قدمت لجنة امبيكي والتي عُرِفت بلجنة حُكماء إفريقيا الخاصة بدراسة حقيقة الصراع في دارفور تقريرها النهائي إلى السيد/يان بينق رئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي في أديس أبابا في السابع من أكتوبر 2009م، على أن تنشر التفاصيل الكاملة لاحقاً في اجتماع القمة الإفريقية المصغرة في أبوجا بنيجيريا. والآن بعد مضي أسبوعين كاملين وبعد تأجيل القمة من الخامس عشر إلى التاسع والعشرين من الشهر نفسه، ظهر التقرير الكامل المفصل والذي يتألف من مائة وثمان وأربعين صفحة. وعلى ضوء التفاصيل التي نشرت يوم الخميس الثاني والعشرون من شهر أكتوبرالمنصرم وبعد إنتهاء مداولات القمة المصغرة، نود أن نوضح رأي وموقف حركة/جيش تحرير السودان بقيادة أحمد عبد الشافي فيما ورد في التقرير. بطلب من مجلس السلم والأمن أولاً: وبما أننا بصدد تقييم أعمال هذه اللجنة لا بد لنا أن نستعرض بشيئ من الإيجاز كيفية تكوين اللجنة والمهام التي أوكلت إليها والأهداف المرجو تحقيقها والفوائد المراد تحصيلها، وبهذا نكون قد عملنا تقييمنا على أسس موضوعية ومنطقية. إبتداءً؛ نود أن نشير إلى أن فكرة تكوين اللجنة قد أتت عندما أصبح أمر قبض رئيس جمهورية السودان/عمر حسن أحمد البشير مسألة واقعة لا مفر منها، وعلى هذه الخلفية عقد مجلس السلم والأمن التابع للإتحاد الإفريقي اجتماعه رقم 142 بمقره في أديس أبابا يوم 21/7/2008م، حيث ندد مرة أخرى بأعمال العنف وإنتهاك حقوق الإنسان المستمرة في دارفور، كما طالب بملاحقة مرتكبي الجرائم وتقديمهم للمحاكمة. وعلى هذا الأساس طلب المجلس من مفوضية الإتحاد الإفريقي التصديق بتكوين لجنة على مستوى عال من شخصيات إفريقية بارزة بغرض القيام بدراسة الوضع في دارفور بدقة متناهية ومن ثمّ تقديم توصيات لما يمكن عمله ناحية محاسبة مرتكبي الحرائم وملاحقة المفلتين من العدالة من جهة، وتحقيق المصالحة وضمط الجراح من جهة أخرى. ومن هذا المنطلق طلب الإتحاد الإفريقي من مجلس الأمن الدولي تأجيل إصدار قرار أمر القبض في حق عمر البشير، إلا أن مجلس الأمن في قراره رقم 1828 لسنة 2008م لم يعر إهتماماً لطلب الإتحاد الإفريقي، بل أيد استمرارية محكمة الجنايات الدولية في عملها بإصدار أمر قبض البشير. وفي تطور لاحق أيدت الجمعية العمومية للإتحاد الإفريقي في اجتماعها رقم 12 في الفترة من 1 - 3/2/2009م، قرار مجلس السلم والأمن الإفريقي الداعي إلى تكوين لجنة على مستوى عال ومن شخصيات إفريقية بارزة برئاسة الرئيس السابق لجمهورية جنوب إفريقيا السيد/ثابو امبيكي وعضوية كل من: أبوبكر عبد السلام، الرئيس النيجيري الأسبق وبيري بيويا رئيس جمهورية بروندي السابق وتايبلي درامي وزير سابق من مالي والجنرال/الحاج عبد الكبير محمد المبعوث الخاص لرئيس نيجيريا السابق أباسانجو لدارفور والقاضية/فلورنس اندبلي مومبا قاضي المحكمة العليا بزامبيا وأحمد ماهر السيد وزير خارجية مصر السابق ورقية عبدالله عمر مديرة منظمة أفريكان رايتس (African Rights). وبالإضافة إلى هذه اللجنة الموقرة تمت أيضاً تسمية فريق من الخبراء الأفارقة في مجالات مختلفة خاصة القانون الدولي وحقوق الإنسان، شمل كلٌ من: بروفسير/صلاح الدين عمر من مصر/جامعة القاهرة ومن جيبوتي المحامي/عارف محمد عارف ومن السنغال كاثرين سيسي مديرة المعهد العالمي للتاريخ والعدالة والمصالحة ومن ملاوي بروفسير/تيانجانا ملاوا المحاضر بجامعة ولاية بنسلفينيا الأمريكية ومن زامبيا بروفسير/منى اندلو المحاضر بجامعة كورنيل الأمريكية ومن الكمرون بروفسير/جين-امانويل بوندي المحاضر بجامعة ياوندي. وتتلخص المهام التي أُوكلت لهذه اللجنة في القيام بدراسة تفصيلية معمقة عن الوضع في دارفور، ومن ثمّ تقديم توصيات لمجلس السلم والأمن الإفريقي حول كيفية محاسبة مرتكبي الجرائم وملاحقة المفلتين من العدالة من جهة، وتحقيق المصالحة وضمط الجراح من جهة أخرى بشكل فعال وشامل. وذلك عن طريق إنشاء مفوضية الحقيقة والمصالحة كآلية لتحقيق هذا الغرض على غرار مفوضية الحقيقة والمصالحة التي أُنشأت في جنوب إفريقيا. وعلى اللجنة أيضاً أن تُقيِّم الوضع في دارفور فيما يتعلق ب: (أ) انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، (ب) الخطوات التي اتخذتها الحكومة السودانية تجاه ايقاف هذه الانتهاكات، (ج) مستوى تنفيذ توصيات مجلس السلم والأمن الإفريقي، (د) الخطوات التي تمت من قبل المجتمع الدولي لحماية المدنيين، (ه) الإجراءات الجارية لمحكمة الجنايات الدولية، (و) النظام القضائي السوداني والآليات والإجراءات المتاحة التي يمكن أن تساهم في العملية السلمية. وللقيام بمهامها على اللجنة أن تستعين (أ) بالمنظمات الدولية وبيوت الخبرة (ب) فئات المجتمعات في الدول التي لها تجارب مماثلة في آلية الحقيقة والمصالحة (ج) الجهات ذات الصلة بالصراع الدائر في دارفور والسودان. ثانياً: ونحن في حركة/جيش تحرير السودان نرحب من حيث المبدأ إنشاء مثل هذه اللجان التي تنتهج البحث الميداني وسيلةً لمعرفة جذور وحجم المشكلة خاصة عندما يكون الأمر متعلق بالصراع الدائر اليوم في دارفور، الأمر الذي يساعد في ايجاد أفضل السبل للوصول إلى الحلول الناجعة للمشكلة. ونرحب أيضاً لمبدأ الشفافية التي تبنتها اللجنة وذلك بنشر تقريرها النهائي كاملاً ووضعه في متناول الجميع مما يُمَكِن جميع أطراف الصراع في دارفور والمهتمين بقضيتها من الإطلاع عليه. وبما أننا قد أوضحنا الطريقة التي أُنشأت بها اللجنة وكذا الأهداف التي ترمي إليها، ففيما يلي سنستعرض الأنشطة التي قامت بها وكذا النتائج التي توصلت إليها. في مستهل عملها قامت اللجنة بعدة زيارات مكوكية إلى السودان بلغت في جملتها أربع زيارات شملت كل ولايات دارفور الكبرى وتحديداً مدن: الفاشر ونيالا والجنينة وزالنجي ومنطقتي جبل مرة وعين سرو ومعسكرات النازخين في كلٍ من أبوشوك وزمزم وكَلمة وعُطاش. وقد قابلت اللجنة خلال هذه الزيارات كبار المسئولين في الدولة شملت كلٌ من عمر البشير وسلفا كير وعلي عثمان ود.رياك مشار وولاة ولايات دارفور الثلاث وقادة الإدارة الأهلية والنازحين ومنظمات المجتمع المدني. كما قامت اللجنة بزيارات عمل لعدد من دول الجوار شملت كلٌ من ليبيا (ثلاث مرات) ومصر وتشاد (معسكر جبل بقوز بيضة للاجئين السودانيين) وجمهورية إفريقيا الوسطى وإثيوبيا بالإضافة إلى دولة قطر حيث إلتقت برؤساء هذه الدول وبعضاً من ممثلي حركات دارفور المسلحة. يجدر بنا في هذا الصدد أن نذكر أن اللجنة قد عقدت عدة اجتماعات تشاورية بمسئولين دوليين ذي صلة بعملية البحث عن حل لمشكلة دارفور ومنهم: السيد/رمضان العمامرة، مفوض مجلس السلم والأمن الإفريقي والسيد/لويس مورينو أُكامبو، المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية والسيد/أشرف قاضي، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان والجنرال/اسكوت قريشن، المبعوث الخاص لرئيس جمهورية الولاياتالمتحدةالأمريكية في السودان والسيد/مايكل أُنيل، المبعوث الخاص لرئيس وزراء بريطانيا في السودان والسيد/جبريل باسولي، رئيس الوساطة المشتركة لحل قضية السودان في دارفور. وفي هذا الإطار وقبل أن نخوض في التفاصيل، نرى أنه من الأهمية بمكان إيراد ملخص للبيانات الإحصائية عن الوفيات في دارفور والتي نتجت لعدة أسباب في الفترة من 1/1/2008م إلى 31/7/2009م حسب سجلات اليوناميد (UNAMID) التي قدمت للجنة والتي بلغت في مجملها 2112 حالة وفاة تفاصيلها كالآتي:- (أ) المدنيين – من غير الصراعات القبلية – 585 حالة منهم 90 من النازحين (ب) الجرائم العادية 51 حالة (ج) المقاتلين 675 حالة منهم 333 من القوات النظامية الحكومية – وهذا يعني أن البقية تتبع للمليشيات الحكومية كالجنجويد (د) الشرطة الذين قتلوا بواسطة عصابات النهب 16 حالة (ه) المليشيات غير المنتظمة 153 حالة (و) الحركات الموقعة للسلام 98 حالة (ز) الحركات غير الموقعة للسلام 91 حالة (ح) الذين قتلوا في الصراعات القبلية 635 حالة (ط) المدانين في القضايا الجنائية 14 حالة (ي) الوفيات غير المصنفة 203 حالة. هذه هي بعض الإحصائيات التي توضح مدى فظاعة المأساة في دارفور، وهي نسبة ضئيلة جداً مقارنة بالفترة ما بين عامي 1998 و2007م، إذ تجاوز عدد الوفيات في تلك الفترة الثلاثمائة ألف (300000) حالة وفاة. وعلى القارئ الكريم أن يفكر ملياً ليدرك حجم الضرر الذي وقع على أهل دارفور من جراء سياسات حكومة المؤتمر الوطني اللاإنسانية التي مورست في حق شعب دارفور. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل بإستطاعة الإتحاد الإفريقي أن يسرع الخطى للمساعدة في إحلال السلام في دارفور بعد الحقائق البينة التي قدمتها لجنتها الموقرة حول الوضع في دارفور؟ وفي جانب آخر من أنشطتها، قامت اللجنة بدراسة جميع الوثائق الرسمية المتعلقة بقضية دارفور، حيث شملت كل قرارت مجلس الأمن الدولي خاصة القرارين:1593 لسنة 2005م والذي أحيل بموجبه أمر محاكمة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في دارفور إلى محكمة الجنايات الدولية بلاهاي (هولندا) و1828 لسنة 2008م والذي تمت فيه الإشارة لقرار مجلس السلم والأمن الإفريقي بتاريخ 21/7/2008م والذي يطلب بتجميد قرار إصدار أمر قبض عمر البشير دون أن يتبناه. ومن الوثائق الأخرى المهمة التي درستها اللجنة أيضاً، والتي تم التوقيع عليها من حركات دارفور المسلحة والحكومة السودانية شملت: (أ) اتفاقية وقف إطلاق النار في انجمينا (تشاد) 8/4/2004م، (ب) اتفاقية تكوين آليات مراقبة وقف إطلاق النار في أديس أبابا (اثيوبيا) 28/5/2004م، (ج) بروتكولي تعزيز الوضع الإنساني والأمني في دارفور في أبوجا (نيجيريا) 9/11/2004م، (د) إتفاقية إعلان المبادئ لحل المشكلة السودانية في دارفور في أبوجا (نيجريا) 5/7/2005م (ه) إتفاقية سلام دارفور في أبوجا (نيجيريا) 5/5/2006م، كما درست اللجنة اتفاقية السلام الشامل بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية في نيفاشا (كينيا) 9/1/2005م، واتفاقية سلام الشرق بين جبهة الشرق والحكومة السودانية في أسمرا (اريتريا) أكتوبر 2006م. ثالثاً؛ وبعد دراستنا للتقرير وما حواه نود أن نوضح بعض الجوانب التي نراها إيجابية والتي لا نجد سبيلاً إلا أن نثني عليها، ونلخصها في الآتي:- 01- أن دارفور كانت دولة مستقلةً بذاتها لفترة تزيد عن الثلاثة قرون، وقد إعترفت اللجنة بأن جذور المشكلة في دارفور سياسية محضة وتتمثل في عدم التمثيل العادل للإقليم في الحياة السياسية في السودان (The roots of the Darfur conflict lie at its unequal incorporation into Sudan…).وهذا يتطلب من أهل المؤتمر الوطني - إن بقيت فيهم قليل من روح الوطنية الحقة - بأن يكفوا عن العزف على وتر الصراع القبلي وأن يشدوا عزمهم للتفاوض على أساس أن القضية سياسية وليست قبلية أو تنموية حتى. 02- أقرت اللجنة بأن تستمر محكمة الجنايات الدولية في إجراءاتها المتعلقة بتقديم مرتكبي الجرائم للمحاكمة بإعتبار أن هذه الإجراءات قد بدأت ولا يمكن أن تتوقف بأي حال من الأحوال، وهذا دليل على أن اللجنة قد اقتنعت تماماً بعدم وجود سوابق قضائية للفصل في مثل هذه الجرائم في السودان. كما أن الحكومة السودانية غير راغبة تماماً في إجراء مثل هذه المحاكمات، وأيضاً إعترفت اللجنة بأن النظام القضائي السوداني بوضعه الحالي غير فعال ومضلل في مواجهة الجرائم التي أرتكبت، بل وفشل في نيل ثقة شعب دارفور Currently, the criminal justice response to Darfur is ineffective and confusing and has also failed to obtain the confidence of the people of Darfur.، لهذا فإن اللجنة ترى أن تستمر محكمة الجنايات الدولية في عملها حيث يمكن على أقل تقدير محاكمة كبار مرتكبي الجرائم، إعترفاً منها بمبدأ أن أهل دارفور يستحوقون أن يروا العدالة قد تحققت لأن ذلك يعتبر حقاً شرعياً أقرته كل المواثيق الدولية.Whilst the ICC action might be a catalyst for acts of accountability in Sudan, Darfurians deserve attention not because of the threat of international action, but principally because they have a right to justice وهذا يعني أن خط سير تحقيق العدالة سوف يستمر. 03- إعترفت اللجنة بأن محكمة الجنايات الدولية لن تستطيع أن تحاكم كل الذين إرتكبوا جرائم ضد الإنسانية في دارفور، لأسباب عدة، منها أن عدد مرتكبي الجرائم كبير جداً وأن إمكانيات المحكمة الجائية الدولية محدودة، كما أن هي في الأساس محكمة مكملة للمحاكم الوطنية.that the ICC is a court of last resort as well as of limited practical capacity: It can only target a few people for prosecution. Indeed, conscious of its limited resources, the Prosecutor of the ICC has adopted a policy of focusing only on those few who he believes bear greatest responsibility for the most serious crimes that have been committed in each situation.. لذا اقترحت اللجنة تكوين محاكم من أربعة مستويات تتم فيها محاكمة بقية مرتكبي الجرائم. وهذا أمر نرحب به من حيث المبدأ، لأن ذلك يعني أن اللجنة ترى ضرورة محاكمة أي شخص إرتكب جرماً صغُر أم كبُر. والمستويات الأربعة المكملة لعمل المحكمة الجنائية الدولية هي:- (أ) محكمة هجين يتم تشكيلها داخل السودان تضم قضاة سودانيين وأجانب على أن تضاف لقوانينها مواداً تمكن من محاكمة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية والإغتصاب. وواضح من سياق التقرير بأن اللجنة تعتقد أن عدد الذين إرتكبوا جرائم كبيرة يفوق عددهم ال51 شخصاً الذين يمكن أن يحاكموا في لاهاي، لذا يجب محاكمة البقية في السودان بنفس المواد المعمول بها في المحكمة الجنائية الدولية. (ب) محكمة جنائية سودانية خاصة بأحداث دارفور يتم فيها أيضاً إضافة مواد لمحاكمة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والإغتصاب والجرائم ضد الإنسانية، وفي هذا المستوى من المحاكم تكون الجرائم المرتكبة أقل فظاعة من الجرائم التي ستعرض في المحكمة - أ – أعلاه. (ج) المحاكم الأهلية وهي محاكم تديرها الإدارات الأهلية في دارفور مستندةً على الأعراف والتقاليد السائدة في المنطقة، وتمتاز هذه المحاكم بقبولية أحكامها لدى المجتمع الدارفوري، لذا ستكون فعالة في فض النزاعات المحلية. (د) لجنة للحقيقة والعدل والمصالحة، على غرار لجنة جنوب إفريقيا، ومثل هذه اللجان تعتبر من الآليات المعروفة والراسخة في دارفور وتسمى بالجوديات والرواكيب وهي فعالة جداً في فض النزاعات القبلية ولسنا نبالغ إذا قلنا أن معظم الصراعات القبلية في دارفور حلت بهذه الكيفية، كما أن نظام الجوديات والرواكيب هذا يدرس الآن في أغلب جامعات الدول الغربية كأحد طرق فض النزاعات المحلية. 04- أوصت اللجنة برفع الحصانة عن المسئولين الدستوريين الذين يعتقد أنهم إرتكبوا جرائم كبيرة في حق أهل دارفور حتى تتمكن العدالة من أن تأخذ مجراها To prosecute members of the national legislature for a serious crimes, a waiver of immunity by the relevant legislative chamber is required. ولكن بالرغم من أن اللجنة قد أبدت حسن نيتها في هذا الجانب، إلا أن الآلية الفعالة والنية الصادقة التي يمكن من خلالهما تطبيق هذه التوصية غير متوفرة في السودان، وهنا يمكن أن نُذِّكر بحالة أحمد هارون الذي بدل أن ترفع عنه الحصانة أو يقال من منصبه تمّ تعيينه في وظيفة دستورية أرفع. وهنا نقول لحكماء إفريقيا إن هذا هو حال حكومة المؤتمر الوطني التي تتوسمون فيه الخير وحسن النية وترجون منه التعاون فلا شك أن ظنكم فيها سيخيب عاجلاً أم آجلاً. 05- ومن الملاحظات المهمة التي أبدتها اللجنة، أن الساسة السودانيين عادةً ما ينكثون العهود ولا يلتزمون بتطبقون الإتفاقيات التي يبرمونها ولو شهد عليها العالم If criticism is levelled at these earlier attempts, it would be, among others, that there has been inadequate implementation of the relevant Accords. وهذا يوضح أن اللجنة قد وقفت على سير تنفيذ الإتفاقيات الموقعة بين حكومة السودان وأطراف أخرى حيث الخطوات متعثرة نحو تنفيذ إتفاقية السلام الشامل وإتفاقية سلام دارفور وإتفاقية سلام شرق السودان. وهذه دلالة واضحة على أن اللجنة يساورها القلق في تنفيذ أية إتفاقية تبرم مستقبلاً بين أطراف الصراع في دارفور. 06- وقناعةً منها بضرورة إيجاد حل للأزمة، اقترحت اللجنة خارطة طريق لحل مشكلة السودان في دارفور. وبالرغم من أن لدينا كثيراً من التحفظات في العديد من جوانبها، إلا أننا نشيد بجانبين مهمين فيها؛ (أ) إجراء مفاوضات سياسية تفضي إلى إتفاقية برقابة دولية Global Political Agreement على أن تستند على وثيقة إعلان المبادئ DoP التي صادقت عليها كل أطراف الصراع في دارفور وذلك في يوليو 2006م في أبوجا (نيجيريا). (ب) قيام مؤتمر دارفوري تشاوري يسبق المفاوضات السياسية بغرض التعرف واستصحاب آراء ومطالب أهل دارفور ليتم تضمينها ضمن أجندة التفاوض. 07- طالبت اللجنة الحكومة السودانية بضرورة الإعتراف الصريح بحجم المأساة الإنسانية في دارفور، وأن تسعى جاهدةً لتمكين دارفور من أن تحصل على نصيبها العادل في قسمة السلطة والثروة. وهذا أيضاً تأكيد آخر على أن مشكلة دارفور سياسية ويجب حلها في الإطار السياسي. 08- إقترحت اللجنة أيضاً إنشاء مفوضية تسمى مفوضية دارفور للتنفيذ والمتابعة، Darfur Implementation and Monitoring Commission D-IMC وفي رأينا أن هذه المفوضية يجب أن تكون مستقلة تماماً وأن تمنح صلاحيات واسعة ونافذة حتى لا تقع تحت تأثير نفوذ الأطراف وتكون لديها القدرة على رفع دعاوي قضاية لدى محكمة التحكيم الدولية ضد أي طرف يماطل في تنفيذ الإتفاقية. وإذا لم تكن كذلك فسوف تكون المفوضية آلية غير ذات جدوى. 09- ناشدت اللجنة المجتمع الدولي بإعادة تقييمه لمشكلة دارفور ليتسنى له فهمها على حقيقتها وطبيعة أسباب الصراع وما يترتب عليها من تبعات في دارفور خاصة والسودان عامة. رابعاً؛ وبمثلما أوضحنا بعض الجوانب الإيجابية لتقرير اللجنة نود هنا أن نبرز الجوانب السلبية فيه والتي قد تضر بالعملية السلمية كلها في دارفور، ويمكن تلخيص هذه السلبيات في الآتي:. 01- كانت النية المبيتة لمجلس السلم والأمن الإفريقي في تكوين هذه اللجنة، هي ايقاف صدور أمر قبض عمر البشير من قبل محكمة الجنايات الدولية أو تأجيله في حال صدوره على أقل تقدير لمدة عام كامل كما أوضحنا في الفقرات السابقة، الأمر الذي يوضح بجلاء أن الهدف الأساسي من وراء تكوين هذه اللجنة لم يكن ايجاد السبل الناجعة لحل مشكلة دارفور. 02- حدد مجلس السلم والأمن الإفريقي مسبقاً الملامح العامة للتوصيات التي يجب أن يتضمنها تقرير اللجنة حيث تتلخص في: كيفية معاقبة مرتكبي الجرائم وملاحقة المفلتين من العدالة من جهة وتحقيق المصالحة وضمط الجراح من جهة أخرى بشكل فعال وشامل.to take all necessary steps for the establishment of an independent High-Level Panel made up of distinguished Africans of high integrity, to examine the situation in depth and submit recommendations on how best the issues of accountability and combating impunity, on one hand, and reconciliation and healing on the other, could be effectively and comprehensively addressed; إذن يتضح أن اللجنة قد قُيدَت بالبحث في المجالات المذكورة أعلاه والتي ليس من بينها التعرف على جذور المشكلة. 03- ولتحقيق الأهداف المرجوة فقد إختار المجلس أعضاء اللجنة بدقة متناهية، خاصة رئيس اللجنة والمعروف عنه أنه يحتفظ بعلاقات حميمة مع حكومة المؤتمر الوطني، وقد وضح ذلك جلياً في رفضه عدة مرات زيارة حركة العدل والمساواة لبلاده عندما كان رئيساً. 04- وعلى الرغم من أن اللجنة قد استعانت بخبراء ذوي كفاءة مهنية عالية خاصة في مجال القانون الدولي وحقوق الإنسان، إلا أن لغة التقرير قد طغى عليها الطابع الدبلوماسي بدلاً عن الفني. ولذا نجد أن رئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي/يان بينق وهو يناشد المجتمع الدولي يذكره بأن دوره في دارفور هو تسهيل الأمور وليس تعقيدها، وبالتالي كان تركيز اللجنة على تحقيق المصالحة أكثر من إنفاذ العدالة. 05- إن اللجنة لم تجتمع بفصائل حركة تحرير السودان الرئيسية التي يقودها كل من: أحمد عبد الشافي وعبد الله يحيى وعبد الواحد محمد نور للتعرف على آرائها حول المواضيع التي ستبحثها. إذن كيف لهذه اللجنة أن تختم تقريرها دون أن تستمع أطراف أساسية ومهمة في الصراع، فمن الطبيعي أن يأتي التقرير مبتوراً وغير شامل. 06- إن المواد القانونية المتعلقة بمحاكمة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والإغتصاب والجرائم ضد الإنسانية والمراد تضمينها في قوانين القضاء الهجين تتطلب تعديلاً دستورياً وهو الأمر الذي نشك كثيراً في حدوثه، لذا نرى أن مثل هذه التوصيات من الصعوبة بمكان أن تجد طريقها للتنفيذ. 07- إن خارطة الطريق التي رسمتها اللجنة لم تتطرق إلى مراحل مهمة يجب أن تسبق العملية التفاوضية وتشمل: توحيد الحركات المسلحة المنقسمة على نفسها وخاصة فصائل حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة والإتفاق الإطاري الذي يتضمن المبادئ الأساسية لحل المشكلة. وبدلاً من هذا إكتفت اللجنة بدعوة الحركات للإتفاق حول برنامج حد أدنى للدخول به إلى المفاوضات. 08- إقترحت اللجنة بأن الأطراف التي يجب أن تشملها المفاضات هي: (أ) الحكومة السودانية (ب) الحركات المسلحة (ج) الأحزاب السياسية (د) النازحين واللاجئين (ه) قيادات الإدارة الأهلية (و) منظمات المجتمع المدني (ز) الرعاة. والأسئلة البديهية التي تتبادر إلى الذهن هي: ما الغرض من التفاوض؟ وهل الصراع المسلح الدائر في دارفور بين الحكومة والحركات المسلحة أم بين الحكومة وكل مكونات المجتمع الدارفوري؟ والإجابة قطعاً هو أن الصراع محصور بين الحكومة والحركات المسلحة. ولذا نرى أن إقتراح اللجنة بمشاركة كل أهل دارفور في المفاوضات ما هو إلا سيناريو جديد يضاف إلى جملة سيناريوهات الحكومة الرامية إلى إجهاض العملية السلمية ومن ثمّ إطالة أمد الصراع ليزداد معاناة المواطنين لاسيما النازحين واللاجئين. بالإضافة إلى أن الأمر كذلك يعتبر إصراراً على الاستمرار في اتباع سياسة فرق تسد بغرض تمزيق النسيج الاجتماعي لأهل دارفور. 09- ترى اللجنة بأن كل من يرفض المشاركة في المفاوضات حال توجيه الدعوة إليه يعتبر معوقاً للعملية السلمية، وبالتالي توصي لمجلس الأمن الدولي بأن يتم تصنيفه دولياً على أساس أنه منظمة إرهابية. وحتى لا يكون أمر رفض المشاركة في المفاوضات سلاحاً مسلطاً على رقاب الحركات، يجب على المجتمع الدولي اتخاذ الإجراءات اللازمة لتهيئة المناخ الملائم وذلك بدعم جهود توحيد الحركات التي قطعت شوطاً مقدراً، بالإضافة إلى إجراء المشاورات المطلوبة مع بقية شرائح المجتمع الدارفوري بغرض حشد الدعم الشعبي للعملية التفاوضية. 10- أوصت اللجنة أن على الحكومة السودانية وبمعاونة اليناميد إعادة توطين أولئك الذين إحتلوا بطرق غير شرعية الأراضي والقرى التي نزح أهلها نتيجة لظروف الحرب، حتى يتسنى لأصحابها الحقيقيين استعادتها.In this regard, the Government of Sudan, assisted by UNAMID, should take steps to relocate people who have illegally occupied villages and land evacuated by IDPs and refugees to enable the rightful owners to re-occupy their land. إن هذه التوصية مرفوضة جملة وتفصيلاً من جانبنا ومن كل الحركات المسلحة. والسؤال الطروح من هم هؤلاء الذين احتلوا أراضي الغير؟ ومن أين أتوا؟ ومن الذي أتى بهم؟ ولماذا أتى بهم؟ والإجابة هي أنهم أجانب أتوا من خارج الحدود، وحكومة المؤتمر الوطني هي التي أتت بهم، والهدف من وراء ذلك هو تغيير الخارطة السكانية للمناطق المحتلة. وما دام الأمر كذلك فإننا نعتقد إعتقاداً جازماً بأن الحل يكمن في إعادة هؤلاء إلى أوطانهم الأصلية لا إعادة توطينهم كما إقترحت اللجنة. وليعلم الجميع أن الأرض هي أُس الأمر كله، وأنها غير قابلة للتفاوض، وأن دونها المهج والأرواح. خامساً؛ وبعد استعراضنا للتقرير والوقوف على إيجابياته وسلبياته، نورد هنا بعض الملاحظات حول مؤتمر قمة مجلس السلم والأمن الإفريقي الذي إنعقد مؤخراً في أبوجا (نيجيريا) حيث خصص جزء كبير منه لمناقشة تقرير لجنة حكماء إفريقيا. ففي هذه القمة تم قبول كل التوصيات التي وردت في تقرير اللجنة، وتم تكليف السيد/امبيكي برئاسة لجنة إفريقية جديدة لمتابعة تنفيذ التوصيات مع الحكومة السودانية. وعلى الرغم من أن التوصيات قد تم قبولها بالاجماع، إلا أن الحكومة السودانية رفضت الفقرة الخاصة بالمحاكم الهجين على لسان نائب رئيس الجمهورية/على عثمان محمد طه الذي ترأس وفد الحكومة إلى القمة، وأكد ذلك مستشار رئيس الجمهورية/مصطفى عثمان إسماعيل. إذن فإن نظام المؤتمر الوطني أراد بهذا أن يؤكد لأهل دارفور والعالم أجمع وكعادته أنه لن يقدم أي شخص للمحاكمة في الجرائم التي أُرتكبت في حق شعب دارفور، ولعل هذا التعنت والإصرار في نقض العهود هو الذي حدى بالنائب الأول لرئيس جمهورية السودان ورئيس حكومة الجنوب الفريق أول/سلفا كير ميارديت بأن يحث شعب الجنوب بالتصويت لصالح الإنفصال في الاستفتاء المزمع إجراءه في العام 2011م حتى يكونوا أحراراً بدلاً من أن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية في وطنهم الأصلي. وهذا التعنت والمكابرة التي يمارسها نظام الخرطوم ليس بالأمر الجديد لأن هذا ديدنه، ولكن عليه أن يعلم جيداً أن هذا التعنت من قبله لن يزيد أهل دارفور إلا تمسكاً بقضيتهم، بل سيدفعهم إلى اتخاذ مواقف ربما تكون أكثر تشدداً مما توصل إليه أهلنا في الجنوب. أبكر محمد أبوالبشر حركة/جيش تحرير السودان - قيادة أحمد عبد الشافي ممثل الحركة لدى الإتحاد الإفريقي مانشستر (المملكة المتحدة) بريد إلكتروني: [email protected] 3/11/2009م