أحقا عباد اللهِ أن لستُ لاقيا بريدا طوال الدَّهر ما لألأ العفرُ!؟ هذا البيت من الحُزن المقفي، ،و من حُزن أهل البادية، عندما تسقط طنيبة البيوت الكبيرة ،أو ينكسر مِرق الأسرة ، وحين تُسدل سجفة الحزن، أمام فرقان البوادي العامرة، وهو من مرثية الشاعر "الأبيرد" الريحاني لشقيقه "بريد" ولقد صدق المعرِّيُّ ، حين شهق بآهاته، وأنينه وأنَّاته، بنونيته ، عند رحيل والده: فليتك في جفني مواري نزاهة بتلك السَّجايا عن حشاي وعن ضِبْني ولو حفروا في دُرَّةٍ ما رضيتها لجسمك إبقاءً عليه من الدّفنِ ومرثيَّة المعرِّي النونية، المُلتاعة بالعبرات، والتي تكون زفراتها ،وأنَّاتها ،من سويدا القلب، ومن "مرارة" الكبد ،والتي لم يحسُّ بها ،إلاَّ الذين ،يكون أنين الحزن في حناياهم، وتحت جفونهم ذكري، لكبير قومٍ وعزيز أسرة. الشكر والمحبة والوفاء لكل من شاركنا أحزاننا بنفسه اوعبر التلفون او سائر الوسائط ،معزيا في وفاة والدي الطيِّب محمد زين "المقدم" والذي أنتقل إلي دار الخلود، قبل خمسة أشهر، بالبادية الغربية ،منطقة أم سنطة، ريفي حمرة الشيخ شآبيب رحمة ربِّي، تتنزل عليك وحيَّا قبرك الضحوي العوير، والسواري المُدجنة، فيشهد الله، ما سمعتك شتمت أحدا ،ولا غاضبت أحدا، بل كنت معنا نحن أبناءك، وأحفادك وسائر أبناء، إخوانك وإخواتك، وأهلك وجيرانك، صديقا ووالدا وأبا رحوما ،بشوشا بسَّاما ضحوكا كريما، وكنت تدهشنا بإجلالك وتوقيرك، وإحترامك الكبير لأبناء خالك ،الراحل المقيم، الشيخ موسي ابو المرضية"قُدِّس سره" ،وبعضهم في عُمرِ أحفادك، ولم أرَ شخصكم الوقور ،يوما جالسٌ في مقعدٍ واحدٍ ،او سرير، مع أخوتك وأبناء عمومتك، وأخوانك الذين يكبروك عُمرا.... كم كان صوتك شجيا ،وجميلا، وانت تصدح ،بروائع الشيخ هاشم عبد المحمود والمكاوي والشيخ برير ، وأبوكساوي وابو شريعة ، وأوقن جيدا ان المديح النبوي، والشعر الصوفي، الذي كنت تنشده انت وإبن عمِّك الراحل الفكي موسي، نادر جدا، ولم اسمع أحدا من المادحين صدح به ،وأحسبكم من الرواة القلائل ،لشعر الشيخ المكاوي والشيخ هاشم والشيخ ابو كساوي والشيخ برير والشيخ حياتي وآخرين..... أسأل الله الخالق الباري، الحنَّان المنَّان ،ان يحشرك مع الصديقين ،والشهداء والصالحين، ومع أهل الله ،الذين كنت تردِّد أمداحهم، و"تخمِّس" شعرهم ،وأبتهل إلي خالقي، الرحيم الحليم ورب العرش العظيم، ان يُسقيك من كوثر النبِّي الأمِّي، ومن خندريس اهل الله ،الذين كنت تشدو برقائق دنِّهم ........ "من مجمع رافي... شُرب اهل الله البدِّور صافي... دييييييمة" كم كنت من أهل اللَّيل، وعُشاق ليلي ، والعازفين لأجراسِ "أُم كابور" "الثٌلثُ ليل.... محبوبو أنْصج وقليبو صَرج..... أعرف أنك، لم تذهب إلي سوق ، أومتاجر، منذ أكثر من ثلاثين عاما ،وما رأيتُ أحدا ، طلَّق الأسواق ،ومنع نفسه من إرتيادها، مثلك، إلاَّ صديقك الراحل، الحاج صالح الشيخ الكارس الرازقي الكباشي.. وكم كان يُعجبنا ويدهشنا، إحترامك وتبجيلك، وتوقيرك للوالدة ،رحمة ربي لها ،تلك الإنسانة النادرة جدا، والهلالية الشامخة ،كما كان يحلو لأهلها أن يسموها ولقد صدق رهين المحبسين ابا العلاء المعري وهو يرثي أُمَّه: مضت وقد اكتهلت فخِلْتُ أنِّي رضِيعٌ ما بلغْتُ مدي الفطامِ فيا: ركب المنُون أما رسولٌ يبلِّغ روحها أرج السَّلامِ سألتُ: متي اللّقاء؟ فقيل حتَّي يقوم الهامِدُون من الرّجامِ رحلت قبلك ،ثم لحقت أنت بها، وصعدت ودرجت علي سلالم السلام، والرحمة روحك، وكان رحيلك بعدها مباشرة والأول من أُسرتنا فكأنك تقول : ما بعد زينب من حياة ٍ ..... والدُّنيا بعدك يا أُخَيْتِي سواد فكانت رفيقة دربي... وكانت شفاءً لقلبي.... وكانت طنيبة بيتي...... وذُخري هُنا ويوم التَّناد وكانت أُمَ اليتامي... ومأوي الحزانا... وضُل التَّعابا... وعكَّاز مكدودٍ أثقله عبء الزَّمان.... وقدحا مُترعا بالمحبةِ والحنان...... ودُخري سنين الرَّماد فمثلك عصيَّة ليدِ المنون.... لأنَّك تهبي المنيحة وأسمح مالك..... وتمنحي الجار وضيف الهجوع طعام عيالك...... فأنتِ المرأة "وزينة الدِّقون"...... فنعشك مشبولٌ بجيد السَّماحة ولحدك بين حنايا أهل البواد حيَّا قبريكما ،رُبْد الغمام، وأشابيب الضحوي العوير، والنِّحاسي الماطرة ، وذات الطوق ،فقد كان عشقكم، محبَّة الفقراءِ، والبسطاء والأهل والجيران، وكنتم وهِاطا ،بكم زانة الفرقان والدِّكك، فأنّي لم أر أحدا، ملأ قربه حد الوكاء ، من القناعة والسماحة ووهاطة النَّفس مثلكما، ففي هذا اليوم تحديدا ، او ليلة الإسراء والمعراج ، علي صاحبها افضل الصلاة والتسليم ، كم كان الأطفال والصغار، يضحكون ملء شفاههم ، وأقداح الثريد مُترعة بمطايب الطِّعام ، أو بما يسمي ، بذبائح "السَّيْلَة"، فعذرا أن سرف دمعي ، وقطع وكاء عيوني ،وصار يوشل من الأوردة، فللأوقات عبق ٌ، يهيج الأشجان ،ويوقظ ماهجع من الذكريات ، ولها بعدٌ ثامن ٌ، يُنقع الأرواح، بشذي الزّينين ،بياض النيّة، الذين يألفون ويؤلفون، ولقد صدق الكباشي القديم ، حين قال: "غرَّارة العبوس مابضلِّي خايِلْها" وين طيبنا... وينْها الطيبة وين سِت روحِي وين ضُلِّي وضراي مرتَع صِبايا وسُوحِي غراب الشَّوم نعَقْ جفَلَت بلابِل دوحِي ويا نفس الرَّماد جاكِي السَّواد عيل نوحِي اللّهُمَّ طيِّب ،بشآبيب رحمتك ،روحيْهما النَّاشقة ،وأجعلها لخندريس خمر جنانك ذائقة ، وأجعل عبقهم دليلي،في الزَّمن "الفِسِلْ"، والسّنون الماحقة،وأكرمني بهم كلّما حلّت بيَ ضائقة. [email protected]