تفاعلت قضيةُ اتهام بعض الموظفين العاملين في مكتب الدكتور عبد الرحمن أحمد الخضر، والي ولاية الخرطوم، بصورةٍ شكّلت مضاغطةً غير مبررةٍ على الوالي، نتيجةً لكثرةِ الشّائعات والأقاويل المُرسلة. ولمّا كانت هذه الشّائعاتُ تُثيرُ بلبلةً لدى الرأي العام، تطلَّب الأمر مواقف معينة لإظهار الحقائق الغائبة، حيث سارعت إدراة الإعلام في جهاز الأمن والمخابرات الوطني، إلى دعوة عدد من رؤساء تحرير الصّحف السيارة، وبعضِ كُتَّاب الأعمدة والمقالات، إلى تنويرٍ حول كثيرٍ من هذه المعلومات المغلوطة، والشّائعات الطّاغية، التي انتقلت بسرعة انتقال النار في الهشيم، من مواقع التّواصل الإسفيرية إلى الصّحف اليومية، وكأنّها حقائقٌ مثبتةٌ، ومعلومات موثقة، وهي في حقيقة أمرها غير ذلك. وأحسبُ أنّ بعضَهم قد تُثار في ذهنه بعضُ التّساؤلات حول كيفية أن ينظم جهاز الأمن والمخابرات الوطني لقاءً تنويرياً في قضيةٍ كان له القِدْح المُعلَّى في الوصول إلى بعضِ خُيوطها، ومن ثمّ رُموزِها، ولكن يزول هذا الاستغراب، إذا علمنا أنّ هذا الجهاز من مهامه التّصدي لمعلوماتٍ تُبلبل أذهان المتلقين، وقد تُؤثر سلباً على موجهات الرأي العام وتشكيله، ومن ثَمَّ قد تكون مهددة لإظهار الحقائق وتبيان الوقائع. ولذلك من الضّروري أن نَتَفهَّم أنّ الجهاز لم يفقد حياديته في التعاطي مع هذه القضية، بتنظيم هذا اللقاء التنويري، إذا نظرنا ملياً إلى ما استهدفه من توضيحِ حقائقٍ، وإبانة الكثير منها، وإزالة الغموض واللَبس الذين اكتنفا هذه القضية التي رأى من المهم تبيانها للرأي العام حتى يتشكل حول هذه القضية، وفقاً لحقائق، وليس تبعاً لأهواء. وفي رأيي الخاص وهذا ما أشرت إليه في مداخلتي في هذا اللقاء التنويري القول إنه "أن تأتي متأخراً، خيرٌ من ألا تأتي"، وذلك بشأن تنظيم مثل هذه اللقاءات التنويرية التي تُجلي الكثيرَ من الحقائق حول القضايا التي تشغل الرأي العام، لا سيما تلك المُتعلقة بقضايا الفساد، ومن الضّروري أيضاً أن نبين أنّ المسؤول في العمل العام، مهما كان نظيفَ اليدِ، وعفيفَ اللسانِ، هو في إدراك العامة، فاسدٌ بنسبة 70%، ولذلك إذا أُثيرت قضيةُ فسادٍ، حتى وإن لم يكن له يدٌ فيها، تجد أن ترمومترَ الفسادِ لدى ذهنية العامة حوله، ترتفعُ بصورةٍ جنونيةٍ، فلذلك المطلوبُ منه أن يضعَ الحقائقَ تبرئةً للذمةِ، وتأكيداً لنظافة اليد، وعفة اللسان، حتى يتسنى له تقليل هذه النسبة الكبيرة بصورة دراماتيكية. وأحسبُ أنّ الأخ الدكتور عبد الرحمن أحمد الخضر، وافق على هذا اللقاء التنويري لدحض كثيرٍ من الشائعات التي أرهقته رهقاً عظيماً، نفسياً وجسدياً، وعملت على تشتيت أفكاره، وبعثرت تركيزه الذي كان ينبغي أن ينداح في دوائر هموم واهتمامات مواطن ولاية الخرطوم. وأكبرُ الظّن عندي، أن أحد الإخوة الرُّسلاء، عقب هذا اللقاء التنويري أمس (الأربعاء)، وجّه إليّ بعضَ النقد حول إشارتنا في صحيفة "التغيير" إلى أنّ والي الخرطوم يؤيد قرار وزارة العدل، لإعادة التّحقيق مع المتهمين في قضية فسادٍ بمكتبه، باعتبار أننا ما كان ينبغي أن نُقحم الوالي في أمرٍ قضائيٍّ، ولكن فات عليه أنّ الهدف من ذلك، التأكيد على أنّ الوالي لن يعترض سبيل قرار وزير العدل بمراجعة الموضوع، وإصدار قرارٍ بإعادة القبض على المتهمين بتوجيهِ تُهمٍ شملت التزوير وغيرها، بعد أن أثارت لجنة التّحقيق العدلية التي أفرجت عنهم، وفقاً لقانون الثراء الحرام والمشبوه، بعد أن استعصى عليها إثبات التّزوير، ووجود اعتداء على المال العام، الذي بعهدتهما في مكتب الوالي. كما أنّ هذا القول، منسوب إلى الأخ الوالي بحقٍ وحقيقةٍ، لا افتراء فيه ولا تحريف، بل تطمين للرأي العام بأنه ملتزم ومؤيد للمسار العدلي في هذه القضية، التي اكتسبت بُعداً جديداً بعد أن كثر تناولها في الوسائط الصحافية الإعلامية، واعتبر بحقٍّ وحقيقيةٍ قضية رأي عام تصدرت الثلث الأول من عام 2014. أخلصُ إلى أنّ من الحقائق التي لم تبرز بصورةٍ واضحةٍ، أنّ المبادرة بالتّحقيق الأولي، جاءت من الأخ الوالي، بالتّنسيق مع جهاز الأمن في الولاية، وتشجيعه على استدعاء كلِّ من تحوم حوله شبهات في هذه القضية، حتى ولو كان الوالي نفسه. ولم يكتف بذلك، بل سارع إلى استشارة عددٍ محدودٍ من وزرائه في بادئ الأمر، وبعد الاستخارة والاستشارة، دعا مجلس وزراء الولاية إلى اجتماعٍ مُغلقٍ ليبين لهم هذه القضية، حتى لا يسمعوا بها من خارج حكومة الولاية. وأظنُّ – وإنّ بعضَ الظنِّ إثمٌ- أنّ مواقع التواصل الإسفيرية أسهمت بقدرٍ ملحوظٍ في خلق بلبلةٍ وتشويشٍ على مسار القضية، ومن المؤسف أنّها أثرت سلباً على الوسائط الصحافية، كان ينبغي أن تتحري الدقة والموضوعية في إطار المهنية الصّحافية والمسؤولية المجتمعية، في مثل هذه القضية التي تُعتبر من قضايا الرأي العام. وأجزم أنّ الأخ عبد الرحمن أحمد الخضر، والي ولاية الخرطوم، تنازع بين حقائق غائبة وشائعات طاغية، فلذلك حرص بدءاً أن يُجري حواراً صحافياً مفصلاً حول هذه القضية مع إحدى الصحف التي أثارت الأمر، ولمّا لم تهدأ الانتقادات عليه، بشائعات متباينة، من أنّ أحد المتهمين من ذوي القُربى، وأنّ أحد المعتمدين استشاط غضباً للقضية في مجلس وزراء الولاية، بحُجة أن مجلس الوزراء رفض مناقشة قضية متهمي مكتب الوالي، بينما الحقيقة غير ذلك أنه غضب لإشارة معتمد أم درمان باتهامه المغلف بالفشل، إضافةً إلى الأرقام الفلكية، والأراضي الشّاسعة التي كانت مثار الاتهامات لبعض موظفي مكتبه، فلذلك لم يترد في الاستجابة الفورية للسانحة التي هيأتها له إدارة الإعلام في جهاز الأمن، لتبيان الحقائق والوقائع، بُغية تنوير الأوساط الصّحافية والإعلامية بها، ومن ثم الإفادة منها في موجهات تشكيل الرأي العام من قبل هذه الأوساط الصحافية. ولنستذكر في هذا الخصوص، قولَ الله تعالى: "إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" وقول الشّاعر العربي أبي الطيب أحمد بن الحسين المعروف بالمتنبئ: عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ