بمناسبة مرور ثلاثين عاما علي رحيل الأستاذ المربي والصحفي حسن نجيلة التي نظمتها أروقة للآداب والفنون كانت هناك حادثتان (( إحداهما من المفرحات والحادثة الثانية حزينة ومؤلمة )) فالمفرح في الأمر هو ترجمة كتاب ذكرياتي في البادية إلي اللغة الإنجليزية وقد صدرت الترجمة بالفعل في كتاب وهذه الترجمة تعتبر نقلة تحول كبيرة لكتاب الأستاذ حسن نجيلة (( ذكرياتي في البادية )) هذا التحول إلي العالمية وقراء اللغة الإنجليزية الذين حرموا من متعة قراءة هذا الكتاب بفعل الحاجز اللغوي وهو أيضا أمر مهم لقبيلة الكبابيش ولباديتهم التي كان يتم وصفها من قبل الإداريين البريطانيين علي أن الكبابيش دولة وكان ذلك يأتي ضمن أحاديثم لناظر القبيلة السير علي التوم . وأيضا الكتاب يعبر عن حقبة مهمة من تاريخ السودان وهي حقبة الإستعمار البريطاني وما يعرف بإسم الحكم الثنائي الإنجليزي المصري حيث ذهب الكاتب حسن نجيلة إلي بادية الكبابيش في أول يناير عام 1931م فور تخرجه من مدرسة العرفاء وكان قد مضي علي تعينه مدرسا بمدرسة سنجة الأولية شهر واحد عندما تم إستدعاءه إلي مكتب مفتش مركز سنجة وكان يسمي(( مكلارين )) ويقول حسن نجيلة : كان ذلك الإستدعاء بالنسبة لي حدثا مثيرا كموظف صغير ولقيني الرجل يعني مكلارين ببشاشة وسألني ما إن كنت أعرف الشيخ السير علي التوم ناظر عموم الكبابيش ؟ فأجبت بأني سمعت به ولكني لم أره . وكان مكلارين هذا قد عمل لفترة مفتشا لدار الكبابيش فأفاض في الحديث عن الشيخ علي وأثني عليه ثناءا عاطرا .وبعد هذا اللقاء قرر الأستاذ حسن نجيله طوعا وإختيارا منه أن ينتقل إلي دار الكبابيش وقد عاش هناك تجربته التي إستغرقت سنوات أربع في كنف البادية ومن هناك كتب كتابه الذي سارت به الركبان ونال إهتمام كثير من الناس حتي تمت ترجمته إلي اللغة الإنجليزية وهذا أمر مفرح ومصدر من مصادر الفخر لكل إنسان سوداني معلما كان أم صحفيا أم باحثا أم قارئا وهو كذلك مصدر فخر وإعزاز لكل أهل البادية والريف السوداني ولقبائل شمال كردفان علي وجه التحديد . أما النبأ المحزن فهو وفاة الدكتور أحمد علي الطيب الذي قام بترجمة كتاب ذكرياتي في البادية إلي اللغة الإنجليزية وقد حدثت وفاته ((عليه رحمة الله )) في ذات اليوم الذي إكتملت فيه طباعة النسخة الإنجليزية من الكتاب وقبل إسبوع واحد من تدشين الكتاب حيث إتصل هو علي إدارة مطابع السودان للعملة وقد أرادوا أن يخبروه بأن الكتاب قد تمت طباعته ولكنه قال لهم أريد أن أودعكم وقد نقل لي الأستاذ عاصم حسن نجيلة نبأ وفاة الدكتور أحمد في يوم تدشين الطبعة الإنجليزية . والمترجم د.أحمد علي الطيب هو طبيب إختصاصي علم الأمراض وهو من مواليد مدينة سنجة ((مسقط رأس الكاتب حسن نجيلة )) وكان ميلاده في العام 1931م وهي ذات السنة التي تم فيها إختيار الأستاذ حسن نجيلة ليعمل مدرسا في دار الكبابيش . ويقدم المترجم الكاتب حسن نجيلة ويقول أنه قد عرفالكاتب منذ سنوات وسمع عنه وهو طفل بمدينة سنجة وهو من أعظم رجالات التعليم في تاريخ السودان . ويقول المترجم أنه قد إطلع علي كتاب ذكرياتي في البادية لأول مرة في عام 1952م وهو طالب بالمستوي الأول بالجامعة وكان كتابا ممتعا قد أسرني إسلوبه الشيق من أول وهلة لدرجة أني قرأته من الغلاف للغلاف دون توقف وهو عبارة عن موسوعة تحتوي علي الأدب والشعر والسياسة والتاريخ والوطنية والجغرافيا والتربية والتعليم . وهو كتاب شامل يمكن لكل قارئ أن يجد ضالته فيه وكان من السهل علئ ترجمته إلي اللغة الإنجليزية ما عدا بعض الأشعار والأغنيات الكباشية التي كتبت بلغة عربية تقليدية وقد بذلت وسعي في ترجمة هذه الأغنيات . وهذه الأغنيات في رأي هي أفضل ما إحتوي عليه كتاب ذكرياتي في البادية وهي تكون أعذب وأمتع عندما تؤدي بواسطة الكبابيش أنفسهم والذي يفهم معانيها أيضا يجد فيها متعة القراءة وجرس الموسيقي وإقاع الشعر وما نقلته منها إلي اللغة الإنجليزية هو روحها وموسيقاها . ويقول المترجم إن إن كتاب ذكرياتي في البادية قد عكس بوضوح الأثر الذي أحدثته الهجرات العربية من الجزيرة العربية (المملكة العربية السعودية حاليا ) علي إفريقيا ومنها السودان . إن أجدادنا العرب قد تكبدوا المشاق حتي يصلوا إلي المناطق التي نعيش فيها اليوم من السودان وكان دافعهم هو نشر الإسلام والديانة المحمدية . لقد عبروا البحر الحمر علي قوارب شراعية صغيرة كانت تسير بهم بالليل والنهار لكي يصلوا إلي هذه الأرض التي لم تكن معلومة لديهم . وبعد أن تجاوزوا عقبة البحر الحمر عبروا الجبال والصحاري والغابات إلي داخل السودان وإفريقيا وقد أبلوا بلاءا حسنا .. ويقول المترجم : أنا طبيب وقد قمت بترجمة هذا الكتاب وأرجو أن أكون قد نقلت المتعة التي يحتوي عليها كتاب ذكرياتي في البادية إلي قراء اللغة الإنجليزية . وخير نموذج لهذه المتعة الأغنيات الكباشية : سمحات تلات فيات البل مع البنات وخيلا مربطات صهبا مجنبات ليلة الكبوس كان جات في التور أبو ضرعات نواصل /////////