السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تسويق الشهادات العلمية في الجامعات السودانية: شهادة لله .. بقلم: د. عبدالرحمن محمد يدي النور
نشر في سودانيل يوم 28 - 06 - 2014


بسم الله الرحمن الرحيم
تسويق الشهادات العلمية في الجامعات السودانية: شهادة لله*
وتداعيات نشرها*
بقلم الكاتب والأكاديمي والناقد د. عبدالرحمن محمد يدي النور
أستاذ مشارك سابق- كلية اللغات والترجمة
جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا
[email protected]
facebook: DrAbdelrahman
هاتف: 0024991363260600249913632606
كلنا يعلم حرارة الصدق ومرارة الحق وصعوبة الشهادة لله. إلا أن الله تعالى يقول في محكم تنزيله: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا". أحببت أن افتتح هذه المقالة بهذه الآية التي تحث الإنسان على الصدق وان يجعل الشهادة لله وألا يساوم في الحق حتى وإن كلفه ذلك أغلى ما يملك بما في ذلك وظيفته وحياته. فالكذب وغياب الأمانة ومغادرة الصدق والمداهنة والشعارات المضللة وكتم الحق قد أهلكنا وحولنا إلى مجرمين بأربطة عنق بيضاء. واتبِع الآية أعلاها بالآية القرآنية التي افتتحتُ بها احد كتبي التي صدرت وهي نص الآية القرآنية التي تقول: "رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين". إذ أن الأمر جلل ويخص الاستصدار العشوائي للشهادات الجامعية في الجامعات السودانية. وسأثبت في هذا المقال إن هناك جرائم أكاديمية لا مثيل لها في العالم تحدث في حقل التعليم الجامعي في السودان. فحقيقة أنه إذا كان الأداء الأكاديمي في الجامعات السودانية بصفة عامة وجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا بصفة خاصة بهذا المستوى فإنها لا تستحق أن تكون مفتوحة بل إن المنطق البسيط يحتم إما تعطيلها أو إعادة مراجعة هياكل إداراتها ومؤهلات هيئات التدريس فيها ومراجعة كفاءة النظام الدراسي وفاعلية المقررات الدراسية وموثوقية البحوث التي تم إصدار شهادات بموجبها. هذا إذا كانت الحكومة فعلا لا ترغب في أداء مسرحي للتعليم! وإذا لم تفعل الحكومة شيئا في هذا الأمر فلتتأكد أنها تنفق على مؤسسات خربة وفاشلة يسترزق من خلالها الفاشلون ولا تقوم بواجبها وهي ليست اقل فشلا من أجسام كالسكة حديد والنقل النهري وقد قامت الحكومة بتفكيكها وحسنا فعلت. بل إن هذه المؤسسات التعليمية هي أكثر خطورة لأنها تمسرح أدائها الأكاديمي وتُخَرِّج للمجتمع أشباه حملة شهادات عليا. ولأثبت ما ذهبت إليه سآخذ تخصص ماجستير اللغة الانجليزية في جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا كمثال لهذا الواقع الأكاديمي الجامعي المخزي وأوضح أسلوب وضع وانجاز الكورس الدراسي وعلى القارئ أن يتخيل كيف يكون الحال في التخصصات الأخرى.
نوعية الطلاب المتقدمين لكورس الماجستير:
فيما يختص بالمتقدمين للالتحاق بكورس ماجستير اللغة الانجليزية فإن الجامعة تستقبل طلبات القبول من نواتج تعليمية (يُقال أنهم يحملون بكالريوس) ولكن لا أستطيع أن أعطي غالبيتهم تعبيرا تقييميا لكسبهم الأكاديمي أكثر من 'الضحالة في التخصص‘ وليس 'البكالريوس في التخصص‘. وقد أكد ذلك أحد الأستاذة إذ قال معلقا على مستوى المتقدمين لكورس الماجستير أنهم "ضعاف" أكاديميا. وإذا كان الحال كذلك فما هي الضرورة أصلا في فتح كورسات ماجستير انجليزي في السودان؟ فهل وصلنا لمستوى دولة كالهند مثلا التي بإمكانها انجاز مثل هذه الكورسات بالمستوى المعياري المطلوب؟ فقد قال لي احد طلاب ماجستير اللغة الانجليزية انه ذهب إلى الهند لدراسة ماجستير اللغة الإنجليزية إلا انه وجد الكورس "صعبا" فتركه وعاد إلى السودان. فبالنسبة لطالب كهذا فإن كورس متوعك يعطي شهادة من دون عناء أفضل من كورس صعب لكنه يؤهل بعد عناء. لذلك فقد اختار العودة ليلتحق بالكورسات المتوعكة في السودان! وهذا يدل على أن كورس البكالريوس الذي يدرسه الطلاب لا يؤهل الطالب لما بعده وأن بعض الطلاب لا يستحقون شهادة البكالريوس التي على أساسها يتم قبولهم في برنامج ماجستير اللغة الانجليزية وأنهم يكتبون الانجليزية بمستوى طالب ثالث ثانوي أو طالب بكالريوس مبتدئ ومع ذلك يتم قبولهم ومن دون إخضاعهم لأي اختبار لتقويم كوامنهم لدراسة ماجستير اللغة الانجليزية وبذلك يتضح أن هدف الجامعة ليس تأهيل من لهم خلفية كافية في التخصص ويمتلكون كامنا مؤهلا لخوض كورس الماجستير باقتدار بل أن هدفها الأساسي هو الاستحواذ على رسوم الكورس وإقحام أناس في كورس بالرغم من خواء محتواه ومع ذلك فإنهم ليسوا أهلا له. فقد قبلت الجامعة أكثر من خمسة وستين طالبا وطالبة في كورس الماجستير وقبول بهذا العدد الهائل لا يحدث في العالم الا في السودان. وأسست الجامعة لهم كورسات بمسميات أوراق مرتجلة ولفترة زمنية قصيرة لاجتذاب اكبر عدد من المتقدمين ويتم قبولهم بجشع ونهم وتخريجهم من دون فهم! فحقيقة الأمر أنه إذا تم وضع الكورس بطريقة علمية ومعيارية ما كان ليحمل كل ذي نصف عقل شهادة ماجستير إلا إن هذه الشهادة فقدت قيمتها ومضمونها في السودان وصارت في متناول يد كل نصف عقل باحث عن نصف تأهيل "ليتنرجس" به بين العامة. فسهولة الحصول على الشهادة تكمن في بناء الكورس وفترته الزمنية وغياب تخصصيته.
ارتجال بناء الكورس وقصر فترته وتخصصيته الاسمية:
فيما يختص بأوراق كورس الماجستير والذي شاركت في تدريس ورقة من أوراقه الخمسة في السمستر الأول فإن مسميات أوراق كورس السمستر الأول هي كالآتي: (تطبيقات الحاسوب في تعلم اللغة الانجليزية، علم اللغة التطبيقي، تحليل الخطاب، مناهج البحث، قراءات في الأدب الانجليزي والنقد الأدبي). وقد ارتجلوا هذه العناوين ليجعلوها محتوى للسمستر الأول! إن المأساة الكبيرة والخلل المنهجي الخطير يكمن في قِصَر فترة كورس ماجستير اللغة الانجليزية. إذ أن الطالب يدرس سمسترين فقط ولا تتجاوز فترة دراسة السمسترين السبعة أشهر فقط (كل سمستر يمتد لثلاثة أشهر ونصف). وللأسف فإن هذه الفترة الزمنية لكورس الماجستير بأكمله اقصر من فترات مجرد دبلومات لغة تقدمها بعض المعاهد التعليمية الخاصة ولكن الجامعة وضعت هذا الكورس بهذه الفترة الغير مسبوقة في قِصَرِها لان الهم الأكبر للجامعة هو تحصيل الرسوم وليس تأهيل دافعي الرسوم. نتج عن هذا الواقع استحالة تخصصية الكورس. إذ أن السمستر الأول مجرد دراسة عامة لمدة ثلاثة أشهر ونصف فقط يدرس فيه الطالب تلك الأوراق الخمس الملمومة من 'عوالم اللغة الانجليزية‘! كما إن فاعلية محتوى تلك الأوراق في رفع مستوى الطالب وتحويله إلى متخصص مشكوك فيها لان هناك إقحام لمسميات أوراق لا فاعلية لها في مرحلة ماجستير اللغة الانجليزية في السودان كورقة (مناهج البحث). ماذا يفعل مبتدئ ماجستير لغة انجليزية بورقة كهذه؟ إذ أن غالبية الطلبة لم يصلوا بعد إلى مقدرة بناء الجملة الانجليزية بطريقة صحيحة فكيف سيفهمون مناهج البحث؟ فورقة كهذه يجب أن يتم تقديمها للطالب في السودان بعد أن يبحر في التخصص وليس لطالب غير متخصص. إذ يتم تناول مثل هذه الورقة في بيئات مشابهة للسودان كالهند في مرحلة ما بعد الماجستير وقبل الدكتوراه في دراسة تخصصية تسمى (ماجستير فلسفة -.M.Ph-) وهي تمهيدية في مجال أكثر تخصصية مع التركيز على منهجية البحث ومع ذلك فهي ليست ذات ضرورة قصوى ويمكن الاستغناء عنها. فالمتخصص الحقيقي عندما يتوجه إلى دراسات فوق الماجستير يستطيع أن يستنبط المنهجية المناسبة للبحث من بين المنهجيات ويتّبِعها لبناء بحثه وهذا ينبع من إحساسه العميق للمادة التخصصية التي يتناولها بحثا ومدى تشربه بها. لأن منهج البحث له علاقة وطيدة وتفعيلية لما يموج في دواخل عقل المتخصص ويحس ذلك من يرغب أن يبدأ بحثا بعد الإبحار في التخصص. فعندما يصل الطالب إلى مرحلة القدرة الحقيقية في الكتابة والاستنباط والاستخلاص والاستنتاج فلن يفشل في إيجاد المنهجية المناسبة لبحثه حتى ولو لم يدرس منهجيات البحث من قبل. فليس من الضروري إقحام طالب الماجستير في كومة من منهجيات البحث الكثيرة والتي ستظل معلومات مجردة بالنسبة إليه. بل من المفترض تأهيل مخرجاتنا في تخصص اللغة الإنجليزية بكورس مقتدر وعملي ليصبحوا معلمين مؤهلين ويسعفوا الواقع المخزي للغة الانجليزية في المرحلة المدرسية في السودان بدلا من مسرحة أوراق انصرافية مثل (مناهج البحث) و(تطبيقات الحاسوب في تعلم اللغة الانجليزية) لتأكل الجامعة من خلالها أموال الناس بالباطل وتطعم كل متسلق للتدريس الجامعي ويريد أن يعطي الطلاب خطوطا عريضة ويسميها ورقة! فيما يختص بورقة (تطبيقات الحاسوب في تعلم اللغة الانجليزية) يجب ألا ننسى أن الاوتومايزيشن في هذا الخصوص (إدخال الأجهزة في مجال تعلم اللغة) لم يسعف المتعلمين في دول ذات مقدرات مالية كبيرة في انجاز مثل تلك المشاريع الخاصة بمعامل اللغة والمحافظة عليها وصيانتها. فموارد السودان محدودة ويجب علينا أن نركز على ماينفع الطالب في التخصص ونستطيع كذلك انجازه والمحافظة عليه في بيئة مثل السودان سيذهب بعض المتخصصين بعد تخرجهم إلى المدارس الثانوية وجامعات في الأقاليم ليقوموا بالتدريس فيها وهي في الغالب لا تملك حتى وسائل تدريس بدائية ناهيك عن المعامل الالكترونية للغة. فمن الغريب أنه ليس هناك مكان في كورس الماجستير لمناهج وطرق التدريس وتجارب تدريس اللغة الانجليزية في السودان وكيفية تدريس المهارات اللغوية وتحليل أخطاء الطلاب وتاريخ التعليم في السودان وبناء المنهاج والقواعد الوظائفية والتحليلية بالرغم من أن كثير من الطلاب يعملون في حقل التدريس وهذه هي فعلا من المجالات التي ترفع من مستوى إحساس الطالب بتخصصه في مجال اللغة الانجليزية إذا تم تدريسها بطريقة صحيحة. فكيف سيستنبطون المنهاج والمنهجية الأصلح إذا لم يبحروا في علمهما وتاريخ تطبيقاتهما في السودان؟ وعندما تطرح عليهم ذلك يقولون أن هذه دراسات مقتصرة في كليات التربية! فماذا تدرس كليات اللغة الانجليزية وشُعَبِها إذا لم تتناول مثل هذه السياقات؟ وهناك سياقات أخرى كانت أولى بإدخالها في كورس ماجستير اللغة الانجليزية وتدريسها بدلا من إقحام أوراق بمحتويات مجردة وغير فاعلة في الكورس.
بعد إكمال السمستر الأول (ثلاثة أشهر ونصف) والخضوع لامتحانات ينتقل الطالب إلى السمستر الثاني ليتخصص أدب انجليزي أو لغويات لفترة ثلاثة شهور ونصف فقط لا غير! وهذه اقصر فترة تخصص ماجستير في العالم وتاريخ التعليم! وهي أيضا تشتمل على عدد من الأوراق وتحتاج محتوياتها للمراجعة. وقد قال لي طالب أن بعضا ممن يقومون بتدريس أوراق الماجستير يمارسون "مهارة" تملية الملخصات لطلاب الماجستير! وتلك الملخصات قصيرة لا تتعدي أحيانا نصف صفحة أو صفحة فقط في المحاضرة! بينما قال لي زميل أن الأوراق المتخصصة يُدرِّسها شخص من أي تخصص وقال معبرا عن هذا الحال: "كل واحد يقفز ويركب على أي سرج". وهكذا يفعلون مع طالب الماجستير بينما إن كلمة ماجستير تعني (سيطرة الطالب على تخصصه) لكن في السودان لا تعني هذه الكلمة كذلك، بل تعني دراسة تشبه الدراسة في المرحلة الثانوية. وللأسف هذا يجعل طلاب الماجستير ليسوا إلا طلاب "ثانوية عليا جدا" إن صح التعبير! لذلك لا يستطيع معظم من أكمل كورس الماجستير كتابة البحث التكميلي وصرّح لي بهذا رئيس شعبة اللغة الإنجليزية بكلية الآداب – جامعة الخرطوم- د. محمدين- فقد قال لي أن من بين مجموعة من الدفعات التي أكملت الكورس فإن من كتبوا البحث وحصلوا على الماجستير لا يتعدوا عدد أصابع اليد الواحدة. هذا يدل على أن كورس السمسترات بمحتواه وفترته لا يؤهل الطالب مطلقا. والجدير بالذكر أنه حتى في جامعة الخرطوم فإن فترة الكورس لا تتعدى الثمانية أشهر (سمسترين- الأول دراسة عامة والثاني متخصص)- واتفق معي د. محمدين أن هذه الفترة غير كافية لتأهيل الطالب لنيل الماجستير- وأنه حتى جامعة الخرطوم تركز على ماجستير تخصص لغويات وليس أدب انجليزي بالرغم من أن الأدب هو المنبع الحقيقي للتميز اللغوي. إلا أنه لا يوجد أساتذة لتدريس مادة الأدب الإنجليزي لأن تدريسها يتطلب أستاذا له مقدرات لغوية ونقدية وأدائية استثنائية وعددهم لا يكاد يفوق عدد أصابع اليد الواحدة في كل السودان. وهنا يدرك كل حصيف أن الطلاب يُجبَرون في معظم الجامعات على تخصصات لا يرغبون فيها لكنهم يستمرون فيها من اجل كرتونة الماجستير وأن معظم المخرجات غير مؤهلة تأهيلا حقيقيا وان الجامعات لا تترصد النقص في التخصصات لتغطيته وهذا يعني أن الجامعات لا ترفد المجتمع بما يحتاجه فعلا بل تأخذ اقصر الطرق لأكل أموال الناس بالباطل وتخريج منفصمين عن تخصصهم. ونرجع إلى حديثنا عن جامعة السودان- ففي هذا السياق فإن بعض طلاب ماجستير اللغة الانجليزية الذين قمت بتدريسهم في السمستر الأول قد ربطوا تخصصهم في الأدب الانجليزي في السمستر الثاني بوجودي في الجامعة وهذا يفسر أن جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا أيضا تعاني من نقص في الكوادر المؤهلة لتدريس تخصص الأدب الانجليزي.
بعد الانتهاء من السمستر الثاني يخضع الطالب لامتحان ومن ثم يتوجه لكتابة البحث التكميلي وما أدراك ما البحث التكميلي في السودان! فالبحوث القديمة مبعثرة على كاونترات المكتبات. والبحث الأكاديمي في الغالب لا ينتج عن عقل بحثي تم تفعيله باكتساب حقيقي للعلم أو بواسطة كورس السمسترات الفقير والمرتجل ذلك بل في الغالب ينتج عن أسلوب ميكانيكي يتجسد في اختيار العنوان ومن ثم تليه نشاطات محمومة من السرقة والنسخ والقطع واللصق من البحوث السابقة والكتب "ليتفبرك" في النهاية ليس بحثا بل موضوعا غير منسجم المنهج ومعوج السرد ومشتت المحتوى ولا يوجد فيه خيط بحث حقيقي بل هو تكويم لمعلومات مخلوطة لا تعكس سوى فلس المنتَج وخواء المنتِج والمقيِّم والمخرِّج! فقد حصل احد الطلاب على درجة الدكتوراه من إحدى الجامعات السودانية بعد أن سرق صفحات كاملة بتوثيقاتها وتحكيماتها من كتاب صدر لي باللغة الانجليزية بعنوان "تاريخ اللغة الانجليزية في السودان: إعادة قراءة ناقدة" من دون تحكيم ولا توثيق يراعي أسس الأمانة العلمية والمنهجية البحثية الصحيحة في كتابة البحوث. بل اسقط التقويسات التي تحيط باقتباساتي وغض الطرف عن التحكيم والتوثيق الموجود على تلك الصفحات مقابل تلك الاقتباسات والاستشهادات والمُبَيَّن كذلك في نهاية الفصول فدمج تلك الاقتباسات والاستشهادات مع خاماتي الخاصة وادعى أن كل ذلك من رحم إنتاجه العقلي وحصل على الدكتوراه في غياب كامل لدور المشرف والممتحن الداخلي والخارجي والأمانة العلمية! وعندما زرت الكلية التي يعمل فيها لم اتمكن من مقابلته لكن اكد لي رئيس الشعبة انه اوكل لذلك المتدكتر مهام تدريس عشرة من الطلاب وان اداءه ليس بالمستوى المطلوب! فكيف سيكون اداءه بالمستوى المطلوب وهو يخون اسس الامانة العلمية ويسرق حقوق الملكية الفكرية من الناس. وهذا يدل على امتلاء البلاد بالمتدكترين من دون محتوى. فالدكتوراه ليست غاية في حد ذاتها ولا مصدر نرجسة وعنتصة فارغة بل مجرد وسيلة تُعَلِّم الإنسان كيفية اكتساب العلم ونشره. ومقياس الدكترة الحقيقيه هو ما ينتجه وينشره الإنسان من علم بعد نَيْلِهِ شهادة الدكتوراه.
محاكاة الجانب القشري لنظم التعليم في الغرب:
كان من المفترض أن تكون دراسة ماجستير اللغة الإنجليزية في بلد كالسودان في شكل أوراق كورسات متكاملة ومتخصصة (أدب انجليزي) أو (لغويات) وأن يتم وضع مسميات ومحتوى وتفاصيل أوراق هذه الكورسات بواسطة لجان علمية متخصصة وتكون فترة كل كورس من هذه الكورسات ليست بأقل من سنتين ومن دون بحث تكميلي لان واقعنا يحتم ذلك فنحن لسنا بأفضل من الهند والهند تفعل ذلك. ويتم إجراء تعديلات في محتوى تلك الكورسات كل أربعة أعوام لتجنب تكرار نفس أسئلة الامتحانات. لكن لن تفعل الجامعات ذلك لان همها هو تخريج اكبر عدد من المجموعات في السنة أو السنة والنصف! لذلك فقد قفت الجامعات بغباء اثر السمسترات الغربية. فلا يمكن أن نحاكي الجامعات الغربية في نظام السمسترات والتخصص لان مدخلات تلك الجامعات من الطلاب تختلف عن مدخلاتنا من الطلاب وأن خلفيات طلابها اللغوية والأكاديمية تختلف عن الخلفيات اللغوية والأكاديمية لطلابنا. فإذا اتبعنا اثر تلك الجامعات الغربية في هذا الخصوص نكون قد ارتكبنا خطأً شبيها بأخطاء بناء كورس اللغة الانجليزية للمدارس، في واقع كالسودان، على منهجية النظرية الغربية القائمة على التداول اللغوي (Communicative Approach) التي تدعو للتحدث بالانجليزية أولا وكأننا نعيش في لندن أو الاعتماد على الكورسات الوظائفية- المفاهيمية (Functional-Notional Syllabuses) والتي تركز على اللغة المستخدمة في الأسواق والمطاعم والفنادق والمطارات وكأننا نريد إنتاج سواح وليس مكتسبي علم من خلال الاطلاع على المراجع الأجنبية! إذ تتناسب مثل هذه النظريات والكورسات مع أبناء المهاجرين إلى الدول الغربية وليس مع بيئتنا ولكننا للأسف استجلبناها إلى السودان في ثمانينات القرن الماضي وحاولنا تطبيقها لكننا فشلنا فشلا ذريعا ونعاني من تبعات استجلابها إلى يومنا هذا. فكانت هذه النظريات والمفاهيم كدببة قطبية تم إسكانها في مناخ مداري. ولا أنسى أن أواكد هنا أن نظام السمستر أيضا قد التقطه العالم الثالث بطريقة غبية ودخل بذلك مرحلة اختزال مريع لعملية نهل واكتساب العلم وإفراغه من محتواه. إذ ارتبطت العملية كلها بالفترة الزمنية وساعاتها فقط أكثر من الأداء الأكاديمي والمحتوى والناتج العلمي للمجهود ككل. فتعَوَّدَ الطالب على الأداء التجاري البحت في تناوله للعلم وتخرج من الجامعة وهو يحمل كرتونة مطبوع اسم البكالريوس أو الماجستير عليها لكنها فارغة من المحتوى. ولم نضع في عين الاعتبار أن خلفية وكامن الطالب في الدول الغربية أقوى من كوامن طلابنا. كما أن محتوى المقررات الدراسية في تلك الدول محمل بالنقلة العلمية المواكبة من المرحلة المدرسية وتتحول المادة (Subject) إلى تخصص (ٍSpecialization) حقيقي ومصقول في مرحلة البكالريوس، بل يصل التخصص إلى مستويات التخصص العميق والمؤثر (Discipline) في مرحلة البكالريوس نفسها ناهيك عن مرحلة الماجستير في التخصص التي يتحول من يكملها إلى مبدع وخلاق(Innovative and creative) في مجاله. كما أن الدراسات القيمة والنادرة في الغرب تتمركز في مراكز علمية إستراتيجية لا يصل إليها طلاب العالم الثالث إلا من خلال ببروتوكولات خاصة بين الدول. أما في السودان فنجد سمسترات كورسات البكالريوس والماجستير خاوية من المحتوى الحقيقي ولا تنتج سوى الضحالة (Shallowness) في التخصص ويتخرج الطالب وهو يحمل فكرة خاطئة عن مدى كسبه العلمي. والدليل على ذلك كليات التربية التي لا تنتج معلمين حقيقيين كما صرح بذلك مسئول كبير في التعليم ومع ذلك تدفع لها الحكومة لإبقائها مفتوحة وذلك كنوع من عدم المقدرة المعهودة على الإقرار بالفشل واتخاذ اللازم فيما يختص بذلك!
تفاصيل محتوى كورس الماجستير:
بالإضافة إلى ارتجال بناء الكورس وقِصَر فترته الزمنية فإن ضعفه ينبع أيضا من تفاصيل أوراقه. ففيما يختص بتفاصيل الكورس الدراسي للماجستير فهنا يكتشف الشخص الضحالة والسطحية المركبة للقائمين على أمر مناهج التعليم العالي في السودان. فالجامعة لم تضع تفاصيل محتوى الكورس بطريقة علمية بل تطلب من الأستاذ أن يفعل ذلك! وتفعل الجامعة ذلك لأنها تدرك أنها لا تملك لجنة علمية مقتدرة على وضع المناهج الدراسية بطريقة علمية كما أنها تدرك عدم وجود الأستاذ المؤهل القادر على تدريس المقررات الموصوفة مسبقا. ولكي تتجنب استحالة وضعها للكورس وتفاصيله بطريقة صحيحة ولكي تدخل سوق كورسات الماجستير بأي حال من الأحوال وبأسرع ما يمكن فإن الجامعة ترمي بالكرة في ملعب الأستاذ ليقوم بوضع المقرر بنفسه وتدريسه وتسليم النتيجة في النهاية. هنا يحق لكل ذي عقل أن يسأل: أين الدور الرقابي العلمي والأكاديمي للجامعة في هذا السياق؟ كيف تستطيع الجامعة أن تتأكد أن الجرعة التي وضعها الأستاذ جرعة معيارية وتؤدي الغرض المنوط بها؟ ويجب ألا ننسى انه حتى إذا كانت الكورسات كالريشة في خفتها وخوائها فإن الطالب لن يشمت بذلك لان همه الأول فقط هو الحصول على الشهادة ممن ليس لهم شهادة لله. وعندما أُوكِل إلي أمر تدريس ورقة "قراءات في الأدب الانجليزي والنقد الأدبي" أعطوني الخطوط العريضة للورقة وهي كالآتي:
1. النثر 2. القصة القصيرة 3. الرواية 4. المسرحية 5. الشعر 6. النقد الأدبي.
فسألت احد الزملاء عن كيفية الحصول على تفاصيل هذه الخطوط العريضة للورقة التي سأقوم بتدريسها وهل تم وضع تلك التفاصيل بطريقة علمية من خلال لجنة علمية متخصصة؟ فرد عليّ قائلا: "ضع أنت تفاصيل الورقة وأنجزها". وهذا سمعته من العميد أيضا! وهذا احد مكامن الخلل الخطير في تفاصيل الكورسات الجامعية بصفة عامة وكورس ماجستير اللغة الانجليزية بصفة خاصة. فقمت بوضع تفاصيل محتوى تلك الورقة واحتوت على نماذج تمثل تلك الخطوط العريضة وحرصت على أن تكون الجرعة معيارية في كثافتها فوجدت امتعاضا من الطلاب واعتبروها ضغطا أكاديميا لأنهم لم يألفوا ذلك في الأوراق الأخرى! كما سمعت من الإدارة إيحاءات تدعو للتخفيف من ذلك وذلك بمراجعتها! وهم لا يدركون أنهم وضعوا تلك الخطوط العريضة بطريقة خرقاء وأن هذه الخطوط العريضة تتناسب مع كورس ماجستير تخصصي من بداية الماجستير بعد إجراء بعض التعديلات. فإذا كان النظام التخصصي للكورس مناهجيا وعلميا كان من المفترض تقسيم هذه الورقة إلى أربعة أو خمسة أوراق منفصلة يدرسها الطالب في السمستر الأول ويأخذ المزيد في السمسترات التالية ليحصل على ماجستير انجليزي (تخصص أدب انجليزي) من بداية كورس الماجستير وحتى نهايته. إلا أن الكورس لا يسمح بالتخصصية الحقيقية لأنه قد تم وضعه بطريقة ارتجالية وبواسطة أناس ليس لهم دراية علمية بوضع المناهج الدراسية المتخصصة. ونتيجة لذلك تم اقتصار التخصص في السمستر الثاني ومدته ثلاثة شهور ونصف فقط. وهذه الفترة غير كافية لقراءة النصوص الأدبية بتفحص ليتمتع الطالب بجمال ورمزية وإيحائية ولغوية النص الأدبي وينمي الملكة النقدية الخاصة به ويزيد من إحساسه للغة ويأخذ فرصة سفر إلى الثقافات الأخرى لتقوية الحس المقارن مع ثقافته الإسلامية من منطلق معنى الآيات التي تقول:(أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها...)، (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم...) باعتبار أن مثل هذه الكورسات ترفع في الطالب الوعي بتميز ثقافته إذا عاشها بطريقة صحيحة لأنه سيعرف نفسه ويعرف الآخرين ويدرك قيمة النموذج الأمثل الذي بين يديه! بكلمة أخرى، فان الأدب الأجنبي ينبه الدارس عن "علمه بالله وبمن يحب وبمن يبغض" كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. وكل ذلك يجب أن يكون من الأهداف الأساسية لدراسة الأدب الأجنبي. فمن دون قراءة النص الأدبي، نسبة لضيق الوقت، يلجأ الطالب إلى النقد الجاهز مباشرة. وبالرغم من أن النقد الجاهز يعلم الطالب اطر ومصطلحات النقد الأدبي إلا أن عدم قراءة النص الأدبي واللجوء مباشرة إلى النقد الأدبي الجاهز يجعل الطالب كالببغاء يردد ما قاله الآخرون حرفيا من دون فهم عميق للنص الأدبي وإبداء رأيه النقدي والعقدي الخاص به حتى ولو كان مشابها للنقد الجاهز ومتفقا معه. وغياب المَلَكَة النقدية الواعية أدى بنا إلى تأليه كل كاتب متفحش ومفسد وتحويله إلى أديب وتنظيم الجوائز باسمه! فالكورسات الأكاديمية يجب أن تكون لها أهداف وغايات ووسائل ونتائج ملموسة وليست عملا اعتباطيا أو مسرحيا لأكل أموال الناس بالباطل!
الخلل الكامن في نظام التقويم:
وعليه فإن ما يوضح الفقر العلمي والمناهجي لعقول القائمين على أمر بناء الكورسات الدراسية واختيار مسميات الخطوط العريضة للورقة أنهم جعلوا الفروع الستة أعلاها في ورقة واحدة مما يخلق هذا الوضع مشكلة أيضا في الامتحان وينم عن جهل بالجانب الفني في وضع العناوين العريضة لأوراق المنهاج الدراسي بالعلاقة مع منهجية التقويم. إذ انه مهما اجتهد الأستاذ في توسيع وإثراء تفاصيل محتوى الورقة وتغطية المواضيع التي يدرِّسها خلال السمستر والتي يجب على الطالب أن يدرسها فان الطالب يستطيع أن يسقط نسبة كبيرة من تلك المواضيع التي تم تدريسها في الورقة ويركز على 30% من تلك المواضيع ويجهز نفسه للامتحان عليها وهذا الوضع يفرضه عدد الأسئلة ومدة الامتحان. لان محتوى ورقة الامتحان ذات الثلاثة ساعات والستة أسئلة (في كل سؤال خيارات للطالب لاختيار موضوع واحد من بين تلك الخيارات في السؤال الواحد والإجابة عليه) لا يستطيع أن يفرض على الطالب أن يتناول مواضيع أكثر من تلك النسبة والتي يقررها الطالب على نفسه وبذلك يهمل الطالب نسبة كبيرة من الخامات المقررة عليه للدراسة. ونسبة لهذه الخيارات في داخل السؤال الواحد يجد الأستاذ أن الطالب لم يتناول أصلا أكثر من ثلث مقرر الورقة ومع ذلك يحصل على درجة نجاح إذا سيطر على ذلك الثلث!! هذا يعني انه حتى لو بذل الأستاذ جهدا مخلصا في توسيع وإثراء المحتوى الدراسي ووضع مطلوبات أكاديمية هادفة وواسعة ومعيارية فإنه لا يستطيع إجبار الطالب على تناول كل الجرعة المطلوبة في فترة الكورس والتشرب بمحتواه لأن مدة الامتحان وشكل الأسئلة يعطيان الطالب الفرصة في اختزال المحتوى والتركيز على ثلث المقرر فقط وبذلك فان النظام برمته يهدى سهولة منقطعة النظير للطالب لاجتياز الامتحان من دون أن يتشرب بمقررات الورقة كلها!! وهذا يؤكد عشوائية بناء كورس الماجستير بأكمله ويوضح أن كورس الماجستير بأوراقه وبمحتواه التدريسي وبفترته الزمنية وتصميم امتحاناته فيه علة علمية ومناهجية وفنية كبيرة جدا وان السبب الأساسي لهذا الخلل هي أن الجامعة أصلا لم تكن حريصة على دعم عملية تقديم محتوى ثريا للطالب. وبعد تصحيحي لامتحان السمستر الأول لطلاب ماجستير اللغة الانجليزية اتضح لي جليا أن معظم الطلاب الذين يحملون بكالريوس انجليزي لم يتعلموا شيئا من مرحلة البكالريوس ومع ذلك تخرجوا وهم لا يستطيعون كتابة جملة بطريقة صحيحة لأنهم لا يمتلكون مقدرات البناء اللغوي الصحيح باللغة الانجليزية بل يكتبون بمستوى ثالث ثانوي أو سنة أولى بكالريوس وأدنى من ذلك! وللأسف وجدت من يكتب الحرف (i) قاصدا به ضمير المتكلم الأول (I)!! ويمكن تخيل الإنتاج اللغوي لمثل هؤلاء إذا كانوا مترجمين في جهات عدلية واجبها إنصاف المظلوم ومعاقبة الظالم أو جهات طبية تكون حياة الناس فيها مرتبطة بترجمتهم أو جهات دبلوماسية وتفاوضية تدس الشيطان في التفاصيل اللغوية للمعاهدات والاتفاقات!! وهنا يتساءل كل عاقل عن فائدة الدراسات "التجريدية" في أوراق "اللغويات" و"تحليل الخطاب" و"مناهج البحث" بينما الطالب لا يستطيع ممارسة الجانب التطبيقي للغة الانجليزية! بالإضافة إلى ذلك لا يمتلك الطلاب ملكة نقدية في تناولهم للعمل الأدبي حسب قصد السؤال وتوظيف المحتوى للإجابة على السؤال. بل أن جل مقدراتهم تتجسد في إعادة سرد طفولي ساذج ومباشر لمحتوى النص بلغة انجليزية بدائية جدا! ومع ذلك يعتمد عليها الأستاذ في تقييم المعرفة الأدبية والنقدية للطالب وينجح الطالب اعتمادا على ذلك الأداء السردي الركيك. فقبول مثل هؤلاء في كورس ماجستير لغة انجليزية يعطيهم صورة خاطئة عن أنفسهم وتخريج مثل هؤلاء بماجستير لغة انجليزية وتعميم هذا النهج في كل الكورسات هو الذي جعل المجتمع مليئا بالمتنطعين بالشهادات العليا وجعل الناس تبخس أشياء بعضها البعض لان هناك إدراكا عميقا وتلقائيا بان الذي يحدث ليس صادقا بل عمل مسرحي! فالعلم الحقيقي له قيمة لأنه لا يعلم العلم لأهل العلم إلا أهل العلم وحامل العلم الحقيقي له إنتاج علمي ملموس وليس فقط شهادة كرتونية أو لقب فارغ من المحتوى.
وبالإضافة إلى التسمية العشوائية والارتجالية لعناوين أوراق كورس الماجستير فإن السماح للأستاذ، أيا كانت مؤهلاته أو كسبه العلمي، بوضع التفاصيل الدراسية لتلك الأوراق حسب محتواه العقلي ينتج واقعا تم فيه إخضاع الورقة لمقدرات الأستاذ والتي قد تكون فقيرة ووضيعة وهي في الغالب كذلك وهذا يعطي فرصة لأشباه المؤهلين بممارسة التدريس الجامعي والتنطع بذلك! كما يُعَدُّ هذا إهدارا للمعايير العلمية والأكاديمية على مستوى البكالريوس ومستوى الدراسات العليا ويؤكد أن تلك المعايير مختلة اختلالا مريعا وهذا يتضح عندما يؤكد بعض طلبة ماجستير اللغة الانجليزية أنهم لم يسمعوا بأدباء كان من المفترض أن يقرأوا لهم في مرحلة البكالريوس بالرغم من أن القراءة هي الوسيلة الوحيدة لترقية العقول وشدد عليها القرآن في اول آية نزلت! وهذا يعني أنهم لم يتم تأسيسهم تأسيسا علميا صحيحا لخدمة المجتمع بشهادات البكالريوس التي يحملونها أو الدخول في معترك الماجستير بجدارة. وسيكون الوضع كارثيا إذا انسحب هذا الحال على كل جوانب التخصصات في الجامعات ويبدو أن الأمر كذلك ليس فقط على مستوى الدراسات الجامعية أو العليا بل أيضا على مستوى المرحلة المدرسية التي نفبرك نتائجها ونعقد المؤتمرات لإعلانها تزيينا للخزي وتضليلا للعامة. إذ أن واقعنا الحياتي يعكس غياب العقلية العلمية والتخصصية والمهنية المواكبة في مجالات العلوم الطبية والصيدلية والهندسية والزراعية وغيرها ويوضح أننا نركز على قشور العلم وخلفياته وليس لب العلم العملي النافع ونضحك على الطلاب والنظام التعليمي بأكمله وننتج في الغالب نرجسيين فقط. كما يوضح أيضا أن مثل هذه المؤسسات التعليمية العليا إنما هي دكاكين ومراكز تجارية وأنها من مستوى مدرائها ونزولا حتى عمداء كلياتها وأقسامها وأساتذتها ما هم سوى مسترزقين على هامش العلم وممثلي مبيعات شهادات كرتونية خاوية لا تخضع لأي معايير علمية أو أكاديمية. ومن أسباب غياب العقلية العلمية والتخصصية والمهنية هو نظام ترقية الأساتذة في الجامعات السودانية. فنظام الترقية في مجال التدريس الجامعي مختل اختلالا كبيرا لأنه ينتج في الغالب إما عن سنوات تدريس "مكررة" تنتج "رانكرز" أو عن أوراق "مفبركة" تسمى بحثا ويتم نشرها في دوريات "داخلية" تدعي أنها معيارية وعلى أساسها يحصل الأستاذ على الترقية حتى يصل إلى لقب بروفسير وما أدراك ما بروفسير في السودان! إذ يحصل عليه كل من هب ودب وفي بعض الحالات يتم تطويع إدارات التحرير والمعايير العلمية لتلك الدوريات الداخلية لتنشر خزعبلاتهم كأوراق بحثية من اجل تنصيبهم في مناصب هم ليسوا أهلا لها! وأتحدى الجهات المعنية في الدولة أن تعين لجنة علمية نزيهة ومقتدرة ومحايدة تؤدي القسم وتراجع مثل تلك البحوث بأمانة لتدرك الدولة أنها تنفق على من لا يستحق. فمثل هؤلاء المتسلقين لا يستطيعون وضع وتدريس وتقييم كورسات جامعاتهم بطريقة علمية وان الأوراق التي سموها بحثية ونشروها في "الدوريات الداخلية" من اجل الحصول على لقب البروفسير والتسلق إلى أعلى من خلاله لن تجد طريقها للنشر لو تم إرسالها إلى الدوريات العالمية المتخصصة، بل ستُرمَى في سلة مهملات تلك الدوريات العالمية! فانظروا إلى غالبية المخرجات الجامعية وابحثوا عن المكتسبات المنشورة لغالبية من يتنطعون بالألقاب الخاوية ويقومون بإدارة تلك الجامعات أو التدريس فيها لتدركوا هذه الحقيقة. ومع ذلك نجد أن إدارات مثل تلك الجامعات حريصة على توزيع الألقاب بالطريقة التي تروق لها فقط وليس وفقا لمعايير علمية تنصف المستحقين لتلك الألقاب. فعندما قدمت للتدريس في جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا أعطوني لقب "أستاذ مشارك" ولم يعطوني لقب بروفسير رغم أن لي عشرة كتب تسعة منها باللغة الانجليزية وسبعة منها مُحَكّمة تحكيما أكاديميا وعلميا متميزا وكل واحد من هذه الكتب السبعة يمكن أن يكون أساس لبحث دكتوراه متكامل بينما غالبية من يحملون لقب "بروفسير" لم يكتبوا وينشروا بالكم والنوع الذي فعلت أنا. فالمعايير مختلة في كل الجوانب. وما يكشف عن سطحية فهمهم للأصول البحثية للأوراق العلمية أنني عندما قلت لهم أنني مؤلف لسبعة كتب أكاديمية مُحَكّمة وموثقة وأن احد كتبي كان مقررا لطلاب ماجستير الترجمة. فألا استحق بروفسير؟ طلبوا مِنِّي أن استخلص من هذه الكتب المنشورة عدد من الموضوعات المُحَكّمة وأنشرها في دورية الجامعة ليعطوني اللقب. بكلمة أخرى، يجب علي أن استخلص من "كتبي المنشورة" مواضيع وانشرها "مرة أخرى" في الدورية الداخلية للجامعة! ولم يدركوا أن في تلك الكتب ما يعادل العشرات من الأوراق التي طلبوا مِنّي "إستخلاصها" منها ونشرها في "دوريتهم الداخلية" بينما كتبي تحمل أرقاما دولية وفي مكتبة أكثر من مائة جامعة حول العالم. فأنا اعتبر أنهم يطلبون مِنِّي القيام بعمل ميكانيكي فيه بلادة وبلاهة منقطعة النظير بينما يعتبرونه هم "إبداعا أكاديميا" وفقا لمعاييرهم لأنهم لا يعرفون أصول البحث العلمي في كتابة الأوراق العلمية للنشر! هذا هو حال غالبية العقليات التي تدير الجامعات وبهذه الطريقة يحصل الكثيرون على لقب بروفسير!
صلاحيات أكاديمية مطلقة للأستاذ مقابل مبلغ من فتات الرسوم:
فيما يختص بالمقابل المادي لتدريس تلك الأوراق فعند انتهاء كل سمستر ماجستير تعطي الجامعة "فتاتا" يتمثل في ثلاث ألف جنيه فقط للأستاذ مقابل الورقة التي قام بتدريسها وينتهي أكثر من نصف هذا المبلغ في وقود سيارة الأستاذ إذا كان له سيارة! وهذا يدل على أن الجامعة تقلل قيمة الراتب والمقابل المادي لتدريس الكورسات بقصد تحويل الأستاذ إلى شخص مذلول وترس "مدروش" في ماكينة أكلها لأموال الناس بالباطل. وتختلف قيمة المقابل المادي لتدريس الكورس من جامعة لأخرى ويمكن أن يتخيل أي عاقل وحصيف كيف سيكون إخراج الأستاذ للورقة التي يقوم بتدريسها لكل سمستر!! فهل سيضع لكل سمستر محتوى دراسيا ثريا ويؤهل الطالب؟ وهل سيتحمل الأستاذ جهد إكمال تدريس ذلك المحتوى الدراسي؟ أم انه سيضع خامات بسيطة ويسميها محتوى الورقة ويمسرح الأداء التدريسي وينتهي من تلك "الورقة" بطريقة مضحكة ومبكية في آن واحد ليستحق بعده مبلغ الثلاث ألف جنيه وينتظر السمستر التالي في الجامعة نفسها أو يهدي مثل تلك الخدمات الوضيعة لجامعة أخرى ليؤدي فيها نفس الأداء المسرحي المغشوش وهكذا دواليك. فكثير من الأساتذة منغمسون في ماراثون لاهث ومُذِل خلف "مُدِرَّات الدخل" وتدار الجامعات من منظور مادي كإدارة المراكز التجارية التي لا تسوق سوى أردأ المنتجات ولا يدرك الأستاذ أو لا يريد أن يدرك انه من خلال مثل تلك الكورسات المسرحية فإنما يحمل مالا مغشوشا ليطعم به أسرته. وبذلك فنحن في الغالب لا نقوم بتعليم الطلاب في الجامعات بل نسمح لمن يقومون بتدريسهم بإخراج الغِش الأكاديمي بطريقة خبيثة. كما يدرك الطلاب أنهم أمام مسرحيين استثنائيين في مجال التعليم ويفهمون جيدا أن العملية برمتها غير شريفة وبهذه الطريقة فنحن سننتج مجرمي علم وليس حملة شهادات علمية حقيقية ويمكن لنا أن نتخيل مصير الطلاب الذي سيأتون في المستقبل طلبا للعلم ويكونوا تحت رعاية وإشراف مخرجات جامعية كهذه!
تخريج سفراء يحملون شهادات كرتونية:
وعندما تتحدث مع القائمين على أمر تصميم وانجاز مثل هذه الكورسات الخاوية حول عيوب كورس ماجستير اللغة الانجليزية فإن ردهم الجاهز هو أن هؤلاء الطلبة يرغبون في الشهادات لأنهم يطمحون في الذهاب والعمل في السعودية ودول الخليج وليبيا. فهل دول الخليج والسعودية وليبيا أماكن بهذا الغباء تستوعب كراتين من دون محتوى؟ وماذا سيكون موقف مثل هذه المخرجات المفلسة إذا احتكوا مع أستاذه تخرجوا من جامعات لا تتاجر بالشهادات كالتي تخرجوا منها؟ كيف سيكونون مصدرا علميا لمن يلجأ إليهم من الطلاب؟ وماذا سيكون مصيرهم بعد عودتهم من الخليج والسعودية وليبيا؟ هل سيردوا إلى الجامعة بضاعتها ويقدموا من جديد لدراسة الماجستير وكسب العلم كسبا حقيقيا وبطريقة جادة أم سيعملون في حقل التدريس أو الترجمة من خلالها؟ وما هو مصير من يبحث عن خدماتهم في تلك المجالات الحساسة تربوية كانت أو عدلية أو طبية أو هندسية أو سياسية أو غير ذلك والتي قاعدتها الاقتدار العلمي والأمانة في الأداء؟ ففاقد الشيء لا يعطيه!
نظام تعليمي يمتهن الغش ويمسرح أدائه:
إذ لا يمكن أن نسمي مثل تلك المخرجات سوى فاقد دراسات عليا وليس خريجي دراسات عليا. في الحقيقة، فإن قفل وتعطيل مثل هذه الجامعات أفضل من تخريج حاملي شهادات -ناقصي علم. لان مثل هذا الأداء الأكاديمي المسرحي سيجعل الجامعات لا تنتج سوى ممثلي الفشل العقلي والعلمي من خلال أبشع صور الإخراج المسرحي الأكاديمي الكاذب في العالم والذي لا يغش فقط الطالب وإنما يغش أيضا النظام التعليمي بأكمله والأسرة والدولة التي تدفع لحفنة من حاملي الشهادات الكرتونية والألقاب المجردة من المحتوى ليديروا بطريقة خرقاء مؤسسات التعليم العالي ويجعلوها كمراكز تجارية لا تخضع لمراجعة علمية أو أكاديمية ولا يفهم القائمون على أمرها معنى الإصلاح ولا يملكون رغبة في الإصلاح ولا يعرفون طريقا له وإذا عرفوه لا يسلكوه. فمثل هؤلاء فإن همهم المادي وضحالة وسطحية فهمهم للكسب العلمي هو الذي يجعلهم يغضون الطرف عن نوعية المخرجات الجامعية لأنهم يعلمون جيدا أن طريق كسب العلم طريق قاس ومضن وطويل ويعلمون جيدا قصد من قال "....انك لن تستطيع معي صبرا...." وأن اكتساب العلم يحتاج لصبر ومثابرة من الأستاذ المؤهل تأهيلا نوعيا والطالب الجاد والنجيب والحريص على كسب العلم والتأهل الحقيقي والكورسات المعيارية في كل جوانبها والجامعة التي هي فعلا بيئة أكاديمية بحتة وليست سياسية أو روابطية والتعليم العالي الذي يملك غِيرة وحرصا على تأهيل مخرجاته. ولذلك فإنهم أدركوا أنهم إذا لم يمسرحوا الأداء التعليمي بأكمله ويعطوا ما يكفي من التلميحات بالسخاء في إصدار الشهادات الجامعية لكل من هب ودب فلن تشتغل دكاكينهم ولن يلجأ إليها "المتسوقون"! لذلك تنغمس الجامعات في إقامة كورسات الماجستير الفارغة تلك ومن دون إخضاع المتقدمين لأي تقويم داخلي في مجال التخصص قبل قبولهم وتُوكِل أمر التدريس لأساتذة غالبيتهم نتاج المنظومة الفاشلة للدراسات العليا في السودان. كما إنها تستوعب طلابا بعضهم غير متفرغ لذلك لا تستطيع أن تلزمهم ببذل جهد علمي وأكاديمي حقيقي ولا تضع لهم مقررات دراسية بطريقة علمية ولا تخضعهم لامتحانات تقيس فعلا كسب الطلاب ولا تقوم بمراجعة بحوثهم مراجعة دقيقة! وبما أن المنظومة التعليمية في الغالب صارت ساحات يصول فيها من له مال أكثر من العقل فقد وصلت الجرأة ببعض الجامعات إلى تقديم عروض لاصطياد بعض المغتربين السودانيين في الخارج للتسجيل لكورسات الماجستير بينما قد يكون هناك الكثير من النجباء في الداخل لا يستطيعون دفع التكاليف الباهظة لدراسة الماجستير في مثل هذه الجامعات ولذلك ظلوا محرومين من الفرص التي تمكنهم من نهل العلم وهم كانوا أولى بذلك! ولم يبق لنا سوى خلق عروض تسويقية من خلال (سيارة) جديدة مرفوعة على رصيف خشبي في وسط الجامعة لتكون عبارة عن جائزة مسحوبة لواحد ممن تقدموا للكورس وتخرجوا منه لكي نجذب اكبر عدد من المتقدمين ليأتوا ويسجلوا في تلك الكورسات وبأسرع ما يمكن ويدفعوا الرسوم إلى خزينة تلك الدكاكين التي نسميها زورا جامعات!
النتيجة الحتمية للأداء المسرحي للتعليم:
إذا استمر الحال على هذا المنوال فإننا سنصل إلى نقطة اللاعودة فيما يختص بحال التعليم العالي إذا لم نكن أصلا قد وصلنا إليها بالفعل وسنملأ البلاد بأشباه حملة الشهادات العليا وسيكون ذلك وبالا كبيرا على المجتمع بأسره. وستشوه مثل هذه المخرجات التي تحمل كراتين فارغة سمعة الأداء الأكاديمي في السودان وخارج السودان أيضا. وعليه فإن استصدار الشهادات من دون محتوى جريمة خطيرة وتعطي إيحاء بعلامات رفع العِلم الذي اخبرنا به الدين. فأي جريمة اكبر من أن تعطي شخصا شهادة جامعية ليقوم بالممارسة من خلالها وهو لا يعرف أبجديات مجاله ويصعد في سلم الترقيات على قاعدة مغشوشة بعد قضاء سنوات أداء متكرر أو إصدار وريقات في دوريات داخلية ويسميها نشرا علميا أو الخضوع لامتحانات زمالات أصبحت تجارية أكثر من مهنية بل وفشلت في ترقية الأداء المهني؟! أي جريمة اكبر من أن يُوكَل مهام تدريس طالب بريء ونجيب لسطحي وضحل في مجاله؟ وقد طلب مني أحد الزملاء عدم نشر هذه الورقة مدعيا أن هذا سيضر بسمعة الجامعات ويكسبني أعداء! لكنني قلت له أن الله عدو من يكتم الحق وأنه لا يجب دفن الرؤوس في الرمال لأن الكيل قد طفح وأن مراجعة المحتوى العلمي لعقول طلابنا ومؤهلات أساتذتهم وكفاءة الكورسات التي يدرسونها والامتحانات التي يخضعون لها والبحوث التي يكتبونها ويحصلون بموجبها على شهادات وألقاب أهم من سمعة الجامعات لان الذي يجري الآن في كثير من الجامعات لم يترك سمعة متبقية لإهدارها بل هو غش في إطار مزخرف وان الحال المخزي للجامعات يتحدث عنه حتى كماسرة المواصلات العامة والمزارعين الأميين في الريف! وان كثير من عمليات الإصلاح حدثت بعد أن عرف عامة الناس الحقيقة الصارخة من خلال النشر الصريح والواضح دون خوف من احد لأنني أدرك أن للحق دائما أعداء كثر لكن يجب ألا أنسى أن الله عدو من يكتم الحق وأنه لا يهمني عداء من لا يقبل الحقيقية وإن السكوت عن هذا الواقع هو كتم للحق وكاتم الحق شيطان اخرس ولا يرضى متعلم حقيقي أن يكون كاتما للحق. وأنني اقتنعت أن النصح في داخل الدوائر المغلقة لا يؤتي أكُله غالبا وأن الكثير ممن يديرون الأمر من تلك الدوائر المغلقة لا يمتلكون عقلا يستطيعون من خلاله أن يفهموا الأطروحات العلمية للإصلاح لذلك ظلت التوصيات العلمية حبيسة الأدراج أو تم رميها في سلة المهملات! في الحقيقة، فان نأينا عن النقد الذاتي وعدم مراجعة الممارسات والتطبيق في كل مناحي الحياة هو الذي أوردنا الفشل في كافة مجالات العلوم بل في الحياة بأكملها. ونرى يوميا الطلاب يتخرجون من الطب بعد أن دفعت أسرهم دماء قلوبهم رسوما لمؤسسات تعليمية لا نعرف ماذا تعطي لأبنائنا وكيف تؤهلهم وكثرت الأخطاء الطبية. كما أن مرضانا يسافرون كل يوم إلى الخارج للعلاج والكثير من مخرجاتنا الطبية يخفون جهلهم بمجالهم خلف نرجسيتهم البغيضة وخلف بعض شهادات الزمالة الغربية التجارية التي يحصلون عليها ولا يستطيعون ممارسة المهنة كالغربيين بل يكملون بها شعورهم العميق بالنقص العلمي والمهني. وصيدلياتنا مليئة بالمستوردات من الأدوية من دول تقيم وحدات تصنيع دوائية لشركات أدوية لا تلتزم بالمعايير الصحيحة في مجال التصنيع والتسويق الدوائي بينما صيدليينا مسوقي أدوية فقط! وكليات التربية لا تنتج أساتذة وأن الكثير من التخصصات هي مسميات من دون محتوى. والثروة في يد الفاقد التربوي المتطفل بينما الصفوة يهاجرون. والنظام السياسي يهمل الأستاذ الجامعي ويدفع بسخاء لمعتمد منطقة قد يكون مستواه فوق الأمي بقليل أو مخرجات مؤسسات القوات النظامية بالرغم من أن الكثير منهم من النواحي العلمية والعقلية ليسوا بمستوى أو ثراء عقل الأستاذ الجامعي المؤهل الذي يعيش حياة ضنكا أو يهاجر وهذا لا يحدث إلا في مجتمع يسيطر فيه الجهل على السلاح ويحكم به وكأن من يهندس حراسة البلاد على المدى الطويل هم هؤلاء وليس العلم وأهله! فماذا فعل إهمال العلم الحقيقي ونشر الجهل المستنير واكتناز الثروة والجيوش حارسة العروش ورتبها العسكرية فارغة العقل لدول تحرسها الأساطيل الأجنبية ولا يكلف احتلالها أكثر من ساعتين من الزمن! ويعيش بيننا نظام اقتصادي إقطاعي وتطفلي بغيض ازدهر كالمشروم باسم التحرير الاقتصادي المكذوب عليه وأذاق العباد شرا غير مسبوقا. فأصبحنا هدف سخرية العالم وعالة عليه وأسواقنا مليئة بالفرز الثالث من الفرز الثالث من قمامة البضائع الصينية التي أهدرت موارد البلاد وبذلك أصبحت البلاد منهوبة من الداخل والخارج! واستجلبت الإقطاعية الجديدة القوى العاملة من الأقاليم بعد أن دمرت مقدرات الإنتاج هناك وسيطرت على مفاصل الاقتصاد وحولته إلى اقتصاد متطفل وتحولت تلك الأيدي العاملة تروسا في ماكينة تسويق كل رديء وخبيث تستورده الإقطاعية الجديدة الحاكمة. فانتشر الفقر ممزوجا بالجهل وسيكون لذلك آثاره الوخيمة على المجتمع عاجلا وآجلا. وهكذا حالنا في كثير من المجالات العلمية والأكاديمية والحياتية. إذ أننا نعاني من العيوب والفشل في كل تلك المجالات ولكننا نكابر ونتكبر ولا نقر بالعيوب ولا نتوجه إلى الإصلاح الجاد. إن الحال الذي فيه السودان الآن والغياب الكامل للصدق والشهادة لله والنقد الذاتي والعقلية التكنوقراطية في كل المجالات ما هو إلا بسبب تراكم فشل نظام التعليم العام والجامعي وما فوق الجامعي في إخراج مخرجات علمية حقيقية ومقتدرة. إن غياب العقلية التكنوقراطية والعلمية في كل مناحي الحياة هو نتيجة النظام السياسي الذي حكم السودان منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا. إذ للأسف هناك تغييب كامل للعقلية العلمية في شؤوننا كافة وهذا نتيجة صراع الجهل والجهلاء على الحكم منذ ما يسمى بالاستقلال وحرصهم على سيادة الجهل وبرامج التجهيل وتغييب الوعي والعقلية العلمية والمؤسسية والناقدة من كل جوانب الحياة. فمن حكمونا منذ الاستقلال إلى يومنا هذا هم نتاج أجسام يلتحق بها الكثير ممن فشلوا في المنافسة العلمية والمهنية في بيئة أكاديمية ومهنية تنافسية لكن للأسف أن تلك الأجسام تنتج من يحكموا السودان فيوالون أنصاف العقول وحملة نصف المطبوخ من العلم والأفكار والمهن ويبعدون العلماء الحقيقيين ومن يصدحون بالحق لأنهم للحق كارهون. ونعاني من ذلك منذ عقود ومثال ذلك أن الوجوه التي حضرت كل مؤتمرات التعليم هي تقريبا نفس الوجوه وهذا لأننا نقدس الأفراد وليس المحتوى العلمي للأفراد وننفخ في أناس لا يحملون شيئا سوى الأفكار العتيقة وليس لهم من عطاء حقيقي ينفع البلاد. وهذا اثّر سلبا على كفاءة الدولة وكل ومؤسساتها بما في ذلك نظام التعليم. وإذا كان هذا هو نتاج المشروع الإسلامي والتحول الحضاري المزعوم فقد تم تضليل الشعب السوداني تضليلا تاريخيا غير مسبوقا سيجعله يكفر بكل من يرفع شعارا إسلاميا في المستقبل.
إعادة تعريف التعليم وإصباغه بالنوعية:
إن هناك غياب كامل للفهم الصحيح لمفهوم التعليم. فمنح الشهادات ليس مسألة مجاملة ولا هو عملية إتمام لتدريس الكورس في فترته الزمنية الموصوفة ولا هو استجلاب واستحواذ لدخل مادي لجامعة مفلسة يديرها شلة من أشباه التجار. بل إن الشهادة الجامعية هي مقياس لمدى كسب الطلاب من جهد التدريس والتعلم وتوضح مستوى الأستاذ الذي درّس التخصص للطلاب وتعكس السمو العلمي للجامعة وتقاليدها الأكاديمية الراسخة التي تستهدف نوعية المخرجات العلمية وليست كمياتها أو عائدها المادي. إن الشهادة الجامعية تقيس كسب الأمم وفخرها في مجال العلم والتحصيل الأكاديمي وعلى أساسها ترتقي الأمم وتتقدم في كافة المجالات فتجد الشعوب العلاج في الداخل والدواء الوطني المضمون ويلمس الوطن نوعية مخرجاته العلمية في كافة المجالات في هندسة طرقها وزراعتها وصناعتها واقتصادها المُنْتِجْ وغير التطفلي وغيره من المجالات الحياتية. وقد تجنبت أن أكون في هذه المقالة كبعض الأكاديميين ناقدا فقط بل حرصت على أن تكون المقالة مكتشفة ومشخصة للمرض وواصفة للعلاج. وإذا لم تتحرك الجهات المعنية من خلال علماء مخلصين، كل حسب تخصصه، لإعادة تعريف التعليم الجامعي برمته وإصباغه بالنوعية من خلال وضع معايير علمية وأكاديمية صارمة وثابتة للكورسات الدراسية والشهادات الجامعية وفوق الجامعية وترقيات الأساتذة وعملية كتابة البحوث فإننا سنظل ندور في هذه الحلقة المفرغة والمتجسدة في الأداء التعليمي المسرحي الذي لن يورثنا سوى استمرار الخزي والفشل في كافة جوانب حياتنا.
تداعيات صدور المقالة بعنوان "تسويق الشهادات العلمية في الجامعات السودانية: شهادة لله"*
كان لصدور المقالة بعنوان "تسويق الشهادات العلمية في الجامعات السودانية: شهادة لله" في الراكوبة وسودانايل بتاريخ 19-3-2014 مفاجئة صادمة على القائمين بالأمر في "جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا". فعندما تم تعييني أستاذا مشاركا في كلية اللغات والترجمة وأوكلوا الي تدريس ورقة "قراءات في الأدب الانجليزي والنقد الأدبي" لطلاب "ماجستير اللغة الانجليزية" ما كان بوسعي أن أنسى أو أتناسى كتاباتي وتوصياتي السابقة في مجال التعليم بصفة عامة واللغة الانجليزية بصفة خاصة. ولم يدركوا أنني لست مجرد أستاذ بل أكاد أكون خبيرا أكاديميا اخترقهم في عقر دارهم وكشف أساليبهم وممارساتهم الأكاديمية الملتوية. فبعد صدور المقالة مباشرة تم استدعائي بواسطة عميد كلية اللغات والترجمة وادعى انه لم ينم منذ صدور المقالة. وحضر اللقاء نائب العميد. وقد احتجا على عدم طرح الموضوع في الأروقة العلمية في الجامعة وعلى إصدار الموضوع في الراكوبة وسودانايل. وادعى ان الراكوبة منبر شيوعي ولم يعلم ان منبرا شيوعيا يقول الحقيقة افضل من مؤسسة يدعي القائمون على امرها انها اكاديمية ويسوقون الغش للناس. ففي شأن طريقة قبول الطلاب لكورس الماجستير قال لي العميد أن طلاب البكالريوس يأتون من كل الجامعات للتسجيل لكورس الماجستير ولا يمكن أن يشككوا في مصداقية تلك الجامعات بتنظيم امتحان قبول لاؤلئك الطلاب. ولكن ما لا يعرفه العميد ولا تدركه إدارة الجامعة من فوقه أو لا تريد أن تدركه لشيء في نفسها هو أن قبول الطلاب بعد اجتيازهم امتحان يختبر أهليتهم لدراسة الماجستير هو من باب الفطنة الأكاديمية والكياسة العلمية التي قد تكون غائبة من عقليتهم وكليتهم وجامعتهم تلك التي يسمونها "جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا" لكن تحرص عليها كل مؤسسة أكاديمية محترمة يعرف إداريوها قيمة العلم ويقدرونها ويرغبون في المحافظة على معايير علمية ويراعونها ولا يهمل هذا الأمر إلا فارغي العقل والمتشبثون على سلم العلم وهم لا يعلمون كيفية صعوده ومع ذلك يديرون جامعات قد لا تمتلك أكثر من اسمها على يافطتها. إذ أن امتحان القبول للماجستير يبرز هيبة الجامعة العلمية والأكاديمية واعتداد إداريوها بما يحملونه من علم. كما إن إجراء امتحان للمتقدمين للدراسات العليا ليس من باب التشكيك في مخرجات الجامعات التي تخرج منها الطلاب أو فقدان الثقة فيها وان الجامعة التي تتجنب إجراء مثل هذا الاختبار لأنها تعتبره تشكيكا في مخرجات الجامعات الأخرى تبدو هي نفسها تتشكك في نوعية مخرجاتها وأنها غير واثقة فيما تنتج. بتعبير آخر، إن إجراء امتحان القبول للتخصصات لا يوحي بالتشكيك في مخرجات الجامعات، بالرغم من أن التشكيك في كل شيء واجب في سودان اليوم، بل هو من باب الضبط الأكاديمي العام والاعتداد بالمعايير العلمية وتبيان وتأكيد الشخصية الأكاديمية المستقلة للجامعة وبذلك تضبط الجامعة بطريقة مباشرة وغير مباشرة نوعية المخرجات الأكاديمية للجامعات الأخرى. فينشأ الحذر فيما يختص بالمعايير العلمية والاهتمام التلقائي بالمخرجات الأكاديمية وكسبها العلمي من منطلق الغيرة والمنافسة والتقدم علميا إلى الأمام. كما أن الطالب بعد تخرجه قد ينسى كل شيء درسه لسبب قد يكون صحيا أو نفسيا وكل ذلك يحتم تنظيم امتحان قبول كهذا إذا كانت الجامعة جادة في القبول أو التخريج المعياري وليس فقط لنزع الرسوم من الجيوب ليصبوها في جيوب أشباه الأساتذة والإداريين الفاشلين. أما نائب العميد فقد اقر بإمكانياتي العلمية القادرة على تقييم أي منظومة أكاديمية في فترة وجيزة لكنه ادعى أن لغتي في المقالة جرحته شخصيا. فكان ردي أن لغتي لم تستهدف شخصا بعينه ولا تستهدف إلا ناقصي الكفاءة وان لغتي تخاطب كل هيئات التدريس من منطلق الآية القرآنية التي تقول "وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا" وضعيف الكفاءة يعرف نفسه من دون إشارة مباشرة إليه.
وبعد ذلك استدعوني للمثول أمام لجنة تحقيق ومن ثم أمام مجلس محاسبة بعد إيقافي من التدريس. وفي كل تلك الجلسات لم يأتوا بشخص متخصص ليدحض الجوانب العلمية والأكاديمية التي ناقشتها في مقالتي. وكانوا في تلك الجلسات يدعون وجود أروقة علمية متخصصة ويسألوا عن سبب عدم طرحي للموضوع في تلك الأروقة وامتعضوا من تشكيكي في كفاءة الأساتذة وإصداري للورقة في الراكوبة وسودانايل. فقد كان جل تركيزهم في لجنة التحقيق ومجلس المحاسبة على أسئلة نمطية تنم عن عدم فهمهم الكامل لمحتوى المقالة التي كشفت الواقع الجامعي المخزي والمتسم بالقناع العلمي المزيف والجهل الأكاديمي المطبق في مجال التخصص موضوع المقال. وبدا لي واضحا من محاور تناولهم للتحقيق والمحاسبة أنهم في الواقع لا يعرفون شيئا عن علمية وأكاديمية تلك المقالة وأنهم في حالة تبدو وكأنهم في متاهة وربكة سببها غالبا غياب العقل الأكاديمي المتخصص الذي جعل إدارة الجامعة ترتضي بذلك الواقع العلمي المخزي من اجل تسيير فصول مسرحيتها "التجارية" على البسطاء وأبناء البسطاء ونهبهم. كما اتضح لي أن القائمين على أمر إدارة الجامعة لا يرغبون في فهم الحق الذي يقال لهم في شأن الإصلاح العلمي والأكاديمي وتأكدت من صواب توجهي وإصداري للمقالة للأخذ بيد مثل هؤلاء استنادا إلى قول الإمام علي عليه السلام (ما أخذ الله على أهل الجهل أن يجهلوا ولكن أخذ على أهل العلم ألا يعلموا!). وأدركت من خلال تلك التحقيقات والمحاسبة أن الحق صعب ولا يحمله أو يتحمله الضعفاء فاقدي الأمانة العلمية ذوي الكرامة العلمية المزيفة والمجروحة كفاءتهم العلمية الذين يديرون الجامعات وهم لا يدركون أبجديات مسؤولياتهم العلمية والأكاديمية ولا اعرف ما هي الظروف التي واكبت تسلقهم لتلك المناصب التي لا يستحقونها لأنهم يديرون ما لا يعرفون كنهه ومحتواه وهذه مأساة عقلية تعاني منها الكثير من الجامعات الأخرى أيضا. ويبدو أن التسلقية العلمية التي لا تدري كنه المناهج العلمية والأكاديمية وطرق وضعها وتنفيذها هي التي أوصلت مثل هؤلاء مع تواضع كسبهم العلمي إلى سدة إدارة جامعات في السودان فحولوها إلى مرتع للكسب المادي البحت وجردوها من مهامها العلمية والأكاديمية.
ففيما يتعلق بنشر الموضوع في الراكوبة وسودانايل فإن الأكاديمي ينشر أفكاره من خلال أي منبر حر أيا كان توجهه السياسي وان الركوبة وسودانايل ليست منابر إعلامية صهيونية بل هي سودانية وتصدح بالكثير من الحقائق التي لا يستطيع احد أن ينكرها. بل هي أكثر نطقا للحق في واقعنا الإعلامي السائد اليوم الذي يتناول مواضيع انصرافية ليزين الخزي في كل مناحي الحياة ويخدر الناس بالشعارات المضللة. أما فيما يختص بعدم طرحي للموضوع في الأروقة الأكاديمية المزعومة فإنني ومن خلال قراءتي للواقع الأكاديمي المخزي الذي لمسته في محتوى وفترة الكورس وتدريسه وطريقة التقويم ونوعية المخرجات الجامعية في مجال اللغة الانجليزية لا اعترف بوجود أروقة علمية حقيقية في هذا السياق وان صدور هذه المقالة يثبت ذلك لأنه لو كانت هناك أجسام أكاديمية وعلمية حقيقية تحمل علما متخصصا ومتمكنا و تستطيع أن تناقش مثل هذه الأمور الأكاديمية والعلمية وتخرجه الإخراج الصحيح لما وصل حال اللغة الانجليزية أصلا إلى هذا الحضيض من المآل ولما تم قبول مخرجات بكالريوس بذلك المستوى الضعيف وبذلك العدد الضخم ولما تم إخضاعهم لكورس ماجستير بمسميات أوراقه الباهتة ومحتواه المهزوز وفترته القصيرة وأسلوب تقييمه المعوج وغير النزيه. وعليه حتى إذا كانت هناك أروقة علمية موجودة فهي تبدو مسميات فقط لأجسام من دون محتوى علمي حقيقي تم تكوينها على نسق تصعيد الإدارات الجامعية والعَمادية والشُّعَبية ذات الكفاءة المجروحة وأنها تدير الأمر برمته بطريقة غير علمية وكل ذلك يدل على غياب تام للعقلية المتخصصة في هذا المجال وعلى إدارة جامعية غير مدركة لطبيعة مهامها. وعليه فإن هذا الحال السائد يبدو من نتاج سيطرة إما عقلية رانكرز لم تزدهم سنوات التدريس أو الإدارة إلا نسخة طبق الأصل من سنتهم المهنية الأولى أو متسلقي تدريس جامعي فبركوا بحوثهم الوصولية وتربعوا على منابر أكاديمية وإدارية هم ليسوا بأهلها وجلسوا يضللون المجتمع والطلاب بلي ألسنتهم ليخفوا فقرهم العلمي والمناهجي في التخصص وطموحاتهم المادية التي هي غايتهم وهمهم الأول ليركضوا خلف عائدات مسميات الكورسات التي يفبركونها لتدر عليهم دخلا ماديا ويهملوا محتواها العلمي وتقويمها المعياري. ويجب أن يسأل السائل الحصيف هنا سؤالا يبرر التشكيك في كفاءة الأساتذة الجامعيين؛ أين إنتاجهم العلمي الذي ينفع التعليم العالي والمكتبة المتخصصة بأعمال علمية محكمة وموثقة تساهم في كسب التعليم في مراحله المختلفة وفي تخريج مخرجات علمية حقيقية؟ أي نوع من البحوث كتبوها حتى مكنتهم من تسلق وممارسة الإدارة أو التدريس الجامعي وهم عاجزون عن استكشاف علل الكورس وسبر كوامن الضعف فيه وفي الطلاب الخاضعين للكورس؟ ومن الواجب علينا أن نسأل أيضا: أين تراكم تحليل أخطاء طلاب البكالريوس والماجستير المستخلص من أداء الطلاب الكتابي وأين الكورسات العلاجية أو الرسمية التي تم تأسيسها وفقا لتلك التحليلات التراكمية والتي كانت بالإمكان أن تكون مفيدة لكل منظومة تدريس وتعلم اللغة الانجليزية في السودان واختصاصي المنهاج والمنهجيات؟ وهل لتلك البحوث المفبركة أي اثر على واقع اللغة الانجليزية في السودان؟ ام يتم اختيار عناوين مجردة لمحتويات مكررة وتحكي انشائيا مواضيع تهدف الى الالتفاف على العقول لزيادة رصيد اشباه المشرفين من البحوث المنجزة لتتوج المراوغين علميا اساتذة على الجامعات وترفع اشباه المشرفين في سلم الادارة! والأمر الذي لا تدركه هيئات التدريس والإدارة الجامعية تلك أن تحسين مستوى منهاج اللغة الانجليزية في المرحلة المدرسية يقع على عاتق الأستاذ الجامعي ومخرجاته الطالبية المؤهلة وعطاءه وإنتاجه العلمي وبحوثه الأكاديمية ذات الصلة وليس فقط على عاتق أستاذ المرحلة المدرسية. فالجامعات تدعي أنها تخرج متخصصي اللغة الانجليزية من حملة "بكالريوس" و"ماجستير" و "دكتوراه" ويقوم بعض حملة البكالريوس بالعمل في المدارس بينما النسبة السنوية للنجاح في اللغة الانجليزية في الشهادة الثانوية مشينة واسألوهم كيف تتم حياكة وإخراج تلك النسبة؟! الم يرثوا ذلك السلوك غير الأكاديمي من منظومة التعليم الجامعي المختلة التي خضعوا لها؟ كما أن الجامعة تقوم بتدريس ورقة ( تحليل الخطاب) لطلاب الماجستير بينما غالبيتهم العظمى لا تستطيع الكتابة بالانجليزية بطريقة صحيحة فكيف يتم تدريس مثل هؤلاء ورقة تسميها تلك التسمية الكبيرة (تحليل الخطاب)؟ كيف كان شعور الأستاذ الذي درسهم؟ هل شعر أنهم فعلا أهل لتحليل الخطاب أم انه هو نفسه لا يدري؟!! فإذا كان قد شعر بأنهم ليسوا أهلا لتحليل الخطاب لأنهم لا يستطيعون الكتابة باللغة الانجليزية ومع ذلك أكمل لهم السمستر وانجز تقييمه فإنه قد أرهق نفسه وضيع وقت الطلاب والجامعة إلا إذا كان يستهدف فقط العائد المادي من إكمال تدريس تلك الورقة. أما إذا لم يستطع أن يستنبط حقيقة أن غالبيتهم لا يستطيعون كتابة الجملة بطريقة صحيحة ومع ذلك واصل إخراج ورقته فإن ذلك يثبت أن الأستاذ نفسه ضحية نظام تعليمه وتخريجه الذي خضع له ولا يعلم كُنْه ما يقوم به وعلى الجامعات مراجعة الكفاءة الأكاديمية لمثل هؤلاء الأساتذة وأهليتهم في ممارسة التدريس الجامعي! فهم يجهلون تخصصهم مادام أنهم لا يضعون تحليل أداء الطلاب وأخطائهم في مجال البناء اللغوي الصحيح ضمن التقويم في ورقة الإجابة ليتم تطوير المناهج بموجبه في كل مراحل التعليم. إذ أن ورقة (تحليل الخطاب) هي فرع من (اللغويات) التي تحتوي على فروع مثل تحليل الأخطاء والتحليل المقارن والنحو التحويلي والتوليدي وغيرها. والدليل البائن على عدم معرفتهم لمحتويات الكورسات وفروعها هو أنهم جعلوا (تحليل الخطاب) ورقة بعد أن فصلوها من (علم اللغة التطبيقي) وبعد ذلك جعلوا الأخيرة بكل فروعها الأخرى ورقة منفصلة! هذا إنما يدل على خواء القائمين على أمر وضع الكورسات وتطبيقها وتدريسها وتطويرها. وهذا الواقع المخزي ينسحب أيضا على كورسات طلاب البكالريوس في الجامعات لذلك يتخرجون ويأتون إلى الماجستير وهم لا يستطيعون الكتابة بطريقة صحيحة ومع ذلك يعمل الكثير منهم في التدريس في المرحلة المدرسية، فماذا سيعطي طلابه؟ ففاقد الشيء لا يعطيه!
ورحمة بهم وإسعافا لحالهم الأكاديمي المحزن ورغبة في اصلاح حال التخصص في الجامعات فإنني أوضح لهم انه يجب أن يخضع طالب البكالريوس انجليزي في سنته الأولى لتدريس القواعد الوظائفية وعدد دروسها لا يتجاوز الاثنين وأربعين درسا ويمكن توظيف سمسترين أو ثلاثة لإكمالها مع تمارينها الكاملة حتى يتعلم الطالب الجامعي كتابة الجملة بطريقة صحيحة ويورثها فيما بعد لطالب المرحلة المدرسية ويستطيع ايضا التعامل مع ورقة الماجستير التي تسمى (تحليل الخطاب). ويمكن للاساتذة والطلاب الاستعانة بكتابي بعنوان "Grammar of English: Explanation, Rule and Drills". كما يجب إبعادهم في سنتهم الأولى عن الأعمال الأدبية مثل الروايات والمسرحيات لانها مسهبة وقد تكون بداية مجردة للكثير من الطلاب المبتدئين. إذ ان الطلاب في سنتهم الاولى يحتاجون إلى خامات قصيرة وسلسة وشيقة مثل اختيارات من المقالات والنثر والقصة القصيرة والقصيدة القصيرة والمسرحية ذات الفصل الواحد مع تعريفات بسيطة للأدب والنقد الأدبي حتى يزيلوا الحاجز النفسي بينهم وبين القراءة المفهومة الممتعة ويتمتعوا بما يقرأوا ويتفاعلوا معه وهكذا يزدهروا لغويا في سنتهم الأولى بخامات بسيطة ويتحركوا للسنة الثانية بقابلية منفتحة وواثقة من تناول هذا التخصص الأجنبي بكل أبعاده وتحدياته اللغوية والنقدية وهذه تجربة الدول المشابهة للسودان. وإذا كان نظام التعليم الجامعي جادا يجب إلغاء نظام السمستر وإبداله بالسنة الدراسية الكاملة القائم على نظام الفترتين (Two Terms) على أن تكون السنة الدراسية ليست بأقل من عشرة أشهر ليدرس طالب البكالريوس أربع سنوات كاملة وطالب الماجستير سنتين كاملتين بنظام كورس من دون بحث تكميلي. لان كتابة بحث تكميلي من ثلاثين أو أربعين صفحة او اكثر بطريقة ميكانيكة ليست دليلا على أهليتهم في كتابة البحوث ولا تدل على اختمار عمق تخصصي في عقل الطالب! ففي السابق كان الماجستير سنتان كاملتان وبحث الماجستير ليس بأقل من مائة وعشرين صفحة ويتناول موضوعا لم يتم تناوله من قبل ويثبت الطالب الباحث ذلك بشهادة من مكتبات الجامعات والدوائر البحثية. فهل تشترط الجامعات هذا الأمر الآن وتطلب شهادة بذلك قبل مباشرة الطالب لكتابة البحث على العنوان الذي اختاره؟ لا اعتقد ان هذه التقاليد العلمية موجودة الآن لانها لو كانت موجودة لاخرجت الكثير من المتدكترين من دائرة المقدرة على الاشراف على البحوث!
هذا إذا كانوا حريصون على إصلاح الخلل. فمن خلال لجنة التحقيق ومجلس المحاسبية التي عقدوها فهمت أنهم لا يريدون سماع النقد والرأي الآخر فيما يختص بالخلل في المعايير الأكاديمية والعلمية والتقويمية في الجامعة. فقد اتهمني مجلس المحاسبة أنه بإصداري تلك الورق فقد انتهكت المواد (40) – (د) و (ز) و (41) (د) من لائحة الخدمة المدنية القومية لسنة 2007. وفي بداية الجلسة سألتهم مستفسرا أنه إذا كنت أنا قد انتهكت تلك المواد أو لوائحها بإصدار تلك الورقة الأكاديمية في الراكوبة وسودانايل، فهل هنالك مواد ولوائح تحمي المعايير العلمية والأكاديمية والتقويمية في الجامعة وتحاسب من ينتهكها؟ وذكرت لهم في هذا السياق قول احد زملائي الأساتذة انه أعطى 50% لأدنى طالب حسب معاييري التقويمية. بعبارة أخرى، أن كل الطلاب ناجحون وليس لديه راسب! وعندما سألته عن السبب قال لي انه لا يريد أن ينظم امتحان إعادة!!! تخيلوا لأنه لا يريد أن ينظم امتحان إعادة لذلك قال لي انه مرر كل الطلاب- طلاب الماجستير! هل يمكن أن نسمي هذا السلوك شهادة زور أم عدم أمانة علمية أم استرزاق رخيص بالانشغال ركضا خلف مجموعة من الكورسات وإخراجها على ذلك النسق القائم على انجاح من لا يستحق النجاح وتجنب تنظيم امتحان اعادة؟ وهل يمكن أن يكون مثل هذا الأستاذ حاملا علما نافعا ويبلغه بأمانة العالم المسئول؟ فكيف نستطيع أن نتأكد الآن أن حامل الماجستير مسيطر على تخصصه مادام هناك مثل هؤلاء الاساتذة المتدكترين الذين يزورون نجاح الطلاب لمجرد أنهم لا يرغبون في تنظيم امتحان إعادة للطلاب الراسبين؟ فمنذ الأزل ظل العلم الحقيقي هو المجال الوحيد الذي بقي كنزا للمقتدرين عقليا وبعيدا عن متناول المساومين وأنصاف العقول واسطبر عليه فقط راجحي العقل كسبا وعطاء ونشرا وليس "المتدكترين" أو "المجسترين" في بيئة مسلوبة العلم والمراقبة المعيارية النزيهة ويسيطر عليها أشباه أساتذة يخرجون الطلاب بالطريقة التي تخرجوا هم بها. وبذلك فانه يبدو أن تمرير الطلاب هو الثقافة السائدة في تقويم أداء طلاب اللغة الانجليزية ولا نعرف كيف الحال في التخصصات الاخرى وهذا هو سبب الخزي في مستويات اللغة الانجليزية في السودان ويشتكي القائمون بالأمر الحال وهم لا يعلمون الواقع السائد في الكليات التي تسمي نفسها متخصصة والجامعات التي تسمي نفسها زورا جامعات "للعلوم والتكنولوجيا"! فكيف يستحقون مثل هذه التسميات وهم يجردون الطلاب من علمية التخصص وجادّتِها ويمررونهم في الامتحات تجنبا لتنظيم امتحان الاعادة. واذا كانت بعض الدول العربية تعتمد على مخرجات كهذه فهي في الحقيقة تعتمد على خزي لن يضيف لها شيئا حقيقيا الا اذا كانوا هم ايضا يسيِّرون الامر بنفس الصورة السائدة في بلد الاستاذ المعار وفي هذه الحالة فالاعور في بلد الاعمى ملك ولا حول ولا قوة الا بالله.
وبعد ذلك تم إنهاء خدماتي مع الجامعة واستلمت خطاب "إنهاء الخدمة" وعندما طلبت منهم إصدار شهادة فترة الخدمة أصدروها بلفظ "الفصل" وليس "إنهاء الخدمة" وشتان ما بين المعنيين بالرغم من أن الخطاب قد صدر سابقا بإنهاء الخدمة! ونصحني احد الأخوة الذين أثق فيهم برفع الأمر إلى التعليم العالي غير أنني قلت له لو كان التعليم العالي قائما بواجباته العلمية والأكاديمية والإدارية بالطريقة الصحيحة لما صدرت مقالتي تلك وان التعليم العالي نفسه جزء لا يتجزأ من الخزي السائد في منظومة التعليم الجامعي ككل. فإذا كان هناك تعليما عاليا فعلا فلماذا لم تتحرك عند صدور المقالة لتطمئن على المعايير العلمية في الجامعة المعنية وتتأكد مما قلت؟ وبالرغم من أن هدفي من تلك الشهادة هي توثيق مراحل حياتي العملية والعلمية والمهنية وليس هدفي الخبرة في حد ذاتها ومع ذلك فإذا رغبت في التقديم لجهات توظيفية خارجية فإنني سأوضح لها سبب "الفصل" بإلحاق المقالة مع "شهادة الخبرة" وخطاب "إنهاء الخدمة" ومؤهلاتي العلمية وسأرى من سيكون المتأذي الحقيقي من ذلك. إذ أنني لو كنت حريصا على "شهادة خبرة" بالمعنى الذي يقصدونه هم لكنت لزمت الصمت وقضيت معهم سنتين أو ثلاث سنوات وحصلت على شهادة الخبرة كما يحصل عليها انصاف الاساتذة. لكني لا أعول على شهادات خبرة لان بيئة كهذه لا تبني خبرة حقيقية بل تبني خبرة تزوير الحقائق والسكوت على الباطل. ففي بيئة تسويق الشهادات العلمية يصبح الصدق بهتانا والكذب صدقا ولا يعمل أو يستمر فيها من يعتد حقيقة بعلم يحمله ويحب أن ينشره بطريقة ترضي الله ولا ينمو الأستاذ في مثل تلك البيئة مهنيا ولا علميا ولا يورث فيها علما حقيقيا للآخرين. إذ كيف يستطيع الشخص النمو مهنيا أو توريث علم أو بناء خبرة في بيئة أكاديمية مختلة يتم فيها انجاز كورسات صورية على نسق كورسات الرانكرز ومتسلقي التدريس الجامعي الذين لا يعرفون صياغة الكورسات المتخصصة بفترتها وتدريسها وتقويمها المعياري ويمررون الطلاب لانهم لا يرغبون في تنظيم امتحان اعادة؟ كما لم تستطع لجنة التحقيق ومجلس المحاسبة الرد على ما ذكرته في المقال حول استكشاف الخلل في فترة وجيزة من تعييني. ولم أتأسف على "فصلي" لأنني كنت أتوقع إنهاء خدماتي لان هذه هي سلوكيات ومعايير المؤسسات والدوائر التجارية التي لا تهتم إلا بالجانب المادي والصوري من نشاطاتها وتبعد كل من يهتم بالجانب المعياري القويم. لأنهم إذا سلكوا الجانب المعياري القويم فقد يتسبب ذلك في تقليص الكسب التجاري لتلك الدوائر، لذلك لا يستطيع من ينتقدهم أو من يحاول الإصلاح أن يعيش بينهم. فالمصلحين الحقيقيين في السودان يعانون من أسراب جراد الجهل المسيطر على كل مناحي الحياة والذي يواجه الفكرة الخضراء بالقضم والإزاحة والإبادة والتصحر العقلي. فمثل هذه البيئة يسود فيها الفساد والغش وتضليل الناس واكل اموال الناس بالباطل ويسيطر عليها المستعلمين الذين يريدون أن يسترزقوا من هذا الواقع المعلول ليرسخوا الجهل والتجهيل ومحاربة العقل والعقول لتتوائم مخرجاتهم مع الأنظمة والمنظومات التي تسكت عن ذلك الواقع وتؤمِّن لهم مصادر استرزاقهم الملوثة غشا وتدليسا وتوظفها لإدامة برامج التجهيل وتدمير العقول ونهب الشعوب بعد تضليلها بشعاراتها الزائفة والكاذبة. فهذا الواقع هو نتاج التوسع غير الممنهج في التعليم العام بصفة عامة والتعليم العالي بصفة خاصة والذي فقد السيطرة على نفسه وضل ضلال بعيدا. وكنت قد حذرت من تداعيات ذلك التوسع غير الممنهج في كتاب صدر لي عام 2001 بعنوان (Sudanese Educational Issues: An Ideological Perspective) كما لمحت بسيادة نوعيات فقيرة من هيئات التدريس الجامعي على الجامعات في نفس الكتاب وأيضا في ورقة بعنوان (مناهج ومنهجيات تدريس وتعلم اللغة الانجليزية في السودان: منظور تحليلي ناقد) أرسلتها لمؤتمر القومي للتعليم الذي عقد 2012 وبالفعل تأكدت من هذا الواقع خلال أربعة أشهر من تعييني أستاذا مشاركا في "جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا". أنني مطمئن لأنني خلال الأربعة أشهر التي قضيتها في جامعة السودان "للعلوم والتكنولوجيا" كنت فيها حريصا على ألا أكون جزءً من الأداء الكاذب والمغشوش في مجال التعليم واكتشفت الحقيقة وصدحت بالحق وقمت بواجب الشهادة لله التي كنت اعرف تبعاتها لكن كان لابد من البلاغ. كما أن الرزق على الله. فقد فتنني الله بالتدريس في "جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا" ليعلم مدى التزامي بالمبادئ العلمية التي نشرتها من قبل. ولو كنت التزمت الصمت على ذلك الواقع وشاركت فيه لكنت سيرت حياتي كما يسيرها المسترزقون على هامش العلم والمتربعون على سدة إدارة مثل ذلك الواقع الأكاديمي المخزي ليقتسموا كيكة الرسوم المنزوعة من جيوب المقبولين لكورسات الماجستير المعتلة وكورسات البكالريوس ذات المسميات المختلفة مثل بكالريوس النفقة الخاصة والموازي والانتساب ولا علم لنا كيف يتم تكوين محتويات تلك الكورسات وكيف ينجزونها. ولكان ذلك الصمت خيانة لله وللعلم وللوطن والأمانة العلمية. لذلك واليت الصدق وتجنبت الكذب وداهمت ذلك الواقع المخزي بمقالتي التي قصدت أن تكون حجرا في المياه الراكدة وأنني أؤكد أسفي الشديد على مصير طلابنا الذين تم وضعهم كاليتامى في بيئة وظرف تتنازعهم فيه الرغبة بين علم حقيقي إلا انه غير موجود وإغراء بشهادة مقابل الرسوم. وليس لهم خيار سوى قبول ذلك الواقع من دون مسائلة واختيار شهادة سهلة المنال مقابل الرسوم. ولا اعرف ما هو مصير نتيجة امتحانهم التي سلمتها للجامعة وماذا فعلوا بها؟!! كم منهم تم تمريرهم وكم منهم أبقوهم راسبين أم هل نجحوا جميعا ووفقا لأي معيار تقويمي؟! هل اعتمدوا على اللغة النقدية لاداء الطالب وضربوا البناء اللغوي بعرض الحائط؟ وهل هناك فعلا لغة نقدية لدى الطلاب في كتابتهم على ورقة الاجابه؟ فاجاباتهم للاسئلة النقدية هي اعادة سرد ساذج لمحتوى النص. وإذا اعتمدوا فقط على اللغة النقدية لتمريرهم واهملوا البناء اللغوي فسيكون ذلك كارثة ووصمة عار في جبين الأداء الجامعي في السودان لان متخصص اللغة الانجليزية يجب ان يكون قادرا كذلك على الصياغة اللغوية الصحيحة للجملة. وما هي مقررات السمستر الثاني في أوراق الأدب الانجليزي واللغويات؟ وكيف تمت إعادة تقويم من "طالب/طالبت" بإعادة تقويم "اداءه/اداءها" في ورقة اللغويات التطبيقية؟!!! وعلى اي معيار اعتمدوا!! والأيام ستوضح ذلك أيضا لمن يريد أن يراجع ذلك ويتأكد من عدم وجود تجاوزات!!! لان الطلاب لايسكتون! لذلك فالعلم في مثل تلك البيئة سراب يحسبه الطالب علما حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجده فقط تسويقا للشهادة مقابل الرسوم. ففي مثل هذا الواقع المخزي فإن الإصلاح لن يأتي بسهولة خاصة إذا كان الجهل هو المتحكم والحريص على حماية الإستجهال واستدرار الدخل المادي و يرغب في أن تسير الأمور كما هي وبأي شكل من الأشكال فقط من اجل غايات آنية ضيقة. وفي هذه الحالة فان ذلك الواقع الفاسد والمفسد سيكون له زبانية وأزلام في مواقع مؤثرة يحمونه حماية تامة من أية محاولة للنقد والمساءلة والإصلاح مستهدفين تضليل الشعب بإدعاء أن كل الأمور تسير بطريقة معيارية ومقبولة وفي هذا غش للأمة والأجيال القادمة و سيؤدي حتما إلى مآلات مأساوية وخراب ممنهج ومقيم. لذلك يبدو أن العلاج يحتاج إلى جراحة من دون تخدير! جراحة مؤلمة تقلب الطاولة على رؤوس من يقومون على تسيير و حماية منظومة التضليل والتجهيل تلك؛ منظومة تسويق الشهادات العلمية في الجامعات السودانية، ويسترزقون منها غير مبالين لحقيقة أنهم ينشرون الجهل ويتسببون في تخلف الأمة. وكجزء من تلك الجراحة أدعو حملة العلم المتخصص الحقيقيين في كل المجالات والمشاركين في منظومة التعليم العالي وغيرها من المؤسسات الكتابة بطريقة علمية ناقدة وموضحة للحقائق من دون خوف أو تردد لان العلم مجلي للحق وتنوير للناس وأساس للإصلاح المستقبلي وانه ليست هناك قوة تستطيع منع التناول العلمي الناقد والإصلاحي للامور بواسطة من يريدون الصدح بالحق وإبراء ذمتهم أمام الله والعباد. على العلماء الحقيقيين الهجرة إلى الله بالقول الثابت وتجاوز الانتماءات الحزبية والولاءات السياسية الضيقة والانفكاك من الاسترزاق الرخيص وكتم الحق أو دعم الظالم على حساب مصلحة الوطن. عليهم التمرد على المنظومات الفاسدة ثقافية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو أكاديمية أو سياسية بالعلم الناقد والمصلح لخدمة هذه البلاد التي تأخرت كثيرا.
والله المستعان وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
* نسخة منقحة من المقالة التي صدرت في الراكوبة وسودانايل بتاريخ 19/3/2014
* تم إلحاق (تداعيات) لاحقا مع الأصل المنقح لتكتمل الصورة للقارىء الكريم!
- Books Published by the Author:
1. Sudanese Educational Issues: An Ideological Perspective
2. Teaching English in Sudan: A Practical Approach.
3. History of Educational Experiments in Sudan: A Brief Account.
4. History of English in Sudan: A Critical Re-reading.
5. Tayeb Salih's Season of Migration to the North: An Ideo-literary Evaluation (Eng. ed.).
6. Grammar of English: Explanation, Rule and Drills.
7. Basics of English Grammar for Sudanese Students.
8. The New Muslim's Book of the Fundamentals of Islam: Their Significance.
9. Intellectual, Scientific and Academic Miscellany.
10. موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح: تقويم عقدي –ادبي
- Articles Published by the Author:
1. Aims of Education in Sudan: An Overview, in Educational Insight Journal, Aurangabad, Vol. 1, No. 2, Dec. 1997.
2. Sudan: A Model of Real Independence, in Radiance Viewsweekly, New Delhi, 15-21 Feb. 1998.
3. Foreign Transmission and the Allegiance of Human Intellect, in Radiance Viewsweekly, New Delhi, 3-9 Jan, 1999.
4. Mother Tongue as Medium, in Radiance Viewsweekly, New Delhi, 11-17 Apr.1999.
5. Language Policy in Sudan, in RELC Journal, Singapore, Dec. 2001.
- Articles Published by the Author in On-line Websites:
قصة مواجهة بين المصنفات الأدبية ود. عبدالرحمن محمد يدي في شأن حجز كتاب النقد الأدبي بعنوان
موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح: تقويم عقدي أدبي
http://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-36808.htm


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.