعادة ما يرافق ظاهرة إغراق الأسواق بهذه البضائع المواصلة فى عرض إعلانات التخفيضات كأحد المؤثرات السلوكية للمستهلك خاصة من فئات محددة ، ومجتمعات تعوزها ثقافة الترشيد بصورة عامة. وكذلك نجد أن هذه التنزيلات للمستهلك لا تحقق من الناحية الاقتصادية أي نفع حيث أنها عملية محسوبة وجميعها تقع فى نطاق التجارة وفن التسويق، وقد تكون محكومة فى كثير من دول العالم وبعض بلدان الشرق الاوسط بما يسمى "قانون البيع بالأسعار المخفضة". غير أن الأمر الذى يثير القلق هو خلط مفاهيم وسائل التسويق وتصريف البضائع المشروعة مع الغش التجارى (مثل تجارة نفايات البضائع). ولهذا تقع على جمعيات حقوق المستهلك مراقبة ما يجرى فى أمر هذه التنزيلات وذلك حفاظآ على صحة المستهلك وسمعة الدولة التى يمكن أن تعرف بأنها "دولة نفايات" بداية من الأطعمة إلى الأسلحة النووية! يشوب الحلول والمعالجات فى "دول نفايات البضائع المعيبة" إن جازت التسمية ، كثير من التعقيدات، فالمعالجة لا تأتي غالبآ من الدولة، لأنه حينها تكون مسئولة عن دخول البضائع للدولة بالمواصفات المحددة سواء بطريقة رسمية أو غير رسمية فكلاهما يقعان تحت طائلة مسئوليتها، غير أن دور منظمات المجتمع المدنى هو الأكثر أهمية، فعليهم يقع عبء التصدى لمثل ذلك الغش التجارى، ليس فقط من خلال المستهلك الواعى المقتدر ماديآ، بل من جميع المستهلكين. فهنالك – كما هو معلوم- فئات مستهدفة أقل وعيآ مثل المجتمع الريفى وفئات المجتمع الفقيرة والأطفال كذلك، حيث أنه من خلال عدم الوعى يتم التركيز على شكل البضائع المستوردة ( فتبدو جميلة الشكل ورخيصة الثمن) ولكنها تكون حاملة في داخلها أمراضا مزمنة وقاتلة لا قبل للفئات الضعيفة أو حتى الغنية بعلاجها ناهيك عن عدم قدرة الدولة نفسها على توفير العلاج لها. ليتنا ندرك أن طعاما بائس المظهر ولكنه طبيعي المصدر وصحى خير من طعام مستورد "فاخر" المظهر قد يخفي في جوفه من مسببات الأمراض ما الله به عليم. [email protected]