1898 و 1914م: معركة أمدرمان والحرب العالمية الأولى 1898 AND 1914: The Battle of Omdurman and the First World War دوقلاس ه. جونسونDouglas H. Johnson ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي مقدمة: هذه ترجمة لبعض ما جاء في مقال صغير بقلم دوقلاس ه. جونسون عن معركة أمدرمان ضد جيش المهدية في عام 1898م، ومعارك الحرب العالمية الأولى بين عامي 1914 – 1918م، نشر في المجلة البريطانية "دراسات السودان" رقم 49 الصادرة في يناير 2014م. والكاتب - بحسب سيرته المبذولة في موسوعة الويكيبيديابالشابكة (الشبكة) الإسفيرية– هو باحث بريطاني متخصص في تاريخ شمال شرق أفريقيا والسودان وجنوب السودان، وعمل كخبير في المناطق الثلاث (أبيي والنيل الأزرق وجبال النوبة) في مفاوضات السلام الشامل في 2003م. المترجم ******* ********** *********** خاض الجيش البريطاني - المصري الغازي معركة أمدرمان في 1898م بأسلحة عصرية، ولكن بتكتيكات تحاكي تكتيكات نابليون في الهجوم بالفرسان ، وخطوط إطلاق النار الممتدة. وكانت خسائر القوات البريطانية والمصرية قليلة بالنظر إلى قوة الأسلحة الحديثة التي كان تستخدمها مقارنة بأسلحة خصومهم. وبهذا فإن معركة أمدرمان لا تشابه أي معركة أخرى خاضها الجيش البريطاني في القرن العشرين. وربما فات على المراقبين العسكريين الدور (الفعال)الذي لعبته قوة تفجير قذائق المدفعية التي أطلقها ذلك الجيش من مسافة بعيدة على حشود المشاة المندفعين في أرض المعركة المنبسطة المفتوحة. ولو أنهم فعلوا لاستفادوا من درس تلك المعركة في الحرب العالمية التي دارت بين عامي 1914 و 1918م. وكانت معركة أدرمان أكثر من مجرد سليفة precursor للجبهة الغربية ، بل كان لها صلة مهمة بالحرب العالمية الأولى لأن كثيرا من الضباط (البريطانيين) في الذين شاركوا في معركة أدرمان لعبوا أدوارا بارزة في الحرب العالمية الأولى أيضا.وشارك كذلك نحو 66 من ضباط الميدان وضباط الأركان من الجيش المصري من الذين كانواقد حاربوا في معركة أمدرمان، في الحرب العالمية الأولى بالجبهة الغربية في الشرق الأوسط (مصر وفلسطين وشبه جزيرة غليبوبلي وبلاد ما بين النهرين وشمال أفريقيا) وسانيوليكا وروسيا وإيرلندا. وبلغ 43 من هؤلاء الضباط رتبة العميد أو أعلى، وقتل في تلك الحرب عشرة منهم (كان ستة منهم في رتبة اللواء). ولتلك الإحصائيات أهمية خاصة (رغم أنها ليست مستغربة) بالنظر إلى صغر أعمار أولئك الضباط حينما شاركوا في معركة أمدرمان.، ومرور عدد قليل فقط من السنوات قبل أن تندلع نيران الحرب العالمية الأولى. وتكتسب معركة أمدرمان أهمية هنا عندما نتذكر الرتب العالية التي وصل إليها أولئك الضباط حين شاركوا في معارك تلك الحرب العالمية. ونذكر فيما يلي بعض أهم أولئك الضباط الذي شاركوا في الحربين: 1. الفريق هيربرت كتشنر، سردار الجيش المصري: تم تعيين كتشنر وزيرا للحربية في 5/8/1914م ، بعد يوم واحد من إعلان الحرب العالمية الأولى. وقام ذلك القائد بدعوة الشباب للتطوع فتقدم نصف مليون من الشباب للتجنيد، وسمي هؤلاء "جيش كتشنر" أو "الجيش الجديد" أو "رعاع كتشنر"، كما سماهم أعداء الرجل. ومما يجب ذكره هنا هو ظهور صورة كتشنر في ملصق يدعو الناس للتطوع والانخراط في سلك الجندية في غضون سنوات تلك الحرب. وهو نفس الملصق الذي استخدمه الأمريكيون لاحقا بعد تغيير وجه كتشنر بوجه "العم سام"! 2. الملازم ونستون تشرشل: لقد قفز تشرشل قفزة "نيزكية" من مجرد وظيفة ثانوية ملحقة بالجيش البريطاني – المصري الغازي للسودان إلى مستشار الأميريالية الأول First Lord of theAdmiralty. وكان وصفه لهجوم الفرقة الواحدة والعشرين (Lancers) في معركة أمدرمان هو ما حول ذلك الخطأ التكتيكي الشنيع في أذهان عامة الناس إلى نصر مجيد. ومن انجازات تشرشل كمستشار للأميريالية تحويله الاسطول البحري الملكي من اسطول يستخدم الفحم الحجري لأسطول حديث يستخدم الديزل. وهو أول من أدخل الطيران في خدمة البحرية الملكية. ويعد تشرشل أهم شخصية معروفة في معركة أمدرمان بعد كتشنر. 3. النقيب دوقلاس هيج، من فرقة الفرسان المصرية: بزت فرقة الفرسان المصرية الفرقة الواحدة والعشرين البريطانية(Lancers) في معركة أمدرمان، فقد كانت قد استدرجت جيش المهدي حيث تريد وأحدثت فيه خسائر كبيرة، ثم رجعت لمساعدة الفرقة البريطانية. وتجاهل تشرشل في وصفه لمعركة أمدرمان ذلك الفضل، بل وصف الجيش المصري بعبارات تحط من قدره. ولعل هذا هو السبب في جعل الناس ينسون دور الجيش المصري الفاعل في معركة أمدرمان. وبعد ذلك عمل هيج في الجيش البريطاني في سنوات الحرب العالمية الأولى، ويتذكره الناس لدوره البطولي في معركة مون (battle of Mons) في بلجيكا عام 1914م (رغم احراز الجيش الألماني لنصر تكتيكي في تلك المعركة). 4. العقيد شارلستاونسهند قائد الفرقة 12 السودانية: لا يتذكر الناس العقيد شارلستاونسهند إلا بكونه القائد البريطاني الوحيد الذي استسلم – مع كامل فرقته- لجيش الخلافة التركية في "كوت Kut " . وكانت تلك الحادثة أكبر هزيمة مهينة يتلقاها الجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى. ويعيب الناس عليه أيضا قضائه لفترة أسره في القسطنطينية بتركيا في حالة ترف وبذخ شديدين، بينما كان جنوده يعاملون كأسرى حرب عند الأتراك في ظروف بالغة الشدة والعنت، ومات منهم عدد كبير من جراء العمل الشاق والتغذية الرديئة. 5. العقيد جون ماكسويل، قائد اللواء المصري الثاني: لم تكن السمعة التي اكتسبها العقيد ماكسويل عقب الحرب العالمية الأولى بأفضل من سمعة العقيد شارلستاونسهند، فهو من سن قانونا للأحكام العرفية،وأمر بعقد محاكمات عسكرية سرية (مع رفيق له اسمه العقيد هيكيت بين، وهو من الذين كانوا قد عملوا معه في معركة أمدرمان) عقب تمرد للجنود سمي "انتفاضة عيد الفصح Easter rising" في إيرلندا عام 1916م. وحوكم من اشترك في ذلك التمرد (أو الانتفاضة) محاكمات سرية ودون السماح لهم بمحامين أو اصدقاء يدافعون عنهم، وحكم عليهم جميعا بالإعدام. وكانت تلك المحاكمات مما زاد من نقمة الشعب الايرلندي وتنامي الشعور عنده بقوميته. --- ------ ---------- ------------ أورد الكاتب أيضا سيرا لنحو 5 من الضباط البريطانيين الذين شاركوا في معركة أمدرمان، وشاركوا لاحقا في معارك الحرب العالمية الأولى في مختلف أرجاء العالم. وخلص إلى أن معركة أمدرمان أفرزت أكبر عدد من القادة البريطانيين الذين شاركوا فيما بعد في الحرب العالمية الأولى في التاريخ العسكري البريطاني. غير أنه ليس من المعلوم على وجه الدقة تأثير تجربة هؤلاء الضباط في معركة أمدرمان على تفكيرهم العسكري الاستراتيجي وتطبيقاتهم التكتيكية، وعلى النتائج النهائية لخدمتهم في الحرب العالمية الأولى. المترجم