كنت حريصا هذه المره وأنا اقضي عطلة نهاية الاسبوع في شندي ان اكون احد ركاب قطار النيل الجديد الذي يربط بين الخرطوموعطبرة عاصمة الحديد والنار والعاصمة التاريخية لسكك حديد السودان في رحلتين صباحية ومسائية بعد ان تزايد الطلب والاقبال على السفر بقطار النيل ، وصلت الى محطة بحري في الثامنة صباحا اي قبل موعد الرحلة بساعة كاملة ولم يساورني شك في ان أجد تذكرة للسفر ولم استعجل الذهاب الى شباك التذاكر ،وجال بصري في صالة الركاب وهي اشبة بصالة المطارات من حيث النظام وطبيعة المقاعد ونظام الاذاعة الداخلية التي تبث التنويهات المتعلقة بالرحلة الحالية والقادمة ،ومبنى محطة بحري واحدة من انجازات المهندس حسن خليفة المدير الاسبق لهيئة سكك حديد السودان وهو واحد من المديرين الذين تركوا بصمتهم في الهيئة ويذكره عمال السكة حديد دائما بالخير ، وكان مبنى محطة بحري انطلاقة لرحلات قطارات الركاب المتجهة الى الشرق والغرب والشمال ، وبعد ان ادرت بصري من على الصالة وصًًوبت نظري تجاه نافذة التذاكر وجدت قليل من الزحمة عليه وقلت انها تجربة جديدة وان الاقبال المتزايد قد يفسد الترتيبات الموضوعة من قبل الادارة ، واقتربت قليلا من النافذة واذ بأحد الركاب وتبدو عليه علامات الآسى يقول ان التذاكر لهذه الرحلة قد نفدت ومن اراد السفر على قطار النيل ان ينتظر الرحلة المسائية او الصباحية في الغد ، ولم يكن هذا الامر محبطا بالنسبة لي رغم من انني هيئت نفسي للسفر بالقطار في اول رحلة بعد تدشينة في شهر يناير الماضي ،وجدت شبابا يديرون الامر استعدادا للرحلة بين مكاتب الحجز والصالة والقطار الذي يرابط عند بوابة الخروج في الجهة الشرقية من المحطة ، إلتقط بعضا من تلك الاسماء التي تعمل بهمة ونشاط مثل علاء الدين ومعتز ودومة وغيرهم استعدادا لانطلاقة الرحلة الى شندي ومن ثم الى الدامروعطبرة. وبدأت الرحلة البحث عن تذكرة من تذاكر بعض الركاب الذين تخلفوا عن الرحلة وكان علي ان انتظر ومعي اخرون لنكون من المحظوظين بهذه الرحلة بعد ان ضعف الامل بنفاد التذاكر وتجدد مره اخرى بسسب الذين تخلفو عن الرحلة ،وفعلا جاء الفرج وقدم لنا الموظف المختص التذاكر بعد اخذ الاسماء وسجلها على الجهاز الحاسوب والتذكرة تحوي اسم الرحلة ورقمها ومقصدها واسم العميل ورقم التذكرة وسعرها ورقم العربة ورقم المقعد وكل شيء منظم ، طريقة الصعود القطار من الصالة عبر بوابة الاكترونية لتنظيم عملية الركوب وتفادي الزحمة ومضايقة النساء والاطفال والمسنين ،تتم العملية بكل سهولة ، وتأكدت الجهات المختصة من إكمال عملية الانطلاقة الرحلة الى شندي وعطبرة في التاسعة تماما ،فأطلق القطار صفارته الاولى بعد ان اخذ كل راكب مكانه في مقعده المخصص في عربته المحدده ، وإنطلق القطار في إتجاه الشمال واعاد تلك الذكريات القديمة حيث كان رحلات القطار واحدة من ممسكات الوحدة الوطنية وتعارف الناس وبعضها تتطور و اصبح صهرا ونسبا وكان القطار قبل الاذاعة السودانية قد ساهم وبشكل كبير في تشكيل الوجدان السوداني ،ورسم لوحات شعرية وقصصية وكان له نصيب كبير في الاغنية السودانية ، وبدأ الجميع يتذكر في تلك المحطات التي كادت ان تندثر ولولا قطار النيل الذي نفض عنها الغبار واعادها الى ذاكرة الناس من جديد ،ورأى الجميع محطات الكدرو والجيلي وجبل جاري والرويان وبانقا والقوز وشندي وبقية المحطات الى نهاية الرحلة في عطبرة تدب فيها الحياة من جديد بفضل قطار النيل . وكان حديث الناس داخل القطار عن مميزات هذا القطار ومواصفاته ، المقاعد المريحة والخدمات التي تتوالاها مضيفات من طراز مضيفات الطائرات ومبردات المياه ودورات المياه الحديثة والاستمتاع عبر نوافذه بالمناظر الطبيعية من سهول وجبال واراض زراعية ،والحديث يتواصل عن السفر بالقطار باعتباره نقلا آمنا خاصة بعد تكرار حوادث البصات السفرية والموت الجماعي على الاسلفت ،ومن الغرائب وجدت احد الذين يعملون في البصات السفرية (كوموسنجي) يسافر بالقطر وقال ان هذه رحلته الرابعة بالقطار ، وقال ان الاقبال على السفر بالقطار تجاوز السفر الفردي والاسري الى سفر الفرق الرياضية والسيرة والرحلات العلمية للطلاب ، وطلاب الجامعات في جامعة شندي وجامعة وادي النيل في عطبرة ، واثناء تجوالي داخل عربات القطار وجدت عددا من الصحافيين في هذه الرحلة ووجدت الاستاذ السموأل عوض السيد وهو مسؤول امانة التدريب في اتحاد الصحافيين وهو يرتدي جلابية ويضع طاقية على رأسه بإهمال ويتصفح عددا من الصحف وهو مستمتع بالقراءة وهو متجه الى مسقط رأسه في بربر ،ووجدت ايضا الصحافية إسلام الطاهر من وكالة السودان للانباء ومعها بناتها الصغار لقضاء جزءا من الاجازة الصيفية في مدينة عطبرة ومن الصحافيين ايضا الاستاذ أمير كعوك وهو متجة الى المتمة حيث أسرتة الصغيرة هناك ، وهذا الوجود الكثيف للصحافيين دون الكشف عن هويتهم في مثل هذه الرحلات دليل على تحقيق المتعة الشخصية في مثل هذه الرحلات والابتعاد عن السفر التقليدي بالبصات والسيارات الخاصة ، والابتعاد عن الهم اليومي في ملاحقة العمل الصحفي بكل اشكاله ، وهذا لايعني ان الحس الصحفي يظل في حالة بيات وبمجرد وقوع الحدث او الشعور بان هناك أمر فان كل الحواس تكون في حالة استعداد خاصة الحاسة السادسة ،ولا أظن ان حال الصحافيين الذين اخفوا هويتهم في هذه الرحلة اوغيرها سيكونون مثل ذلك الصحفي الذي بعثه رئيس التحريرفي مهمة عاجلة واستغل القطار لتلك الوجهة ولكن في صباح اليوم التالي وجده رئيس التحرير في صالة التحرير وبادره بسؤال الم تسافر امس ؟ فرد عليه ذهبت بالقطار ولكن تعرض القطار لحادث وعددله الحسائر البشرية والمادية ، فنظر رئيس التحرير ولم يجد الخبرفي الصحيفة ،وكان القرار الاول والصائب هو طرده من الصحيفة على كل كانت الرحلة جميلة وأعاد قطار النيل لمحطة شندي ألقها وبهائها وحيويتها وهي تعج بمأكولاتها المميزة وفواكهها ،وجلاليب وشالات الدمور العريقة .