500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    حمّور زيادة يكتب: من الخرطوم إلى لاهاي    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    تستفيد منها 50 دولة.. أبرز 5 معلومات عن الفيزا الخليجية الموحدة وموعد تطبيقها    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    حادث مروري بمنطقة الشواك يؤدي الي انقلاب عربة قائد كتيبة البراء المصباح أبوزيد    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قولوا ، إنْ أصابَ الرئيس : لقد أصابَ .. بقلم: هاشم الإمام محيي الدًين
نشر في سودانيل يوم 13 - 06 - 2014

الولايات المتحدة / فرجينيا
[email protected]
الذي يقرأ ما ينسبه الكتاب المعارضون ، في وسائط الإعلام ،إلى الرئيس وبطانته،وأهل بيته، وأعضاء حكومته، ورموز الحركة الإسلاميّة ، من جرائر ، وجرائم بعضها ضد الإنسانية ومحاباة ، وعنصرية ، وفساد مالي وأخلاقي، ويصدق ما يكتبه هؤلاء الكتّاب ، ويطمئن إليه، يداخله الظن بأن هؤلاء القوم محل النقد ربما قُدّوا من شرّ محض، وأن الله لم يفطرهم على الخير كما فطر سائر الناس .
والذي يتأمّل ما تكتبه هذه الأقلام الجائرة ، وينعم النظر فيه ،لا يخالجه شك بأن أمراً قد دُبّر بليل ، وأن حملة منظمة قد جُندت لها هذه الأقلام ؛لتشويه سمعة قادة الإنقاذ ، وقادة الحركة الإسلامية ، واغتيالهم سياسيا ، إذ لم يترك هؤلاء الكتاب رمزاً من رموز الحركة الإسلامية ، ولا أحداً من قيادات الحكومة إلا أزروا به ، واتهموه إمّا في سلوكه الشخصي ،وإمّا في أدائه المهني ، أو فيهما معاً ، حتى صار المرء يخشى أن يذكر في مجلس أنه عضو في الحركة الإسلامية ، ولو كان ذلك في مرحلة سابقة من مراحل عمره، دعك من الدفاع عن النظام القائم ، وذلك لعمري الذي إليه يهدفون، ومن أجله حُملت الأقلام، وسوّدت الصحائف الورقية منها والاسفيريّة .
وكل موظف من موظفي الخدمة المدنية اتّهم بالاعتداء على المال العام ، فهو بالضرورة عند هؤلاء الكتّاب إسلامي ، ولو تدثّر بدثار العلمانية ، وارتدى ثياب الماركسية ، وكل تاجر سوداني ضُبط في مطار من مطارات العالم ، يحمل عملة صعبة ، فهو بلا أدنى شك عضو فاعل في الحركة الإسلامية ، وفي طريقه إلى ماليزيا لإيداع هذه الأموال في مصارفها ؛ خوف سقوط حكومة الإنقاذ، وتعرضه للمحاسبة ، ولو أقسم هذا التاجر بالأيمان المغلظة أنه ليس ب( كوز) ، وأنه لا يعرف موقع ماليزيا على خريطة العالم . وربما عرّج الكاتب بهذه المناسبة على خبر الطائرات الرابضة في فناء القصر ؛ لتهريب المسؤولين إلى الخارج ، ساعة سقوط النظام المتوقع قريباً .
إنّ الهجوم على الحركة الإسلامية في السودان جزء من حملة عالمية آثمة لمناهضة الحركات الإسلامية ، التي بدا واضحاً أنها خيار الشعوب الإسلامية ، وأنها تهدد الفكر العلماني الحاكم فيها ، فأشد ما يخافه هؤلاء العلمانيون هو تكرار التجربة الجزائرية ، وثورات الربيع العربي التي فضحت دعوى العلمانيين بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع ، وهذه الحملة يشتد نشاطها الآن في دول الخليج ، ويعلو صوتها في السودان لطبيعة الحكم فيه ، ولوجود نموذج يمكن الإشارة إلى سقطاته ، ومما يعجب منه ، أن كل التجارب العلمانية الفاشلة ، في أفريقية والعالم العربي طوال عهد ما بعد الاستقلال، يُنسب فشلها للحكام لا للفكرة ، ولكن أي إخفاق ، ولو كان جزئياً ، في تجربة إسلامية ، فهو منسوب إلى الفكرة ضربة لازب .
بدأت هذه الحملة قديماً بتجريد الحركة من صفة " الإسلاميّة "وإطلاق صفة " الإسلاموية " عليها ، وظلّ المعارضون يصرون على هذا المصطلح، ويذكرونه من جملة الصفات القوادح في الحركات الإسلامية ، كما يرون ، حتى ساء معناه ، وصار إذا أُطلق تبادر إلى الذهن استغلال الدين ، والإفساد في الأرض باسمه ، والإرهاب ، وغير ذلك مما تسمع وتطالع ، ورغم أنّ الكلمة قد شاعت ، وحملت من المعاني ما أُريد لها أن تحمله ، إلا أنني لا أزال أسأل على غرار سؤال الروائي المرحوم الطيب صالح : من أين جاءت هذه الكلمة ؟ فمن حيث اللفظ لم يسمع أن النسب إلى " إسلام "هو " إسلاموي " بزيادة واو وياء ، وإنّما هو " إسلامي " بزيادة الياء المشددة ، كما هو معروف في قواعد علم الصّرف. أما من ناحية المعنى فالمعروف في اللغة أنّ الزيادة في المبنى تجلب زيادة في المعنىً ، وعليه يكون لفظ " إسلاموي " فيه زيادة في المعنى على لفظ " إسلامي "! فهل ( دقس ) صاغه اللفظ عن هذا أو أنه الاصطلاح ، ولا مشاحة في الاصطلاح .
كذلك مصطلح ( إسلاربوي ) فهو لفظ منُحوت ، والنحت في اللغة ، هو أن تعمد إلى كلمتين أو ثلاث ، أو إلى جملة فتِؤلف من بعض حروفها كلمة جديدة ، تكون دلالتها موافقة لدلالة ما أُخذت منه، ولا أدري كيف نُحت هذا اللفظ من كلمتين متناقضتين في المعنى !
وصوغ هذا المصطلح إنما أُريد به محاربة تجربة المصارف الإسلامية، ونظرية الاقتصاد الإسلامي الوليدة، التي لا تزال في أول عهدها تلتمس لها طريقاً بين النظريات الاقتصادية العالمية، ولا شك أن الطريق طويل وشائك، ومحفوف بالمخاطر والأخطاء، ولم
يزعم أحد من منظريها أنها قد نضجت،أو قاربت النضج ،بل لا تزال في طور التنظير والتجريب، ولكن دعاة العلمنة لا يريدون لشيء له ارتباط بالدين أن يرى النور ،أو يدخل دنياهم، فللدين عالم الغيب، ولهم عالم الشهادة، والجمع بينهما من بدع جماعة الإسلام السياسي .
أذكر أنني أوّل ما قرأت مصطلحي " إسلاموي " و " إسلاربوي " كان في كتابات الدكتور منصور خالد، وهو بلا شك أديب لاتخفى عليه قوانين العربية، ولابُد أن له تبريراً لغوياً لهذه النسبة " إسلاموي " ولذلك النحت " إسلاربوي " .
كذلك مصطلح " الإسلام السياسي " فقد ألبسوه معنى منفراً ، أرادوا به نفي العمل السياسي عن الإسلام ، وإيهام العامة من القراء بأن العمل السياسي من مبتدعات الجماعات الإسلامية ، لا من أُصول الدّين ، حتى ينساق الناس وراء دعوة العلمنة ، وفصل الدين عن الدولة. .
أضف إلى ذلك مصطلح " كوز " وانظر كيف جردوا هذا الإناء الجميل من معناه ، وجعلوه صفة ذميمة ، يتداولها الناس دون وعي بمدلولها اللغوي الذي وُضعت له . ورغم أنّ المعنى الاصطلاحي ينبغي أن يمت إلى المعنى اللغوي بصلة ، إلا أن هؤلاء الشياطين ، شياطين الإنس ، استطاعوا أن ينزعوا عنه معناه اللغوي ، ويلبسوه معنى اصطلاحياً لا صلة له به ، والحق أنهم نجحوا في ذلك أيّما نجاح .
والإسلاميون يقابلون هذا المصطلح بمصطلح " الخفافيش " يطلقونه على الشيوعيين ؛ لأنهم كما زعموا ، يمارسون العمل السياسي ليلاً، في عهود التضييق عليهم ، وما أطولها ، وهو مصطلح متداول على نطاق ضيق ، وهو كما ترى لا يحمل معنى سيئاً في أصله اللغوي ، ولم يطرق عليه الإسلاميون كثيراً حتى يصرفوا الناس عن معناه اللغوي الموضوع له أصلاً، إلى معنى آخر سيء يريدونه ، ولو أطلقوا عليهم لفظ " قنافذ "، لكان أنسب ،فالقنفذ حيوان معروف يضرب به المثل فى السرى ، فيقال أسرى من قُنفذ ؛ ذلك لأنه ينام نهاراً ، ويصحو ليلاً ، وهو أنكى في الزراية بهم ، وأبلغ في الهجاء ؛ لأنه إذا ذُكر تبادر إلى الذهن بيت الفرزدق في هجاء جرير:
قنافذ هدّاجون حول بيوتهم بما كان إيّاهم عطية عوّدا
وبعد الفراغ من صوغ المصطلحات ، وإدخالها في لغة الإعلام والسياسة ، لجأ القوم إلى تشويه سمعة النظام وقادته ، وما وجدوا أنسب إلى نفسية السودانيين ، وأقرب إلى مزاجهم من الاتّهام بالفساد ، فهو مما هو معلوم بالضرورة عن الحكومات ، في الفقه السياسي الشعبي السوداني ؛ لذلك ركز المعارضون عليه ، وصاروا يتهمون القيادات الحكومية بالفساد ونهب المال العام ، ولا يتورعون من نسبة المفسدين إلى الحركة الإسلامية ، كيفما كانت مشاربهم السياسية ، وقد سهّل ذلك أنهم أقنعوا عامة الناس من قبل ، بأن كل العاملين في الدولة قد سُرحوا بقانون الصالح العام ، وحل محلهم كوادر الحركة الإسلامية .
والاتهام بالفساد لم ينجُ منه نظام من الأنظمة السياسية التي حكمت السودان منذ الاستقلال ، فالحاكم دائماً عند السودانيين موضع الريبة ، ومظنة الفساد ، والحمد لله فإن الأيام قد بيّنت زيف هذه الاتهامات ، فبرّأت الجنرال عبود من تهمة الفساد ، وفضحت حملة الشيوعيين ضد النميري ، واتهامه بالفساد والثراء الحرام ،فالمسكين لم يجد حين نُزعت منه السلطة ،غير بيت أسرته القديم يأوي إليه ، وعاش بقية عمره على الكفاف يقتات من معاشه ، ولو أن أحداً قال في عهد النميري أن الرجل فقير ، و ليس بفاسد لتدافعته الأيدي .
ولم تسلم الأنظمة الديمقراطية أيضاً من الاتهام بالفساد ، فالرئيس الأزهري حين بنى بيته اتُّهم بالفساد ، وهو بريء ، وكذلك الإمام الصادق المهدي رغم أنه كان لا يتقاضى أجراً من الدولة على رئاسة الوزارة ، إلا أنه لم يسلم من غمز الغامزين ، فانظر ، يا رعاك الله ، كيف نظلم حكّامنا أحياناً ، وأخشى ما أخشاه أن يأتي يوم ينسينا ما كان من الإنقاذ ، فربّ يوم بكيت منه ، فلما صرت إلى غيره بكيت عليه ، فانتبهوا واخشَوْا يوماً يكون الموت فيه بسبب لون الأُذن .
وهذا الكلام لا يبريء بعض قيادات الإنقاذ من الفساد ، فمنهم مفسدون ، وكثير منهم صالحون ، والفساد ظاهرة متفشية في المجتمعات ، وأمر متوقع من البشر ، فلم يجعل الله الناس معصومين من اقتراف الآثام ،وليس هذا تبريراً للفساد ، فهو معيب ، وفي حق الإسلاميين أشد عيباً ، والله حثّ المؤمنين على الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والأخذ على يد المفسد ،ولكنه أيضاً أمرهم بالتبيّن قبل إشاعة الخبر، فلا يجوز لأحد أن يسوق التهم جزافاً بلا بيّنة ، فالأصل في العلاقات بين الناس حسن الظن، إلا ما يعرض في القلب ولا يستقر ، أوما تهجس به النفس ، فذلك معفوّ عنه .والصحف عندنا أحرص على الإثارة من تحري الحقيقة ، وأعنى بسقف مبيعاتها من عنايتها بصدق الخبر .
شاهدت في برنامج " حتّى تكتمل الصورة " بعض الصحفيين يتحدثون عن مصادرة الحكومة لحرية الصحافة ، بعد إيقاف صحيفة " الصرخة "، ويريدون من الحكومة أن تجعل لقضايا الصحافة محكمة خاصة ، وهو اقتراح جيّد إذا نُظر إليه من ناحية تعجيل الإجراءات ،وكسر الرتابة ، ولكن تعجيل الإجراءات لا يكمل الصورة ، فالمتضرر من إشانة صحيفة لسمعته ،لا ينفعه شيء أن تدان هذه الصحيفة أو تبرأ ، بعد أن سلبته ما لا يستطيع أن يستنقذه ، فا لأجدر بهذه الصحف أن تلتزم خلقياً بآداب النشر ، ومستلزمات العمل الصحفي ، فالقانون لا يرد الحقوق الأدبية والأخلاقية إذا انتهكت . ومن عجيب الأمر أن الباشمهندس الطيب مصطفى ، الذي صاغت له صحف المعارضة مصطلح " الخال الرئاسي " قد استعار من المعارضة بعض مفرداتها ، واتّهم الحكومة بالفساد ، والتعدي على حرية الصحافة ، فالصحيفة الموقوفة صحيفته ! ولو اعتبر بما يُتهم به من استغلال قرابته بالرئيس ، ومحاباة الرئيس له ، لتأنّى قبل أن يتهم الآخرين .
والمعارضون لحكومة الإنقاذ ، لا يعترفون لها بأي إنجاز أنجزته طوال ربع القرن الماضي ، فهي كالعشواء تتخبط ، ولا تستبين طريقها ، ولا يقرون بحسنة للرئيس ، فهو ملء الشر إهابه ، وكأني به يتمثّل قول الشاعر :
إنْ يسمعوا ريبة طاروا بها فرحاً منّي ، وما سمعوا من صالح دفنوا
صمٌ إذا سمعوا خيراً ذُكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
أذنوا : أي سمعوا .
وعلى عكس ذلك ، فهم يستصوبون كل عمل يظنون أنه يفت من عضد الإنقاذ ، ولا ينظرون إلى عواقبه ، فالعمليات العسكرية التي تقوم بها الحركات المسلحة في جنوب كردفان ، ودارفور ، وجنوب النيل الأزرق بطولات ، ولكن ما يقوم به الجيش من واجب التصدي لهذا التمرد ، ترويع للمواطنين العزل ، وانتهاك لحقوق الإنسان ، وما تطفحبه كتابات بعض أبناء هذه المناطق من عنصرية ، وكراهية لأهل وسط السودان ، يُغض الطرف عنه ؛ لأنهم مهمشون ، وأهل ظلامات تاريخية ، ولكثرة الطرق على هذه المغالطات التاريخية ، كدنا ، نحن أهل الشمال ، نصدق أن بلادنا استأثرت بالثروة ، وأنها جنة الله في الأرض ، وأن أهلها يعيشون في رغد من العيش ، مع أنه كان إلى وقت قريب إذا ركبت قطار الشمال قابلك الصبية يسابقون القطار يتكففون راكبيه حرف الرغيف اليابس، وأصحاب هذه المناطق المهمشة كانوا يسوقون أمامهم آلاف الرؤوس من بهيمة الأنعام ، ويصدرون إلى العاصمة ( البرتكان أبسُرة ) حامدين الله على نعمة الأمن والعيش الرغيد ، حتى خلف من بعدهم خلف ، كفروا بأنعم الله ، فأذاقهم الله لباس الخوف والجوع . فأيّ الفريقين أحق بصفة التهميش ، وأجدر بالتمرد !. وقادة هذه الحركات المسلحة ، كانوا جزءاً من الإنقاذ ، ثم تمردوا عليها لطموحات شخصية ، ولكن الخروج المسلح على الإنقاذ ،عند قادة المعارضة توبة تجُبّ ما قبلها .
ورغم أنّ كتاب الحركة الإسلامية، دون غيرهم من كتّاب القوى السياسية الأخرى ، كتبوا جملة من الكتب في نقد الحركة الإسلامية ، وحكومة الإنقاذ ، ولا يزالون يكتبون ، إلا أن ذلك لم يشفع لهم عند المعارضين ، ولا وجد عندهم التقدير، بل استخدموا هذه الكتب مصادر لبحثهم عن مثالب الحركة الإسلامية ، وما كان في هذه الكتابات من إسراف في النقد رضوا عنه ، وما التزم فيه صاحبه الموضوعية سخطوا عليه ، ألا ترى أنهم كيف يطبلون للدكتور الأفندي ، حتى إذا كتب ما يشم منه رائحة مخالفتهم ، سلقوه بألسنة حداد ، وقالوا ( أصلو كوز ) ولا يفلح ( الكوز ) حيث أتى .ألا ترى كيف وجد الدكتور الترابي الترحيب عندهم حين فاصل النظام ، وكيف صار من قادة المعارضة ومفكريها ، حتى إذا قبل المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس ، قلّبوا له صفحات الماضي ، وذكروا الناس بضلاله القديم ،وقالوا إن معارضته طوال الفترة السابقة( 15 سنة) كانت تمثيلية .
لا أقول إن يكف المعارضون عن نقد الرئيس ، وحكومته ، وحزبه ، بل أدعو إلى ذلك ، ولكني أطلب من الناقدين أن يعدلوا في القول،وأن يحرصوا على ذكر المحاسن حرصهم على ذكر المثالب ، ولا أقول إن الرئيس لا يخطيء ، فكل الناس خطّاءون ، ولكنّ خطأه لا يُقابل بالسخرية والاستهزاء ، بل بالتقويم السديد ، والنقد الهادف ، فالإساءة للرئيس عند كثير من الشعوب إساءة للوطن ، وكذلك هي ، ولا أقول إن الحكومة لا تقيّد حرية النشر أحياناً ، ولكني أُذكّر الضائقين بهذا القيد أننا في بلد تأكل أطرافه الحروب ، ولا تتأتى الحرية كاملة في ظل الحروب ، ولقد رأينا في هذه البلاد ، الولايات المتحدة ، أنها حين دخلت الحرب مع العراق ، صار مصدر المعلومات واحداً ، ولم تجرؤ صحيفة واحدة أثناء الحرب ، أن تنتقد قرار الحرب ، بل كانت الآلة الإعلامية كلها على لسان رجل واحد ، وتعبّر عن رأي واحد ، هو رأي الدولة ؛ حرصاً على وحدة القوات المسلحة ، و حفاظاً على الروح المعنوية لجنودها .
إن النقد الهادف يقتضي الاعتراف بفضيلة الآخرين ، فيا أيها المعارضون إنّ في بلادنا إحدى وعشرين صحيفة سياسية ، وأكثر من ثمانين حزباً ، وجملة من برامج الرأي التلفزيونية ، التي تتسابق في نقد الحكومة ، فهلا قلتم شاكرين لربكم إن عندنا مساحة من الحرية نسعى لزيادتها ، وإنّ الناس يتخطفون من حولنا . ويا أيها الشاكون الرئيس لله ، أقلوا اللوم ، وقولو، إنْ أصاب الرئيس : لقد أصاب .
هذا وأود أن أُبيّن لك ، أيّها القاريء الكريم ، قبل أن يذهب بك الظن كل مذهب ، أن ماكتبته في هذا المقال ، وما أكتبه دائماً إنما هو قناعة شخصية ، ليس وراءها جهة رسمية ، ولا غرض شخصي ، فأنا لا أعرف الرئيس ، وقد رأيته عياناً مرة واحدة في مناسبة اجتماعية ، صافحني فيها مع من صافح من الحضور، ولا أنا ممن يرجون هناءة العيش ، فقد أتى دون حلو العيش حتى أمرّه ، نكوب على آثارهن نكوب ، كما أنني تجاوزت عمر المطامع ، والطموحات الشخصية ، وصرت أعد الأيام الباقية من عمري و :
ما أسرع الأيام في طيّنا تمضي علينا ثم تمضي بنا
في كل يوم أمل قد نأى مرامه عن أجل قد دنا
فامسك عليك لسانك ، ولاتخض مع الخائضين .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.