الأردن يفوز على السعودية برأس رشدان ويتأهل لنهائي كأس العرب    كامل إدريس يلتقي وفد حكومة جنوب السودان ويتلقى دعوة لزيارة جوبا    الهلال يخسر أمام روتسيرو و طرد جان كلود    والي الخرطوم يوجه بالالتزام بأسعار الغاز حسب التخفيض الجديد    البرهان يغادر الرياض وفي مقدمة مودعيه نائب أمير المنطقة    انقسام داخل المؤتمر السوداني بعد توقيع قيادات على ميثاق «تأسيس»    المغرب يحسم بطاقة نهائي كأس العرب الأولى على حساب الإمارات    شاهد.. "بقال" يرد على سخرية نشطاء الدعم السريع بعدما وصفوه ب"الكج" وأن الانتصارات توالت عليهم بعد ذهابه: (بعد مشيت منكم الحكامة إبراهيم إدريس انجغم والمسيرات اشتغلت فيكم)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنانة إيلاف عبد العزيز تُقلد السلطانة هدى عربي أثناء تقديمها وصلة غنائية والأخيرة تنفجر بالضحكات    شاهد بالصورة والفيديو.. شارع "البراحة" بمدينة بحري يلبس حلة زاهية بعد أعمال الصيانة وإعادة سفلتة الطريق    البرهان يصل الرياض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    شاهد بالفديو.. تكلفة إيجار الأستوديو وحده بلغت 2 مليون مصري.. صحفية سودانية شهيرة تهاجم برنامج "أغاني وأغاني" وتناشد الرئيس البرهان: (أوقف هذا السفه لأجل الشهداء الذين قدموا أنفسهم فداء لك)    إجلاء جثامين وجرحى عناصر«يونيسفا» إلى أبيي بعد الهجوم المسيّر    تعرف على جوائز كأس العرب 2025    الجمارك تدشين العمل بنظام التتبع الإلكتروني للحاويات    النوم أقل من 7 ساعات ثاني أكبر قاتل بعد التدخين    التاج ابوجلفا ودلوت في نهائي دورة شهداء معركة الكرامة بمدينة رفاعة    ريال مدريد ينجو من فخ ألافيس ويلاحق برشلونة    مَاذا يَنقُص الهِلال؟    مسؤول سوداني ينجو من موت محقق    شاهد بالصور.. "جرجس روحي" يهاجم "زول سغيل" بسبب دارمته الجديدة: (كنت بتتريق علي الاحداث الانت حاليا بتحاول تمثلها ومجالك انت معروف شوف البنات الساقطات اخلاقيا والماعندهم اهل)    بعد غياب طويل.. أول ظهور للفنانة المصرية عبلة كامل بعد قرار السيسي    ياسر محجوب الحسيني يكتب: البرهان يناور بذكاء ويتوعد الدعم السريع    منع نقل البضائع يرفع أسعار السلع في دارفور    فريق عسكري سعودي إماراتي يصل عدن    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    ترامب يلغي وضع الحماية المؤقتة للإثيوبيين    كارثة إنسانية قبالة اليونان وغالبية الضحايا من مصر والسودان    الإعلامية والشاعرة داليا الياس ترد على إتهام الجمهور لها بالتسبب في فصل المذيع الراحل محمد محمود حسكا من قناة النيل الأزرق    رئيس الوزراء يشهد تدشين الربط الشبكي بين الجمارك والمواصفات والمقاييس    أطعمة ومشروبات غير متوقعة تسبب تسوس الأسنان    إليك 7 أطعمة تساعدك في تقليل دهون الكرش طبيعياً    الإعلامية سماح الصادق زوجة المذيع الراحل محمد حسكا: (حسبي الله ونعم الوكيل في كل زول بتاجر بي موت زوجي.. دا حبيبي حتة من قلبي وروحي انا الفقدته وفقدت حسه وصوته وحبه)    حَسْكَا.. نجمٌ عَلى طَريقته    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    وفاة إعلامي سوداني    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    هيئة مياه الخرطوم تعلن عودة محطة كبيرة للعمل    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    تنويه عاجل لهيئة مياه الخرطوم    تصريحات ترامب المسيئة للصومال تثير غضبا واسعا في مقديشو    قرار عاجل لرئيس الوزراء السوداني    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    إدارة التعدين بولاية كسلا تضبط (588) جرام و (8) حبات ذهب معدة للبيع خارج القنوات الرسمية    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والمواد الخطرة بنهر النيل    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    إحباط تهريب أكثر من (18) كيلوجرامًا من الذهب في عملية نوعية    وصول 260 ألف جوال من الأسمدة لزراعة محاصيل العروة الشتوية بالجزيرة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة العسكري الأخيرة: رواية للسفير جمال محمد إبراهيم .. بقلم: عبد الله الشقليني
نشر في سودانيل يوم 29 - 05 - 2014


[email protected]
مدخل للقراءة :
(1)
لن يجد المرء ، وهو يبدأ قراءة الرواية ، إلا وسحِرٌ خفي يستهويه أن يظل متابعاً بكل حواسه هذا النسيج الروائي الرائع ، إذ يغزل النَول كاتبٌ له بيئته السردية ، وحلاوة جرس لغته الخاصة. مَلكَ بها شَغَاف قلب منْ يحب اللغة العربية وجهاً مِن وُجوه التعبير ،وله أيضاً نقشه المُميّز في اللغة الروائية المكتوبة .
هذا السِّحر هو مَلكةٌ إبداعية وصناعة وخبرة ، تكثَّفت في كبسولة الرواية التي قرأنا .هي " التخيّل التاريخي " دون شك . ينبض قلبُه بين أيدينا ونحن نتصفّح. اختلطت الحقائق في مَعِدة الرواية .نثر فيها الكاتب انزيمات الهضم ، ولم يعُد هناك إلا أطياف تكاد تخدعك : أأنت أمام رواية بحق أم هو نبش لسيرة بطلٍ ،من خلال رواة متخفين بلباس حفل تنكُري روائي بكامل قَمَر تَمامِه ؟.
جعل الكاتب يدخل مناطق فيها الحفاوة بالبطولة ، التي لم تجد ما تستحق من رصد وتدوين ، ويوثق للرواية بشكلٍ جديد. يتنقل برشاقة في مُحيطٍ ، يفرُّ من بنان التدقيق التاريخي إلى الأحداث الجسام ، ولكنه يَهبكَ نافذة مفتوحةً على كل الخيارات. يستدعي المؤرخين أن يحفروا في الأرض الخصبة بالحياة ، ليعثروا عن ضالة غابت عنهم وهم في أوج فُحولتهم وتخمتهم بصدارة المشهد . ليس تاريخ الحاكمين وحدهم هو التاريخ ، ولكن تاريخ الشعوب السودانية المنتشرة في الأراضي الشاسعة في موطننا ، بثقافاتها واجتماعياتها واقتصاد أهلها ولغتهم وآدابهم وتراثهم الفني .إنه الوجه الخَفي الذي ما أظهره من كُتَّابنا إلا القليل . منهم الصحافي المُخضرم "عبد الله رجب" في رائعته " مذكرات أغبش " ، أو المعلم " بابكر بدري " في مذكراته " حياتي " . في زمانٍ غلُب على تاريخنا الثقافي أن تحفظه الصدور ، ويضيع معظمه دون توثيق !.
تجربة السفير جمال محمد إبراهيم فريدةٌ في رواية " التخيل التاريخي " . سلاسة اللغة ووشيها ودمها المسفوح في الكتابة تكشف بصمات كاتب روائي ، تمرَّس على حلاوة اللفظ المُدون وطلاوة التعبير المكتوب. للراوي أو الرواة الذين أنطقهم طعوم بمذاق خاص .
(2)
للبطل "عبد الفضيل ألماظ" ، دَينٌ علينا جميعاً، أكانَ يؤمن بوحدة وادي النيل أم لم يكٌن . لم تتمكن الذاكرة الجمعية ، ولا مدونو التاريخ وعلماؤه أن يفضوا غلاف سيرته أو أن يزيلوا الضباب الكثيف الذي غطى تاريخ معظم ذوي الأصول المُنْبتَّة . تناولت الرواية بلغة سلسة ذات معانٍ دقيقة الوصف،الصراعات العِرقية الظاهرة والخفية ، بلغةٍ تجاوزت بلطافتها الألفاظ التقريرية المُباشِرة ، إلا ما اقتضته الضرورة .بقايا تلك من المعضلات والأحزان الإنسانية في زمن ماضٍ ،هي مما تجاوزته البشرية الآن . بقي الأثر الثقافي الذي لم يزل يؤسس ضجراً في الحياة الاجتماعية دون واقع اقتصادي يُسنده.
لقد ذكر بعض منها في سيرته الذاتية، المعلم " بابكر بدري " منذ أوائل القرن الماضي . لم يتهيب أن تنال مكانته ما ينالها ،حين يذكُر تفاصيل نزوات الشباب ،وقصص تلك الصفحات التي تمتَحِن صدق كاتبها ، حين يكتب ما له وما عليه. ولكن الخوف كله أن تمتد يد البتر الظالم إلى الطبعات اللاحقة لعام 1959 في مذكرات " بابكر بدري " ، مثلما جرى سابقاً لطبعات أسفار" ألف ليلة وليلة "، في قاهرة المُعز من بعد طبعة 1983 م، من جورٍ على النفائس المكتوبة بدعواتٍ تُمْسِك بخِناق المعرفة ،لتُجرِّدها من كنوز التفاصيل ، بسيوف الأخلاق المغلوب على أمرها !.
(3)
لقد تحدث الدكتور العراقي الموطن : " عبد الله إبراهيم" أوائل عام 2013 م عند الحفاوة السنوية بجائزة الطيب صالح في الخرطوم ،ضمن ورقة عن كتابه"التخيّل التاريخي " ليكون بديلاً عن مفهوم " الرواية التاريخية "، قاصداً المرجعية التراثية والتخيّل السردي.وأصطلح عليها بالتخيل التاريخي ، الذي وجد صعوداً مثيراً للعجب ، ثم يستقيم أمر أهم نماذجه في الموضوع ، وهو سؤال الهويَّة . وتحدث عن أن الأدب والفن لن يكونا بمعزل عن سؤال الهويَّة ، ولا ينحسر ولا ينعدم في تراث الأمم . حافراً بين الأمثلة والحدود المتداخلة . بين المرجعية التراثية والسّرد الروائي التخيُّلي الحديث والرؤية السردية الكاملة .الرواية التي تنشق عن الأصول التي خلفها التاريخ في سيرته ، ومعرفة مقدار الملامسة لهذه المادة التاريخية و مقدار الانشقاق عنها .والمرْويات التي كُتبتْ من فئة أو طائفة أو رواة خصوم أو حياديين . إن أخبار التاريخيين وهم يتحدثون عن التاريخ المشكوك في أمره في مواجهة الروائيين ، في حين أن التمثيل السردي يقر بالتاريخ الذي استند عليه الكاتب من المنابع والمصادر بتدقيق أو بدونه . وأقام بنية تحتية للقص من أوله إلى منتهاه.
(4)
من الصعب التناول النقدي لتجربة رائدة ، تحفل بأثواب الجِدَّة والوثوب عن التقليد والمُتعارف عليه ، إلى فضاءٍ أكثر رحابة. يمارس فيه الكاتب الحفر في التاريخ بأدواته الخاصة. وينتقي لمادته الروائية ، تُحفاً تثير عاصفةً حول طبيعة الآثار الثمينة التي بين أيدينا ولا نعرف : أهي صادقة التأريخ ، أم غلَّفتها الرواية بصناعة أدبية؟ . تكاد هي أن تستدعي مجاهر الفحص وتُحفِّز أهل التدوين أن يحفروا في أهرامات تاريخنا السياسي والاجتماعي والثقافي والفني ، بالقدر الذي يزيح عنا هذا الصمت المُطبق على ماضينا المدفون في الصدور ، والذي تأثر به حاضرنا ، دون أن نعي تراكم التناقُضات في مشاهد المآسي التي نعيش الآن . ولحظات التفجيرالتي نشهدها في حاضرنا ، تُعيي مداواتها أمهر أهل التطبيب.
(5)
رواية بهذا الحجم ، أستَكْثِرُها أن تكون ضمن سلسلة " 100 كتاب في الثقافة السودانية لولاية الخرطوم ". ليس لتشكيك في قدرات طاقم التحرير والنشر، ولكن لأن ديباجة كتبها الناشر في مُفتتح مغلف الرواية ، تشيد بتوجيه رفيع ورعاية كريمة من الذين على أيديهم مسؤوليات حياتنا الثقافية الراهنة ومآل ما نحن عليه من ضَيم .و لأن الفضل يُنسب إلى منْ يُوجِّهون وبيدهم السلطة والمال ، و يُنسب لاحقاً للمبدعين والعاملين على النشر : بقايا المائدة الثقافية ! ،وهم أهلُها الأحقْ !.و رغم صِغر الديباجة ، فإنها لم تنج من خطأ الإملاء! .
تحية للشاعر والروائي :السفير: جمال محمد إبراهيم ، وتهنئة للمثقفين الذين يؤسسون للبنية التحتية للثقافة والوعي في صمت .
عبد الله الشقليني
28 مايو 2014


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.