د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفة القيم الاسلاميه بجامعه الخرطوم [email protected] تمهيد: هناك ثلاثة مذاهب في الفكر الاسلامى الحديث والمعاصر، حول إثبات دلالات الأحاديث الواردة في اشراط الساعة ، كخروج الدجال وظهور المهدي ونزول عيسى (عليه السلام) ... مذهب النفي المطلق: المذهب الأول يقوم على النفي المطلق لكل الدلالات التي تشير إليها الأحاديث الواردة في اشراط الساعة ، لأنها أحاديث آحاد، وهو ينكر حجية أحاديث آحاد ، بحجه إنها ظنيه الورود ، ولا يجوز الأخذ بها في العقائد. غير أن هذا المذهب يتناقض مع إجماع علماء أهل السنة على أثبات حجية أحاديث الآحاد (اى كونها ملزمه) ، يقول ابن بطال ( انعقد الإجماع على القول بالعمل بأخبار الآحاد )( فتح الباري: 13/321)، ويقول الخطيب البغدادي (وعلى العمل بخبر الواحد كافة التابعين ومن بعدهم من الفقهاء في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا، ولم يبلغنا عن أحد منهم إنكار لذلك ولا اعتراض عليه، فثبت أن من دين جميعهم وجوبه، إذ لو كان فيهم من كان لا يرى العمل به لنقل إلينا الخبر عنه بمذهبه فيه ) (الكفاية : ص 72) ، كما أن هذا المذهب يرتب على إقرار المذهب الراجح لعلماء أهل السنة ، والقائم على أن أحاديث الآحاد ظنيه الورود إنكار حجيتها ، بينما لم يرتب هذا المذهب هذه النتيجة على هذا الإقرار بظنية ورودها، بل رتب عليه نتيجة أخرى ، هي كونها ادني في درجه الحجية من الأحاديث المتواترة ، دون إنكار حجيتها.. كما انه هذا المذهب يقول بالنفي المطلق للأخذ بأحاديث الآحاد في العقائد، بحجه ان هناك مذهب لعلماء أهل السنة، يرى أن أحاديث الآحاد توجب العمل دون العلم، لكن هذا المذهب يتجاهل حقيقة أن مذهب علماء أهل السنة لا ينفى إيجاب أحاديث الآحاد للعلم مطلقا ، بل ينفى أنها توجب العلم بدون قرائن، ويرى أنها تفيد العلم لكن بقرائن ، ممثله في ما وافقها من القران والأحاديث المتوترة ، يقول ابن فورك في شرح النخبة (.. وقد يقع في أخبار الآحاد العلم النظري ولكن بالقرائن). مذهب الإثبات المطلق : المذهب الثاني يقوم على الإثبات المطلق لكل الدلالات التي تشير إليها الأحاديث الواردة في اشراط الساعة ، اى اعتبار هذه الأحاديث ذات دلاله قائمه بذاتها، لأنه يثبت حجية أحاديث الآحاد، ويرى أنها تفيد القطع ، وهذا المذهب يتسق مع إجماع علماء أهل السنة على إثبات حجيتها ، لكنه يتعارض مع المذهب الراجح لعلماء أهل السنة في كون أحاديث الآحاد ظنيه الورود " وبالتالي فهي ادني في درجه الحجية من الأحاديث المتواترة لأنها قطعيه الورود" . يقول الإمام النووي ( ... والذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول ، أن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع يلزم العمل بها ويفيد الظن ولا يفيد العلم ... ) (شرح صحيح مسلم : ج1ص131 ) ، ويقول الإمام الكراماستى (وخبر الواحد لا يوجب علم اليقين ولا الطمأنينة بل يوجب الظن )( الوجيز في أصول الفقه: 52 المرصد السادس في السنة)، ويقول الإمام الرازى ( إن خبر الواحد إما أن يكون مشتملاً على مسائل الأصول وهذا باطل، لأن تلك المطالب يجب أن تكون يقينية وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن )( المعالم في أصول الفقه: 47 الباب الثامن في الأخبار: المسألة الرابعة) ، ويقول الذهبي ( وفى ذلك حض على تكثير طرق الحديث لكي يرتقى عن درجة الظن إلى درجة العلم، إذ الواحد يجوز عليه النسيان والوهم )( تذكرة الحفاظ: 1 / 6 ت: 2 عمر بن الخطاب). مذهب الإثبات المقيد: المذهب الثالث يقوم على الإثبات المقيد" المشروط" للدلالات التي تفيدها الأحاديث الواردة في اشراط الساعة، اى إثبات هذه الدلالات بشرط عدم تناقضها مع النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة، لان هذا المذهب يثبت حجية أحاديث الآحاد، مع تقييد درجه حجيتها كالاتى : ا/ إيجاب أحاديث الآحاد المقيد" المشروط" للعلم والعمل: أن أحاديث الآحاد توجب العلم والعمل معا ، اى كونها ملزمه في العقائد والأحكام معا ، اتساقا مع المذهب الأول من مذاهب علماء أهل السنة ، مع تقييد هذا الإيجاب الشامل بكونها مصدر قائم بغيره " حجه بغيرها" في أصول العقائد والأحكام، وكونها مصدر قائم بذاته "حجه بذاتها " في فروع العقائد والاحكام.. ب/ أحاديث الآحاد مصدر قائم بغيره" حجه بغيرها" لأصول الدين ، وقائم بذاته" حجه بذاتها" لفروع الدين: لعلماء أهل السنة مذهبين في الاجابه على السؤال : هل أحاديث الآحاد يمكن أن تكون مصدرا لأصول الدين ، المذهب الأول يرد بالإيجاب ، لأنه يرى أنها قطعيه الورود ، أما المذهب الثاني فيجيب بالنفي ، باعتبار أنها ظنيه الورود ،وبالتالي فهي مصدر لفروع الدين دون أصوله ، يقول الاسنوى ( أن رواية الآحاد إن أفادت فإنما تفيد الظن ، والشارع إنما أجاز الظن في المسائل العملية وهي الفروع ، دون العلمية كقواعد أصول الدين ) ، ويقول ابن تيمية (إن هذا من أخبار الآحاد فكيف يثبت به أصل الدين ؟ )( منهاج الاعتدال (2/133 قديم 4 / 95 حديث كلام الرافضى على محمد بن الحسن)، ير أن كلا المذهبين لم يميزا- في إجابتهما على السؤال - بين المصدر القائم بذاته والمصدر القائم بغيره ،اى لم يميزا بين كون أحاديث الآحاد حجه بذاتها أو حجه بغيرها، وبوضع طبيعة المصدر في الاعتبار ، نصل إلى مذهب أخر يقوم على أن أحاديث الآحاد مصدر قائم بغيره" حجه بغيرها" لأصول الدين ، وقائم بذاته" حجه بذاتها" لفروع الدين .. ج/ إثبات دلالات أحاديث الآحاد التي لا تتناقض مع دلالات النصوص القطعية : انه يجب إثبات الدلالات التي تفيدها أحاديث الآحاد ، والتي لا تتناقض مع دلالات النصوص اليقينية الورود (ممثله في القران الكريم والأحاديث المتواترة )، يقول الإمام النووى ( ومتى خالف خبر الآحاد نص القرآن أو إجماعا وجب ترك ظاهره ) (المجموع شرح المهذب: 4/342 ). ويقول عبد القادر الدومى ( والذي أراه أنه لا يفهم من كلام الإمام "أحمد بن حنبل" إلا التخصيص بأخبار الرؤية، فكأنه يقول: إن أخبارها وإن لم تبلغ حد التواتر لكنها احتفت بقرائن جعلتها بحيث يحصل العلم بها، وتلك القرائن هي ظواهر الآيات القرآنية المثبتة لها، فإسناد القول الثاني إلى الإمام من غير تقييد فيه نظر. وكذلك ما نسبه إليه ابن الحاجب والواسطى وغيرهما من أنه قال " أى الإمام أحمد": يحصل العلم فى كل وقت بخبر كل عدل وإن لم يكن ثم قرينه فإنه غير صحيح.