قرأت الخبر التالي والذي جاء بصحيفة الرأي العام: أصْدر د. عبد الرحمن أحمد الخضر والي ولاية الخرطوم قراراً بإنشاء هيئة إشرافية لترقية السلوك الحضري تختص باستكمال الإسهام والتنسيق والمعاونة بين هيئات المحليات ورئاسة الولاية في مجال أعمال النظافة وإنشاء الحدائق والمتنزهات وإنارة الطرق والتشجير والعمل على ترقية الذوق الحضري للمواطن عن طَريق التثقيف والإرشاد والتبصير بالقوانين المنظّمة للحفاظ على البيئة والطريق العام، ويكون للهيئة مجلس إشرافي برئاسة الوالي وأصْدر والي الخرطوم قراراً بتعيين العميد (م) يوسف عبد الفتاح محمود مستشاراً لوالي الخرطوم ليقوم بمهام رئاسة الهيئة الإشرافية لترقية السلوك الحضري. (انتهى الخبر). (الهيئة الإشرافية لترقية السلوك الحضري)، لأول وهلة قرأتُها السلوك الحضاري، والذي انتظمت أدواره المجتمع السوداني، أي أن المجتمع مهيأ سلفاً لمثل هذه الهيئة التي ينبغي أن يضاف إلى مهامها مراجعة ومتابعة وتحسين وتطوير السلوك الحضاري أيضاً. الملاحظ في الآونة الأخيرة تغير الرأي عن علماء النفس والاجتماع، فأصبحنا نراهم على الشاشات البلورية يناقشون ويفندون الأمراض النفسية ويردون على أسئلة المشاهدين والذين أصبحوا لا يرون غضاضة في طرح همومهم وأحزانهم وما يعانونه على علماء النفس في أريحية ما كان لها من سبيل في الماضي خوفاً من الاتهام بالجنون أو شبهة (الحالة النفسية)، وعبر علماء النفس هؤلاء ظهرت بعض الأفكار الجديدة فأصبح هنالك معاهد للإتيكيت والذوق العام، ومؤسسات تدعو إلى الانبساط والسعادة، وأخرى لتطوير الذات، وغيرها لدراسة لغة البرمجة العصبية، وطرق النجاح، والتفاؤل. وفي مجالات أخرى كالموسيقى ظهر من يحملون درجات الدكتوراة في الموسيقى في ضروبها المختلفة ليقدموا لنا (دوري مي فا صولا) فعرفنا الأغنية الدائرية والصوت السوبرانو، والتينور، وظهرت مراكز التجميل الشعبي والحديث، فأصبحنا نرى وجوه حواء مطلية بألوان متنافرة، أحمر أصفر أخضر زي شفق المغارب. كما ظهرت مراكز إزالة، وإعادة السمنة (زي التأمين وإعادة التأمين) وإزالة الشحوم والكروش، وعروض الأزياء، ومحلات تزيين العرسان. وفي الأعراس أصبحت الحفلات تقام في الصالات وتُزف العروس بالزفة المصرية (عقدة الأجنبي)، وقبل أن أختم هذا المقال قرأت خبر الاعتداء على صالة أفراح بالدويم (ظاهرة التطرف)، وأصبحت تقام معارض الزهور والورود والحدائق، وظهر أناس يتحدثون عن ترتيب وتزيين الحدائق المنزلية، وظهرت عدة قنوات فضائية تعيد ما تقدمه ألف مرة، وإذاعات (FM) مزعجة، كما ازدانت الخرطوم بالمطاعم العالمية التي تقدم لك الوجبات البرازيلية والمكسيكية، وانتشرت المطاعم التي تقدم الوجبات السريعة، وأعادت بعض الأسر الموسرة التعليم بالخارج إلى سيرته الأولى، والذي يشاهد الحملات الدعائية لمحلات الأثاث يظن أننا من ترفنا أصبحنا نغير الأثاث كل عيد أو كل عام. أقترح على والي الخرطوم الدكتور عبد الرحمن أحمد الخضر والي ولاية الخرطوم بالإضافة إلى هذه الهيئة الوليدة أو المولودة بأسنانها (لست أدري)، أن يكون بها قسم يهتم بالسلوك الحضاري حتى لا نكون مثل بعض الدول التي بدأت بالحضارة العمرانية قبل الحضارة السلوكية، فلم يتطور الإنسان رغم علو أبراجه. ومن لم يتربى على السلوك الحضاري فلن يرتقي لمواجهة وسائل التقنية الحديثة ولن يستطيع أن يحافظ عليها أو يتعامل معها بالطريقة المثلى. ولنبدأ بالمحافظة على البيئة نظيفة من الملوثات والنفايات. ولنقدم للناس ماء نظيفاً صافياً غير متقطع الإمداد، وكهرباء منيرة وليست مظلمة حتى تنار عقولنا وتتفتح أبصارنا ونواكب العالم المتقدم علينا بمئة عام، وحتى لا نظل نلهث للحصول على رشفة ماء، وحتى لا يصيبنا العمى للوصول إلى مفتاح الكهرباء التي ندفع رسومها مقدماً ولا نجدها عند الحاجة إليها. وحتى لا يتبادر إلى الأذهان أن الناس لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب؛ فأقول إن الفكرة جميلة .. ولكن هل هذه الهيئة مسمى مرادف لهيئة تجميل الخرطوم، أم أختاً لها من الرضاعة.