الصادق المهدي يقول إن النظام قد صادر منه أموالا بغير وجه حق ، قدر الصادق تلك الأموال ب 49 مليار جنيه سوداني ، نعم مليار ! .. 49 مليار جنيه فقط لا غير ، يريدها الصادق فورا مليار ينطح مليار !! وعلى اعتبار أنني من عامة الشعب الكادح ولا صلة لي بالمليار البتة ولا وجود لأدنى مودة بيننا ، فقد حاولت أن أفهم ما يمثله هذا المليار من قيمة ، فوجدت أنه ألف مليون ، عدد أمامه تسعة أصفار ! فإذا كنت يا عزيزي تنفق في اليوم ألفي جنيه بالقديم لتستخدم المواصلات العامة مثلا ، فإن مليارا واحدا سيسمح لك باستخدام هذه المواصلات لمدة تقترب من 1400 عام !! وإذإ كنت تقوم بتنشيط الإنترنت في هاتفك الجوال بمبلغ ألف جنيه في اليوم ، فإن المليار سيمنحك إنترنت لقرابة 2800 عام !! لن تصدق ما يمكن لمليار واحد أن يفعله بشاب سوداني عادي ، ولكن نحن هنا لا نتحدث عن شاب ولا عن سوداني عادي ، على الأقل العبارة الأخيرة صحيحة في نظر صاحبنا الصادق ، فلا أظن أنه يرى نفسه سوداني عادي ! إنتبه أخي القارئ ! ال 49 مليار هذه هذه ليست ثروة الصادق ، بل هذا مجرد مبلغ قدره الصادق و يدعي أن النظام قد سلبه منه فحسب ، ومع الانتباه أيضا أن هذا المبلغ لا يتضمن ما أعاده النظام من مليارات في أوقات سابقة ، والتي قال الصادق أنه لم يحسبها بالضبط !! فسألت نفسي قائلا : من أين للصادق بهذه الأموال "المتلتلة" ؟! فردت عليّ قائلة : أحقا لا تدري من أين له هذه الأموال "المتلتلة" ؟! فقلت : بلى أعلم من أين ، ولكن ليطمئن قلبي ، وكذلك لكي أنعش ذاكرة القارئ قليلا ، فأعلم رحمك الله ما هو معلوم بالضرورة في هذه القضية، وذلك عبر قصة قصيرة من خمسة مشاهد : أولها أن رجلا ولد في العام 1844 م كان يدعى بمحمد أحمد ود عبدالله ، هذا الرجل لم يكن مهندسا ولا طبيبا ولا تاجرا معروفا ، ولم يكن له منازل مشيدة ولا مزارع ممتدة ، ولم يرث من أبويه شيئا ذا بال ولم يذكر التاريخ لهما عظمة ، بل كان محمد أحمد رجلا عاديا استغل نصوصا مكذوبة في التراث الإسلامي مفادها ظهور مهدي في آخر الزمان يملأ الأرض نورا وعدلا ، وحتى هذه الفكرة يقال أنها ليست من رأسمال أفكار محمد أحمد ، بل أوعز بها إليه رجل آخر عادي اسمه عبد الله ود تورشين ، المهم أن الرجل امتطى ظهر الباطل ليصيب به الحق ، وكان ذلك الحق هو تخليص قومه من بطش السلطة وجبايتها ، وقد أصابه بتوفيق الله ، إلا أن الدائرة قد دارت على دولته بعد وفاته فانفرط عقدها ولم يخلف من بعده أموالا تذكر . المشهد الثاني أن ابنا له نجا من انتقام المستعمر من بعد سنوات ، وقد كان طفلا مفلسا يدعى عبد الرحمن ود محمد أحمد ، لم يتلقى عبد الرحمن تعليما حديثا ولم يدرس تخصصا علميا يؤهله لجمع ثروة ، إلا أن حركة التاريخ دفعت بالمستعمر الإنجليزي لدعم الطفل الذي أصبح من بعد رجلا فارع الطول يلقب بالسيد تارة و بالإمام تارة أخرى. المشهد الثالث أن الإنجليز ولموازنات سياسية بدأوا في خطة لإثراء الرجل ، ومن هنا بدأت قصة الأموال "المتلتلة" ، وكان بواكيرها في العام 1919م حيث بدأت الحكومة بمنحه عقودا لبعض المشاريع كمتطلبات خزان سنار وكتوريد الوقود لحساب الحكومة ، ثم في العام 1926م أعطي قرضا بمبلغ 4.500 جنيه ليبدأ الزراعة بمنطقة الجزيرة أبا ، القرض الذي تنازلت الحكومة عن حقها في سداده من بعد باعتباره مجرد هبة لعبد الرحمن ، ثم قدمت له عرضا لمشاركتها في مشروع "قوندال" لزراعة القطن بالنيل الأزرق ، ثم منحته أراض حكومية في الخرطوم وأمدرمان فشيد عقارات سكنية وتجارية ، ثم بحسب سجلات الأراضي بالخرطوم وأمدرمان أصبح عبدالرحمن ود محمد أحمد من أكبر ملاك العقارات في العاصمة ، وقد كان الإنجليز يتساهلون معه في الضرائب المترتبة على أرباحه الطائلة ، ثم أن مديرية النيل الأبيض قامت بمنحه 201628 فدان بالجزيرة أبا دون مقابل ، إضافة لرخص تجارية وزراعية وتسهيلات بنكية وإئتمانية . المشهد الرابع أن أتباع الرجل من قبائل غربي السودان كان يتوافدون أفواجا للعمل في مشاريعه المختلفة ، أما أتباعه من القبائل الأخرى فقد كان بعضهم يعملون في مشاريعه ، وبعضهم يدفعون له نسبة 2.5% من أموالهم الخاصة كزكاة !! كل ذلك ولاءً للإمام بن المهدي المنتظر الذي جاءه النبي صلى الله عليه وسلم بحسب روايته في المنام ، وأجلسه على كرسيه بحضرة الخلفاء الأربعة والأقطاب! وبحضور النبي الخضر - شخصية خرافية - وأخبره أنه مؤيد بالملائكة المقربين - ليس أي ملائكة - وكذلك بالأولياء الأحياء منهم وكذلك الأموات ! إضافة للمؤمنين من الجن ! المشهد الخامس أن عبد الرحمن ود محمد أحمد تضخمت ثروته وأصبح سيدا عظيم الشأن بفعل عطاء الإنجليز ووفرة اليد العاملة وزكاة أموال الأتباع ، فاتخذ السرايات سكنا ، وامتلك ما لا يمكن أن يمني أي سوداني من عامة الشعب وخاصتهم نفسه بامتلاكه ، وأنشأ حزبا سياسيا قوامه المسحوقين والبسطاء من عامة الناس ، إضافة لبعض المثقفين الذي يقتاتون على موائده ويتقربون منه طمعا في عطاياه ، وانطلق أبناؤه من بعده في ترف العيش ودنيا السياسة ، وتكدست عندهم أموال طائلة توارثوها جيلا بعد جيل كما توارثوا الحزب بمن فيه ، واستقر مقام ذلك كله عند الصادق ود صديق ود عبد الرحمن . وبالتالي إننا نناشد النظام الحالي أن "يدي الصادق حقو" ، ومن ثم نطالب الصادق بحساب هذه الأموال جيدا وضمها إلى ما بحوزته من أموال أخرى والدفع بها لأصحابها الحقيقيين ، أصحابها حفدة العمال والمزارعين والسخرة الذين ظلوا أعواما يعملون في مشاريع عبد الرحمن وأبنائه ، ونطالب كذلك الصادق بتقدير تعويضات مجزية لهؤلاء عن سنوات الضنك التي عاشها آباؤهم ، ونترك له تقدير تلك التعويضات معتمدين على واسع عدله وبالغ لطفه ، ومن جانبنا نتعهد أن يلقى الصادق حياة كريمة معقولة مستورة تحفظ له كرامته ، و"كدا كل واحد يكون أخد حقو" . [email protected]