لم يكن حزب المؤتمر الوطني في اعتقادي، حريصاً على مفارقة السيد الصادق الصديق المهدي رئيس حزب الأمة القومي للحوار الوطني، باعتبار أنه من المبادرين الأوائل لهذا الحوار، والمطالبين به منذ أمدٍ بعيدٍ. وحرص في كلِّ لقاءاته بالأخ الرئيس عمر البشير على تأكيد أهمية مُعالجة المشكل السوداني عن طريق حوارٍ وطني لا يُقصي حزباً، ولا يستثني أحداً. ومما لا ريب فيه أنّ إلحاح السيد الصادق المهدي حول هذا الخصوص، كان عاملاً مؤثراً في تفكير الأخ الرئيس عمر البشير لإعلان دعوته للأحزاب والقوى السياسية – حكومةً ومعارضةً، بما فيها الحركات المسلحة – إلى الحوار الوطني، وذلكم عبر خطابه الرئاسي الذي عُرِفَ بخطاب "الوثبة" يوم الاثنين 27 يناير 2014 الذي تضمن في ثناياه مرتكزات أربعة (السلام والحرية والاقتصاد والهوية). ولم يكتفِ بما جاء في طيات ذاكم الخطاب الرئاسي، بل أكده بخطابٍ آخرٍ يوم الأحد 6 أبريل الماضي، مؤصلاً فيه موجهات خطاب "الوثبة"، من حيث إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وإطلاق حرية الممارسة السياسية، وحرية التعبير، وحرية الصحافة. وأحسبُ أنّ هذا الالتزام الرئاسي للحوار الوطني، فيه قدر من الاستجابة لمُضاغطات عديدة حول ضرورة تسريع خُطى الحوار الوطني، مما أفضى إلى تشكيل آلية الحوار الوطني (7+7) الذي بات اليوم يُعرف بآلية الحوار الوطني (7+6)، وتوزعت العديد من المهام التي تمهد لانعقاد هذا الحوار، وفقاً لأجندات وطنية. ولكن السيد الصادق المهدي، فاجأ المؤتمر الوطني والأحزاب والقوى السياسية الأخرى، بإصدار إعلان باريس بينه وبين الجبهة الثورية، دون سابق تنسيقٍ، أو تشاورٍ مع الأحزاب والقوى السياسية المشاركة في الحوار الوطني. ولقد زرته في منزله عقب الإفراج عنه، فتحدث إليَّ حول قضايا كُثر استشعرتُ من خلالها كماً من المرارات تتخلل أحاديثه، نتيجة لحبسه في سجن كوبر قرابة الشهر، وعلمت ُمنه أنه سيزور القاهرةوباريس دون أن يخطرنا بما عزم عليه من مفاوضات مع الجبهة الثورية تُفضي إلى إعلان باريس، ليكون موازياً للحوار الوطني المنشود انعقاده داخل السودان. ولا أظن – وليس كلُّ الظن إثماً – أنه إذا أخطر الأخ الرئيس عمر البشير بمقصده من السفر إلى باريس، وعزمه على التفاوض مع الجبهة الثورية، سيجد معارضةً أو اعتراضاً، خاصةً لو كان تقديمه لهذا الأمر بأنه جزء من تفكيره في دعم الحوار الوطني، باستقطاب الحركات المسلحة إليه حتى يتسنى تحقيق المرتكز الأول من مرتكزات خطاب "الوثبة" الرئاسي، ألا وهو السلام. وفي رأيي الخاص، أنّ التصريحات الصحافية للسيد الصادق المهدي أول من أمس (الثلاثاء) التي أشار من خلالها إلى أنّ الأسباب التي عاقت عقد مؤتمر للحوار الوطني، هي أنّ حزب المؤتمر الوطني أراد رئاسة الحوار، بينما أنهم كانوا يتطلعون إلى رئيسٍ حيادي، وليس حزبياً. من باب التذكير ليس إلاَّ، نُبسط القول في هذا الصدد، أنّ رئاسة الحوار الوطني لم يطلبها الأخ الرئيس عمر البشير أو حزبه، بل جاءت ضمن مقترحاتٍ قُدِمت في مُلتقى الرئيس مع ممثلي الأحزاب والقوى السياسية مساء يوم الأحد 6 أبريل الماضي في قاعة الصداقة بالخرطوم، عندما تقدم عدد من ممثلي هذه الأحزاب والقوى السياسية بمداخلاتهم في ذاكم الملتقى، فاقترح الدكتور حسن عبد الله الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي، اختيار الأخ الرئيس عمر البشير رئيساً للحوار الوطني، ولم يكن السيد الصادق المهدي وقتذاك بعيداً عن المُقْتَرِح (الدكتور الترابي) أوالمُرَشَح (الرئيس البشير)، فلم نسمع اعتراضه على ذاك الاقتراح أو اعتراض آخرين عليه، فعُلِم بالسكوت الجماعي بأن الاقتراح حُظِي بإجماع الحاضرين، ولم يُبدِ السيد الصادق المهدي أيَّ نوعٍ من الاعتراضات طوال تلكم الفترة حول هذه المسألة، وإن كنت أعلم ُمن مصادري الخاصة، أنه كان حريصاً على ترشيح شخصية حيادية معروفة لديَّ، ولكني عمداً لا أسميها. من هنا أدفع بأنّ هذه الحُجية ضعيفة الأسانيد، واهية المتن، ولا ينبغي أن يجعلها مبرراً من مبرراته لإعاقة الحوار الوطني. وإنني عندما أناقش هذه الحُجية، لا يعني ذلك أنه ليس هناك مبررات أخرى للسيد الصادق المهدي لإعاقة مسار الحوار الوطني، ولكن أقول ما شهدته بأم عيني، وسمعته بأذني، يوم حضوري ذاكم المُلتقى المشهود في يوم الأحد 6 أبريل الماضي. أخلصُ إلى أنني من الذين يرون أنّ الحوار الوطني مخرجاً لمعالجة كثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأحسبُ أنه مدخلٌ مهم ٌمن المداخل التي نأمل أن نصل من خلالها إلى مُعالجات حقيقية للوضع السياسي والاقتصادي الراهن المأزوم. ولما كنتُ من دعاةِ تشكيلِ رأيٍ عامٍ مؤيدٍ للحوار الوطني مع مشاركة أصيلة للحركات المسلحة، ينبغي أن نشيد بقرار إطلاق سراح الأخت الدكتورة مريم الصادق المهدي نائبة رئيس حزب الأمة القومي، وإن جاء قرار إطلاق سراحها متأخراً، لكنني أحسبه من القرارات الداعمة لتسريع خُطى الحوار الوطني. والمأمول أيضاً ألاَّ تؤثر فترة اعتقالها سلباً على مرئياتها السياسية المستقبلية، حتى لا تنعكس مرارات الحبس في موجهاتها الوطنية. ولنستذكر في هذا الصدد قول الله تعالى: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". وقول الشاعر العربي أبي الطيب أحمد بن حسين المعروف بالمتنبئ: وإذا كانَتِ النّفُوسُ كِباراً تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ وكَذا تَطْلُعُ البُدورُ عَلَيْنَا وكَذا تَقْلَقُ البُحورُ العِظامُ